وها قد أوليتكم سلطانا تدوسون به الحيات و العقارب وكل قوة للعدو ولن يضركم شيء ولكن لا تفرحوا بأن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بأن أسماءكم مكتوبة في السموات (لو 10 /19-20)
ترتليانوس
(قرطاجة حوالي 160 م - حوالي 220 م)
1. سيرته
هو كوِنتوس سيبتيموس فلورنس ترتليانوس، ابن قائد مئة روماني، درس الحقوق ومن المحتمل بأنه عمل كمحامي في روما.
بين عامي 190 و 195 في أثناء وجوده في روما أثّرت فيهِ شجاعة الشهداء المسيحيين، فإعتنق المسيحية ثم رحل إلى اليونان وربما إلى آسيا الصغرى. عاد عام 197 إلى قرطاجة حيث تزوَّج. بحسب شهادة جيروم، سيمَ ترتليانوس كاهناً في كنيستهِ المحليَة، لكنه في كتاباتهِ لا يذكر هذا الأمر لا من قريبٍ ولا من بعيد.
أصبح عام 207 داعيةً للمونطانية، إحدى الفرق التي كانت تدعو إلى حياة تقشُّفية متشدّدة، والتي اعتبرتها الكنيسة فيما بعد بدعة. بعد عام 220 لم تصلنا عنهِ أية معلومات.
كان ترتليانوس في زمنهِ أحد أكثر دعاة المسيحية حماساً. لديهِ كتابات لاهوتية عديدة، وصلنا منها 31 كتاباً في الإيمان والدفاع عن العقيدة ضد الهراطقة والأخلاقيات المسيحية.
أثر ترتليانوس بشكل كبير في آباء الكنيسة بالأخص الآباء الغربيين، وخصوصاً كبريانوس. وقد كان علَّامةً في اللغتين اليونانية واللاتينية، فكان أول من كتب عن اللاهوت باللاتينية، وفي هذا المجال لا يمكن أن يُنسى بأنهُ أول من صـاغَ كلمة ثالوث (Trinitas) وأدخَل كلمة أقنوم (Persona)، وأوضح بعض المفاهيم الثالوثية والكريستولوجية.
2. من أهم أعمالهِ
ـ المنافحة (أو الدفاع عن التوحيد: Apologeticus)، وهو عبارة عن دفاع عن المسيحية ضد الاتهامات التي كانت توجَّه إليها مِن قِبل الوثنيين.
ـ في تحديد الهراطقة (De praescriptione haereticorum)، وفيهِ يوضِّح كيف أنه للكنيسة وحدها الحق في تحديد عقائد الإيمان القويم وماهي الهرطقات.
ـ في المعمودية (De Baptismo).
ـ في الصلاة (De Oratione).
ـ في التوبة (De Poenitentia).
ـ في الطهارة (De Pudicitia).
3. لاهوته
قد اتّسمَ فكر ترتليانوس اللاهوتي بالدفاع ضد الغنوصية، فكان بذلك تلميذاً لإيريناوس أسقف ليون، مما يجعلهُ يؤكد وحدة الكتاب المقدس كعهدين (ضد مَرقِيون)، أهمية إيمان الكنيسة في تأويلهِ، وفوق كل شيء حقيقة "جسد" المسيح، أي ولادته الحقيقية، موته وقيامتهُ، ضد كل محاولات التفسير الرمزيّة أو الظاهرية.
يبرز دور ترتليانوس مهماً في تتبُّع أشكال ممارسة سر التوبة في تاريخ الكنيسة. إن كتابه "في التوبة" (De Poenitentia) الذي ألَّفهُ بينما كان مايزال في حضن الكنيسة، كان يحث الخطأة على التوبة في الكنيسة، حيثُ كان يعتبرها فرصة تمنح لمرَّة واحدة فقط، وقد كان يُشـدّد على موضوع الاعتراف العلني (exhomologesis)، أما في كتابهِ الذي ألفه في الفترة بعد اعتناقهِ المونطانية، فقد كان يعتبر بأن الخطايا هي مقسمة إلى نوعين: خطايا عرضية وهي الخطايا القابلة للغفران، وخطايا لا تُغتَفر أي الزنى والقتل والإجحاد. وكان يعتقد بأن غفران الخطايا هو قدرة أعطاها الله فقط للأشخاص الروحيين، وليس للأساقفة.
وقد كان ترتليانوس كجميع المونطانيين يقول بأنه على المسيحيين أن يقبلوا بالإضطهاد وألا يُظهروا أية مقاومة أو محاولة للدفاع عن النفس أمام الشهادة.