أعَظِّمُكَ يا رَبُّ لِأَنَّكَ اْنتشَلتَني و لم تُشمِتْ بي أَعْدائي ( مز 30 /2)
سأكون الحبّ!.. هذه دعوتي - نقلاً عن كتاب: اليدان الفارغتان
سأكون الحبّ!.. هذه دعوتي
تستفيق الزوجة والأم في تريز (ليزيو)، ولكنّها تعرف أنّها ستحفظ هذه القدرات ليسوع فقط.
في يوم أحد، بعد القداس، تقع نظرتها على صورة ليسوع على الصليب. في اللحظة عينها، تنفعل بعمق لرؤيتها الدم الذي يسيل من يد المصلوب. ويثير فيها هذا المشهد رغبة حارة في أن تكون مشاركة مع يسوع في خلاص الذين يموت من أجلهم.
تسمع باستمرار صرخته على الصليب: "أنا عطشان".
"منذ هذه النعمة الفريدة، كبرت رغبتي في خلاص البشر، كلّ يوم. يبدو لي أنني أسمع يسوع يقول لي كما قال للسامرية:" أعطني لأشرب"! كان ذلك تبادل حب حقيقي؛ إلى النفوس، كنت أعطي دم يسوع، وإلى يسوع كنت أقدّم هذه النفوس عينها منتعشة بنداه الإلهي؛ وبقدر ما كنت أعطيه ليشرب، بقدر ذلك كان يزداد عطش نفسي الصغيرة الفقيرة. وهذا العطش الشديد هو الذي كان يعطيني إياه كأعذب ماء من حبه".
الآن حيث تلتقي الكثير من الناس، فإنّ مدى حياتها التأملية يتفجر، حتى في نظرتها إلى الإنسان. كل شيء عندها يتجمع في اتجاه واحد: يسوع. بين الجمع، هو وحده الذي تحب؛ وفيه، تحبهم جميعا؛ وللجميع تريد أن تعطي يسوع. في دعوتها الخاصة بها، حبّها الأخوي يعني أن تساعد البشر في الدنو من الله.
الرسالة التبشيرية تجذبها بقوة. لكن شفيعة الرسالات المقبلة، بتفحّصها كل شيء جيداً، تجد أنه مثمر أكثر، بالنسبة إليها، أن تذهب لتعيش رسالتها في قلب حياة الكرمل المصليّة.
فهي تعتقد أنها لا تزال تستطيع أن تعطي نفسها أكثر، لأجل الكنيسة،
"في رتابة حياة متقشفة ، من دون رؤية ثمرة أعمالها أبدا".
هذا ليس هروباً من الألم على الإطلاق وليس خيانة للإنسان. تريد أن تحمل معها العالم بكامله إلى الكرمل مدينتها الصغيرة، كما إلى محترف حيث ستعمل لأجل النفس البشرية.
تراقب الأرض بنظرة يسوع، المحبّة الإلهية هذه. وبالحماسة نفسها، تريد أن تصلي لأجل تقديس اسم الله ومن أجل مجيء ملكوته بيننا. هذا سيكون أسلوبها في العمل على خلاص كل إنسان.
عند دخولها الكرمل، سيظهر أن لطموحها هدفا اجتماعيا بشكل خاص:
"أتيت لأعمل على خلاص النفوس، ولكي أصلّي لأجل الكهنة".
"نفوس" مقابل "بشر" : هذا نموذجي، ولا يمكننا على الإطلاق أن نجد في ذلك ما هو سلبي .
إنها تريد اللقاء بالبشر على المستوى الأعمق؛ بالنسبة إلى الله، إنها نقطة التلاقي المباشرة أكثر. تريز تعي دورها ومسؤوليتها المشاركة في تأليه الإنسان:
"عند يسوع حب لنا غير مفهوم لدرجة أنه يريد أن تكون لنا حصة معه في خلاص النفوس الأخرى المفتداة مثلها بثمن دمه كله".
حوالي نهاية حياتها، سيكتسب وعيها الرسولي كثافة فريدة، مضافة إلى التفاتة فائقة الحد إلى القريب المقيم إلى جانبها.
وفيما بعد، فهمها المسيحيون جيدا. وكم من مرسلين يكنون وداً خاصاً للقديسة الصغيرة التي لم تضع رجلها خارج ديرها أبداً. كم من مؤمنين تعلموا من تريز أنهم يستطيعون أيضاً أن يكونوا مرسلين، هناك حيث وجدوا، في الدعوة التي يهبهم الله إياها وفي الأشياء اليومية الدقيقة، بمحبتهم وصلاتهم، وربما بصلبانهم. وستختبر تريز عنف رغباتها:
"يا يسوع ... أريد أن أطوف الأرض... إنّ رسالة واحدة لا تكفيني، أريد في الوقت نفسه أن أبشر بالإنجيل في أرجاء العالم الخمسة وحتى في الجزر النائية جداً".
لكنها ستجد إتمام طموحها في الحب، المعتبر كقوة جسد المسيح السرّي الدافعة:
"في قلب الكنيسة، سأكون" الحب"... هكذا سأكون الكل... وهكذا سيتحقق حلمي!!
أن نحب، هذا ممكن في كل مكان. من تريز ليزيو إلى تريز كالكوتا، وإلى أبعد موقع، فالفروقات ليست إلا خارجية. ليس من شيء أكثر قيمة عند الله من الحب الذي تحياه. " إن لم تكن لي المحبة، فما أنا إلاّ نحاس يطنّ أو صنج يرنّ. ( 1 قورنتس 13 / 1 ).
على عتبة سنواتها الخمسة عشرة، قررت تريز مارتان أن تحيا لأجل الله بأسرع ما يمكن، وبالطريقة الأكثر راديكالية التي في متناولها.
رغبتها، يعني" اليقين من نداء إلهي"، يحصّنها ضد كل معارضة وكل نصيحة مقصودة فعلاً. ويبدو لها أن الوقت قد نضج لمباشرة العمل.
" هذا المكان، حيث انتظرني، كان الكرمل؛ " قبل أن أستريح في الظل"، كان عليّ المرور بتجارب كثيرة. لكن النداء الإلهي كان ملحاً لدرجة أنّه لو توجّب عليّ اجتياز النيران، لفعلت ذلك لأكون أمينة ليسوع".
تتغلب تريز على جميع العقبات: هذه المتأتية من والدها ومن الكرمل، مع رئيسه، ومن المطران. خلال سفرها إلى روما، تدافع عن دعوتها حتى أمام البابا!
مع الحب كمثال- وهو متاعها الوحيد تقريباً- تجد نفسها في التاسع من نيسان 1888، أمام باب حرم الدير. تعانق والدها وأفراد عائلتها لآخر مرّة. تجتاز عتبة بيت الصلاة هذا وقلبها يخفق. ولم ترى شوارع ليزيو.
هل هي مستعدة للقيام بهذه الخطوة؟ هذه المراهقة ابنة الخامسة عشرة، تتمتع بكل تأكيد بنضج شابة في العشرين. وفي عمق نفسها، يشعّ نور عظيم! إنها مخطوفة بفرح الحب:
أنا له، وهو لي! لازمة جميع الأوقات! تريز تقارن حماستها الشبابية بالخمرة اللذيذة التي تفرّح القلب وتنسي أشياء كثيرة.
مع القديس بولس، هي واعية أن لا شيء يستطيع أن يفصلها عن الله، الذي يأسرها.
هي تعيش في"سماء الحب". مع ذلك ، تعرف أين هي من هذا.
" سعادتي لم تكن عابرة، ولم يكن عليها مطلقا أن تحلّق نحو" أوهام الأيام الأولى".
" الأوهام، لقد أنعم الله تعالى عليّ بنعمة أن أكون خالية منها عند دخولي الكرمل؛ وجدت الحياة الرهبانية كما كانت قد صوّرت لي، لم تدهشني ولا أيّ تضحية".
يا للواقعية! إنها ناضجة كفاية لتخطو هذه الخطوة. طبعاً، لا بدّ لها من أن تنضج بعد، وعنده وقت لذلك. وبالرغم من جميع التقديرات الواضحة، فمما لا يقبل الجدل أن الألم سيحمل تصويبات محسوسة جدا. لكن هكذا نكبر.
هل لعب مثال أختها أنييس دورا في قرارها؟ هذا ممكن، ويبدو لنا أنّه من الصعب تجاهله.
نحن غالبا هدية من الله بعضنا لبعض. بعد موت والدتها، كانت أنييس قد أصبحت إلى تريز "أما ثانية"، و"مثالها".
إن دخول الأم أنييس الكرمل (الذي تبعه دخول أخت ثانية بعد سنوات من ذلك، وهي ماري)، هو عامل نفساني كان بالنسبة إلى تريز وسيطاً لفهم دعوة الله ونعمته. لكن تريز تعرف كل المعرفة، في تحليل أخيراً لها، أنّها كانت حين قرارها الصعب، منقادة فقط بعطائها الحر إلى مخطط تختبره كأنه آت من الله وشاءه هو. هكذا تعرضه بعد سنوات، عندما تنظر إلى الوراء بإدراكها الذي كان قد تطهّر عندئذ بعمق واستنار بالقرب من الله.
"كان حب يسوع وحده قد استطاع أن يجعلني أتغلب على هذه الصعوبات وتلك التي تبعتها".
نقلاً عن كتاب: "اليدان الفارغتان"