الغالب سأطعمه من شجرة الحياة التي في فردوس الله (رؤ 2 /7)
الاندماج في الحياة الكنسية - لنيافة الأنبا رافائيل
همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل
الاندماج في الحياة الكنسية
"الكنيسة هي خلاصك وملجأك، أنها مرتفعة أكثر من السماء وواسعة أرحب من الأرض أنها لا تقدم ولا تشيخ لكنها دائماً في بهاء"
القديس يوحنا ذهبي الفم
اعتدنا أن نطلق كلمة "كنسي" على من يحب الطقوس أو الألحان أو من يكون مهتماً بترتيب الممارسات داخل الكنيسة، هنا ويصير بين المؤمنين من هو "كنسي" بهذا المعنى ومن هو "غير كنسي"!!
لذلك نفضل هنا أن نقول "كنسية الحياة" أي الحياة التي تحمل طبيعة وسمات الكنيسة. فالكنيسة هي الخلق الجديد للطبيعة البشرية التي سقطت في آدم وتجددت في المسيح وصار هو رأساً لها. وكل الترتيبات والصلوات والطقوس التي تتم داخل الكنيسة إنما هي التعبير عن ممارسة هذه الحياة الجديدة بصورة عملية.
فنوال الخلاص وقبول الحياة الجديدة هو انضمام للكنيسة "كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع47:2)، وعملية الضم هذا تتم بسر المعمودية "لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد .. وجميعنا سقينا روحاً واحداً" (1كو13:12)، وكان كل الذين ينضمون إلى هذا الكيان الجديد "الكنيسة جسد المسيح" كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات (أع42:2)، وهذا هو سر الافخارستيا أو "القداس الإلهي"، والحياة الجديدة، حياة الخلاص، هي "حياة التسبيح" "سبحوا الرب تسبيحاً جديداً".
لذلك كان كل المنضمين إلى الكنيسة "كل يوم في الهيكل يواظبون بنفس واحدة وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب مسبحين الله" (أع46:2).
هنا التسبيح هو التعبير الأساسي عن الحياة الجديدة، وهذا هو ببساطة "طقس التسبحة"، وفي الكنيسة ظهرت خدمة الفقراء "أخوة الرب" إذ أن الأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج(أع45:2)، وفيها ظهرت خدمة الشمامسة ورتبهم (أع6)، وفيها ترتيب الأواشي والصلوات المختلفة لأجل كل الفئات "أما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله" (أع5:12)، وكان الرسل يحافظون على الصلوات الليتورجية "صلوات السواعي والأجبية" "صعد بطرس ويوحنا معاً إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة".
الكنيسة إذاً ليست مفهوماً عقلياً مدرسياً وإنما حياة وتطبيق وممارسة، ونحن نصف الحياة داخل الكنيسة بأنها حياة ليتورجية باعتبار أن صاحبها يعيش حياته الجديدة بعضويته الدائمة في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، يحيا حياتها ويمارس أعمالها ويحمل سماتها ويستمد منها خلاصه ونموه وتقواه، ولذلك نحن لا نفرق بين عبادة شخصية وعبادة ليتورجية، توبتي وعبادتي الشخصية تقوي "الكنيسة" وليتورجيات الكنيسة تمدني بالحياة والخلاص والنمو والتقوى.
بركات الحياة الليتورجية
+ تقديس الزمان
هذا الزمان الذي يتآكل، ينقضي، ينصرم، تحوله الكنيسة في دورات ليتورجية إلى زمان الفداء، زمان الأبدية والخلود. فاليوم يصبح يوماً للمسيح، يحمل سمات الحياة الجديدة "صلوات الأجبية"، والأسبوع يصير زماناً للفداء والخلاص "التسبحة اليومية"، والعام كله يصبح زماناً مقدساً "الأعياد السيدية"
هكذا كما اتحد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح القدوس بلا اقتران وبلا امتزاج، هكذا يتحول زماننا الفاني والمائت في المسيح بالليتورجية إلى زمان جديد، لا يحمل للإنسان الشيخوخة والموت والفناء وإنما التجديد والخلاص والفداء.
+ تقديس المادة:
العالم المادي هو حضور الله في حياة الإنسان، إعلان هذا الحضور وهذا الحب يعود من جديد يتقدس بالصلاة وحضور المسيح، بعد أن صار مادياً بسقوط الإنسان الأول يعود يصير روحياً بحضور المسيح فيه وتقديسه، فلا يعود بعد يخص التراب والجسد وإنما يصير إستعلان لمحبة الله، فالماء يتقدس والحنطة تتحول والخمر يتجلى والزيت يسكب النعمة على الإنسان، حتى الحجارة والأخشاب والألوان .. الخ تتدشن بالروح القدس لتعلن هذا الحضور الإلهي في الكون.
+ المنظور الكوني للحياة:
استمع إلى الكنيسة وهي تصلي من أجل البطريرك والأساقفة والقمامصة والقسوس والشمامسة والخدام والبتولين والمتزوجين والرئيس والوزراء والجنود والجيران والمسافرين والمرضى والمنتقلين والذين يقدمون القرابين والفقراء والذين في منصب، ومربي الأولاد والأرملة واليتيم والغريب والضيف والزروع والهواء والمياه والبهائم والوحوش والشيوخ والأطفال والأعشاب ونبات الحقل والأشجار والنيل ... الخ.
أنها الكنيسة الكونية بل قل أنها الكون الجديد، الخميرة التي تخمر العجين كله، أنها وضعت في العالم "إسرائيل الجديد" تحمل في حياتها وقلبها العالم كله وتحييه بحياتها الجديدة.
+ البعد السماوي للحياة:
"حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم"، "هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا حمل الله الذي يحمل خطية العالم .. الذي يقف أمامه جميع الطغمات السمائية" صلاة القسمة.
لا أحد في الكنيسة يموت! لذلك خلال الليتورجيا يحضر المسيح القدوس مع ملائكته ومع القديسين الذين انتقلوا إلى السماء، هل تحضر السماء عينها إلى الكنيسة؟ أم ترتفع الكنيسة نفسها إلى السماء؟!
النتيجة واحدة هي هذه السمة السماوية التي تغلف حياة الكنيسة، وهذا الفكر السماوي الذي تعيش به، وهذه الطبيعة السماوية التي تميزها عن العالم، أن الكنيسة في الليتورجية تسبح تسبحة السمائيين كما وضعها لنا يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا "قدوس قدوس قدوس رب الجنود السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس"
أخيراً نحتاج في حياتنا داخل الكنيسة إلى:
- الوعي: بما نمارسه ونتممه، الوعي بمعناه ومركزه في علاقتنا بالمسيح
- المشاركة: فنحن لسنا مشاهدين نراقب ونحلل وإنما مشاركين نتغذى وننمو.
- الجدية والاهتمام: فنحن نشعر بحضور الله بمقدار ما نعطي لهذا الحضور معنى وقيمة في حياتنا.
- الإيمان: بأن هذا كله قد صار لنا.
هكذا تنقلنا الحياة الليتورجية من صحراء العقل إلى فردوس الاختبار،
من رخاوة العاطفة إلى قوة الإيمان.
فالدعوة إلى الحياة الليتورجية هي دعوة يسوع لأندراوس ويوحنا
"تعاليا وانظرا، فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم" (يو39:1)