إِذا ثَبَتُّم فيَّ وثَبَتَ كَلامي فيكُم فَاسأَلوا ما شِئتُم يَكُنْ لَكم (يو 15 /7)
صوم يونان - نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس
الصوم المعروف بـ (صوم يونان) مدته ثلاثة أيام
وهو يسبق عادة الصوم الكبير بخمسة عشر يوم
ويعرف (فطر) صوم يونان بـ(فصح يونان)
وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضا (عيد الفصح) مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصة يونان علي أنها رمز لقصة المسيح مخلصنا.
فالفصح كلمة عبرانية معناها (العبور) أطلقت في العهد القديم علي عيد الفصح اليهودي
تخليدا لعبور الملاك المهلك عن بيوت بني إسرائيل في أرض مصر (الخروج12:13, 23)
فنجا بذلك أبكارهم من سيف الملاك الذي ضرب أبكار المصريين، وتخليدا أيضا لعبور بني إسرائيل البحر الأحمر (الخروج14, 15)
إلي برية سيناء فأرض الموعد.
ولقد كان ذلك العبور القديم رمزا إلي الحقيقة الأعظم خطر
وهي (العبور) بجميع بني آدم من عبودية الجحيم إلي حرية مجد أولاد الله في المسيح
وقد تم هذا العبور بصلب المسيح وبقيامته المجيدة
إذ عبر هو له المجد بالنيابة عن، بموته بديلا عنا وفادي، فصار عبوره هو عبورا لنا نحن
وقد عبرنا نحن فيه، ولما كانت قيامة المسيح بسلطان لاهوته هي برهان نجاح عملية العبور
لذلك كان عيد القيامة هو عيد (الفصح) الجديد، إذ هو عيد (العبور)
إلي الفردوس والمنشود الذي فتحه المسيح له المجد. بقيامته المجيدة.
إذن كيف يسمي (فطر) صوم يونان بـ (فصح) يونان
إلا إذا كانت الكنيسة نظرت إلي يونان النبي علي أنه رمز إلي المسيح له المجد؟
لقد قال رب المجد بفمه الطاهر
(إن هذا الجيل شرير، يطلب آية فلا يعطي إلا آية يونان النبي.
لإنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل..
وأهل نينوي سيقومون في يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه
لأنهم تابوا عندما أنذرهم يونان.
وهوذا أعظم من يونان هنا)
(لوقا11:19-32), (متي12:38-41).
نعم إن المسيح له المجد أعظم من يونان النبي
بقدر ما يعظم (الرب) عن العبد، و(الخالق) عن المخلوق
وهو كما قال بفمه الطاهر: (أعظم من سليمان) (لوقا11:31),(متي12:42)
وأعظم من أعظم مواليد النساء يوحنا المعمدان (متي 11:11) (لو7:25)
هو (الأبرع جمالا من بني البشر) (مزمور44:2)
(السعيد القدير وحده، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي له وحده الخلود، ساكنا في نور لا يقترب منه... الذي له الكرامة والعزة الأبدية)
(1تيموثيئوس6:15, 16), (الرؤيا - الجليان17:14), (19:16).
وإذا كان يونان النبي رمزا إلي المسيح له المجد
فما هي العلاقة، وما هو وجه الشبه بين الرمز والمرموز إليه؟
قال الرب يسوع (لإنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل) (لوقا11:30)
وقال: (لإنه كما مكث يونان ثلاثة أيام وثلاث ليال في جوف الحوت، كذلك يمكث ابن الإنسان ثلاثة أيام وثلاث ليال في جوف الأرض) (متي12:40).
كان يونان النبي آية لأهل نينوي، لأنه بمناداته وإنذاره لهم بالغضب الإلهي علي خطاياهم، صدقوه وأطاعوه
وتابوا عن خطاياهم وتابوا إلي الله
صائمين ضارعين بصلوات وابتهالات، وبكاء ودموع
فأشفق الله عليهم، ورفع غضبه عنهم، وأوقف قضاءه بهلاكهم
فنالوا الخلاص والنجاة، وعبروا من الموت إلي الحياة.
قال الكتاب المقدس:
فقام يونان وانطلق إلي نينوي بحسب قول الرب...
فابتدأ يونان يدخل المدينة... ونادي وقال بعد أربعين يوما تنقلب نينوي.
فآمن أهل نينوي بالله، ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلي صغيرهم.
وبلغ الكلام ملك نينوي، فقام عن عرشه، وألقي عنه حلته، والتف بمسح وجلس علي الرماد.
ونودي وقيل في نينوي عن أمر الملك وعظمائه قائلا:
لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا غنم شيئ
ولا ترع ولا تشرب ماء. وليلتف الناس والبهائم بمسوح، وليصرخوا إلي الله بشدة
ويتوبوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي بأيديهم، لعل الله يعود ويندم ويرجع عن اضطرام غضبه فلا نهلك.
فلما رأي الله أعمالهم، أنهم تابوا عن طريقهم الرديئة ندم الله علي الشر الذي قال إنه يصنعه بهم، ولم يصنعه
(سفر يونان3:3-10).
كان يونان النبي آية لأهل نينوي، لأنه بمناداته صار الهدى
وتمت المعجزة، معجزة العبور من حال إلي حال.
فقد تبدل الضلال إلي رشد، والعقوق إلي تقوي الله, والعصيان إلي طاعة الله وخضوع، والجحود والكفران إلي إيمان وغفران. .
فكان يونان لأهل نينوي آية وخلاصا.
جاء نذيرا فصار بشيرا.
أو قل كان يونان كما يدل اسمه(حمامة) سلام وخير.
فإن الاسم(يونان) هو الصيغة السريانية والعربية للاسم العبري (يوناه lonah) ومعناه (حمامة) ويكتبه الإغريق (يوناس lonas).
في عمل الهداية :
كان يونان النبي رمزا إلي يسوع المسيح (الكلمة)
الذي نزل من السماء (يوحنا3:13), (6:33, 38, مر, 51,50, 58)
في صورة (ابن الإنسان)(صائرا في شبه الناس) (فيلبي2:7).
جاء ينادي ببشارة ملكوت الله قائلا:
(قد تم الزمان، واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). (مرقس1:14, 15)
وجعل (يسوع يبشر قائلا: (توبوا فقد اقترب ملكوت السموات) (متي4:17, 23).
وكما تصالح أهل نينوي مع الله بتوبتهم، فرحمهم الله، ورفع غضبه عنهم
هكذا علي صعيد البشرية كله، صالحنا المسيح له المجد مع العدل الإلهي بعمل الفداء الذي كفر به عن خطيئة آدم وكل بني آدم الذين أخطأوا في آدم
(لإنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحد
ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة,...
صانعا سلاما...
مع الله بالصليب، قائلا العداوة به.
فجاء وبشركم بالسلام أنتم البعيدين والقريبين)
(أفسس2:14-17).
علي أن المشابهة بين يونان والمسيح له المجد
امتدت إلي ما هو أبعد من المناداة..
امتدت إلي المشابهة به في قبره، وخروجه من القبر حيا.
كان يونان في السفينة هاربا من وجه الرب
فلما حدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر..
وكان البحر يزداد اضطرابا..
أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه..
وأما الرب فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال(يونان1:4-17)
ثم أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر(يونان2:10).