جَماعةَ الأَشرارِ أَبغَضتُ و أَهلَ السُّوءَ لم أُجالِسْ ( مز 26 /5)
الحروب الروحية "ب" - Copticpope.org
الحروب الروحية "ب"
تكلمنا
في المرة السابقة عن الحروب الروحية التي تأتي من داخل الانسان. أعني من أفكاره
وشهواته. واليوم نتحدث عن الحروب الروحية التي من الخارج: من الشيطان. أو من الناس
سواء كان أعداء أو أحباء. أو من البيئة. ومن المادة والعالم.
حروب من الشيطان
حروب
الشيطان إما أن تكون بطيئة طويلة المدي. أو أن تكون فجائية وعنيفة.
الحروب البطيئة قد لا يشعر الشخص بها. بل الشيطان يجذب بها ضحاياه بتدرج طويل.
لا يكادون يشعرون فيه بما يحدث لهم!
يحذرهم
قليلاً قليلاً. وينقص من حرارتهم الروحية شيئاً فشيئاً علي مدي واسع. حتي تتغير
حياتهم روحياً وهم لا يدركون ذلك إلا بعد فوات الفرصة. حين يضربهم بعد ذلك ضربته
الشديدة وهم غير مستعدين لها!
كإنسان مثلاً يغرقه الشيطان مدة طويلة في حياة الترف أو في متعة الرئاسة والسلطة
أو في الشهرة. فيتراخي في روحياته بتدريج لا يشعر به. حتي يصل إلي حالة من الفتور
الروحي يستغلها الشيطان لإسقاطه.
? ? ?
أما الحروب العنيفة الفجائية. فقد تشبه الرؤي والأحلام الكاذبة. التي
يضلله بها. أو غيرها من أنواع الضلالات الشيطانية. أو بعض أنواع المناظر المفزعة
التي حارب بها بعض القديسين.
علي أن الله لا يسمح للشيطان بأن يستخدم مثل هذه الحروب العنيفة مع كل
أحد. إلا مع القادرين علي احتمالها. ذلك لان الله لا يسمح بان يُجرّب البشر فوق ما
يطيقون. كما أن الشيطان ليس مطلق الحرية في حروبه.
علي
أن حروب الشيطان ليست كلها فزعاً ومناظر كما حدث للقديس الأنبا أنطونيوس. وليست
كلها أمراضاً وخراباً كما حدث لأيوب الصديق.
? ? ?
فهناك حروب أخري من الشيطان بأفكار يلقيها في الذهن. أو شهوات يلقيها
في القلب..
وهذه الحروب تكون ضعيفة في أولها. لانها ليست نابعة من داخل الإنسان.
بل هي غريبة عليه. وتظل هكذا ضعيفة. إلي أن يفتح لها هذا الانسان باباً تدخل منه
إلي قلبه ومشاعره. وهنا يكون قد أخطأ..
انها خيانة روحية منك أن تفتح أبوابك الداخلية لعدو الخير الذي يريد أن يحطم ملكوت
الله داخلك. خيانة منك لمحبة الله أن تُدخل في قلبك ما يشاء الشيطان به أن يبعدك
عن الحياة مع الله ووصاياه..
وفي خيانتك. إذ ترفض عمل النعمة فيك. حينئذ يقوي عليك الشيطان.
? ? ?
لا تحتج بأن حروب الشيطان قوية. إنك تجعلها قوية حينما تستسلم لها.
أما
ان قاومت الشيطان. فسوف يضعف أمامك. ويعمل لك حساباً في حروبه المقبلة. إن القلب
القوي الثابت في طاعة وصايا الله. والأمين في محبته. يستطيع أن يطفيء جميع سهام
الشيطان الملتهبة..
عندما كان قلب موسي النبي قوياً. تضاءلت أمامه قوة فرعون وكل جيشه. ولم تخفه أمواج
البحر.. وانت كلما كان قلبك من الداخل قوياً. فسوف لا تضعف مطلقاً أمام حروب
الشياطين.
كل ما يعمله الشيطان أن يقدم لك أفكاراً ومقترحات. دون أن يرغمك. ويترك الأمر
لارادتك تقبلها أو لا تقبلها. وهو يسعد بقبولك.
ان
قاومته ورفضته. يحترمك ويخافك. أما ان ضعفت أمام عروضه. فانك تعطيه كرامة ليست له.
وتمنحه الفرصة في أن يتجرأ عليك..
لذلك
لا تخف من الشيطان لئلا يقوي عليك. احترم نفسك في التعامل معه.
? ? ?
من أمثلة حروب الشيطان المعروفة: حروب الشك في الله:
الشك
في وجود الله. أو في رعايته للبشر. ومن تلك الأفكار نتج الملحدون. الذين قال بعضهم
ان الله يعيش في برج عالي في السماء. لا يهتم بشئون البشر. ويترك الفقير إلي جوار
الغني. لذا أنشأوا الاشتراكية الملحدة. وكلها وأمثالها يغرسها الشيطان في الأذهان.
ويسميها فلسفة!
وبعد أن يلقي الشيطان بفكر الإلحاد. يتبعه بفكر اليأس
فيقول
لضحيته "لا خلاص لك وقد أنكرت وجود الله"!! فإذا ما أوصله إلي هذا الحد.
يقول له "مادام لا نصيب لك في السماء. تمتع اذن بما تشاء علي الأرض"!!
وبهذا يقوده إلي حياة الاستهتار.. وفي كل ذلك يقول له "وما أدراك أن هناك
سماء وحياة أخري؟!".
? ? ?
ويحاول الانسان أن يقاوم الفكر. ولكنه يلح عليه ويستمر ...
ومقاومته للفكر تدل علي أن الفكر محاربة من الشيطان. وليس سقوطاً...
نصيحتي
لك: لا تيأس. ولا تظن انك سقطت. واستمر في مقاومة الفكر. واستعن بالصلاة ليخلصك
الله. وحاول أن تغيرّ مجري أفكارك إلي غيرها.
كذلك
امتنع عن القراءات التي تجلب لك الشك وفي سائر المسلمات الثابتة في الضمير. وكذلك
ابعد عن المعاشرات الرديئة التي تسبب لك مثل هذه الأفكار. وأدرس عكسها من الناحية
الايجابية.
? ? ?
ومن محاربات الشيطان أيضاً السحر والتنجيم وما يشابهه:
علي
انه ليس كل ما يظنه الناس سحراً هو سحر بالحقيقة. فالسحر الحقيقي غالباً ما يكون
مصحوباً بما يشبه الأعاجيب. التي هي مجرد أمور Fantastic تخلب الذهن ولكنها من ضلالات الشياطين.. أما
ما يسميه الناس "العمل" ويخافونه. فلعله بعض الحيل البشرية لخداع
البسطاء واستغلالهم.
كذلك من محاربات الشيطان التنجيم. وكل الطرق الأخري في إدعاء معرفة المستقبل. لانه
لا يعرف المستقبل والخفيات إلا الله وحده.
? ? ?
من حروب الشيطان أيضاً عرضه المعونة في إيجاد حلول وتحقيق رغبات!!
فقد
يعرض مساعدته - بطرقه الشيطانية - ان يوصل الشخص إلي ما يبتغي. وبهذا يوقعه في
وسائط خاطئة. ولكنها تحقق غرضاً! فإن كانت لك رغبة ولم تجد حلاً. فلا تقبل تعاون
الشيطان معك لتحقيقها. فالشيطان إذا أعانك علي تحقيق رغباتك. سرعان ما يجعلك أنت
من أعوانه.
? ? ?
نقطة
أخري من مصادر الحروب الخارجية هي:
الصداقات الضارة
أعني
بها الصداقات التي تضرك في روحياتك. أو في عقيدتك. أو في فكرك. والتي تتلف قلبك
ومشاعرك. لذلك أنصحك باختيار أصدقائك الذين يؤثرون عليك بأفكارهم. بحيث يكونون من
النوع ذي التأثير الفاضل..
كما أنصح بحسن اختيار شركائكم في الحياة الزوجية. لان لهم بلا شك تأثيراً علي
حياتكم الروحية ان علواً أو هبوطاً.
فالأزواج في تأثيرهم أكثر عمقاً من الأصدقاء أو المعارف أو الزملاء
الصديق
قد يلتقي بك في أوقات محددة. أما الزوج فهو شريك الحياة باستمرار. فيجب أن يكون
انتقاؤه صالحاً من كل جهة. ليس من الناحية الاجتماعية فحسب. بل أيضاً من النواحي
الروحية والعقائدية. ويكون ذلك الانتقاء بعمق. ولا يصح الاكتفاء فيه بالمظاهر
والشكليات.
ولنضع أمامنا ذلك المبدأ: إن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة.
? ? ?
ما
أكثر الآباء والأمهات الذين يفسدون تربية أبنائهم: إما بالقسوة. أو بالتدليل
الزائد. أو بالقدوة السيئة التي يقدمونها لهم. أو بالتدخل المسيطر في خصوصياتهم.
مما يضعف شخصياتهم. ويفقدهم الخبرة وحسن التصرف.
كذلك
الزوج غير المتدين. الذي يجر زوجته إلي نفس الضياع الذي هو فيه. ويسخر من تدينها.
ولا يعطيها فرصة لممارسة حياتها الروحية.. وكل هذه محاربات روحية تأتي من الخارج:
أحيانا بأسلوب هاديء. وأحياناً بضغوط.
والانسان ربما لا يستطيع أن ينفصل عن مثل هذا النوع من أقاربه وأهل
بيته. ولكن ينبغي أن يحب الله أكثر منهم. ويطيع الله أكثر منهم..
ولا
يضحي بروحياته أو بماله من مباديء وقيم. مجاملة لأقربائه..! لانه هكذا يعلمنا
الدين: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس".
? ? ?
ومع
ذلك فهناك نوع معين من الأقارب والأصدقاء ينبغي البعد عنه. إن لم يكن ابتعادا
بالجسد. فعلي الأقل يكون بعدم الاشتراك معهم في أخطائهم. سواء في التصرف أو الحديث
الخاطيء.
علي أن البعض قد يمنعه الخجل من البعد عن الخاطئين: أقارباً كانوا أو أصدقاء..
وبهذا يشتركون معهم في الخطأ بسبب الخجل..
وهنا
ينبغي للإنسان الروحي ان يعرف ان هناك حدوداً للخجل. وان هناك مواقف تحتاج إلي حزم
وقوة شخصيته للبعد عن أسباب الخطية.
لقد
صدق المثل القائل "إسأل عن الرفيق قبل الطريق". فربما يؤثر عليك أحد
أقربائك أو أصدقائك تأثيراً يتلف نفسك. أو يُدخل إلي قلبك أو ذهنك أفكاراً أو
مباديء تقود حياتك في طريق خاطيء.
اعلم ان قريبك الحقيقي. هو الذي يقربك إلي الله
وصديقك الحقيقي هو الذي يكون صدّيقاً. وصادقاً في إخلاصه لروحياتك
ويكون صادقاً أيضاً في حفظه لسمعتك. وفي اهتمامه بخلاص نفسك..
? ? ?
ننتقل
إلي نقطة أخري من الحروب الروحية. وهي:
العثرات
العثرة هي ما يسبب الخطية. وكل ما يسبب السقوط للإنسان
هي
مسببات الخطية. سواء تجلب فكراً خاطئاً. أو شهوة خاطئة. وقد تأتي العثرات من السمع
أو النظر أو القراءة أو من باقي الحواس.. فعليك ان تبعد بقدر طاقتك عن كل مسببات
الخطية. ولا تكون أنت عثرة لغيرك.
والعثرات ربما تفرض نفسها علينا. وربما نسعي نحن برغبتنا اليها.
فالتي
تفرض نفسها تكون حرباً خارجية. والتي نسعي اليها تكون حرباً داخلية تطلب اشباعاً
من الخارج. وفيها تجتمع الحربان الداخلية والخارجية. وهذه دينونتها أشد. والنجاة
منها أصعب.
وعلي الانسان ان يقطع نفسه من الأحباء والأعزاء الذين تأتي بسببهم العثرات لتفقده
أبديته. وتجلب له حروباً خارجية لا يضمن هل سيصمد أمامها أم لا.
المهم
ان تبعد عن الحرب الخارجية ومسبباتها. ولا تقع فيها بارادتك.
? ? ?
ان هناك عثرات تستهوي الانسان. فيحوم حولها كما تحوم الفراشة حول
النار.
تظل
الفراشة تحوم حول النار حتي تحترق.. مع انها تري فراشات كثيرات قبلها حتي احترقت
بالنار. الا انها لا تهدأ حتي تحترق مثلها.. هكذا الانسان فيما يحوم حول العثرة
إلي ان يضيع كما ضاع أمثال له من قبل...
قد
يوجد من يعثرك ويسقطك.
ثم يفلت هو وتضيع انت. وقد يمكنه هو أن يتوب. وتجد أنت
صعوبة في التوبة! لذلك احرص بكل قوتك وبكل عمل النعمة فيك. ان تبعد عن الأمور
المتعثرة. وتهرب بذلك من كل حرب خارجية علي قدر طاقتك.
***********************************
**
**
********
********
**
**