و هكذا أنتم إذا فعلتم جميع ما أمرتم به فقولوا: نحن خدم لا خير فيهم و ما كان يجب علينا أن نفعله فعلناه (لو17 /10)
باسيليوس الكبير
باسيليوس الكبير
1. حياته
ولد باسيليوس سنة 329 / 330 في قيصريّة، عاصمة كبّادوكية. وكان أبوه، باسيليوس القديم، رجل قانون وبلاغة في البنطس، وأمُّه أميليا من سلالة تقوى وفضيلة، وكانا كلاهما عريقين في مسيحيّتهما، صُلبين في عقيدتهما. وكانت أسرته تتألّ من عشرة أفراد: خمس بنات كُبراهنّ ماكرينا، وخمسة أبناء أشهرهم باسيليوس أسقف قيصريّة، وغريغوريوس أسقف نيصُس، وبطرس أسقف سبسطية. وقد رُفع من هذه الأسرة ستّة إلى مرتبة القداسة: باسيليوس وجدّته لأبيه ماكرينا، وأمّه أميليا، وأخته ماكرينا، وأخواه غريغوريوس وبطرس.
كان باسيليوس معتلّ الجسم، واهي الصحّة، فتُوفي ولمّا يبلغ الخمسين من العمر.
درس باسيليوس أولاً المعارف الكلاسيكية في مدرسة أبيه، وكان لجدّته، الفضل الأكبر في تنشئته المسيحيّة على المذهب اللاهوتيّ الإسكندريّ الأوريجانسيّ. أمّا تحصيله الثقافي فكان أولاً في مدرسة البلاغة بقيصريّة؛ ثمّ في القسطنطينية؛ ثمّ في أكاديمية أثينة حيث تابع دروس أشهر البلغاء من أمثال بروهيراسيوس وهيماريوس. وبعد خمس سنوات قضاها باسيليوس في أثينة، أي في نحو 356، عاد إلى قيصرية ودرَّس فيها علوم البلاغة. ولكنّ مُغريات الجاه والحياة الدُّنيا لم تنلْ منه، ولا نالت منه فلسفة القدامى، بل انقاد لتحريضات شقيقته ماكرينا وإرشاداتها الروحية، فاهتدى إلى طريقه في الحياة.
نال باسيليوس سرّ المعمودية نحو سنة 357 ورُسِم شمّاساً رسائليّاً، ثم باع كلّ ما يملكه، ووزّعه على الفقراء والمُعوزين مُفتتحاً بذلك حياته الإنجيليّة. وبعد جولةٍ دامت سنتين قام فيها بتفقّد المراكز الرهبانيّة في سورية وما بين النهرين وفلسطين ومصر، انضمّ إلى أمِّه أميليا، وأخته ماكرينا، وأخيه نوكراتيوس في عزلة أنِّسي، على ضفّة نهر إيريس، وأقام في ذلك المكان الموحش خمس سنوات. ولبث باسيليوس على حياة الصلاة، والدّرس، والشغل اليدويّ، خاطّاً له ولرفاقه معالم النُّسك، و طريقة الحياة الرّهبانيّة التي دُعي إليها.
لم يُتح لباسيليوس أن يقضي حياته في العُزلة النّسكية في زمن قويت فيه شوكة الأريوسيّة، وراحت تضايق الكنائس النيقويّة تدعمها سياسة الإمبراطور فالنس منذ سنة 364 فكانت هذه الكنائس بحاجة إلى رؤساء ذوي قدرة وسلطان. فتنادى أصدقاء باسيليوس وضغطوا عليه، فقبل أن يرسمه أوسابيوس أسقف قيصريّة سنة 364 كاهناً، ويضمّه إليه معاوناً أسقفياً؛ فكان نِعمَ المعوان سواء في حقل الدّفاع والحِجاج أم في حقل الخدمة الراعويّة.
في سنة 370 تُوفيّ أوسابيوس وخلفه باسيليوس بعد معارضة شديدة ذلّلها الأسقف الشيخ غريغوريوس النَّزينزي الأب. فراح الأسقف الجديد يبذل قصارى جهده، في غمرة التحرّك الأريوسي، لتوحيد الكنيسة وتغليب الحقيقة.
لقد أفُتري على باسيليوس وطُعن في صحّة عقيدته، كما مال البابا داماسيوس
إلى الشكّ في أرثوذكسيتّه؛ فشقّ الأمر جدّاً على باسيليوس وحزَّ في نفسه أن يُطعن في ما وقف حياته على الدفاع عنه.
وقد كتب باسيليوس رسالته في الروح القدس للدفاع عن نفسه وإعلان إيمانه. وفي الأول من كانون الثاني سنة 379 توفيّ باسيليوس وهو يقول:
"ربِّ، إنّي أودع نفسي بين يديك".
2. أعماله
باسيليوس الكبير من أشدّ آباء الكنيسة أثراً وإن لم يكن أكثرهم كتابةً. وقد ترك لنا آثاراً قيّمة منها "توجيه الشبّان إلى طريقة الإفادة من الآداب الهلّينيّة"، ومنها عظات تفسيريّة، ورسائل، وقوانين للحياة الرهبانيّة والنسكيّة، وبحثان لاهوتيّان ضدّ إفنوميوس، وفي الروح القدس.
أمّا ليتورجيّا القديس باسيليوس في صيغتها الحاليّة فترتقي إلى القرن السادس؛ وهي في مادّتها الأساسيّة من وضع باسيليوس نفسه أسقف قيصريّة. ومن أعماله:
1- الأعمال العقائديّة.
أ) دحض إفنوميوس.
ب) في الرّوح القدس.
2- الأعمال الرُّهبانيّة والنُّسكية.
أ) الأخلاقيّات أو القواعد الأخلاقية.
ب) المجموعة النسكيّة.
ج) المواعظ والخُطب.
- الأيّام الستّة Hexameron
- مواعظ في حقل المزامير.
- مواعظ وخطب مختلفة.
د) بحث ورسائل.
- البحث إلى الشبّان.
- الرسائل.
3. الخاتمة
صورة القدّيس باسيليوس الأدبيّة
باسيليوس رجل فكر وعمل، رجل إدارة، كان إداريّاً حتّى في اللاهوت. عقله عمليّ أكثر ممّا هو تنظيريّ. وعلى كلّ حال فلا يستطيع المرء إلاّ أن ينظر بإعجاب إلى التوازن العجيب في تعليمه.
يتكلّم باسيليوس على السُّلطة، ولا يتردّد صوته في أن يُصبح آمراً. ربّما كان داعية إعجاب أكثر ممّا كان محبوباً.
لقد جعل باسيليوس في الضّوء وفي العمل الموضوعات الإجتماعية الكبرى لمساواة البشر في الخضوع لله، ولكرامة الشخص البشريّ، وللخدمة الإجتماعيّة التي تخضع لحُكمها الثروة والسُّلطة.
وباسيليوس، منظّم الحياة الرهبانية، لا يهتمّ لمسائل تطبيق المبادئ، ولا لدقائق علوم النفس. فأخلاقيّات باسيليوس ورهبانيّته هي أخلاق ورهبانيّة وصايا الله والمسيح، يطبّقها المسيحيّ تطبيقاً كاملاً بنعمة الله وعونه.
سيظلّ باسيليوس معلّماًَ روحيّاً عظيماً لكلّ من دُعي إلى الحياة الرهبانيّة، بل لكلّ مسيحيّ. ورصانة باسيليوس هي رصانة المحبّة.
ـــــــــ
المرجع:
المطران كيرلّس سليم بسْترس - الأب حنَّا الفاخوري - الأب جوزيف العَبسي البولِسيّ، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، المكتبة البولسيّة، جونية 2001