Skip to Content

28- تقييم الموقف في نظر الرأي العام الأوروبي

 

28- تقييم الموقف في نظر الرأي العام الأوروبي

Click to view full size image

 

    الواقع أن هنري الرابع لم يستفد كثيرًا من مقابله كانوسا، كما أن هذه المقابلة لم تكن مكسبًا على طول الخط بالنسبة للبابا جريجوري السابع، حقيقة أن البابا خرج من هذه الجولة مرفوع الرأس بعد أن حقق سمو الباباوية، ولكن مسلك جريجوري نفسه العنيف أساء إلى نسبة كبيرة من نفوس الرأي العام المسيحي، فعاب كثيرون على البابا شدته وقسوته وهو رجل الدين الذي يجب أن يتسم بالرحمة والخلق السمح؛ فهو الأب الرحيم.

     أما هنري الرابع فسرعان ما استكشف أن خسارته في كانوسا كانت كبيرة، لأن خضوعه للبابوية على ذلك الوجه لم يفده شيئًُا في استرضاء أعدائه وخصومه الخارجين عليه في ألمانيا، بل أن أنصاره في لمبارديا في شمال إيطاليا أساءهم جداَ أن يقول الإمبراطور ما وجهه أمام البابا بهذا الشكل، فنادوا بخلعه وإحلال ابنه محله، هذا في الوقت الذي اعتبر أمراء المانيا فرار الملك سرًا إلى كانوسا خروجًا على العهد الذي اخذه على نفسه تنفيذًا لقرارات مجمع تريبور التي قضت بانزوائه في أحد الأديرة حتى يغفر له البابا.

         ولذلك عقد الأمراء الألمان مؤتمرًا في فورخهايم forhheim في مارس من عام 1077 قرروا عزل هنري الرابع عن العرش واختيار رودلف دوق سوابيا ملكًا بدله، وهنا حرص الأمراء قبل البدء في الاجراءات الخاصة بتتويج الإمبراطور الجديد على يد أسقف مينز، على أن يأخذوا عليه موثقًا بألا يطالب بأي حق وراثي لأبنائه في العرش وألا يتدخل في حرية انتخاب الأساقفة.

     على أن شعور العطف على هنري الرابع اخذ بتزايده في سرعة حتى بلغ حدا أصبحت عنده معظم المانيا في جانبه، ما عدا سكونيا التي ناصرت رودولف، وقد استمرت الحرب الأهلية بين الطرفين قرابه ثلاثة أعوام (1077- 1080) وفتحت باب النزاع من جديد بين كل من هنري الرابع وجريجوري السابع، وذلك أن البابا اختار أن يقف موقف الحياد في المرحلة الأولى من مراحل هذه الحرب بين هنري ورودلف حتى يحصل هو من الطرفين على اعتراف بسيادته.

     وعندما انتصر رودلف على خصمه في يناير 1080 أعلن البابا رأيه صراحة في أنه يؤيد رودلف وعقد مجمعًا دينيًا في نفس العام قرر فيه إعادة توقيع الحرمان على هنري الرابع وإقصائه من العرش الإمبراطوري.

     وهكذا اخذ جريجوري السابع ينادي بأنه قبل أن تحل بداية العام التالي سيكون هنري الرابع قد فقد عرشه وحياته أيضا، ولكن شاءت الظروف ألا يتحقق له شيئًا من هذا، ذلك أن هنري الرابع أدرك أنها معركة حياة أو موت فاظهروا إصرارا وحماسًا بالغين، ولاسيما بعد أن آمن بوجود أنصار كثيرة له في إيطاليا وألمانيا، لذلك رد هنري الرابع على البابا بعقد مجمع في بركسن brixen في يونيه 1080 دعا إليه أنصاره من أساقفة ألمانيا وشمال إيطاليا، وتقرر في هذا المجمع عزل البابا جريجوري السابع من الكنيسة وانتخاب جيوبرت رئيس أساقفة رافنا ليخلفه في منصب البابوية. وقد امتاز هذا البابا الجديد الذي اتخذ اسم كلفت الثالث بالخبرة الطويلة والكفاية العظيمة، فأسرع مؤتمر بركسن إلى رافنا ليوجه الأمور في شمال ايطاليا ضد منافسة جريجوري السابع، وهكذا اشتد النضال وتعقد الموقف بعد، وجد على المسرح اثنان من الباباوات يتنازعان الكرسي البابوي واثنان من الملوك يتنازعان العرش الإمبراطوري، واختار الحظ أن يقف في جانب هنري الرابع وكلمنت الثالث في ألمانيا وإيطاليا جميعًا، إذ دارت معركة حاميه في أكتوبر 1080 انتصر فيها رودلف إلا أنه قتل فور فوزه ففاز هنري الرابع.

     أسرع هنري الرابع بعد هذا ليعبر جبال الألب ويقابل خصمه الثاني جريجوري السابع وتوجه بجيوشه إلي روما، وفي هذه المرحلة الحاسمة لم يجد البابا جريجوري إلا الاعتماد على حليفه ماتيلدا، إلا أن قوات ماتيلدا أصيبت بهزيمة ساحقه من هنري الرابع، في روما أسرع هنري الرابع لعقد مؤتمر ديني في مارس 1084 قرر فيه عزل جريجوري السابع وحرمانه من الكنيسة، وأعقب ذلك اعتلاء كلمنت كرسي البابوية في روما وتتويج هنري الرابع إمبراطور في كنيسة القديس بطرس.

    أما جريجوري السابع فقد احتمي بقلعة سانت إنجيليو في روما، ومن هناك جعل يستحث حلفاؤه في جنوب ايطاليا للإسراع لنجدته.

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +