فكل شيء سألتم باسمي أعمله لكي يمجد الآب في الابن (يو 14 /13)
ميليتون السَّرديني
ميليتون السَّرديني
من القرن الثاني إلى مجمع نيقية
1. مؤلفاته
إنّ ميليتون أسقف سردينية في ليدية، الذي عدَّه بوليكراتُس أسقف أفسس نبيّاً وأحد أنوار آسية الصغرى الساطعة في النصف الثاني من القرن الثاني، كان له نشاط فكريّ متنوّع ومؤلّفات كثيرة ذكر أوسابيوس بعضها لكنّها ضاعت. ولقد وجّه ميليتون دفاعاً إلى الإمبراطور مرقس أوريليوس حول السنة 172، ورد فيه أوّل مرّة أنّ العلاقات السلميّة بين الكنيسة والدولة هي القاعدة الأساسية وينبوع الخير للطرفين.
2. عظة الفصح
لقدر برز ميليتون السّرديني إلى واجهة الاهتمامات في أدب الآباء عندما نشر بونّر C. Bonner عام 1940 نصّاً اكتشف حديثاً، يكاد يكون كاملاً، من "عظة الفصح" التي وضعها هذا الأسقف، وهي جزء من أحد عشر كتاباً ذكرها أوسابيوس. وما كانت هذه العظة لتثير ضجّة لو لم تقلب أو تنقض نظرية عن تطوّر الكنيسة وأدبها، سادت طوال قرون، ولا سيّما في الأوساط البروتستانتيّة منذ أيّام لوثير، بنيت على ما كان متوفّراً من النصوص والوثائق حتى الآن، ترى أنّ الكنيسة أخذت بالانحطاط منذ القرن الرابع حين راحت تتحوّل إلى كنيسة الدولة وأدخلت على التبشير بالإنجيل الطرق البيانيّة.
وإذا بعظة الفصح التي ألّفها ميليتون بين العامين 160 و 170 تقدّم نموذجاً من البيان الآسيوي المنمّق اللامع الرّاقي منذ القرن الثاني، ممّا أثار في الحال نشاطاً كثيفاً عند الباحثين بلغ ذروته في الستّينات والسبعينات ولا يزال إلى اليوم. ولم يرمِ هذا النشاط إلى تثبيت نصّ صحيح أكيد بملء الثغرات بوثائق جديدة، ولا إلى ترجمة النصّ والتعليق عليه وحسب، بل امتدّ إلى تحليل اللغة والأسلوب ولاهوت العظة وعلاقتها بسائر العظات الفصحيّة الدائرة في فلكها، تحليلاً دقيقاً.
نستخلص من "عظة الفصح" عينها ومن مصادر أخرى متأخرة قليلاً لها علاقة بالجدل الفصحي، أنّ جماعة ميليتون، في آسية الصغرى، كانت تحتفل بعيد الفصح بحسب التقليد القديم الذي تسلّمته من الرّسول يوحنّا الإنجيليّ، في اليوم الذي يقع فيه أوّل بدر ربيعيّ، أيّا كان هذا اليوم، أي في اليوم الذي يحتفل به اليهود، أعني 14 نيسان. لذلك دُعوا، منذ ذلك الجدل الفصحيّ، "الأربعة عشريّة". وبات الكلام يجري عن الاحتفال بعيد فصح مسيحيّ فحواه ذكرى إكمال وإتمام فصح العهد القديم (خروج 12) في آلام المسيح وموته وقيامته.
وهذا هو موضوع "عظة الفصح"، أعني تطبيق فصح القهد القديم على سرّ موت المسيح وقيامته، على "فصح" العهد الجديد.
ـــــــــ
المرجع:
المطران كيرلّس سليم بسْترس - الأب حنَّا الفاخوري - الأب جوزيف العَبسي البولِسيّ، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، المكتبة البولسيّة، جونية 2001