«الإدمان على الانترنت هو أحد الاضطرابات التي ينبغي إدراجها من ضمن مجموع الاضطرابات العقلية التي تصيب الإنسان»،
هذا ما يقوله جيرالد بلوك أحد أطباء الأعصاب في جامعة «أوريغون» في الولايات المتحدة
ونشرتها «المجلة الأميركية للطب العصبي» American Journal of Psychiatry في عددها الأخير. ويرى بلوك أن هذا الإدمان يشمل استخدام الكومبيوتر بكل أشكاله ومنها الانترنت.
ومن مظاهر هذا الاضطراب الاستخدام المفرط والمرتبط غالباً بفقدان الإحساس بالوقت وإهمال القضايا الأساسية الأخرى كالأكل والنوم؛ والانسحاب من الحياة الاجتماعية والذي يرافقه إحساس بالغضب أو التوتر أو/و الكآبة عندما لا يكون الكومبيوتر متوفراً؛ والحاجة المستمرة إلى تحسين الجهاز بالمزيد من البرامج ورفع عدد ساعات الاستخدام؛ الانعكاسات السلبية والتي تشمل الكذب وانخفاض مستوى الإنجاز في العمل والعزلة الاجتماعية والتعب.
وهي كلها أمور تتشكل بحسب بلوك عبر الممارسة المفرطة لألعاب الكومبيوتر والاهتمام المفرط بالمواقع الجنسية وفي إرسال الرسائل الالكترونية والرسائل النصية.
وتأتي هذه المقالة في وقت أظهرت دراسة جديدة أجريت في كلية الطب في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا أن واحداً في المئة من الأميركيين يعانون من إدمان على الانترنت أو من استخدام مثير للجدل له. وكانت دراسات سابقة تحدثت عن أن 3 في المئة إلى 10 في المئة من السكان في الولايات المتحدة قد يكونون مدمنين على الانترنت.
وأشار د. إلياس أبو جــودة، وهو الطــبيب الذي عرض الدراسة خلال الاجتمـاع الســنوي لجمعية أطباء اضطرابات القلق الأميركيين إلى «أن أعداد المرضى الذين يعانون من مشاكل نتيجة استخدامهم للانترنت يتزايد في عيادات الطب العقلي، غير أننا نحتاج للمزيد من الدراسات قبل أن نقرر ما إذا كان من الصحيح إدراجه على أنه اضطراب جديد في دليل الاضطرابات العقلية»، بحسب ما نقلت عنه مجلة Medscape Psychiatry، مضيفا، «أعتقد بالفعل أن إدمان الانترنت هو مشكلة صحة عامة وعلينا الاهتمام أكثر بحياة الأشخاص الموصولين بالانترنت».
ويرى الدكتور غابور مات وهو باحث متخصص في الإدمان والذي يصف إدمان الانترنت على أنه يشبه أي نوع آخر من الأمور التي يمكن أن تتحول إلى هاجس «فآليات الإدمان هي نفسها أكانت للمخدرات أو لعب الميسر أو ممارسة الجنس أو التسوق أو حتى الانترنت... وغالبية سلوكيات الإدمان تنشأ من عدم توازن كيميائي في الجزء المسؤول عن الإحساس بالمكافأة والإثارة في الدماغ».
فكما هي حال إدمان مواد مخدرة فإن إشكالية استخدام الانترنت تنتج من ارتفاع في مستوى مادة الدوبامين، وهي إحدى النقلات العصبية، في الدماغ. وبالتالي يكون هناك حاجة لاستخدام الانترنت أكثر فأكثر من أجل تأمين الإحساس بالاكتفاء والبهجة في حين أنه عندما لا يستخدم الانترنت يمكن أن يعاني من العوارض نفسها الذي يعاني منها من ينقطع عن تناول المخدرات. وكما هي حال اضطراب القلق القهري obsessive-compulsive disorder (OCD) يمكن أيضاً للإدمان على الانترنت أن يتضمن طقوساً وسلوكيات متكررة.
علاجات محتملة
ما زال البحث عن علاج لحالات إدمان الانترنت في بدايته وإن كانت دراسات قد بدأت بتناول هذه القضية مستندة إلى دراســات سابقــة للمدمنين على لعب القمار والتي بينت ارتباط هذه الحالة بأحد المستقبلات العصبية (naltrexone). وقد قام أحد الباحثين في مستشفى «ماونت سينا» في نيويورك بتجريب أحد مضادات الاكتئاب على عينة من الأشخاص الذين يعانون من مشكلة في استخدام الانترنت لمدة عشرة أسابيع وقد انخفضت مدة استخدامهم للانترنت في مقابل الذين حصلوا على مادة غير فعالة.
في المقابل ركزت دراسات أخرى على العلاج السلوكي الإدراكي (CBT) للإدمان على الإنترنت. يقول د.أبو جودة «إن المقاربة في هذه الحالة لا تستند على الامتناع التام عن استخدام الانترنت، لأن ذلك غير عملي، وإنما تشجيع المرضى على الابتعاد عن السلوكيات المثيرة للجدل وتطوير بدائل صحية أكثر ـ مثلاً الانتقال من أن يكون متصلاً بالانترنت 8 ساعات في اليوم ليكون متصلا ثلاث ساعات فقط. وتشمل مظاهر هذا العلاج مواجهة الأخطاء في الفهم والإدراك مثل الأفكار السوداوية والمعتقدات السلبية في محاولة لقلبها. ومن المهم أيضا معالجة أية حالات مرافقة لحالة الإدمان على الانترنت مثل التقلبات في المزاج والاكتئاب وحالات القلق التي تتواجد لها علاجات.
ومن بين أكثر الأبحاث حول إدمان الانترنت إثارة للاهتمام بحث نشر في كوريا الجنوبية. فبعد عشر حالات وفاة ناتجة عن أمراض في القلب والرئتين حدثت في مقاهي للانترنت، وحالة قتل مرتبطة بأحد ألعاب الفيديو، بدأت كوريا الجنوبية باعتبار ادمان الانترنت واحدا من أخطر قضايا الصحة العامة بالنسبة لها. وباستخدام بيانات من العام ,2006 تقدر الحكومة الكورية أن حوالى 210 آلاف طفل أي ما نسبته 1,2٪ ممن هم بين سن 6 سنوات و19 سنة مصابون بهذه الحالة ويتطلبون علاجا. وحوالى 80 ؟ من بين الذين يحتاجون إلى العلاج قد يحتاجون إلى أدوية عصبية، وربما يحتاج من 20 ٪ الى 24 ٪ منهم يتطلب دخولهم المستشفى.
وينفق الطالب الثانوي الكوري 23 ساعة في المتوسط أسبوعياً على ألعاب الفيديو ما يعني أن هناك مليوناً ومئتي ألف طالب يعتقد أنهم معرضون لخطر الإدمان ويحتاجون إلى النصح. ويبدي المعالجون قلقاً إزاء تزايد عدد التلاميذ الذين ينقطعون عن المدرسة أو العمل لتمضية الوقت على أجهزة الكمبيوتر. واعتباراً من حزيران ,2007 دربت كوريا 1043 من المستشارين في علاج إدمان الانترنت و 190 مستشفى ومركز علاج. كما تتخذ تدابير وقائية حاليا في المدارس بحسب مقال بلوك.
هذا وقد أعلنت الصين عن قلقها إزاء هذا الاضطراب وقد أعلن مدير مركز طب الادمان في المستشفى العسكري المركزي في بيجينغ الدكتور تاو ران، أن 7,13٪ من المراهقين الصينيين أي ما مجموعه عشرة ملايين مراهق يستخدمون الانترنت، يلبون معايير التشخيص الخاصة بإدمان الانترنت. وهو ما دفع الحكومة الصينية بحسب بلوك إلى وضع قيود على ألعاب الفيديو.
هذا ويصعب تشخيص إدمان الانترنت في أحيان كثيرة ذلك أن غالبية المرضى يلجأون إلى المعالجين بسبب حالات أخرى يعانون منها وإن لم يكن المعالج متنبهاً لقضية الإدمان على الانترنت قد لا يتمكن من تشخيصها.
جريدة السفير
|