فكُلُّ ما أَرَدْتُم أَن يَفْعَلَ النَّاسُ لكُم، اِفعَلوهُ أَنتُم لَهم ( مت 7 /12)
إدمان الإنترنت
إدمان الإنترنت
اجتاحت حمى الهوس بالإنترنت العالم بأسره، واشتغلت كافة وسائل الإعلام من
صحف وإذاعة وتلفزيون ومجلات بالحديث عنه وعن آثاره الاجتماعية، والاقتصادية،
والأخلاقية. كما تزامن مع صعود نجم الإنترنت ظهور مرض جديد على الساحة ألا وهو
الاضطراب العقلي والنفسي المصاحب لإدمان الإنترنت.
ويمكن تعريف الإدمان بأنه نمط
من التصرف مصاحب لاستخدام العقاقير بشكل مكثف وعلى نحو يتصف بالإدمان الشديد فيما
يتعلق باستخدام العقار وسهولة الحصول عليه، وعادة ما يميل المدمن للانتكاس والعودة
إلى دائرة الإدمان مرة أخرى بعد إتمام العلاج وانتهاء أعراض التخلص منه بشكل كامل.
(المصدر: Bratter and Forrest
1992)
يمكن تعريف إدمان الإنترنت بأنه نوع
من الاضطراب النفسي الجسدي الذي يصيب الإنسان مثله في ذلك مثل كافة أنواع الإدمان،
فالإدمان ينطوي على قدرة على احتمال سمية العقار؛ فالكميات القليلة يكون مردودها
ضعيف وتصبح الكميات الكبيرة في هذه الحالة مطلوبة لاستثارة شعور السعادة والمتعة
المستهدف، ويتضمن الإدمان أيضاً بعض أعراض الانسحاب وخاصة الإصابة بالرعشة والقلق
والتوتر وتوعك المزاج وتقلبه، بالإضافة إلى بعض الاضطرابات العصبية مثل الاكتئاب
والعصبية وسهولة الاستثارة وتدمير العلاقات الاجتماعية ويكون ذلك بانحسارها وتغير
نوعية العلاقة ومدى التقارب، أو الانتهاء بانفصال المدمن نهائيا عن المجتمع
الخارجي.
أصبح إدمان الإنترنت من المشاكل
المتفاقمة والتي شاعت بصورة كبيرة وبصفة خاصة في المجتمعات التي يتزايد فيها
استخدام الإنترنت. فيمكن أن يكون الانترنت بالنسبة للبعض أداة تثقيف مناسبة وفعالة
أو مصدر للمعارف والمعلومات أو أداة للترفيه، في حين تكون تلك المزايا بعينها مجرد
مخاطر تهدد البعض الآخر (الفئة المدمنة). وتوجد آراء مختلفة بشأن هذا الموضوع،
فالبعض يقول أن الإنترنت يمكن أن يسبب نوعاً من الإدمان الذي يؤثر حتماً بالسلب
على حياة الشخص المدمن وحياة من حوله، بينما ينكر البعض وجود مثل ذلك النوع من
الإدمان فالحصول على المتعة من تصفح الإنترنت لا يعادل بالتأكيد الحصول على المتعة
عن طريق إدمان الكوكايين مثلاً أو إدمان أي عقار آخر. وتوجد بعض الطرق السهلة
للوقاية من إدمان الإنترنت والتي يمكن تطبيقها للحد من الآثار السلبية لاستخدام
الإنترنت.
أعراض المرض:
يلزم لوصف شخص ما بالإصابة بأعراض
الاضطراب العقلي والنفسي المصاحب لإدمان الإنترنت أن تنطبق على ذلك الشخص معايير
وصفات محددة وضعتها الجمعية الأمريكية الخاصة بالمرض النفسي.
ويلزم أن تستمر ثلاثة
أو أربعة من تلك الأعراض لمدة سنة كاملة بدون انقطاع:
1-تزايد القدرة على استخدام الإنترنت
بشكل مكثف: ويرتبط ذلك بالحاجة إلى تكريس مزيد من الوقت لاستخدام الإنترنت بهدف
الحصول على المتعة المرجوة أو تناقص الأثر المطلوب مع استخدام الإنترنت بنفس
المعدل أو كلاهما.
2-ظهور عرضين أو أكثر من أعراض
الانسحاب والتي تطفو بشدة خلال أيام أو شهر من تقليل استخدام الإنترنت أو التوقف
كلية عن استخدامه، ويسبب ذلك حتماً نوعاً من الإحباط الشديد ويعوق حتماً العلاقات
الاجتماعية وعلاقات العمل الخاصة بالشخص المدمن. ويتضمن ذلك بعض الاضطرابات
النفسية الحركية مثل الإصابة بالرعشة والارتجاف، والقلق، وسيطرة التفكير بشأن ما
يحدث على شبكة الإنترنت ويخشى الشخص فواته، بالإضافة إلى وجود أوهام أو أحلام كلها
تدور حول الإنترنت، ووجود حركات إرادية أو لا إرادية للأصابع على نفس نمط النقر
بالأصابع على لوحة التحكم.
3-زيادة معدل الانهماك في استخدام
الإنترنت للحصول على الشعور بالراحة والسعادة أو على الأقل لتجنب الآلام المرتبطة
بأعراض الانسحاب.
4-زيادة معدل النفاذ إلى شبكة
المعلومات، أو قضاء وقت أطول من المعتاد أو من المقرر في الإبحار عبر الشبكة.
5-قضاء وقت لا يستهان به في ممارسة
الأنشطة المرتبطة بالإنترنت (مثل تصفح الكتب المنشورة على شبكة المعلومات، أو
تجربة محركات جديدة للبحث عبر شبكة المعلومات الدولية، البحث عن شركات البيع عبر
الإنترنت، إلى آخره).
6-التخلي عن ممارسة كافة الأنشطة
الاجتماعية أو الوظيفية أو الترفيهية أو تقليل معدل ممارستها بسبب إدمان استخدام
الإنترنت.
7-تعرض المدمن لخطر اهتزاز علاقته
بأقرب المقربين بالنسبة له، وخطر فقدان الوظيفة وضياع المستقبل العلمي أو الوظيفي
بسبب إدمان الإنترنت.
أثبتت الأبحاث الحديثة أن لإدمان
الإنترنت عوارض أخرى، أولها الشعور بالضيق أو العصبية عند محاولة تقليل استخدام
الإنترنت أو محاولة التوقف عن ذلك. ويتمثل ثانيها في تفاقم الشعور بالعجز أو الذنب
أو القلق أو الإحباط وذلك لأن بعض مدمني الإنترنت يستخدمونه كوسيلة للهروب من
المشاكل والضغوط وتخفيف المشاعر السالف ذكرها.
يتمثل العرض الثالث في اعتياد المدمن
الكذب على أهله أو أصدقائه لإخفاء مدى إدمانه لاستخدام الشبكة، أما آخر الأعراض
فيتمثل في انتكاسة المدمن مرات ومرات بالرغم من المصاريف الباهظة التي يدفعها نظير
إدمانه للشبكة.
يعتبر الاضطراب النفسي المصاحب
لإدمان الإنترنت هو الأقرب من بين جميع أنواع الإدمان للإدمان المرضي للقمار، وذلك
نظراً لطبيعة ذلك الاضطراب الخاصة والتي تتمثل في فقدان المدمن لقدرته على التحكم
في النوازع المسيطرة عليه وذلك بدون تعاطي أي مسكرات. وتتماثل مع ذلك الآثار
المدمرة المترتبة على ذلك النوع من الإدمان مع آثار إدمان الكحوليات على حياة
الفرد العامة والخاص.
قام العديد من الأطباء البشريين
والأطباء النفسيين بمحاولات عدة لتوضيح وشرح الاضطراب النفسي والبدني المصاحب لذلك
النوع من الإدمان. وتتضمن تلك النظريات إيضاحات خاصة بالنواحي النفسية والعقلية
الناشئة وأثر طفولة الفرد على شخصيته في المستقبل وعلى السلوك والأوضاع العقلية،
وإيضاحات أخرى خاصة بالنواحي الاجتماعية الثقافية، وأخرى خاصة بالسلوك والتصرف،
وأخيراً إيضاحات خاصة بالنواحي الطبية الحيوية. وتعجز بعض الأبحاث عن وصف أيٍ من
أنواع الإدمان بدقة، ويمكن القول أن البعض الآخر يصف الأعراض المصاحبة لإدمان
الإنترنت بدقة أكبر.
طرق الوقاية:
يحتاج الأمر إلى توعية الناس بأن
مدمني الإنترنت ليسوا بالضرورة من التعساء في حياتهم الخاصة، وذلك إذا أردنا البدء
بأول خطوات الوقاية من إدمان الإنترنت.فقد كانت حياة هؤلاء تسير بصورة جيدة قبل
إدمان الجلوس إلى شاشات الكمبيوتر لتصفح الشبكة، وبمجرد البدء في استخدام الإنترنت
أصبح اكتساب المهارات الخاصة بالشبكة تمثل لهم نوعاً من التحدي الحقيقي وقمة من
القمم التي يسعون إليها، وبالتالي تحول الجاهل باستخدام الشبكة بمرور الوقت من
المهرة في ذلك المجال، وبمرور الوقت أيضاً يتناقص اهتمام الشخص بالعالم الخارجي أو
يكاد يتوقف.
يلزم توعية الناس وتعريفهم بأنماط
الإفراط في استخدام الإنترنت والعوارض الأساسية المرتبطة بذلك. وتتمثل أول
الإشارات وأهمها في قضاء أوقات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر، ويضاف إلى ذلك قضاء وقت
طويل في التفكير في الإنترنت والأنشطة المرتبطة بالشبكة. وتتمثل الخطوة الثانية في
تحديد المدمن للمشكلات التي تؤرقه والتي تدفعه للهروب والانسحاب من الحياة
والإلقاء بنفسه في خضم الإنترنت، وذلك كما هو متبع في العلاج من أنواع الإدمان
الأخرى. وتتمثل الخطوة الثالثة في وضع خطة لحل المشكلة ومحاولة تنفيذها، وذلك
بدلاً من محاولة الهروب منها. فالهروب من المشكلة من خلال إدمان الإنترنت وتجاهلها
كلية لا يؤدي بالتأكيد إلى حلها بل يؤدي على العكس إلى تفاقمها. ويحتاج المدمن إلى
اتخاذ خطوات جادة للهروب من دائرة الإدمان إلى أن يصل إلى التخفيف تدريجياً من
استخدام الإنترنت ويصل إلى معدل معقول من الاستخدام.
لا ينبغي النظر إلى الإنترنت
باعتباره العدو الذي يجب محاربته نظراً لإدمان الناس الاعتماد عليه، فللإنترنت
فوائد ومنافع أخرى هامة لا تحصى ولا تعد. فهو وسيلة سريعة للحصول على المعلومات،
ويتسم بأنه صديق للبيئة ومناسب وفي متناول الجميع، وهو وسيلة تعليمية وتثقيفية
ممتازة. ويمكن القول أخيراً أن الإنترنت يجعل حياتنا أيسر في بعض النواحي ويزيد من
تعقيدها في نواحي أخرى