إذا أحب بعضكم بعضا عرف الناس جميعا أنكم تلاميذي (يو 13 /35)
226- البابا غريغوريوس الثالث عشر 1572 - 1585
غريغوريوس الثالث عشر
هوغوبون كومبانيو
1572 - 1585
قد استقبل العالم كله، انتخاب هذا القانوني المحبوب والنزيه، بكل فرح. ولد هذا الحبر في بولونيا في أول كانون الثاني سنة 1502. بدأ حياته استاذاً للقانون في جامعة مسقط رأسه. شغل مراكز صغيرة مختلفة في روما وترانت، وكان قد أصبح معاوناً للقاصد الرسولي. شغل وظيفة القانوني، في عهد بولس الرابع وبيوس الرابع، في روما وتورينو. عيّن كردينالاً لكنيسة القديس سيكستوس سنة 1565، وفي السنة نفسها أرسله بيوس الرابع بمهمة إلى مدريد. وفي عهد بيوس الخامس تابع حياته للقيام بواجباته، وقد احتج، بما أنه قانوني، مراراً عديدة على قساوة البابا المفرطة.
بناء لإلحاح الكرادلة، عيّن أحد أبناء أخيه كردينالاً، ولكن لا شأن له، حتى أنه بقي مدة طويلة معروفاً بالكردينال الأكثر فقراً. أما ابنه جياكومو، الذي رزقه قبل دخوله سلك الرهبانية، وقد أصبح بعمر عشر سنوات، فقد اشترى له مؤخراً، من باليسترينا رئيساً للأوركسترا، كما أقام علاقات مع لوتاس.
تسطّر حبرية لاون الثالث عشر صفحة مجيدة في تاريخ التجديد الكاثوليكي. فروما شهدت إنشاء مدارس للانكليز للألمان، لليونان، للموارنة، غايتها إعداد كهنة لإنعاش الحياة الروحية. فكان هذا نتيجة التوسع المعتبر للمدرسة الرومانية التي أنشأها اغناطيوس ويديرها أبناؤه، وهذا أيضاً نتيجة عمل القديس فيليب دي نيري ورهبانيته. ولا يجب أن ننسى عمل بارونيوس والمحاضرات الاكليريكية التي تجاوب على قضايا ماغدبورغ. نرى في روما بالاتصال مع جمعية اليسوعيين، أن تعاليم الكردينال بللرمينوس في المدرسة الألمانية والمدرسة الانكليزية تتردد في كل ناحية، وكذلك فتاويه واستشاراته التي يقدمها للمجلس الباباوي.
أما خارج روما فقد كان النشاط قوياًن ففي أسبانيا تجددت رهبانية الكرمل النسائية على يد القديسة تيريزيا الافلية التي ثبّت قوانينها غريغوريوس الثالث عشر سنة 1580 بمعاونة القديس يوحنا الصليبي. وجّه اهتمامه كله كاملاً على الصعيد الديني، ونصف اهتمامه على الصعيد السياسي. فقد ساوى غريغوريوس الثالث عشر الأوضاع فوضع كلا في مكانه، وأقام قصادات رسولية منتظمة ودائمة في النقاط الحساسة حيث ينتشر ويعرض الإصلاح الكاثوليكي مثل: فيينا، كولونيا، لوسيران ومدريد. أما القصادات الرسولية القديمة والمؤقتة فقد تأمنت. والكرسي الرسولي يعمل دائماً لدعمها. ونرى في كل هذه القطاعات التبشيرية والإصلاحية القديس شارل بورومه يتابع نشاطاته ويوزع نصائحه على الجميع ويحرك الهمم.
قد استبدل البابا غريغوريوس التقويم اليولياني بالتقويم الغريغوري بعد أن أصلحه. هذا التقويم يمكن اعتماده على الصعيد الديني، فيوحّد وينظم الأعياد الطقسية وذلك سنة 1582. أما على الصعيد السياسي فقد بدت هذه الحبرية أقل اهتماماً لهذه الناحية، ففي فرنسا استمرت الحروب الدينية. رفض هنري الثالث إدخال قرارات المجمع التريدنتيني في التشريع الملكي، وذلك بتأثير المجلس الذي اتهم البابا، وقد يجوز أن يكون البابا قد خُدِع بالتقارير التي أرسلتها له كاترين دي ميدتشي، فوافق على مذبحة القديس برتلماوس (24 آب 1572) وسكّ لهذه المناسبة أيقونة تذكارية.
أما سياسة الكرسي الرسولي مع انكلترة اليزابت فقد أصابها الفشل الذريع، اليزابت مرشوقة بالحرم مخلوعة عن العرش، فالصراع باقٍ. فدفع البابا فيليب الثاني إلى الحرب ضد انكلترة، مع أن موقفه غامض. فإن غرضه من ذلك هو إنهاض الكثلكة وإنعاشها، فكان رد الملكة تعميق وتشديد الاضطهاد ضد الكاثوليك. سعى البابا غريغوريوس الثالث عشر لتنظيم حلف ضد العثمانيين، فباء سعيه بالفشل، فوقّع فيليب الثاني ملك أسبانيا نفسه هدنة مع الأتراك. نشطت الرسالات الكاثوليكية، في حبرية غريغوريوس الثالث عشر، نشاطاً قوياً، واتسعت رقعتها في آسيا وأفريقيا وفي أميركا. فاليسوعيون أدّوا خدمة زهيدة على الصعيد الديني بينما كانت خدمتهم أقوى على الصعيدين المادي والعلمي. كان لحبرية غريغوريوس الثالث عشر أهمية كبرى في الولايات الباباوية وفي روما.
استعاد البابا جميع الممتلكات التي وضع بعضهم اليد عليها، في جميع الولايات الباباوية، وبما أنه كان يصرف عن سعة، كان يشمئز من زيادة الضرائب، فاقترح إقطاعات في الولايات الرومانية وإعادة وضع اليد عليها بدون اسم. عندما يصار إلى تنفيذ العمل تقوم الثورة، فيعود إلى الأذهان أسماء الغويلفيين والجبليين، فينتج عن ذلك فوضى في كل الولايات، فيلتزم العمل بخشونة لإعادة النظام. فهذا ما جعل خلفاء غريغوريوس الثالث عشر يقسون في الحكم. كانت روما، في عهد غريغوريوس الثالث عشر، تفخر بالتزويق والنقش وإقامة النصب التذكارية. كثيرون هم المعلمون الذين عملوا في بلاطه نذكر منهم: جاك فينيول، جياكومو ديلابورتا، برتولوميو أمانّاتي، مارتينو لونغي، جيورجيو فازاري وفيديريكو زوكاري، هؤلاء عملوا له. وبازيليك مار بطرس على وشك الانتهاء وبإدارة دي بورتا، أما لونغي فبنى لرهبانية المصليين المعبد الجديد، المعروف باسم القديسة مريم دي لا فاليسيلاّ، كما بنيت الكابيلاّ (المعبد) الغريغورية في الفاتيكان، وقد بني كثير من المناهل في روما منها: منهل بيازّا نافون، منهل فونتانا ديل ترتاروغ البديع، وأيضاً مناهل المدافن (البانتيون) ومناهل بيازا ديل بوبولو تزيين القبة في الكابيتول حسب تصميم ميكال أنج، وقد تقدم العمل فيها كثيراً؛ وأيضاً إن غريغوريوس كان قد أوكل بورتا ولونغي بقسم من الأعمال، ولونغي هذا كان قد بنى سنة 1579 قبة الجرس للقصر المشيخي. شرع البابا سنة 1575 ببناء قصر الكويرينال، وفازاري نقش لاسكالاريجيا. أما غرفة بولونيا في الفاتيكان، فتذكّر دائماً بغريغوريوس، لأنها إنما صنعت بمبادرته والتي بفضله أضحت تحفة في الفن المدهش، بخلق فن الجدرانيات والخرائط الجغرافية إذ يضم الست عشرة خريطة التذكارية الضخمة التي صنعها اينيازيو دانتي، فهي ثمينة كمستندات أكثر منها عملاً فنياً.
توفي غريغوريوس بعمر أربع وثمانين سنة. كانت حبريته دائمة الحركة مع هذا الحبر العامل التقي النشيط المملوء بمحبة القريب. وسجّلت للباباوية صفحة مجيدة بالحزم والإصلاح المعاكس. يستريح الآن غريغوريوس الثالث عشر في الكابيلا الغريغورية في كنيسة القديس بطرس.