يا رَبِّ طُرقَكَ عَرِّفْني و سُبُلَكَ علِّمْني ( مز 25 /4)
4- النزاع بين كرسي القسطنطينية وكرسي روما
4- النزاع بين الكرسي في القسطنطينية والكرسي في روما
اعتمدت القسطنطينية على أنها مركز الأباطرة، ومحل أقامتهم، وبالتالي يحق لأسقفها أن تكون له الزعامة الدينية على العالم المسيحي، كما كان لإمبراطورها الزعامة السياسية هناك، إلا أنه ما أضعف من موقفها أن تراث الكنيسة انتقل عن طريق الرسل إلى الكنائس التي أسسها مثل كنيسة إنطاكية والإسكندرية وروما.. وهنا اقتصرت القسطنطينية إلى مثل هذا التشريف، لأن أحد من الرسل لم يشرفها بالذهاب إليها أو الاستشهاد فيها.
أما روما فيكفيها فخرًا ذهاب بطرس وبولس ومرقس إليها واستشهاد الأولين في أراضيها.
وبهذا تزرع أساقفة روما وحاولوا فرض سيطرتهم الدينية على العالم المسيحي من وقت لآخر أول الأمر، حيث لم يكن أساقفها محل اعتبار مثل أقرانهم الشرقيين، ولذلك أصر الشرق على موقفه من زعامة المجامع الكنسية حتى مجمع خليقدونيا عام 451 م، فقد حاول زعماء الكنيسة الشرقية تأكيد هذه المساواة والمكانة والامتيازات بين كرسي روما والقسطنطينية، ولكن مندوب البابا في روما عارض بشدة، مُتَمَسِّكًا بأنه خليفة بطرس الرسول، واعترفت به الأسقفيات التابعة له. وفي سنة 455 أصدر الإمبراطور فالنشيان الثالث إمبراطور روما مرسوم يقضي بخضوع جميع أساقفة الغرب لبطريرك روما، وساعده على ذلك ازدياد التجاء أساقفة الغرب إلى استئناف أحكام المجامع والأحكام القضائية..
وهكذا سارت الأمور حتى تحققت للبابوية في روما سيادتها الفعلية في صورة عالمية بدءًا من عهد البابا جريجوري الأول (العظيم) 590- 604 بوصفة خليفة القديس بطرس.
وكان هذا التعظيم من شأن البابوية الرومانية مؤسسًا على الخلافات الدينية، التي نظروا إليها من زاويتها السياسية بعكس بابا الإسكندرية وزملائه في الشرق، مثلما حدث في مجمع خليقدونيا عام 451، وهو المجمع الذي حمل بذور الانشقاق بين الكنيستين بشكل نهائي وواضح.