فيَتَوَكَّلَ عَلَيكَ مَن يَعرِفون اْسمَكَ لأَنكَ، يا رَبُّ، لا تَخذُلُ مُلتَمسيكَ ( مز 9 /11)
يعقوب السَّروجي
يعقوب السَّروجي
(449 - 521)
1. حياته
المصادر القليلة الثابتة التي نقلت أخبار يعقوب السَّروجي تحدّد مولده نحو سنة 449 في قرية كورتم، وقيل في حَوْرا، على ضفّة الفرات، من أعمال مدينة سَروج، في أسرةٍ لم ينقل لنا عنها التاريخ إلاّ النّزر اليسير، وتلقّن في مدرسة الرُّها اللغة السُّريانيّة والعلوم الفلفسيّة واللاّهوتية والكتابيّة. ذكر ذلك في رسالة أنفذها نحو سنة 511 إلى لعازر رئيس دير مار باسوس، قال إنّه عندما كان فتى يدرس الأسفار الإلهيّة في مدينة الرّها كانت كتب ديودورس المنافق تُنقَل من اليونانيّة إلى السَُّريانية، وإنّه عثر على أحدها فوجد فيها أضاليل كثيرة. وهكذا كان له منذ شبابه موقف ثابت في عقيدته يُناهض موقف ذيوذورس الطّرسوسيّ وثيوذورس المصّيصي.
ظهرت على يعقوب إمارات النّبوغ باكراً، وقد أشار إلى ذلك في بيت من الشعر توجّه فيه إلى الروح القدس قائلاً: "عندما منحتَني موهبتك لم أفقه آنذاك ما نلتُ، أمّا الآن، وقد ضاعفتها فإنّي أسألك أن تزيدني منها أضعافاً كثيرة". وتميّز يعقوب بالورع و التقوى فرُسِمَ كاهناً، وقيل أنه ترهّب، وما عتّم أن اشتهر بالعلم والبلاغة، وقُبيل سنة 502 قُلّد رتبة الزائر (البريودوط) لبلدة حَوْرا، فراح يطوف على أديار بلاد الفرات وسورية المجوّفة ناهضاً بعبء مهمّته بكل غيرة ومحبّة؛ وفي سنة 518 رَسم أسقفاً على بطنان فيما نُفي أصدقاؤه ساويرورس وفيلوكسينُس ويوحنّا تلاّ، وكانت بَطنان أهمّ مدينة في إقليم سَروج، فأحسن القيام بأمر رعيّته سنةً وأحد عشر شهراً، وتوفيّ في تشرين الثاني من سنة 521.
2. أعماله
كان يعقوب السَّروجي رجل السّلام والدّعة، يهمّه أن يخدم الله في صفاء نيّة، وأن يخدم العقيدة والكنيسة بكلّ ما أوتى من مواهب قُدسيّة، وأن ينظم للأجيال ما في نفسه من أناشيد روحيّة. لقد تجنّب الدّخول في المماحكات التي مزّقت صفوف معاصريه بعد مجمع خلقيدونية (451)، وأكبّ على الأدب يعالجه رسائل، وميامر، ومواعظ، وسِيَر قدّيسين، وطقسيّاتٍ مختلفة.
3. مضمون آثاره العقائديّ
ليس من السَّهل الوقوف على فكرة يعقوب السّروجي في أمر الحقيقة العقائدية الكاملة قبل أن تُطبع رسائله وميامره طبعة علميّة دقيقة تُزيل عنها ما أُضيف إليها، وما حُرّف فيها، وتُثبت صحّة نسبة الرّسائل وتاريخها. وقد دار جدل شديد حول أرثوذكسيّته، فاتُّهم منذ سنة 1716 بجنوحه إلى المونوفيزيقيّة (وحدة الطبيعة في المسيح)، واشتدّ الاتّهام بعد ظهور رسائله إلى دير مار باسوس بالطبع سنة 1876؛ وبرّر ساحته السّمعاني (1719)، كما برّر ساحته الكثيرون من علماء السُّريان، وحاولوا إثبات أرثوذكسيّته البريئة من كلّ عثار. ومهما يكن من أمر فكان همّ يعقوب السَّروجي، قبل كلّ شيء، أن يعلّم سامعيه، ويحملهم على التقوى، ويثبّت أقدامهم في الفضيلة، سواء كانوا من عامّة الشعب أم من الرّهبان، تالياً عليهم أناشيده المؤلّفة من ثلاث مئة أو أربع مئة بيت من الشعر، وذلك في بارامونات الأعياد على خطّة مار أفرام.
وكان السّروجي في تطلّعاته يؤثر استخراج صور للمسيح من أعمال الآباء ورُؤَاهم كما يبدو ذلك في الميمر الذي جرى الكلام فيه على رؤيا يعقوب؛ كما يعالج موضوع الكنيسة عروس المسيح وفق تصوّر الأنبياء ونشيد أو القدّيس، ومعجزات الله، وأسرار الإيمان بمحبّة وإعجاب، أي ببساطة الأبناء لا بأسلوب التحقيق والتحرّي الذي يجري عليه مُدَّعو الحكمة.
هذه الموضوعات تتلاحق في تشبيهات شعريّة حافلة بالرّوعة، تزدحم فيها الصّور المقتبسة من الكتاب المقدّس أو من الطبيعة، ويكثر فيها التجريد وإحياء الأشخاص؛ وهي تنتهي دائماً بتحريضات أخيلاقية تعبّر عن همّ الشاعر الرّاعوي. ولكن الذي يؤذي متعة القارئ أو السامع هو ما هنالك من تكرارت، ومن فوضى تأليفيّة، ومن رتابة الوزن الاثني عشريّ الواحد التي استطاع أفرام أن يتجنّبها بتنويع الوزن.
- الثالوث
عرض السَّروجي في رسائلة وميامره للثالوث الأقدس، ولوحدانيّة جوهره، ومساواة أقانيمه، مصرّحاً بألوهة الروح القدس. قال في رسالة أنْفذها إلى رهبان دير مار اسحق جبولا: "إن الآب القدّوس هو واحد، والابن القدّوس هو واحد، والرّوح القدوس هو واحد؛ الآب غير مولود، والابن مولود، أمّا الروح القدس فينبثق من الآب ويأخذ من الابن، وهو فارقليط الحقّ ومعلّم الإيمان ومكّمله".
- المسيحانيّة (خريستولوجيا)
كثيراً ما تكلّم السّروجي عن تجسّد ابن الله وصلبه وموته وقيامته، وكان في كلامه نيقويّاً أرثوذكسيّاً راسخ العقيدة، وقد هاجم نسطوريوس والمونوفيزيقيّين بعنف وقال بطبيعتين كاملتين في المسيح يجمعهما الأقنوم الواحد، وبأمومة العذراء الإلهيّة غير المنقوصة.
- مريم العذراء
يقول السّروجي بأنّ الروح القدس حرّر مريم من لعنة حوّاء وجعلها إناءً قُدسيّاً لتتقبّل في حشاها الإله المتجسّد، ولكي يأخذ منها الإله جسداً طاهراً من الخطيئة الأصلية. وقد ظلّت بتولاً قبل الولادة وبعدها.
ـــــــــ
المرجع:
المطران كيرلّس سليم بسْترس - الأب حنَّا الفاخوري - الأب جوزيف العَبسي البولِسيّ، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، المكتبة البولسيّة، جونية 2001