يَدُكَ تَصِلُ إلى جَميعِ أَعْدائِكَ و يَمينُكَ إِلى مُبْغِضيكَ ( مز 21 /9)
شرح العقيدة - لنيافة الأنبا رافائيل
همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل
شرح العقيدة
أولاً: ما هي العقيدة؟
العقيدة هي ما نؤمن به، أو هي "ما انعقدت عليه الحياة".. لأن ما نؤمن به لا بد أن يؤثر على حياتنا وسلوكنا وتعاملاتنا، ثم على مستقبلنا الأبدي.
والعقائد المسيحية العظمى هي:
V الإيمان بوجود الله.
V الإيمان بالثالوث القدوس.
V الإيمان بألوهية السيد المسيح.
V الإيمان بالتجسد الإلهي.
V الإيمان بالفداء بدم المسيح على الصليب.
V الإيمان بقيامة السيد المسيح من الموت، ثم قيامتنا نحن معه في المجيء الثاني.
V الإيمان بالأسرار الكنسية السبعة ? بكل تفاصيلها.
V الإيمان بشركة القديسين والملائكة وشفاعتهم عنَّا في السموات.
V الإيمان بأن العذراء مريم هي والدة الإله وأنها دائمة البتولية.
ثانيًا: أهمية تدريس العقيدة:
(1) أن السيد المسيح هو واضعها، فلا بد من أن نعرف فكره ومطاليبه لنا.
(2) أن الآباء الرسل تعبوا وكرزوا بهذه العقائد في العالم كله، ونالوا أكاليل الجهاد والشهادة، من أجل نشر هذه التعاليم المقدسة.
(3) أن آباء البيعة المقدسة تعبوا في حفظها وشرحها والمحافظة عليها، وبذلوا من أجل ذلك دماءهم وأعراقهم الطاهرة.
(4) أن ليتورجيات الكنيسة تشرح العقيدة وتهتم بإبرازها، وهذه الليتورجيات المقدسة تعكس لنا مدى اهتمام الكنيسة في كل عصورها بهذه الأمور الإيمانية.. بل وتعلمنا كيف نصلي بهذه الإيمانيات.
(5) من أجل العقيدة عُقدت مجامع مسكونية لتقنين الإيمان وشرح ما استعصى على الناس فهمه، أو ما عوّج الهراطقة معناه. وأول مجمع عُقد في تاريخ المسيحية ورد ذكره في سفر أعمال الرسل لمناقشة بدعة التهود.. "فاجتَمَعَ الرُّسُلُ والمَشايخُ ليَنظُروا في هذا الأمرِ" (أع15: 6).
(6) هناك بُعد خلاصي لعقائدنا المسيحية.. فليست العقيدة مجرد فلسفات كلام ولكنها عقيدة خلاصية. فلا يمكن لإنسان أن يخلُص دون أن يؤمن بعقائدنا ويمارسها عمليًا (على سبيل المثال):
V الإيمان بألوهية السيد المسيح: "الذي يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذي لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ" (يو3: 36).
V المعمودية: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ" (يو3: 5).
V التناول من جسد الرب ودمه: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم" (يو6: 53).
V التوبة: "إنْ لم تتوبوا فجميعُكُمْ كذلكَ تهلِكونَ" (لو13: 3).
V الحِل من فم الكاهن: "كُلُّ ما تربِطونَهُ علَى الأرضِ يكونُ مَربوطًا في السماءِ، وكُلُّ ما تحُلّونَهُ علَى الأرضِ يكونُ مَحلولاً في السماءِ" (مت18: 18)، "مَنْ غَفَرتُمْ خطاياهُ تُغفَرُ لهُ، ومَنْ أمسَكتُمْ خطاياهُ أُمسِكَتْ" (يو20: 23).
هذه عقائد خلاصية، لا يمكن أن نستغنى عنها في موضوع خلاصنا الأبدي.
ماذا إذًا؟
ما هو المطلوب منَّا كخدام أرثوذكسيين، غيورين على كنيستهم، ومُحبين للمسيح، ويشتهون خلاص كل نفس على وجه الأرض؟
إن المطلوب منَّا هو:
(1) الإيمان بأهمية العقيدة.. كمثل فكر السيد المسيح، ورسله الأطهار، وكما أعلن الكتاب المقدس.. باعتبار العقيدة هي طريق الخلاص، وهي مُوجّه السلوك الروحي والسلوك اليومي، بل وهي سبب الحكمة والفهم "بالإيمانِ نَفهَمُ" (عب11: 3).
(2) مُعايشة هذا الفكر العقيدي.. عمليًا وتطبيقيًا في حياتنا.. حتى لا تظل العقيدة مجرد منطوق نظريات فلسفية يختلف حولها الناس، ويتشاجرون بسببها.. بل تكون هي المُحرك الحقيقي لسلوكنا اليومي.. "لأنَّنا لم نَتبَعْ خُرافاتٍ مُصَنَّعَةً، إذ عَرَّفناكُمْ بقوَّةِ رَبنا يَسوعَ المَسيحِ ومَجيئهِ، بل قد كُنّا مُعايِنينَ عَظَمَتَهُ" (2بط1: 16)، "أرِني إيمانَكَ بدونِ أعمالِكَ، وأنا أُريكَ بأعمالي إيماني" (يع2: 18).
(3) نقل هذه الخبرة الإيمانية الحياتية إلى أبنائنا ومخدومينا.. "الذي رأيناهُ وسمِعناهُ نُخبِرُكُمْ بهِ، لكَيْ يكونَ لكُمْ أيضًا شَرِكَةٌ معنا. وأمّا شَرِكَتُنا نَحنُ فهي مع الآبِ ومع ابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ" (1يو1: 3). فتكون هذه الخبرة هي أيضًا مُحرك سلوكياتهم، ويُدرك الجميع أهمية الإيمان والعقيدة لحياتهم، فيكتشفون تزييف الإدعاء الباطل باللاطائفية واللاعقيدة.
(4) شرح البُعد الروحي والخلاصي في كل عقيدة أرثوذكسية.. وأن يتربى عند الخدام الأرثوذكس الاختبار الروحي الليتورجي.. بحيث لا يكون الخادم منعزلاً عن الكنيسة، واتجاهاتها وإيمانها.
(5) التنبيه للانحرافات الإيمانية المنتشرة، وتفنيد الفكر الغريب.. لئلا يسقط في براثينها أحد البُسطاء، دون إدراك خطورتها أو انحرافاتها. لابد أن تكشف الثغرات الإيمانية لكل الشعب "لأنَّهُ باطِلاً تُنصَبُ الشَّبَكَةُ في عَينَيْ كُلِّ ذي جَناحٍ" (أم1: 17).. ولا يجب الاكتفاء بالبناء الإيجابي فقط، بل يجب أيضًا تفنيد الآراء الهرطوقية.
(6) نشر الفكر العقيدي الأرثوذكسي.. بممارسة الليتورجيا بحماس، وروحانية، وجمال روحي يخلب الوجدان، وكذلك بتأليف ترانيم على المستوى الشعبي، وبحفظ الآيات، وبتكثيف التعليم الكنسي العقيدي.
(7) ترسيخ فكرة أن الكتاب المقدس هو المرجع الأساسي الأول لكل عقيدة أرثوذكسية، وكذلك فكرة أن الليتورجيا في الكنيسة هي مصدر معتمد وموثق للفكر العقيدي.
(8) عدم الانخداع بالإدعاء الكاذب أننا متعصبون لأننا نتكلم في العقيدة.. فليس تقييم الناس لنا هو مُحرك خدمتنا، بل ما يُرضي الله.. "لأنَّ وعظَنا ليس عن ضَلالٍ، ولا عن دَنَسٍ، ولا بمَكرٍ، بل كما استُحسِنّا مِنَ اللهِ أنْ نؤتَمَنَ علَى الإنجيلِ، هكذا نتكلَّمُ، لا كأنَّنا نُرضي الناسَ بل اللهَ الذي يَختَبِرُ قُلوبَنا. فإنَّنا لم نَكُنْ قَطُّ في كلامِ تمَلُّقٍ كما تعلَمونَ، ولا في عِلَّةِ طَمَعٍ. اللهُ شاهِدٌ" (1تس2: 3-5).
فلا يليق يا إخوتي.. أننا نتوقف أمام كل رأي باطل يُوجهه لنا الناس، ونتعطل عن طريقنا المستقيم، خوفًا من آرائهم الباطلة.. بل يجب أن نكون أقوياء، ونفرح بهذه الأقاويل الكاذبة، ونقبلها بكل صبر.. "طوبَى لكُمْ إذا عَيَّروكُمْ وطَرَدوكُمْ وقالوا علَيكُمْ كُلَّ كلِمَةٍ شِريرَةٍ، مِنْ أجلي، كاذِبينَ. اِفرَحوا وتهَلَّلوا، لأنَّ أجرَكُمْ عظيمٌ في السماواتِ، فإنَّهُمْ هكذا طَرَدوا الأنبياءَ الذينَ قَبلكُمْ" (مت5: 11-12).
(9) في كل هذا يجب أن نتبع المبدأ الكتابي.. "نَطلُبُ إلَيكُمْ أيُّها الإخوَةُ: أنذِروا الذينَ بلا ترتيبٍ. شَجعوا صِغارَ النُّفوسِ. أسنِدوا الضُّعَفاءَ. تأنَّوْا علَى الجميعِ" (1تس5: 14).
ففيما نتمسك بإيماننا بكل قوة.. يجب أن نتعامل مع الناس بكل محبة، فنحن لا نختلف مع الناس بل مع الفكر المُنحرف. فالكتاب المقدس نفسه يأمرنا.. كونوا
"مُستَعِدينَ دائمًا لمُجاوَبَةِ كُل مَنْ يَسألُكُمْ عن سبَبِ الرَّجاءِ الذي فيكُم، بوَداعَةٍ وخَوْفٍ" (1بط3: 15).
ثالثًا: لمَنْ نشرح العقيدة؟
يجب شرح العقيدة لكل فئات الشعب من الأطفال إلى الكبار، والبسطاء، والعلماء.. لأن الكتاب المقدس يعلمنا: "هَلكَ شَعبي مِنْ عَدَمِ المَعرِفَةِ" (هو4: 6).
وطالما عرفنا أن للعقيدة بُعد خلاصي فلا يجب أن نحجب معرفة الإيمان عن أي من الشعب المؤمن بالمسيح، ونحتاج أن نشرح الإيمان بطرق مبسطة تتناسب مع المستمع والمتلقي.
رابعًا: طرق التدريس:
(1) اللحن والترنيمة: ألحان كنيستنا تحمل أبعادًا عقيدية تثبِّت الإيمان في أذهان الناس، وهناك ترانيم تشرح أمورًا عقيدية (نحتاج المزيد منها).. وهذه الطريقة تناسب الأطفال والكبار بحسب مستوى الترنيمة أو اللحن.
(2) الممارسة العملية: هي دخول عملي اختباري في مواضيع عقيدتنا المسيحية مثل:
V رشم الصليب.
V التناول من الأسرار المقدسة.
V المشاركة في الصلاة بالأجبية والصلوات العامة الكنسية.
v المشاركة في الصيامات والأعياد السيدية.
V المشاركة في أعياد القديسين وتماجيدهم وتكريم أجسادهم.
V دراسة الكتاب المقدس وقراءته بانتظام.
V المشاركة في صلوات التسبحة اليومية.
V حضور صلوات أسرار الكنيسة (القنديل، الإكليل، السيامات....).
V ممارسة سر الاعتراف.
(3) الشرح المبسط عن طريق القصص، والتمثيل، والرموز، ووسائل الإيضاح، والوسائط السمعية والبصرية والكمبيوترية.
(4) التنويه للمعاني الروحية واللاهوتية والخلاصية للممارسة الكنسية أثناء الممارسة أو قبلها، خصوصًا الممارسات الموسمية أو غير المتكررة (المعمودية وجحد الشيطان، وأنواع الزيوت، ومعنى الإشبين، والاتجاه للشرق، والإكليل، والقنديل، وتبريك المنازل....الخ).
(5) شرح العقيدة من خلال الدروس الروحية، وعظات القداسات، واجتماعات دراسة الكتاب المقدس.
(6) عمل اجتماعات خاصة بشرح العقيدة بطرق مبسطة.
(7) تشجيع الشباب والخدام على عمل أبحاث ودراسات لاهوتية، والالتحاق بكليات ومعاهد اللاهوت