فكونوا إذا، يا إخوتي الأحباء، ثابتين راسخين، متقدمين في عمل الرب دائما، عالمين أن جهدكم لا يذهب سد ى عند الرب (1كور 15 /58)
اكليمنضُس الإسكندري
اكليمنضُس الإسكندري
وُلِدَ تيتوس فلافيوس إكليمنضس سنة 150 م في أثينا. وكانَ في شبابهِ يميل إلى التعمُّق في فلسفات العصر، فانكبَّ عليها حتى أفضى به سعيهُ الدائب للحقيقة إلى اعتناق المسيحية. قام بعدة أسفار زار خلالها جنوب إيطاليا وسوريا وفلسطين، وظلَّ يتنقّل من بلد إلى آخر حتى استقرّ في نهاية المطاف في مدينة الإسكندرية. هناك تعرَّف إكليمنضس إلى بانتينوس مؤسس المدرسة الإسكندرية فانخرط في مدرستِهِ وأضحى اليد اليمنى لمعلّمهِ فذاعَ صيته. ولمّا توفي بانتينوس أسندت إدارة المدرسة إلى إكليمنضس الذي توصَّل إلى مدّ جسر التقارب بين الفلسفة الهلّينية من جهة والمسيحية من جهة أخرى.
في مطلع القرن الثالث وعندما ثار إضطهاد الامبراطور سبتيموس ساويروس ضدّ الكنيسة، إضطرَّ إكليمنضس إلى الهرب إلى قبادوقية، حيثُ حلَّ ضيفاً على تلميذه ألكسندروس الذي صارَ فيما بعد أسقفاً على أورشليم. وقد توفي سنة 215 على الأرجح.
جمعَ إكليمنضس بين الفلسفة والشعر وعلم الآثار والميثولوجيا والأدب، واستشهد بالعهد القديم أكثر من ألف وخمس مئة مرة، وبالعهد الجديد أكثر من ألفي مرة، واستوحى الأدب اليوناني أكثر من ثلاث مئة وستين مرة. وقد أعلن أنه لا تناقض بين الفلسفة الحقيقية والإيمان، معتبراً أن العلوم تخدم علم اللاهوت وأن المسيحية هي تاج جميع الحقائق ومجدها.
أبرز ما وصلنا من مؤلفاتهِ:
ـ التحريض: كان الغرض الأساسي منهُ حَمْل اليونانيين على هجر عبادة الأصنام. جديد هذا الكتاب الدفاعي يتجلّى في اقتناع إكليمنضس بعدم الرد على أصحاب الفتن والسعايات التي كانت تُحاك ضد المسيحية آنذاك.
ـ المربّي: فيهِ ينصرف إكليمنضس إلى تربية كل من اتبع إرشاداتهِ في كتابهِ الأول واهتدى إلى المسيحية.
ـ البُسُط: يحتوي على ثمانية أجزاء تهدف بمجملها إلى توطيد العلاقة بين الإيمان المسيحي من جهة والفلسفة الهلّينية من جهة أخرى.
3. تعاليمه:
لقد كانت فكرة اللوغوس ـ الكلمة كوسيط بين الله والإنسان هي قاعدة مذهبه الفكري، ومع أنّ هذه الفكرة ليست بجديدة إلا أنّ مفهومه لها فاق بكثير أسلافه. في رأيه اللوغوس هو الخالق والمحرّك الأول لظهور العظمة الإلهية في العهد القديم وحتى في الفلسفة اليونانية؛ ولمّا بلغَ ملء الزمان واتّحدت الأرض بالسماء بواسطة تجسده، أزاح الستار عن الغموض الذي كان يكتنف سر الله.
في حديثه عن الكنيسة يشدّد على ضرورة ترسيخ الوحدة بين المؤمنين، لإقتناعهِ بأن الكنيسة هي صورة الثالوث الأقدس على الأرض. وهو يذكر الرتب الكنسيّة الثلاث، الأسقفية والكهنوتية والشموسية، فيشهد بذلك على استمرارية الكنيسة ومدى تفاعلها مع تقليد الرسل ومع تراثها.
يتحدَّث إكليمنضس أيضاً عن أسرار الكنيسة كالمعمودية والتثبيت والإفخارستيا. وهو يؤكّد بأن المناولة الإفخارستية هي اتّحاد بالكلمة ونعمة مجيدة وعظيمة، من يشترك فيها بإيمان يتقدَّس بجسده وروحهِ. أمّا فيما يختص بالتوبة فقد كانَ يعتقد بأنه ليس هناك سوى توبة واحدة بعد المعمودية. وفي حديثه عن الزواج يُفنّد إدّعاءات الغنوصيين الذين كانوا يرفضون الزواج، ويعلّم بأنّه سر شريف ومقدس، يشترك فيهِ الإنسان مع الله بالخلق للحفاظ على استمرارية الحياة.
عن مقال للأب جوزيف معلوف البولسي
font-size:x-large;