من طلق امرأته وتزوج غيرها فقد زنى عليها (مر 10 /11)
الأمثال في الكتاب المقدس - مثل المدعويين إلى مأدبة العشاء
مثل المدعوِّين إلى مأدبة العشاء
نصُّ الإنجيل
صنعَ رَجُلٌ عشاءً فاخِراً, ودَعا إليهِ كثيراً مِنَ الناس. ثُمَّ أَرسَلَ خادِمَهُ ساعَةَ العشاءِ يقولُ للمدعوِّين: " تعالَوا , فقد أُعِدَّ العشاء."
فجعلوا كُلُّهُم يعتذِرون الواحِدُ بَعْدَ الآخَر . قالَ لهُ الأَوَّلُ : " قد اشتريتُ حقلاً فلا بُدَّ لي مِنْ أَنْ أَذهبَ وأَراه , فأَسألُكَ أَنْ تَعذِرَني ." وقالَ آخر : " قد اشتريتُ خمسةَ فدادينِ بقر, وأَنا ذاهِبٌ لأُجرِّبَها , فأَسألُكَ أَن تعذِرني ." وقالَ آخر : " قد تزوَّجتُ فلا أَستطيعُ المجيء ."
فرجع الخادِمُ وأَخبرَ سيِّدَهُ بذلك . فغضِبَ ربُّ البيتِ وقالَ لِخادِمِهِ : " اُخرُجْ على عَجلٍ إلى ساحاتِ المدينة وشوارعِها وأْتِ إلى هُنا بالفُقراءِ والكُسحانِ والعُميانِ والعُرجان ." فقال الخادِم: " سيِّدي قدْ أُجرِيَ ما أَمرتَ بِهِ , ولا يزالُ هُناك محلٌّ فارِغ ."
فقالَ السيِّدٌ للخادِم : " أُخرُجْ إلى الطُرُقِ والأَماكِنِ المسيَّجةِ , وأَرغِمْ مَنْ فيها على الدخول، حتى يمتلئَ بيتي . فإِنِّي أَقولُ لكُم : لنْ يذوقَ عشائي أَحدٌ مِنْ أُولئك المدعوِّين ."
( لوقا 14/16-24 ).
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله قد دعا رؤساء اليهود بوساطة كُلٍّ من أنبيائه الأُمناء إلى سلوك الحياة الفاضلة, ولكنَّهم رفضوا دعوته, فأعرض عنهم ونبذهم, ووجَّه دعوته إلى أفراد الشعب المسكين المُهمل. فهؤلاء لبُّوا دعوة الله وجلسوا إلى مائِدته في الملكوت السماوي.
إنَّ هذه الدعوة الموجَّهة قديماً إلى اليهود, يوجِّهُها الله إلى مسيحيي أيَّامِنا فيدعوهم إلى الإيمان الحيّ وإلى سلوك الحياة الفاضلة. فبعضهم يرفض الدعوة وبعضهم يقبلها. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.
أولاً- المسيحيُّون الذين يرفضون اليومَ دعوة الله لهم
إنَّ المسيحيين الذين يرفضون اليومَ دعوة الله لهم ثلاث فئات وهي :
1- فئة المسيحيين الذين يعيشون حياة الترف
يعيش هؤلاء المسيحيُّون عيشة الترف ولا يشعرون بحاجةٍ إلى الدين ولا إلى متطلَّباته الخُلُقيَّة فيرفضون الدعوة ويقولون ما قاله المدعوّ الأوَّل: " لقد اشتريت حقلاً في الريف ولا بُدَّ لي من أن أذهب وأنظره, فأسألك أن تعذرني عن تلبية الدعوة. "
إنَّ هؤلاء المسيحيين أناسٌ قد غمرتهم الدنيا بخيراتها, فهم ينعمون بها إلى أبعد الحدود, ويتمتَّعون بهذا الامتلاء الخارجي ولا يشعرون بفراغهم الداخلي. فما حياتهم إلاّ سلسلة استقبالات وزيارات ونزهات ومآدب وسهرات بهيجة, وهي تلهيهم عن الدعوة إلى الصلاة والعبادة والقيام بواجباتهم الدينيَّة. إنَّ مظاهر هذا الغِنى المادِّي قد خنقت فيهم الشعور الداخلي بفقرهم الروحي.
2- فئة المسيحيين الذين يتهالكون على ربح المال
إنَّ هؤلاء المسيحيين ينصرفون إلى العمل من دون هوادة رغبةً منهم في الربح الكثير وتكديس الأموال، فيرفضون الدعوة ويقولون ما قاله المدعوّ الثاني: " لقد اشتريت خمسة فدادين بقر, وأنا ذاهبٌ لأجرِّبها. فأسألك أن تعذرني عن تلبية الدعوة"
إنَّ العمل في عُرفهم مجلبةٌ للمال الوافر. فيُقبلون عليه بِنَهم, ولا يتركون لأنفُسهم وقتاً لدخول الكنيسة وإقامة الصلاة, حتى في أيام الأحد والعيد. إنَّ إغراء الربح يسيطر عليهم وينزع عن ذهنهم ذكر الله وفكرة الأبديَّة وواجب العبادة وحلاوة الدعوة إلى قبول الملكوت. إنَّهم عبيد العمل وعبَّاد المال.
3- فئة المسيحيين الذين يستسلمون إلى الملذَّات الجسديَّة
هؤلاء المسيحيُّون لا ينظرون إلى الحياة إلاَّ من زاوية واحدة وهي التمتٌّع بملذَّات الجسد فيرفضون الدعوة ويقولون ما قاله المدعوّ الثالث: " لقد تزوَّجت, فلا أستطيع أن أجيء ولا أن ألبِّي الدعوة. "
لا شكَّ في أنَّ الزواج سرُّ مقدَّس يؤازر المتزوِّجين على سلوك حياة التقوى والفضيلة, ويقودهم على الرَّغم من صعوبات الحياة اليوميَّة إلى الخلاص الأبدي.
ولكنَّ هؤلاء المسيحيين الرافضين دعوة الله إلى الأخلاق الصالحة يشوِّهون الزواج بتصرُّفاتهم المَعيبة أو يقيمون علاقاتٍ جسديَّة فاسدة خارج نظام الزواج المسيحي, فيعيشون في الخطيئة ولا يشعرون بقذارة الوحل الذي يتخبَّطون فيه. إنَّ هؤلاء المسيحيين الرافضين دعوة الله لهم لن يذوقوا عشاء الرب في السماء.
ثانياً- المسيحيُّون الذين يقبلون اليومَ دعوة الله لهم
إنَّ المسيحيين الذين يقبلون اليومَ دعوة الله لهم فئتان: الفقراء والمشرَّدون.فمن هم هؤلاء الفقراء والمشرّدون ؟
1- الفقراء هم المسيحيُّون الخطأة
إنَّ الفقراء في العالم هم المحرومون من خيرات الدنيا. والفقراء في هذا المثل هم المسيحيُّون الخطأة المحرومون من النعمة الإلهيَّة.
إنَّ الله يريد برحمته الواسعة أن لا يبقى هؤلاء الخطأة في حالة فقرهم الروحي فيدعوهم إلى التوبة, وهدفُه أن يُغنيَهُم بنعمته الإلهيَّة.
فعندما تصل إليهم دعوة الله لا يتمسَّكون بخطاياهم, بل يشعرون بوضعهم الروحيّ البائس, فيندمون على سوء سلوكهم ويتوبون من خطاياهم وينعمون بغِنى نعمة الله. وهذا ما عبَّر عنه المثل عندما قال: " إنَّ الفقراء الذين دُعوا إلى العشاء لبُّوا الدعوة فدخلوا القاعة واتكأوا إلى مائِدة ربِّ البيت. "
فالدعوةُ تعبيرٌ عن كرَم الله الذي لا يُهمل الخطأة ولا يتخلَّى عنهم مهما عظُمَت قباحة خطاياهم وتنوَّعت. وقد لمَّح المثل إلى هذه القباحة وهذا التنوُّع فوصفهم بأنَّهم " كُسحان وعُميان وعُرجان. "
إنَّهم يلبُّون الدعوة إلى التوبة لأنَّهم يُدركون أنَّ نعمة الله تزيل عنهم عاهاتهم, وتسمو بمستواهم الروحي, وتجعلهم أهلاً لأن يجلسوا بعد الحياة الأرضيَّة إلى مائِدة الله الغنيّة ويتمتَّعوا بالسعادة الأبديَّة في الملكوت السماوي.
2- المشرَّدون هم المسيحيُّون الجُهَّال
إنَّ المشرَّدين هم الذين لا مأوى لهم ولا مكان يرتاحون إليه. وقد وصفهم المثل بأنَّهم يعيشون في العراء, وعلى الطرق, وفي الأماكن المسيَّجة البعيدة, حيث لا سقف يحميهم من مطر الشتاء, ولا غطاء يمنع عنهم حرارة أشعَّة شمس الصيف. فهؤلاء المشرَّدون هم المسيحيُّون الجُهَّال.
إنَّ هؤلاء المسيحيين الذين لم ينعموا قط في حياتهم بتربيةٍ مسيحيَّةٍ يعيشون كالوثنيين بعيدين عن الله والربِّ يسوع والكنيسة, ويقضون حياةً روحيَّة بائسة.
إنَّهم لا يعرفون عن يسوع المسيح إلاَّ الإسم فقط, ويجهلون كلَّ الجهل التعاليم السماويَّة التي جاء بها إلى الناس, ولا ينعمون بحماية الكنيسة, ولا يشعرون بضرورة الالتجاء إليها لتُنقذهم من فقرهم الروحي البعيد المدى.
فعندما يأتي إليهم الكهنة والمُرسلون ويطلعونهم على بؤسهم الديني ويدعونهم إلى معرفة قواعد إيمانهم وإلى العيش في كنف الكنيسة ليخلصوا وينعموا بملكوت الله, يستغربون هذه الدعوة ويقاومونها في بادئ الأمر. قال السيّد لخادمه : " أُخرُجْ إِلى الطُرُقِ والأَماكِنِ المُسيَّجةِ وأَرغِمْ مَنْ فيها على الدخولِ حتى يمتَلِئَ بيتي ." ولكنَّهم لا يلبثون أن يشعروا ببؤسهم الروحي فيقبلون ما يُقدَّم لهم من تعليم دينيٍّ مسيحي, ويغيِّرون سيرة حياتهم, ويعيشون عيشةً فاضِلة تؤهِّلهم إلى أن يتّكئوا بعد هذه الحياة إلى المائدة السماويَّة.
ونحن نرى اليومَ، في بعض الأحيان، هذا الواقع الديني لدى بعض المسيحيين الجُهَّال الذين كانوا بعيدين عن الله والمسيح والكنيسة, ثمَّ اهتدوا إلى الحياة الفاضلة.
التطبيق العملي
لا تكتفِ بأن تكون مسيحيَّاً بالاسم. فالاسم لا يُفيدك شيئاً لتجلس إلى مأدبة ملكوت الله, بل عِشْ حياةً صالحة بحفظ الوصايا, وتتميم الواجبات الدينيَّة, وخدمة الآخرين, تَنَلْ مكاناً مرموقاً مع المتَّكئين إلى المائدة السماويَّة. فإنَّك قد خُلقت للسماءِ لا للأرض, وللسعادة الدائمة لا للشقاء الأبدي.