فقالَت مَريم: تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي (لو 1 /46)
كلمة حياة اب 2014: "أغفِرْ لقريبِكَ ظلمَهُ لكَ فإذا تَضرَّعْتَ تُمَّحى خَطاياكَ"
كلمة الحياة
آب 2014
"أغفِرْ لقريبِكَ ظلمَهُ لكَ فإذا تَضرَّعْتَ تُمَّحى خَطاياكَ" (سي 28 / 2).
"كلمة الحياة" هذا الشهر مأخوذة من سفر يشوع بن سيراخ في العهد القديم، كتبها حوالي سنة 180 قبل المسيح؛ وكان حكيمًا وكاتبًا ومعلِّمًا في أورشليم.
"إنّ الله رحوم مع الخَطأة، ولا بدّ لنا من الإقتداء به"، تعليمٌ غالبًا ما تردّد في كتاب "الحكمة".
يغفر لنا الربّ كلّ زلاّتنا لأنّه "رؤوف رحيم طويل الأناة كثيرُ الرحمة" (مز 103 / 8) "وهو يتغاضى عن خطايا الناس كي يتوبوا" (حك 11 / 24) "وينبُذ جميع خطايايَ وراء ظهره" (أش 38 / 17).
يقول بن سيراخ، إنّ الله يعرف تمامًا حدودنا وشقاءنا، "فيكرّر غفرانه" لنا. إنّ الله يغفر، كما يفعل كلّ أب وأم، لأنّه يحبُّ أولاده ويعذرهم دائماً، يَسترُ أخطاءهم ويثقُ بهم ويُشجّعُهم.
ولأنّ الله أب وأم، لا يكتفي بمسامحة أبنائه وبناته ومحبّتهم، بل رغبته الكبرى هي أن يكونوا متحابّين متّفقين، تربط في ما بينهم علاقات أخوّة. فالأخوّة الشاملة هي مخطّط الله العظيم على البشريّة. أخوّة أقوى من التشنّج والحقد والانقسامات التي قد تحصل بسهولة نتيجة أخطائنا وعدم تفاهمنا.
غالبًا ما تتفكّك عائلاتنا بسبب عدم قدرتنا على المسامحة، كما أنّ أحقادًا قديمة قد تُبقي الأقارب والمجتمعات والشعوب في حال انقسام مستمرّ. والأسوأ من ذلك هي الأحقاد الدفينة التي تحثُّنا على عدم نسيان الأذى وتُغذّي فينا روح الانتقام فتُسمّم الحياة وتُفسِد القلب.
هناك من يعتبر المسامحة ضعفًا؛ كلاّ: العكس صحيح؛ إنّها تعبير عن شجاعة قصوى، ومحبّة حقيقيّة وصادقة، كونها لا تنبع من أي مصلحة. " لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟" الجميع يستطيعون ذلك... "أما أنتم فأحبّوا أعداءَكم" يقول يسوع. (متى 5 / 44 – 47).
مطلوب منّا نحن أيضاً أن نحمل في أحشائنا محبّة الأب والأم، محبّة تتحلَّى بالرحمة وبالتّسامح مع مَن نلتقي بهم في نهارنا، وبخاصة مع مَن أساء إلينا.
ونحن المدعوّين إلى عيش روحانيّة الشركة، أي الروحانيّة المسيحيّة، يطلب منّا الإنجيل المزيد ويقول: "واصفحوا بعضكم عن بعض" (قول 3 / 13). نعم، فالمحبّة المتبادلة تفترض منّا عهدًا بأن نكون مستعدّين دومًا لأن نسامح بعضنا بعضًا. وعندها يمكننا أن نساهم في تحقيق الأخوّة الشاملة.
"أغفِرْ لقريبِكَ ظلمَهُ لكَ فإذا تَضرَّعْتَ تُمَّحى خَطاياكَ"
لا تدعونا هذه الكلمة إلى المسامحة وحسب بل تذكّرنا بأنّها شرط ضروريّ لننال الغفران بدورنا. فالله يستجيب ويغفر لنا بقدر ما نسامح الآخرين. ويسوع يقول: "فكما تدينون تدانون، وبما تكيلون يُكال لكم".(متى 7 / 2) ويضيف "طوبى للرحماء فإنّهم يرحمون" (متى 5 / 7). لأنّه لو تحجّرت قلوبنا حقدًا، لاستحال عليها أن تختبرَ محبّة الله لنا ورحمته وأن تقبلَها.
كيف نعيش "كلمة الحياة" هذه؟
لا بدّ من أن نسامح فورًا من لم نتصالح معه بعد. لكنّ هذا لا يكفي، علينا أن نبحثَ في زوايا قلوبنا عن كلّ شائبة، ونتخلَّى أيضاً عن مجرّد لامبالاتنا تجاه القريب وعدم تمنّي الخير له أحياناً، وسلوكنا الفوقّي تجاهه، وعدم اهتمامنا بكلّ من يمرّ بقربنا.
أكثر من ذلك، هناك حاجة للقيام بعمل من أعمال الوقاية، فهكذا أقرّر في كلّ صباح أن أحمل إلى الآخر نظرة جديدة، أكان في البيت أو المدرسة أو العمل، أو في الدكّان. نظرة تجعلني مستعدّاً لتّخطّي أي سوء يصدر عن القريب فأمنحه ثّقتي ولا أحكم عليه، وأحافظ دائمًا على الأمل والإيمان بالآخرين. وأتقرّب من كلّ شخص وفي قلبي صفحٌ وعفو شامل. وأنسَى نواقصه وأسترها بالمحبّة. وطوال النهار أحاول ان أعوّض عن كلّ فظاظة أو قلّة صبر بالاعتذار أو ببادرة صداقة. وأستبدِل الرفض الغريزيّ للآخر بالقبول الكلّي والرحمة اللامتناهية والمسامحة الكاملة والمشاركة معه والانتباه لحاجاته.
عندها، أنا أيضاً حين أصلّي، وبخاصّة حين أطلب الغفران من الآب على كلّ أخطائي، سيستجيب لي، وسأستطيع أن أقول بثقة: "اغفر لنا ذنوبنا كما نحن نغفر لمن أساء إلينا" (متى 6/12).
كيارا لوبيك (أيلول 2002)