بارِكوا الرَّبَّ يا جَميعَ قوَّاتِه يا خُدَّامَه العامِلينَ بِرِضاه (مز 103 /21)
القديس بيو - ثالثًا: قدّاس الأب بيّو - جنود مريم
ثالثًا: قدّاس الأب بيّو
إنّ الأب بيّو هو قبل كلّ شيء كاهن، ولذا فإنّ لديه ميزة خاصّة لأبناء جنسه الكهنة، فهم يقصدون سان جيوفاني روتندو من بعيد فيعثرون على «معنى أعمق لكهنوتهم ومحبّة أشمل للنفوس». وقد قال كاهن: «منذ أن حضرت قدّاس الأب بيّو لا أستطيع أن أسرع في تلاوة قدّاسي». وآخر أميركي الأصل قال: «كم تأثّرت لكلمته: النفوس! آه النفوس كم تكلّف لتحصل على الخلاص!»
أثناء الذبيحة الإلهيّة كان وجه الأب بيّو يتصبّب عرقًا وعيناه تفيضان دموعًا وهو يفكّر في حمل الخطايا الثقيل الذي ينوء به يوميًّا في كرسي الاعتراف ليعوّض بدمه في القدّاس عن هذه الأخطاء. ولم يكن فوق الهيكل سوى المسيح على الجلجلة يريه الحاضرين بحركاته. وعند التقدمة كان يرفع الصينيّة في دور استرحام وعيناه تغوصان في نور لا يُرى وكأنّه يجمع العالم بأسره على هذه الصينيّة والدقائق تمرّ ثقيلة أثقل من نقط الدم. وعند ذكر الأحياء كان يتوقّف من جديد في انخطاف ثانٍ يطول جدًّا لولا أمر الرئيس بمتابعة القدّاس.
كان يدعو أبناءه كي يحضروا ذبيحة القدّاس يوميًّا، ويتقدّموا إلى مائدة الحياة لأنّ القدّاس على حدّ قوله «يخلّص العالم يومًا بعد يوم من الهلاك». وكان يعلّم أبناءه الروحيّين أنّه لا يمكننا الحصول على الخلاص إلاّ إذا كان الصليب مزروعًا في حياتنا وكان يقول: «أعتقد أن الافخارستيّا المقدّسة هي السبيل الوحيد للتّوق إلى الكمال، لكن علينا أن نستقبلها وكلّنا رغبة بأن ننـزع من قلوبنا كلّ ما يسيء إلى من نريد أن يكون فينا».
لكنّه كان يحظّر من التناول النفاقي، وقد رفض الاعتراف لسيّدة إنكليزيّة مدّة عشرين يومًا وقال لها: «كان عليك بدلاً من أن تشتكي من قساوتي، أن تشكي نفسك وتسألي نفسك كيف يمكن للرحمة الإلهيّة أن تقبلك بعد تلك المناولات النفاقيّة أتعلمين كم ذلك مؤلم؟ فالذي يقترف خطيئة النفاق لا يمكنه أن يخلص بلا شفاعة أحد الأتقياء إلى الله من أجله.
وكان الأب بيّو يشرح لأحد أبنائه الروحيّين القدّاس مبيّنًا له كيف يجب وضع القدّاس وآلام المسيح على خطّين متوازيين وعليه أن يفهم قبل كلّ شيء أنّ الكاهن على المذبح هو يسوع المسيح نفسه، بحيث يُعيد يسوع بشخص كاهنه عَيش آلامه.
ففي القدّاس نلتقي بيسوع منازعًا، متألّمًا لرؤية كلمة الله التي جاء هو ليحملها غير مسموعة ولا مقبولة ومن هذا المنظار علينا أن نسمع قراءات القدّاس وكأنّها موجّهة إلينا شخصيًَّا.
ومنذ بداية صلاة الإفخارستيّة نرافق يسوع أثناء جَلْده، تكليله بالشوك ودرب الصليب...
والتكريس، إنّه سريًّا، صلب يسوع. لذلك كان الأب يتألّم كثيرًا في هذا الوقت من القدّاس. هنا نلتقي بيسوع على الصليب يقدّم للأب ذبيحة الفداء.
«بواسطته معه وفيه»... هي صرخة يسوع: «يا أبتاه، بين يديك أسلّم روحي». عندها تكون الذبيحة مقبولة لدى الآب. والناس منذئذٍ لم يعودوا منفصلين عن الله بل متّحدين معه لذلك نصلّي في هذه اللحظة، صلاة كلّ الأبناء، أبناء الله: أبانا الذي في السماوات...
كسر القربان يعني موت يسوع، وعندما يضع الكاهن قطعة من الخبز المكسور رمز الموت في كأس الدم هذا يعني القيامة فالجسد والدم متّحدان من جديد وعندها نذهب للمناولة إنّما نتناول المسيح الحيّ القائم من الموت...
بركة الكاهن في نهاية القدّاس تختم المؤمنين بختم الصليب كعلامة فارقة ومميّزة وكترس منيع حافظ لهم من هجمات الشرير.
وهكذا بعد أن نسمع شرح الأب بيّو هذا للقدّاس خاصّة أنه هو كان يعيش تلك المراحل بالألم لا يَسعُنا إلاّ أن نتبعه في هذا الطريق، طريق الألم والقداسة.