عَلِقَت بِكَ نَفْسي و يَمينُكَ سَانَدَتني (مز 63 /9)
1- دخول المسيحية والإمبراطورية في أوروبا
1- دخول المسيحية و الإمبراطورية في أوروبا
بدأت المسيحية تظهر في أوروبا في القرنين الأول والثاني، في منطقة جنوب أوروبا على يد الرسل الأطهار وتلاميذهم من بعدهم، كبلاد أسيا الصغرى واليونان وإيطاليا وأسبانيا، بالإضافة إلى جزر البحر المتوسط.
وقد بدأ الأيمان بالطبقة الشعبية المريضة فتحها إلي أعلا، لأن الطبقة الحاكمة كانت تخشى (المسيحية) خوفًا على سلطتها، حيث ظنوا أن المسيحية ضدهم وضد سلطاتهم، ومن ثم كان الاضطهاد شديدًا من الطبقة العالية للطبقة الدنيا، في الوقت الذي تمسكت فيه الطبقة الدنيا بالمسيحية كملجأ وملاذ لها من ظلم تلك الطبقة، ووجدوا في إيمانهم بالله، وما أظهره لهم من حب ومعجزات خير عزاء لهم في حياتهم التي كانوا يعيشونها من أجل متعة طبقة الأغنياء والحكام، حيث ملأوا بطونهم من كدهم، وشربوا الخمر من عرقهم وفي النهاية ساقوهم عبيدًا إذا هم تقاعسوا عما اسند إليهم، أو تأخروا في دفع ما عليهم من ضرائب.
وكان المجتمع عند دخول المسيحية إلى أوروبا ينقسم إلى: طبقة حاكمة رفيعة المستوي في العلم والثروة والجاه، وأخرى على النقيض، كادحة جاهلة، لا حول لها ولا قوة إلا الطاعة في إطار من الخوف والفزع.
تكونت الطبقة الحاكمة من: الإمبراطور. وكان لزمن السلطات ما أوصله إلى حد العبادة، وفلاسفة يقومون بدور الوزراء مستشاري هذا الإمبراطور، وحكام ولايات لهم كل سلطات الأباطرة في ولاياتهم، وجيش جرار على رأسة قائد يحمي هذه الأملاك وقد ظل هذا النظام حتى بعد دخول المسيحية إلى البلاد. وكان الإمبراطور الوثني يجمع في شخصيته السلطتين: المدنية والدينية، فحمل بالإضافة إلى ألقابه الرسمية العديدة لقب " الحبر الأعظم " فلما أصبحت الكنيسة مؤسسة شرعية في البلاد أصبح هو بالتالي رئيسها القانوني.
وعندما تخطت الكنيسة مراحلها الأولى والعسيرة في صراعاتها مع الوثنية على يد الأباطرة السابقين على قنسطنطين الكبير، ووصلت إلى أن تكون ديانة "مُرَخَّص بها على قدم المساواة مع الديانة الوثنية" بمقتضى مرسوم ميلان عام 313 م. بدأت الديانة المسيحية تطفوا على السطح. وظهرت أصوات المصلين في أبنية بسيطة، هي الكنائس الأولى، إلا أنها كانت مستهدفة لهجمات الوثنيين اللذين كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
ومن هذا يبدو أن سياسة الإمبراطور قنسطنطين الوثنية تمثل حلقة انتقال، كما أنها تعبر عن تطور فكري أكثر منها تحول روحي، ذلك أنه تسامح مع المسيحيين في الوقت الذي لم يظهر الوثنيين، وعن هذا الطريق حاول أن يمسك العصا من وسطها ليحقق نوعا من التوازن بين الديانتين المسيحية والوثنية.
وكان لعطف قنسطنطين الكبير على الكنيسة وقع عظيم في جميع الأوساط المسيحية، فاشتد الحماس له، وعظمت الثقة به، وقد سارع المؤرخ "اوسابيوس" إلى تنصير الحبرية الوثنية العظمي السابق الإشارة إليها في الخطبة التي أعدها لمناسبة الاحتفال بمرور ثلاثين عاما على جلوس قنسطنطين، وجعل من الحكومة الأرضية صورة من الحكومة السماوية، وقال باله واحد في السماء وحاكم واحد على الأرض، وبقانون واحد في السماء وقانون واحد على الأرض واعتبر الإمبراطور الروماني مفوضًا من الله.
وثبت أيمان قنسطنطين هذا الرأي ولاسيما إحساسه بالرسالة السماوية التي كان يحملها، واهتمامه بأمور الكنيسة وسعيه لتوحيد كلمتها، ومن هنا خلع علية أساقفتها " الحبر الأعظم "pantifex Maximus
وجاء الإمبراطور تياؤدوسيوس الكبير (الأول) (379- 395) أعلن في الثامن والعشرين من فبراير عام 380 العقيدة المسيحية دينًا رسميًا للدولة على مذهبها الأرثوذكسي، فأصبحت الكنيسة كنيسة رسمية، وان الإمبراطور هو " الكاهن الأعظم التقي الأرثوذكسي " وكان هذا هو بداية اكبر أسباب تكبر اساقفه القرب، وتعاظم مركز البابوية تجاه العقيدة والسياسة والمجتمع، وتجاهل مركز الكنائس الأخرى وخصوصًا كنيسة الإسكندرية باعتبارها كرسي ولاية من ولايات الإمبراطورية الرومانية.
والواقع أن الاعتراف بالمسيحية دينًا رسميًا للإمبراطورية كانت نتائج بعيدة الأثر بالنسبة للكنيسة ونظمها، ذلك أن التنظيم الكنسي امتاز أصلا بالبساطة المطلقة في العصر المسيحي الأول، فلم يكن يتعد الرابطة الدينية بين مجتمعات دينية مسيحية مستقلة بعضها عن بعض، لكل مجتمع منها أسقف يساعده فريق من القسوس والشمامسة،
وحقيقة أن بعض هؤلاء الأساقفة امتازوا عن زملائهم بحكم كراسيهم من أهمية قديمة أو ثروة عظيمة أو مساحة واسعة، ولكن مع ذلك لم توجد هيئة كنسية تمثل سلطة دينية ذات نفوز فعال في الحياة العامة.
وقد ظهر على رأس الكنيسة عندئذ خمسة بطاركة للخمسة كراسي بالإسكندرية، إنطاكية. أورشليم. روما. القسطنطينية، وكانوا في نظر الإمبراطورية الرومانية يمثلون كبار الرؤساء فيها، ويتبع كلا منهم مجموعة من الأساقفة.