استرني من عصابة الأشرار و من زمرة فعلة الآثام (مز 64 /3)
روح الصلاة - لنيافة الأنبا رافائيل
همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل
روح الصلاة
اتجه العالم إلى الفكر العلمي المادي المحسوس، وترك عنه روح الإيمان والصلاة والعبادة.. يؤمن الناس بما يرونه، وينشغلون بما يحققونه من إنجازات بالفكر والعقل والذكاء.
تناسى الناس أن هناك الله الذي يحبنا ويستحق منَّا نظرة اهتمام وتقدير.. إنه ينادي في هدوء: "اِلتَفِتوا إلَيَّ واخلُصوا يا جميعَ أقاصي الأرضِ، لأني أنا اللهُ وليس آخَرَ" (إش45: 22).. ولكن ملايين البشر عنه لاهون .. حقًا قال الرب يسوع: "ماذا يَنتَفِعُ الإنسانُ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّهُ وخَسِرَ نَفسَهُ؟ أو ماذا يُعطي الإنسانُ فِداءً عن نَفسِهِ؟" (مت16: 26).
لا شك أن الإنسان استطاع بهذه القدرة الجبارة التي وضعها الله فيه واسمها العقل .. أن يعمل إنجازات كثيرة جدًّا، ويتغلب على الطبيعة الغاشمة، ويبني السدود والأبراج، ويغلب الأمراض والأوبئة، ويصنع الحضارة بكل ما فيها من خير للبشر .. الله نفسه يفرح بهذه الإنجازات المفيدة، لأنه وضع فينا العقل والقدرة على التفكير من أجل هذا.
لقد خلقنا الله متميزين عن باقي الخليقة بالعقل والإرادة والحرية، فهل من المعقول أن نستخدم هذه العطايا الإلهية للبُعد عن الله، ونتناسى بل ونتجاهل وجوده في الكون.
يستطيع الإنسان أن يعطي لكل شيء وقتًا.. للعب والفرجة عن النفس وللإجازة والمصيف ولمتابعة أمواله في البنوك وأسهمه في البورصة، وللحب والعلاقات الإنسانية، وللقراءة والتعلم والتدريب، والعمل والإنتاج، ويعطي وقتًا للإعلام بكل أنواعه ووسائله .. أما الله فليس له وقت، بل ليس له مكان في خريطة اليوم، بل وفي حياتنا كلها.
آه لو يعود الإنسان مرة أخرى إلى الإيمان.
آه لو اقترنت الحضارة الحديثة بنعمة الإيمان.
آه لو خصصنا وقتًا ضئيلاً للصلاة والحديث مع الله، والتمتع بحبه وأبوته ورعايته.
ما المانع أن الحضارة الحديثة تشهد للإيمان ولا تتعارض معه؟
لماذا يتكبر الإنسان على الله نفسه، ويتجاهل وجوده، ويتجاهل أن الله هو صانع الإنسان وعقله وحكمته وذكائه؟
لماذا يتجاهل البشر أنهم لم يستطيعوا غلبة الموت؟
وهل يتوقع البعض أن حياة الإنسان ستنتهي بالموت، ولا يكون هناك الله يحاسبنا على حياتنا وأعمالنا؟
وهل حياة تنتهي بهذا المصير المتلاشي تستحق المثابرة والجهاد والتعب والعناء والإنتاج؟
إن أجمل ما في الحياة أننا سنقف أمام الله ليكافئنا عن أعمالنا.
هل لم يفكر البشر في هذه اللحظة الجميلة التي سنتواجه فيها مع خالقنا الذي أوكلنا على أمر الحياة على الأرض حقًا .. ماذا ينتفع الإنسان؟