أَذكر اللهَ فتئِنّ نَفْسي أَئأَمَّلُ فيغْشى على روحي (مز 77 /4)
الروح القدس و الزيت - لنيافة الأنبا رافائيل
همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل
الروح القدس والزيت
قد يظن البعض أن كلمة (مَسحة) لا تُعني الدهن بالزيت، وبالتالي يتشككون في العلاقة بين حلول الروح القدس على الإنسان ومسحه بزيت الميرون.
دعنا الآن نبحث في الكتاب المقدس.. عن ارتباط الروح القدس بالدهن بالزيت المقدس..
+ عندما أراد أبونا يعقوب أن يدشن أول كنيسة (بيت إيل) استخدم الزيت.. "وبكَّر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً، وصب زيتاً على رأسه. ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل" (تك28: 19-18).
ومرة أخرى أعاد يعقوب تدشين هذا المكان عند عودته بعد زواجه..
"فنصب يعقوب عموداً في المكان الذي فيه تكلم معه، عموداً من حجر، وسكب عليه سكيباً، وصب عليه زيتاً. ودعا يعقوب اسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل" (تك35: 15-14).
+ أمر الرب موسى أن يصنع دهناً مقدساً، يدشن به الخيمة وكل محتوياتها، وشرح له مكونات هذا الدهن المقدس، واستخداماته، وحذره من تقليد مكوناته لأي استخدام آخر غير التدشين والتكريس..
"وكلم الرب موسى قائلاً: وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب: مراً قاطراً خمس مئة شاقل، وقرفة عطرة نصف ذلك:
مئتين وخمسين، وقصب الذريرة مئتين وخمسين، وسليخة خمس مئة بشاقل القدس، ومن زيت الزيتون هيناً. وتصنعه دهناً مقدساً للمسحة. عطر عطارة صنعه العطار. دهناً مقدساً للمسحة يكون. وتمسح به خيمة الاجتماع، وتابوت الشهادة، والمائدة وكل آنيتها، والمنارة وآنيتها، ومذبح البخور، ومذبح المحرقة وكل آنيته، والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس أقداس. كل ما مسها يكون مقدساً. وتمسح هارون وبنيه وتقدسهم ليكهنوا لي. وتكلم بني إسرائيل قائلاً:
يكون هذا لي دهناً مقدساً للمسحة في أجيالكم. على جسد إنسان لا يسكب، وعلى مقاديره لا تصنعوا مثله. مقدس هو، ويكون مقدساً عندكم. كل من ركب مثله ومن جعل منه على أجنبي يقطع من شعبه" (خر30: 33-22).
ملاحظة: تركيب هذا الدهن المقدس هو النموذج الذي يصنع مثله زيت الميرون المقدس.
+ وقد استخدم موسى هذا الدهن فعلاً لتقديس المسكن وكل ما فيه، وأيضاً لتكريس هارون.. "ثم أخذ موسى دهن المسحة ومسح المسكن وكل ما فيه وقدسه، ونضح منه على المذبح سبع مرات، ومسح المذبح وجميع آنيته، والمرحضة وقاعدتها لتقديسها، وصب من دهن المسحة على رأس هارون ومسحه لتقديسه" (لا8: 12-10).
"وتأخذ دهن المسحة وتسكبه على رأسه وتمسحه" (خر7:29).
وقد وصف المزمور هذا الدهن المقدس قائلاً: "مثل الدهن الطيب على الرأس، النازل على اللحية، لحية هارون، النازل إلى طرف ثيابه" (مز2:133).
+ واستخدم نفس الدهن المقدس لتكريس بني هارون في الكهنوت.. "وتلبس هارون أخاك إياها وبنيه معه، وتمسحهم، وتملأ أياديهم، وتقدسهم ليكهنوا لي" (خر41:28).
"وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي. ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتاً أبدياً في أجيالهم" (خر15:40).
+ وكان الممسوحون بالدهن المقدس يلتزمون ببعض الإلتزامات إحتراماً لهذه المسحة المقدسة.. "والكاهن الأعظم بين إخوته الذي صب على رأسه دهن المسحة، وملئت يده ليلبس الثياب، لا يكشف رأسه، ولا يشق ثيابه، ولا يأتي إلى نفس ميتة، ولا يتنجس لأبيه أو أمه، ولا يخرج من المقدس لئلا يدنس مقدس إلهه، لأن إكليل دهن مسحة إلهه عليه. أنا الرب" (لا21: 12-10).
"ومن باب خيمة الإجتماع لا تخرجوا لئلا تموتوا، لأن دهن مسحة الرب عليكم" (لا7:10).
+ صموئيل النبي يمسح شاول ملكاً.. "غداً في مثل الآن أرسل إليك رجلاً من أرض بنيامين، فامسحه رئيساً لشعبي إسرائيل، فيخلص شعبي من يد الفلسطينيين" (1صم 16:9).
"فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه وقبله وقال: أليس لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيساً؟" (1صم1:10).
+ صموئيل النبي يمسح داود ملكاً.. "فقال الرب لصموئيل..... املأ قرنك دهناً وتعال أرسلك إلى يسىًّ البيتلحمي، لأني قد رأيت لي في بنيه ملكاً" (1صم1:16).
"فأرسل وأتى به. وكان أشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر. فقال الرب: قم امسحه، لأن هذا هو. فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط إخوته. وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعداً" (1صم16: 13-12).
لاحظ هذا الارتباط بين المسحة وحلول روح الرب على داود. وفي هذا يترنم المزمور.. "رفعت مختاراً من بين الشعب. وجدت داود عبدي. بدهن قدسي مسحته. الذي تثبت يدي معه. أيضاً ذراعي تشدده" (مز89: 21-19).
وكذلك.. "مسحت بالدهن رأسي" (مز5:23). وقد جدد الشعب مسح داود ملكاً ليملك بالفعل.. "ومسحوا داود ملكاً على إسرائيل" (2صم3:5).
+ صادوق الكاهن يمسح سليمان ملكاً.. "وقال الملك داود.... خذوا معكم عبيد سيدكم، وأركبوا سليمان إبني على البغلة التي لي، وانزلوا به إلى جيجون، وليمسحه هناك صادوق الكاهن وناثان النبي ملكاً على إسرائيل، واضربوا بالبوق وقولوا: ليحي الملك سليمان" (1مل1: 34-32).
+ إيليا يمسح حزائيل وياهو ملكين.. "فقال له الرب: اذهب راجعاً في طريقك إلى برية دمشق، وادخل وامسح حزائيل ملكاً على أرام، وامسح ياهو بن نمشي ملكاً على إسرائيل" (1مل19: 16-15).
+ إيليا يمسح أليشع نبياً.. "وامسح ياهو بن نمشي ملكاً على غسرائيل" (1مل19:16).
+ أليشع يمسح ياهو بن يهوشافاط بن نمشي ملكاً.. "ودعا أليشع النبي واحداً من بني أنبياء وقال له: شد حقويك وخذ قنينة الدهن هذه بيدك، واذهب إلى راموت جلعاد. وإذا وصلت إلى هناك فأنظر هناك ياهو بن يهوشافاط بن نمشي، وادخل وأقمه من وسط إخوته، وادخل به غلى مخدع داخل مخدع.
ثم خذ قنينة الدهن وصب على رأسه وقل: هكذا قال الرب: قد مسحتك ملكاً على إسرائيل" (2مل9: 3-1). "فقام ودخل البيت، فصب الدهن على رأسه وقال له: هكذا قال الرب إله إسرائيل: قد مسحتك ملكاً على شعب الرب إسرائيل" (2مل6:9).
+إننا نرى في البركة التي بارك بها الرب شعبه في سفر التثنية معنى رمزياً.. "ويحبك ويباركك ويكثرك ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك قمحك وخمرك وزيتك" (تث13:7).
فالقمح والخمر هما سر الإفخارستيا، والزيت هو رمز الروح القدس. وهو نفس ما تكلم به يوئيل النبي.. "ها أنذا مرسل لكم قمحاً ومسطاراً وزيتاً" (يؤ19:2) (المسطار هو الخمر). "فتملأ البيدار حنطة، وتفيض حياض المعاصر خمراً وزيتاً" (يؤ24:2).
وكذلك إرميا النبي.. "لأن الرب فدى يعقوب وفكه من يد الذي هو أقوى منه. فيأتون ويرنمون في مرتفع صهيون، ويجرون إلى جود الرب على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت" (إر31: 12-11).
ولذلك قيل في سفر الرؤيا: "ثمنية قمح بدينار، وثلاث ثماني شعير بدينار. وأما الزيت والخمر فلا تضمرهما" (رؤ6:6).
وهذه إشارة إلى فترة الغلاء الروحي حيث تشح كلمة الله (القمح والشعير)، ولكن تظل الأسرار الكنسية المقدسة قائمة (الخمر والزيت).
+ وفي نبؤة حزقيال بخصوص تطهير أورشليم قال: "فمررت بك ورأيتك، وإذا زمنك زمن الحب. فيسطت ذيلي عليك وسترت عورتك، وحلفت لك، ودخلت معك في عهد، يقول السيد الرب، فصرت لى. فحممتك بالماء، وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت" (حز16: 9-8).. هنا غسلها بالماء يعني: (المعمودية)، ومسحها بالزيت يعني: (الميرون).
+ قيل عن الرب يسوع نفسه: "مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك" (عب9:1).
اقتباساً من المزمور القائل: "مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك" (مز7:45). ولذلك جاءت أيضاً النبوة عن شخصه القدوس قائلة:
"روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (إش1:61).
هذا طبعاً غير الدهن الذي يستخدم لدهن المرضى (سر مسحة المرضى)، والذي قيل فيه "دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم" (مر13:6).
"أمريض أحد بينكم؟ فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب" (يع14:5).
واضح من النصوص السابقة أن طريقة حلول الروح القدس على الناس في العهد القديم كانت بواسطة الدهن بالمسحة المقدس فيصير الإنسان كاهناً أو نبياً أو ملكاً.
ونفس اللفظ المستخدم في العهد القديم (المسحة) هو الذي استخدمه الروح القدس في العهد الجديد.. "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها كل شيء" (1يو27:2)