لأَنَّه أَوصى مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ في جَميعِ طرقِكَ (مز 91 /11)
القديس جرجس - أولا: سيرة القديس جرجس الشهيد - جنود مريم
سيرة القدّيس جرجس الشهيد
1. المقدّمة
القدّيس جاورجيوس هو من القدّيسين الشعبيّين في الشرق والغرب. ذاع صيته وانتشرت بطولة فضائله في العالم كلّه فكثر عدد المتعبّدين له حتّى أنّ بلدانًا وجمعيّات مختلفة اتّخذته شفيعًا لها.
وُلد جرجس في مدينة اللدّ الفلسطينيّة، سنة 280م، من عائلة شريفة وغنيّة . كان والده فارسًا مغوارًا، اتّخذه الملك ديوكلسيانُس رفيقًا له في أسفاره، لِما وجد فيه من مروءة وشهامة نفس.
وعندما عرف الملك أنّ والد جرجس مسيحيّ، قطع رأسه، فعاش الولد الوحيد يتيم الأب منذ صغره. ربّته أمّه تربية صالحة، وقد علّمته روح التسامح وحبّ الاستشهاد في سبيل المسيح.
فنشأ وقلبه يضطرم شوقًا للساعة التي فيها يبذل نفسه في سبيل إيمانه المسيحيّ.
3. جرجس الجنديّ
في سنّ السابعة عشرة، دخل جرجس في سلك الجنديّة وما لبث أن انتشر اسمه للشجاعة النادرة التي أظهرها أثناء المعارك والحروب ضدّ أعداء المملكة. فقرّبه الملك ديوكلسيانُس إليه وجعله قائد حرسه الخاصّ، ولم يلبث أن عيّنه قائد ألف، ولم يكن قد بلغ العشرين من عمره.
توفّيت والدته في تلك الأثناء، فتحمّل مصاب اليتم والوحدة والفراق بكلّ صبر وإيمان.
4. جرجس المؤمن
أصدر الملك ديوكلسيانُس أمرًا يفرض على المسيحيّين تقديم الذبائح لآلهة الرومان. فتحرّكة عاطفة الإيمان في قلب جرجس وقد سمع صوت الربّ يقول:
"طوبى لكم إذا اضطهدوكم"
و"إنّ ملكوت الله يغصب، والغاصبون يختطفونه".
مضى وجمع أمواله ووزّعها على الفقراء، وأعتق من كان عنده من العبيد، ثمّ قصد الساحة العامّة ومزّق الأمر ضدّ المسيحيّين، فأمسكه الجنود واقتادوه إلى الملك.
مثل جرجس أمام الملك وأخذ يدافع بحماسة عن المسيحيّين ويدحض ما يُنسب إليهم من افتراءات وأكاذيب. وطلب من الملك أن يترك لهم حريّة المعتقد.
فاستشاط هذا غيظًا لكنّه كتم مشاعره، وقد رئف بشباب جرجس وتذكّر ما كان يتحلّى به من شجاعة ومروءة وحاول استمالته فلم يجد سوى مسيحيّ إيمانه من صخر. فأمر بإنزال أشدّ أنواع الأعذبة به.
إقتاد الجنود جرجس إلى السجن حيث عرّوه من ثيابه وشدّوا يديه ورجليه بسلاسل من حديد وألقوا على صدره صخرًا ضخمًا حتّى اليوم التالي. ثمّ ربط على دولاب فيه أمشاط حديديّة مسنّنة، وبدأ الدولاب بالدوران وجسد القدّيس يتمزّق، ثمّ أحرقت جروحه بناء المشاعل. فتحمّل جرجس تلك الأعذبة كلّها بصبر دون تذمّر أو تأفّف شاكرًا لربّه نعمة الاستشهاد.
استقدم الملك ساحرًا وطلب منه إرجاع جرجس عن ضلاله. فأسقاه كأسين من السمّ القتّال فلم يصب بأذى. ثمّ دفعه إلى القبور فأحيا ميتًا. عندئذٍ آمن الساحر بالله ونال نعمة الاستشهاد قبل جرجس.
6. جرجس الشاهد
بعدما رأى الملك ديوكلسيانُس أنّ الأعذبة والآلام لم تُثنِ جرجس عن إيمانه، خطرت بباله فكرة الإقناع والترغيب. استدعاه إليه وأخذ يتملّقه ويعده بالمناصب الرفيعة وطلب منه تقديم البخور للأصنام فوافق جرجس.
ظنّ الملك أنّ جرجس قد اقتنع أخيرًا فجمع الشعب أعيانًا وعامّة، ليحضروا تقديم البخور للإله "أبولّون" في معبد رئيس الآلهة. ولمّا أتت الساعة المرتقبة، وقد غصّ المعبد بالحضور، آتين لرؤية ارتداد جرجس إلى الوثنيّة، وقف جرجس أمام الصنم الكبير وخاطبه، قائلاً:
"هل أنت الإله الحقيقي؟" فسمع صوت من داخل الصنم يقول: "إنّني لست إلهًا، بل الإله هو الذي أنت تعبده".
عندئذٍ رسم جرجس إشارة الصليب على جبهته فسقط الصنم على الأرض وسقطت معه سائر الأصنام، وتحطّمت جميعها.
آمنت الملكة ألكسندرا زوجة الإمبراطور بإله المسيحيّين، عند رؤيتها ما جرى بالأصنام، وأعلنت جهارًا إيمانها بالله، فأمر زوجها الملك بضرب عنقها، فنالت معموديّة الدمّ وأضحت من شهداء المسيح.
7. جرجس الشهيد
بعد سقوط الأصنام وتحطيمها، ثار الشعب على جرجس. لكنّ الجنود استطاعوا أن يخرجوه من بينهم. ثمّ أمر الملك أن يربط جرجس بذنب حصان ويجرّ في شوارع المدينة أمام أنظار الشعب وشماتتهم.
ثمّ ضرب عنقه فانتقل إلى جوار خالقه بعد أن تحمّل آلامًا مبرّحة بشجاعة نادرة. تمّ ذلك في 23 نيسان سنة 303م، وقد عيّنت الكنيسة هذا اليوم تذكارًا لتكريس هذا القدّيس العظيم.
8. أسطورة جرجس
بعد وفاة جرجس بدأ الرسّامون يمثّلونه بصورة فارس مغوار، جميل الطلعة، يطعن برمحه تنّينًا هائلاً ويدوسه بسنابك حصانه، وهو يخلّص إبنة الملك من براثنه.
وتبدو تلك الأميرة في الصورة واقفة مرتعدة خائفة من التنّين، وأبواها يشرفان عليها من فوق الأسوار، وهما مسروران بإنقاذها على يد جرجس الفارس الشجاع.
هذه الأسطورة هي حكاية رمزيّة، تظهر لنا جرجس البطل الصنديد والشهيد العظيم، ينتصر على الشيطان الممثّل بالتنّين، منقذًا ابنة الملك أي الكنيسة من براثنه. أمّا الله ومريم العذراء فقد تمثّلا بالملك والملكة اللذين ينظران إلى انتصار الكنيسة على الشرّ، على يد جرجس الشهيد.
9. إكرام جرجس
بعد موت القدّيس جرجس انتشر التعبّد له في الشرق والغرب وقد بُني معبد في اللدّ على اسمه لم يزل المسيحيّون والإسلام يؤمّونه للصلاة والتبرّك حتّى اليوم.
وعلى اسمه مقامات أخرى مشهورة منها مار جرجس الخضر (أي الحيّ) في بيت لحم، ومار جرجس الحصن قرب حمص، ومار جرجس في حلب...
اتّخذته المملكة البيزنطيّة شفيعًا لها، يكرّمه الإنكليز إكرامًا خاصًّا وسمّي كثير من ملكوهم باسمه. وامتازت فرنسا وجمهوريّة "جنوا" وبلاد إسبانيا بالتعبّد له وإكرامه.
فلتكن صلاته معنا. آمين.