ثَمَرَةُ البارَ شَجَرَةُ الحَياة و الحكيمُ يَجذِبُ إلَيه النُّفوس (ام 11 /30)
كلمة حياة حزيران 2005: "إتبعني.."
كلمة حياة
حزيران 2005
" إتبعنــــي.. "(متّى 9،9)
وكان يسوع خارجاً من كفرناحوم فأبصر متّى العشّار جالساً إلى طاولة الجباية.. هذه الوظيفة تدنّت بمتّى الى مصاف الإستغلاليّين والمرابين وجعلت منه مرفوضاً ومكروهاً من الشعب. فالفرّيسيون والكتبة كانوا يساوون العشّارين بالخطأة ويلومون يسوع لأنّه "صديق الخطأة وجباة الضرائب" يجالسهم ويأكل على موائدهم (متّى 11، 19 و9، 10).
لكن يسوع تخطّى العادات الإجتماعية كلّها ونادى متّى وطلب منه أن يتبعه ثمّ قَبِل دعوته الى تناول العشاء في بيته تماماً كما سيقبل في ما بعد دعوة زكّا العشّار في أريحا.
وعندما ألحّ الفرّيسيّون وطلبوا من يسوع أن يُبرّر تصرّفه، أجاب أنّه جاء ليشفي المرضى وليس الأصحّاء، ويدعو الخطأة وليس الصالحين. وها هو اليوم يوجّه دعوته الى واحد من هؤلاء الخطأة ويقول له:
" إتبعنــــي.. "
إنّها كلمات سبق ووجّهها يسوع الى أندراوس وبطرس ويعقوب ويوحنّا عندما التقاهم على ضفاف بحيرة طبريّا. دعوة سيوجّهها الى بولس على طريق دمشق وإن في إطار مختلف..
لكنّ يسوع لم يتوقّف عند هذا الحدّ بل راح يدعو على مدى العصور رجالاً ونساءً من الشعوب كافّة والأمم أجمعين.
وهو يقوم بالعمل نفسه اليوم. إنّه يمرّ في حياتنا، ويأتي لِلُقْيانا حيثما وُجِدْنا، في أماكن مختلفة وبطرق مختلفة، ويجدّد دعوته لنا لنتبعه ولنبني علاقة شخصيّة معه. وهو بذلك يدعونا في الوقت ذاته لنساهم في إتمام مخطّطه الرائع من أجل ولادة بشريّة جديدة.
وقلّما يتوقف يسوع على ضعفنا وأخطائنا وفقرنا. إنّه يحبّنا ويختارنا كما نحن. وعندما نترك حبّه يعمل فينا ويحوّلنا، فإنّه يعطينا القوّة والشجاعة لنتبعه كما فعل متّى. فله على كلّ منّا مشروع حبّ مميّز ونداء خاص. فهو يتجلّى فينا من خلال إلهام من الروح القدس أو من خلال حدث معيّن أو نصيحة تأتينا من أحد إخوتنا.. وفي جميع الحالات فهو يردّد لنا الكلمة نفسها:
" إتبعنــــي.. "
في أحد الأيام، سمعتُ أنا أيضاً هذا النداء. كان ذلك في مدينة "ترانتو"، في شمال إيطاليا في صباح نهار بارد من أيام الشتاء..
طلبت أمّي من أختي الصغرى أن تُحضر الحليب. وكان عليها أن تسير مسافة كيلومترين في الصقيع، فلم تقبل وحوّلَتْ طلبها الى أختي الثانية التي رفضت بدورها.. فما كان منّي إلاّ أن تناولتُ الوعاء وقلت: "سأذهب.." وفي الطريق سمعتُ نوعاً من النداء الداخلي.. وخُيّل إليّ أنّ أبواب السماء قد انفتحت وأنّ الله يدعوني لأتبعه. وسمعتُ صدى هذه الكلمات في قلبي: "أعطني ذاتك بكليتها.." كان النداء واضحاً واستجبت له على الفور.
فاتحتُ الكاهن مرشدي بهذا الأمر فسمح لي بأن أكرّس ذاتي لله الى الأبد. وكان ذلك في 7 كانون الأول 1943. لن أتمكّن يوماً من وصف ما شعرت به آنذاك. لقد اتخذت الله عريساً لي. وبإمكاني أن أنتظر منه كلّ شيء.
" إتبعنــــي.. "