القصبة المرضوضة لن يكسرها والفتيلة المدخنة لن يطفئها حتى يسير بالحق إلى النصر ( مت 12 /20)
سيكولوجية إدمان المقامرة...
مسألة المقامرة من المسائل التي تندرج في الثقافة العربية في إطار الجريمة
المستحقة للعقاب، ولا ينظر إليها في سياق مرضي تتداخل فيه مجموعة من
العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والدينية والقانونية.
أصبح الاهتمام منصبّا في الغرب من خلال الاهتمام المتزايد بإصدار المجلات
والدوريات التي تتحدث عن هذه المسألة، فنرى الرابطة الأمريكية للطب النفسي
تصدر الدليل التشخيصي الرابع الذي يتحدث عن المقامرة المرضية، وفي
أستراليا هناك معاهد لدراسة المقامرة المرضية من الناحية السيكولوجية
والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية.
لقد رصدت ظاهرة المقامرة في المجتمعات البدائية، حيث ربطت بالسحر والشعوذة
والأرواح الشريرة والرعب والخوف من المجهول، والاعتقاد بالقوى الخارقة،
حيث وجدت قطعة نرد في الحضارة المصرية القديمة في أحد قبور الفراعنة يعود
تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ويذكر المؤرخون في الحضارة
الرومانية القديمة حكايات طريفة ومذهلة عن قبائل الجرمان الذين كانوا
يراهنون على زوجاتهم وأطفالهم وحتى على أنفسهم، وقد كانت الخسارة تؤدي إلى
الرق والعبودية.لقد شاعت المقامرة في بلاد الإغريق قديمًا، واعتبرت ممارسة
غير لائقة لدرجة أن أرسطو في كتابه «الأخلاق» صنّف المقامرين في طبقة
اللصوص وقطاع الطرق، وحرم ريتشارد قلب الأسد المقامرة أثناء الحملات
الصليبية على المشرق، وفي القرن السابع عشر نظر إلى المقامرة على أنها
رذيلة كبيرة حتى ولو كانت رهانًا بسيطًا.
إن
من بين الروائع الأدبية التي تعبّر بشكل دقيق عن حقيقة المقامرة رواية
«المقامر» للكاتب الروسي ديستوفسكي عام 1866 والتي تعكس تاريخ وحياة كل
مريض مقامر، وفيها يؤكد على أن النقطة الأساسية في اللعبة بحد ذاتها «أقسم
أني لست طامعًا في مال بالرغم من حاجتي إليه».
وفي عام 1930، علت الأصوات مطالبة بترخيص وشرعنة المقامرة في الولايات
المتحدة الأمريكية، فبدأت 21 ولاية في فتح نواد للمقامرة، كما بدأت دراسات
المقامرة تهتم بالعوامل النفسية والشخصية بدلاً من الاهتمام بالعوامل
الاجتماعية والاقتصادية.
لقد اختلف العلماء والمتخصصون في تحديد مفهوم دقيق للمقامرة، فهناك
المقامرة الكامنة والمحتملة والقهرية والمشكلة وإدمان المقامرة المعرضة
للخطر، والمقامرة الاجتماعية، والمضطربة، لذا أدرجت كل هذه الأنواع تحت
تسمية المقامرة المرضية Pathological Gambling.
أسباب المقامرة
لاشك بأن الموقف الإيجابي تجاه المقامرة هو المسئول عن الوقوع في شرك هذه
الآفة الاجتماعية الخطيرة مما يدفع بالشخص إلى البحث الجاد والفعّال
لممارسة اللعب والرهان التي يمكن أن تصل فيما لو اشتدت إلى مرحلة المقامرة
المرضية القهرية، فيبدأ المقامر بالاعتقاد بأن الشخص الذي يفوز عليه يتميز
بالكمال والمهارة والدقة فيسارع في تقليده والتوحد معه في كل سلوكياته
وتصرفاته. أما إذا كان موقف الإنسان تجاه المقامرة سلبيًا، فهذا ما يدفعه
إلى المقامرة تحت ضغط أصدقائه وأقرانه أو تحت ضغط الظروف الاجتماعية
والاقتصادية المحيطة به.
إن من العوامل التي تؤثر في انتشار المقامرة النمط الثقافي الحضاري السائد
في المجتمع حيث يعطي هذا الشكل معنى إيجابيًا أو سلبيًا لعملية المقامرة
من حيث عاداته وتقاليده، ففي أستراليا تشجع عادات المجتمع على المقامرة،
فالطفل عندما يصل إلى مرحلة المراهقة، يجب أن يمارس المقامرة حتى يصبح
رجلاً في عين المجتمع والناس المحيطين.
والشيء نفسه ينطبق على تناول القات في اليمن، فبالرغم من وجود محاولات
كثيرة للحد من انتشار هذه الآفة الخطيرة، فإن جميع الجهود فشلت لأن مضغ
القات يندرج ضمن ظاهرة اجتماعية تدفع بالشباب إلى مضغ القات تأكيدًا
لفحولتهم ورجولتهم.
كما تلعب العوامل الأسرية دورًا مهمًا في إدمان المقامرة، فاحتمالية
المقامرة تكون كبيرة إذا كان أحد الأبوين من المقامرين وخصوصًا الأب،
فتكون عند ذلك المقامرة نوعًا من التقليد والمحاكاة. زد على ذلك أن
الدراسات تحدثت عن أن غالبية المقامرين ينحدرون من أسر مفككة تعاني القسوة
والتسلط والتربية الأسرية الضاغطة والمتزمتة فيلجأ الابن إلى المقامرة
بهدف معاقبة الأبوين.
وتعتبر جماعة الأقران من العوامل المهمة المشجعة على المقامرة، سيما إذا
كان أفراد تلك الجماعة يحملون في ثنايا أنفسهم اتجاهات إيجابية تجاه
المقامرة، فنراهم يشجعون أصدقاءهم على خوض غمار هذه التجربة بدافع حب
الاستطلاع والمجاراة والمسايرة الاجتماعية.
كما تبين أن عامل الجنس مهم جدًا، فنجد الرجال أكثر ممارسة للمقامرة من
النساء كون الثقافة المجتمعية والحضارية تؤكد أن المقامرة تخص الرجال أكثر
من النساء.
أما أسباب المقامرة من وجهة نظر المقامرين أنفسهم فكانت على النحو التالي:
يعاني المقامرون بعض السلوكيات والأعراض التي تميزهم عن غيرهم من الناس العاديين على النحو التالي:
2 - العامل المزاجي.
3 - الشعور بوجود صدمات وضغوطات حياتية.
4 - العامل الاجتماعي.
5 - مشاكل الإدمان والشعور بالإساءة.
هل هناك علاج؟
إذن بدأت المجتمعات الغربية تنظر إلى المقامر كونه إنسانًا مريضًا يجب
علاجه وهذا ما دفع العلماء والمتخصصين إلى الدراسات العلمية وتصميم
البرامج العلاجية للمقامرين، وإنشاء المؤسسات والمستشفيات العلاجية الخاصة
بهم.
وقد تلعب
التشريعات الدينية التي تتفق مع التشريعات الوضعية للمجتمع دورًا في الحد
من انتشار ظاهرة القمار في المجتمعات العربية، لكنها غير مجدية إذا وصل
المقامر إلى المرحلة المرضية، فهنا لابد من العلاج وفق الاستراتيجيات
التالية:
أولاً العلاج السيكودينامي
يقوم هذا الأسلوب في العلاج على التحليل النفسي الذي يدل على أن توقف
المقامر عن سلوك المقامرة قد يجعله أكثر اكتئابًا مما يدفعه إلى تبني
سلوكيات أخرى يدمر بها ذاته.
ثانيًا: العلاج السلوكي
يعتبر العلاج السلوكي مسألة المقامرة سلوكًا متعلمًا يمكن القضاء عليه من
خلال البيئة المحيطة بالمقامر، وتعديل سلوكياته عن طريق تقنيات الاشراط
الكلاسيكي التي منها:
أ - العلاج بالتنفير:
يقصد بذلك عملية تكوين استجابات سلبية للسلوك غير المرغوب فيه وذلك من
خلال توضيح السلبيات، التي يتعرض لها الإنسان من ممارسة المقامرة ومحاولة
إقناعه بأن كل ما يتعرض له من مشكلات هو بسبب المقامرة.
وقد
تستخدم الصدمة الكهربائية في اللحظة التي يظهر فيها المقامر رغبة في اللعب
فيحصل هناك اقتران شرطي بين الصدمة الكهربائية وبين الرغبة في اللعب،
بكلام آخر عندما يشعر برغبة عارمة في اللعب، يصدم كهربائيا، وهذا ناجع
وفعال، وفي بعض الأحيان، يمكن إعطاء بعض الأدوية مثل (الإبومورفين)
Apomorphine والتي هي بدورها أدوية تسبب الشعور بالغثيان والإقياء، فيربط
وبشكل شرطي بين المقامرة والغثيان، بمعنى أن المقامرة هي التي تسبب
الغثيان.
ب - أسلوب الضبط الذاتي:
يرتكز هذا الأسلوب في علاج المقامرة على ثلاثة عوامل:
الذات وفيها يتم تحديد الشروط التي يظهر فيها سلوك المقامرة، فهناك شروط
عامة لدى جميع المقامرين وشروط خاصة بكل مقامر. وتبدو الشروط العامة في
الرغبة في الفوز بثروة كبيرة والرغبة في الإثارة وتفعيل سلوك المخاطرة
والهروب من الضغوط الحياتية.
السلوك: ويقصد بذلك محاولة إقناع المقامر بقدرته على الامتناع عن المقامرة
بجانب عقابه في اللحظة التي يقبل فيها على هذا السلوك.
وهو ممارسة المقامرة بصورة مفرطة وحسب رغبة الإنسان، فكثرة المقامرة تؤدي
إلى نوع من الانطفاء للدوافع الثانوية وذلك عن طريق ضرورة التوقف عن
المقامرة عندما تتاح فرصة لذلك، والتوقف عنها في حال الخسارة والبحث عن
أنشطة بديلة.
ثالثًا: العلاج المعرفي
يقوم هذا العلاج أساسًا على تحديد الإنسان أهدافًا لحياته يسعى لتحقيقها،
فعندذلك يدرك تفاهة ما يقوم به من سلوكيات شاذة ويرتكز هذا العلاج على
أسلوبين:
أ - القصد
بالنقيض الذي يقوم على تقليل المقامر من الشعور بالذنب والتهوين على نفسه
ذلك الضعف الذي يشعر به تجاه قهر المقامرة، وأن يتعود السخرية من المسائل
التي تسببها المقامرة.
ب - تحويل الانتباه يقوم على قاعدة مهمة وهي «قلة الاهتمام تميت الاهتمام»
فلا يفكر كثيرًا بسلوك المقامرة وما يترتب عن ذلك من شحنات عاطفية، بل
يمكن أن يحول تفكيره إلى موضوعات أخرى.
لقد حدد لادوسير وآخرون أربعة محاور أساسية للعلاج المعرفي للمقامرة المرضية تتمثل في:
1 - فهم العشوائية.
2 - المعتقدات الخاطئة للمقامرين.
3 - الوعي بالمدركات غير الدقيقة.
4 - التصحيح المعرفية للمدركات الخاطئة.
رابعًا: البرامج الإرشادية والعلاجية
تهدف هذه البرامج إلى التخلص من الاضطرابات النفسية والسلوكية والاجتماعية
والاقتصادية التي يعانيها المقامر، وبالرغم من كثرة البرامج فلا يوجد
برنامج واحد يصلح لعلاج كل حالة من حالات المقامرة المرضية، ذلك لأن ما
يحدد طبيعة البرنامج المستخدم للعلاج هو الطبيعة الإكلينيكية والديناميات
النفسية للمقامر وبعض العوامل الشخصية. ولقد حددت مؤسسة كاليفورنيا
للمقامرة عام 1982 أول برنامج علاجي منظم للمقامرة المرضية يهدف إلى
مساعدة المقامرين على التخلي عن هذه العادة والعمل على إرشاده بشكل صحيح
وفق الأسس التالية:
1 - إيجاد الأمل.
2 - الحد من الضغوط المالية.
3 - تنمية الشعور بتقدير الذات.
4 - معالجة الشعور بالذنب والخجل والندم.
5 - التوقف عن المقامرة.
6 - التوافق مع الرغبات والدوافع التي تساعد على المقامرة.
7 - تنمية علاقات اجتماعية جديدة وإيجابية.
8 - القضاء على مشكلات الحياة اليومية.
9 - إعادة الثقة بالذات.
10 - تنمية عادات ومهارات جديدة.
11 - الابتعاد عن التفكير الخيالي وتنمية التفكير المنطقي