شَفَتا البارَ تعرِفانِ المَرضِيَّ و أَفْواهُ الأَشرْارِ تَعرِفُ الخَدائع (ام 10 /32)
استقبال الملك الآتي - مقالة للمطران بولس يازجي
استقبال الملك الآتي
" مبارك الآتي باسم الربّ "
في عجيج الأحداث الخلاصيّة، يقترب يسوع من أورشليم. وفي بيت عنيا تتأزّم مواجهته مع العالم، وتبدأ الأحداث تأخذ الطريق إلى نهايتها.
والإنجيل يوضح لنا استقبالَين ليسوع في تلك اللحظات الحاسمة. الاستقبال الأول تمّ في بيت "عنيا" حيث صنعوا له عشاءً وكان لعازر متكئاً، حيث ارتمت مريم عند قدمي يسوع وسكبت عليه طيباً من ناريدين خالصٍ جزيلِ الثمن، ومسحت قدميه بشعرها.
خلال هذا الاستقبال الرائع الذي قدمت فيه مريم أثمن ما عندها، كان هناك طرف آخر معاكساً تماماً؛ إنّه يهوذا. فقد كان سارقاً، وكان الصندوق عنده يحمل ما يلقى فيه. الاستقبال الثاني تمّ في "الغد"، على أبواب أورشليم حيث استقبله الشعب بسعف النخل هاتفين:
"هوشعنا، مبارك الآتي باسم الربّ ملك إسرائيل".
نستطيع أن نصنّف الذين استقبلوا يسوع في تلك الأحداث في ثلاثة نماذج:
في النموذج الأوّل تأتي مريم، هذه التي قدّمت في استقبال يسوع أثمن ما عندها.
لا بل مسحت قدميه بشعرها، وشعرها كان مجدها. لكن محبّة مريم للمسيح جعلتها ترى في إكرامه مجدها، وفي تبديد مالها على قدميه غناها، وفي حُسن استقباله حياتها.
في النموذج الثاني يأتي يهوذا. هذا الذي، بينما كان الآخرون يستقبلون يسوع، كان هو يريد أن يستغلّ وأن يربح للصندوق أكثر، بالنسبة إليه كان تمجيد يسوع خسارة له.
وكان مجد المسيح سينافس مجده، وكان حبُّه لذاته لا يسمح له بأن يرى الربّ يسوع محبوباً. أنانيّته لا تقبل إكراماً على حساب مصلحته، لأن مصلحته فوق المحبّة. بكلمة أخرى، كان تلميذاً يحبّ من أجل الصندوق الذي يحمله، يحبّ الآخر ليعود به إلى حبّ ذاته.
فالآخر وحتى يسوع نفسه، هو فرصةٌ للاستفادة. هذا أحبّ ذاته فغدتْ حياة يسوع موتاً له وموت يسوع حياته.
في النموذج الثالث يندرج الشعب، الذي يرفع المسيح في الشعانين إلى ملك ليصلبه بعد أيام. فهنا يصرخ هوشعنا، خلِّصْنا، وهناك ارفعْه، اصلبْه.
هنا يستقبله بسعف النخيل وهناك يضربه بالقصبة، هنا يبسط ثيابه أمام حماره وهناك يقتسم ثيابه، هنا يترك الكتبة ويتبع يسوع وهناك يتبع الكتبة ويترك يسوع، هنا يخرج لاستقباله ويدخله إلى أورشليم
وهناك يخرجه ليرفعه على خشبة خارج أورشليم. هذا هو مصفّ الشعب المتأرجح.
ونحن؟ غالباً ما ننضّم إلى هذا الصفّ الأخير، نتأرجح بين إيمان ونكران، بين حبّ وبرودة، مرّة نعرف ذواتنا رسلاً وأخرى نتصرّف كأعداء.
حيناً نريد أن نموت من أجله وحيناً ننكر نعمة موته من أجلنا.
وعيد الشعانين! لا بدّ أنّه أبعد من البهجة بالثياب، وأنّ فرحه لا يأتي من السعف والزهور والشموع وحسب، فهذه كلّها تعابير. لكن ما هو العيد ؟
أحد الشعانين هو مدخلنا إلى أسبوع الآلام. إنّه اليوم الذي نقبل فيه سيّدَنا كمصلوب وندخله إلى حياتنا لنشاركه آلامه.
إنّه اليوم الذي نسير فيه مع الملك الآتي على درب القيامة التي رسمها هو لنمشي فيها معه، أي درب الصليب.
يوم الشعانين عيد نعلن فيه عن قبولنا بمثل هذا الملك الذي لم يعِدْنا بالراحة لكن بالشهادة. نقبل هذا السيّد الذي يمرّ بنا بالموت أوّلاً ومن ثمَّ يهبنا القيامة. عيد الشعانين دعوة نخرج على أثرها من مصاف الناس المتأرجحين إلى مصفّ مريم. دعوة نتحوّل عند سماعها من تلاميذ يحبّون أنفسهم إلى تلاميذ يحبون سيدهم فقط.
المسيح يأتي ويدخل لتتمّ النبوءة على لسان سمعان الصدّيق أنّه جاء لقيام وسقوط كثيرين. مجيء المسيح في عيد الشعانين لا يسمح لنا بعد أن نبقى محيّرين.
جاء يسوع ليلغي النموذج الثاني وليقيم النموذج الثالث، لذلك تقول الترانيم علناً:
إنّنا نحمل صليبك (ورمزه الشعانين) ونرفعه ونقول:
مبارك الملك الآتي باسم الربّ.
*********************************
**
**
********
********
**
**
**
**
**