طَريقُ الرَّبَ حِصنٌ لِلسَّليم وا لدَّمارُ لِفاعلي الآثام (ام 10 /29)
214- البابا ألكساندر السادس 1492 - 1503
اسكندر السادس
رودريك بورجيا
1492 - 1503
يجب أن يكون رقمه التسلسلي الخامس، لأنه كان هناك بابا دخيل (زور) باسم "اسكندر الخامس". قد تكللت السيمونيا، التي مارسها، بكل وقاحة الداهية بورجيا ليصل إلى السلطة العليا، بالنجاح، قال أحد المؤرخين: إنّ رجلاً كبورجيا هذا، لو وجد في زمن الكنيسة الأولى، لا يصل حتى إلى أوطى درجة من الدرجات الاكليريكية. ولد في جاتيفا بأسبانيا سنة 1430، وعندما عينه عمه كاليستوس الثالث كردينالاً شماساً وأسقفاً على فالانس لم يكن بورجيا هذا قد حصل على الدرجات الصغرى بعد. وفي سنة 1460 بدأت علاقة بورجيا مع فانّوزا كاتاني التي أعطته أربعة من أكثر أولاده شهرة. ما إن ارتقى اسكندر الكرسي الباباوي حتى ألقى عنه كل الاهتمامات الحسنة وكرّس حبريته لرفع شأن عائلته فقط ولا سيما لابنه قيصر، وقيصر هذا أصبح كردينالاً سنة 1493، فيما أخوه جان كان قد تزوّج ابنة أخ فردينان الكاثوليكي، ولقب دوق كاندي وأمير بينيفان. وازوج البابا جوفروا بورجيا بسانزيا ابنة الفونس الثاني، ملك نابولي، الغير شرعية، ولوكريس تزوجت الدوق الفونس دي بيزاغلي، الابن الغير شرعي لألفونس الثاني، بعد أن تطلقت من الدوق جان سفورزا دي بيزارو. أما قيصر فقد خنق هذا الصهر فيما بعد. ولوكريس تزوجت، في عرس ثالث، الفونس الأول ديست دي فرّاري. كذلك جان بورجيا قد اغتيل، وليس ما يدل على أنّ هذا الاغتيال قد حصل بتحريض قيصر. وقد أصبح حفيد جان بورجيا، القديس فرنسيس بورجيا، ثالث رئيس عام للرهبانية اليسوعية، وعدا عن قيصر، هناك أربعة كرادلة مشمولون بحماية اسكندر السادس. قد تجمعت المعارضة، ضد اسكندر وعائلة بورجيا، حول الكردينال ديلاّ روفر، الذي سيلجأ سنة 1494 إلى بلاط ملك فرنسا شارل الثامن، وهذا بما أنه الوريث الشرعي لآل انجو ادّعى الولاية على نابولي، حليفه اسكندر من جرّاء تلك الزيجات والمعاهدات، وبدعم حاكم ولاية ميلان، لودفيك لو مور. بدأ ملك فرنسا زحفه الظافر نحو إيطاليا، فأصبح البابا مهدّداً بمجمع وبالحطّ. وفي 31 كانون الثاني سنة 1494 احتل الملك روما، فالتجأ اسكندر، بعد أن تخلت عنه نابولي، إلى قصر الملاك القديس، ورأي ذاته ملزماً بالتفاوض. شارل قد انتصر فتصالح مع اسكندر وأخضع نابولي. إن انتصاره هذا قد أوجد الحلف المقدس، الذي نشأ في البندقية بتاريخ 31 آذار سنة 1495، بين فرنان وايزابيل ملكي أسبانيا، والإمبراطور مكسميليان الأول والبندقية، وميلانو والبابا. أما شارل الثامن فقد تابع سيره نحو الشمال بعد ذلك بوقت قصير، وفي 6 تموز سنة 1495 خسر معركة فورنو ولكنه نجح في اختراق صفوف هذا الحلف. انتهى الصراع الذي كان قائماً ضد سافونارول في 23 أيار سنة 1498 بتنفيذ الحكم فيه، وتحالف في السنة ذاتها، البابا مع ملك فرنسا لويس الثاني عشر الذي خلف شارل الثامن؛ وقيصر تزوج من شارلوت دالبريه ومنحه الملك لقب دوق دي فالنتين. وفي سنة 1499 استولى لويس الثاني عشر على ميلانو، وفي السنة التالية قسم اسكندر نابولي بين أسبانيا وفرنسا؛ أما فريدريك الخامس والأخير من آراغون نابولي فقد استسلم إلى لويس الثاني عشر؛ وقيصر اكتسح كل الرومانيا وفصلها عن الولاية الباباوية؛ وباتفاقه مع البابا جعلها لعائلة بورجيا دوقية وراثية وسمّى نفسه دوقاً عليها. لم يعد يفكر كلاهما إلا بتوطيد هذه الولاية على أمل توسيعها وجعلها إمارة وراثية أيضاً. والعمل الثاني كان استملاك العائلات الكبيرة سافيلي وغايتاني وكولونّا. أما أملاكهم، التي أعيد ضمها تحت اسم دوقية سرمونتيا فمنحت لرودريك ابن لوكريس من زواجها الثاني، وهو طفل بعمر سنتين. هناك ابن غير شرعي للبابا، اسمه جان دعي الابن المدلل الروماني، جعل شرعياً بسرعة وهو بعمر ثلاث سنوات، تولّى دوقية نيبي، وكل هذه الأشياء والأمور كان قيصر يسجّلها ويراقبها بدقة. وقد غزا قيصر، كذلك، دوقيتي اوربان وكاميرينو ـ أعطيتا كذلك للطفل المدلل ـ وغرق في مؤامرات الدم، فسحق عائلة اورسيني، وكان قد نوى أخذ توسكانا، والمال لهذه المشاريع لم يأته من يوبيل سنة 1500 فقط بل من جراء تعيين الكرادلة الذين كانوا يدفعون لذلك غالباً، واغتيال الكرادلة، لأن اسكندر يرث الضحايا؛ وأغنى هؤلاء التعساء كان الكردينال ميشال ابن شقيق لبولس الثاني؛ وقد يكون الكردينال اورسيني، على الأرجح، قد اغتيل كذلك.
اسكندر كان قد أصيب، قبل وفاته بعدة أيام، بحمّى شديدة، قد تكون ملاريا. وقد كثر اللغط حول هذه الحمى، وبدون تأكيد صحيح، بأنها من أثر تسمم. كان قيصر مريضاً كوالده، وكان لحالتهما هذه، أثناء موت البابا، أهميتها. كان من أولى اهتمامات اسكندر السادس الإدارة العائلية. إنما ليس هذا كل شيء.
بعد اغتيال جان، دوق كاندي قد أصاب البابا نوع من الرعب الشديد لمدة عدة أسابيع. فقد تذكّر رسالته الدينية وقرّر أخيراً أن يجري الإصلاح، لكن هذا الإصلاح لم ينشر واسكندر السادس عاد إلى أخطائه السابقة. إن تصميم الإصلاح كان عظيماً بدليل راهن أنه كان في مجلس الإدارة الباباوية (الكوريا) رجال كفء قادرون على الإصلاح إنما مسؤولية الباباوات الشخصية في التطوير "العالمي" للباباوية كانت الأولى.
عندما عاد كريستوف كولومب من اكتشافاته سنة 1493 حدّد اسكندر مناطق النفوذ الاستعماري بين أسبانيا والبرتغال بذلك الخط الحدودي الشهير الذي وضعه. ثم أصدر سلسلة من ست براءات (1493 ـ 1501) مخصصة لهذا العمل. دون أن تحدد قانونياً الولاية الأسبانية، فهذه البراءات قد أعلنتها، كما أعلنت البراءة الصادرة في أول حزيران سنة 1497 المبدوءة بكلمة "Ineffabilis" (المعصوم)، الولاية البورتوغالية. لم يحسب اسكندر السادس، كما لم يحسب سلفه كذلك بين ذوي النزعة الإنسانية. قد حسّن قصر الملاك القديس على يد انطونيو سانجلّو، ووسّع الممشى الذي يصله بالفاتيكان، وشيّد برج بورجيا. وقد رسم الجدرانيات للغرف، الثانية والثالثة والرابعة، الرسام بنتوريتشيو في مساكن بورجيا وفي غرفة الأسرار لوحة تمثل اسكندر. وأكمل السقف المجوّف، في كنيسة مريم الكبرى، الذي بدأ بعمله كاليستوس الثالث، وقد زيّنه بالذهب، إنها أول شحنة ذهب جاءت من أميركا، كما قيل، ربما كان أجمل السقوف في روما. وفي سنة 1500، سنة اليوبيل، كان ميكال أنج قد أكمل لوحة "العذراء المنتحية" في صحن كاتدرائية ما بطرس.
كيف نحاكم البابا اسكندر السادس؟ قد سعى بعضهم، منذ عهد قريب، لتبرير ساحة الرجل والدفاع عن حبريته. فالمشروع صعب جداً، قد لا يمكن كل شيء، فيما لو راجعنا تاريخه المشين فقط. لكن المدافعين قد لاحظوا أنه فيما يخص العقائد الإيمانية، فالرجل لا يستطيع أحد أن يمسه أو يلومه من هذا القبيل إن اسكندر السادس رجل غامض بكل معنى الكلمة، قد لا يحصره أحد في موضع، كان يحصل له بعض الأحيان مظاهر تقوية، كان مطبوعاً على الأوهام والتنبؤات الخرافية. أما الفخفخة والمطامع العائلية فلم تكن كل شيء عنده، إنما ما يقال: أن حبريته قد أكملت تورّط الباباوية وإغراقها في الزمنيات.