للمناسبة أصدر البابا برغوليو رسالة استهلها مسلطا الضوء على رواية الخلق في سفر التكوين وقال إن الله وجّه نظره نحو الخليقة، نحو المسكونة والمياه التي تغذي الحياة، والأشجار التي تحمل الثمار والحيوانات التي تسكن بيتنا المشترك وكل شيء كان عزيزاً في عيني الله الذي قدم للإنسان الخلق كهبة ثمينة عليه أن يحفظها. بعدها لفت البابا إلى أن تجاوب الإنسان مع هذه العطية كان مطبوعاً بالخطية، والانغلاق ضمن استقلاليته وجشع التملك والاستغلال. وبهذه الطريقة تعرضت للخطر البيئة نفسها، فصارت شيئاً يستغله الإنسان وحسب.
وذكّر فرنسيس بأن هذا التدهور البيئي راح يتفاقم خلال العقود القليلة الماضية بسبب استمرار التلوث والاستخدام المتواصل للمحروقات والاستغلال الزراعي العشوائي، فضلا عن القضاء على الغابات. ولفت إلى أن الإنسان خلق اليوم أزمة بيئية طارئة، التي تهدد الطبيعة والحياة، بما في ذلك حياتنا نحن. هذا ثم أكد البابا في الرسالة أن البشر نسوا من هم: نسوا أنهم مخلوقون على صورة الله، وهم مدعوون إلى العيش مع بعضهم البعض كأخوة وأخوات ضمن البيت المشترك. وشدد فرنسيس أنه آن الأوان ليعيد الناس اكتشافَ دعوتهم كأبناء لله، وأخوة مع بعضهم البعض، وحماة للخليقة. لقد آن الأوان للتوبة والارتداد، والعودة إلى الجذور.
من هذا المنطلق دعا البابا فرنسيس المؤمنين في رسالته إلى الصلاة خلال هذه الفترة، التي تسمى زمن الخليقة، بفضل مبادرة وُلدت في البيئة المسكونية: إنه زمن مطبوع بالصلاة والعمل لصالح البيت المشترك، يبدأ هذا الأحد، الأول من أيلول سبتمبر، وينتهي في الرابع من تشرين الأول أكتوبر يوم عيد القديس فرنسيس الأسيزي. تشكل هذه المناسبة فرصة ملائمة أيضا للشعور بأننا متّحدون أكثر مع أخوتنا وأخواتنا المنتمين إلى مختلف المذاهب المسيحية. وقال فرنسيس إنه يفكر بنوع خاص بالمؤمنين الأرثوذكس الذين يحتفلون بهذا اليوم منذ ثلاثين عاما، كما لا بد أن نشعر بأننا نعيش بتناغم تام مع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة.
بعدها أشار البابا إلى أن هذا الزمن يدعونا إلى الاعتياد على الصلاة في الطبيعة، حيث يولد تلقائياً الامتنان لله الخالق. وأكد فرنسيس أنه في الصمت والصلاة يمكننا أن نصغي إلى الصوت السمفوني للخالق، الذي يحثنا على الخروج من انغلاقنا الذاتي لنكتشف أن حنان الآب يلفّنا، ونشعر بفرح مقاسمة الهبات التي حصلنا عليها. وفي هذا السياق، مضى فرنسيس إلى القول، يمكننا أن نعتبر الخليقة، التي هي شبكة حياة ومكانٌ للقاء مع الرب، "شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة بالله"!
وأكد البابا برغوليو أن هذا الزمن يحملنا على إعادة التفكير بأنماط حياتنا، وبخياراتنا اليومية التي غالبا ما تكون مضرة، من بينها الطعام، والاستهلاك، واستخدام المياه، والطاقة. وقال إن كثيراً من الأشخاص يتسلطون اليوم على الخليقة، ومن هذا المنطلق لا بد أن نتبنى أنماط حياة أكثر بساطة وأكثر احتراماً للبيئة! واعتبر البابا أنه آن الأوان للتخلي عن الاعتماد على المحروقات، والسير باتجاه أشكال جديدة من الطاقة النظيفة والاقتصاد المستدام والدائري. كما ينبغي ألا ننسى الإصغاء إلى أصوات السكان الأصليين لأن حكمتهم القديمة تعلّمنا كيف نعيش العلاقة مع البيئة بطريقة أفضل.
أضاف البابا في رسالته أن هذا الزمن هو أيضا زمن القيام بأعمال نبوية مشيرا إلى وجود أعداد كبيرة من الشبان حول العالم يطالبون بتبني خيارات شجاعة، وقد خيّبت ظنَّهم العديد من الوعود التي طال انتظارها، والالتزامات التي أُهملت بسبب مصالح أحادية الجانب. ولفت فرنسيس إلى أن الشبان يذكّروننا بأن الأرض ليست خيراً يُستغل حتى النهاية، إنما هي إرث ينبغي نقله للآخرين. ويذكّروننا بأن الأمل في المستقبل ليس شعوراً جميلاً إنما واجبٌ يتطلب أعمالا ملموسة.
هذا ثم أشار البابا إلى أن صلواتنا ونداءاتنا ترمي إلى تحسيس المسؤولين السياسيين والمدنيين. وقال إنه يفكر بنوع خاص بالحكومات التي ستجتمع في الأشهر المقبلة لتجدد الالتزامات التي توجّه الأرض نحو الحياة، لا نحو الموت. وكتب فرنسيس في الرسالة: لنقل لا لشجع الاستهلاك وادعاءات التسلّط التي هي دروب الموت، لنسلك في سبل بعيدة النظر، تتألف من تصرفات مسؤولة اليوم من أجل ضمان آفاق الحياة غداً. دعونا لا نستسلم للمنطق المنحرف، منطق الربح السهل، بل نفكر بمستقبل الجميع.
في ختام رسالته سلط البابا فرنسيس الضوء على أهمية قمة منظمة الأمم المتحدة بشأن المناخ، التي يتعين على الحكومات أن تُظهر خلالها الإرادة السياسية في تسريع كل الإجراءات الرامية إلى خفض انبعاث الغازات واحتواء الاحتباس الحراري للأرض تماشيا مع الأهداف المعلنة في اتفاق باريس حول المناخ.
مَن هذا مَلِكُ المَجْد ؟ هو الرَّبُّ العَزيزُ الجبَار الرَّبُّ الجبَارُ في القِتال ( مز 24 /8)