فعلينا نحن الأقوياء أن نحمل ضعف الذين ليسوا بأقوياء ولا نسع إلى ما يطيب لأنفسنا (رو 15 /1)
كلمة حياة شباط 2005: "للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد"
كلمة حياة
شباط 2005
"للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد". (متى 4، 10)
في زمن الصوم تذكّرنا الكنيسة أن حياتنا مسيرة نحو الفُصح، فيها يُدخلنا يسوع، من خلال سرّ موته وقيامته، في الحياة الحقيقيّة ويسير بنا إلى اللقاء مع الله. ولا تخلو هذه المسيرة من الصعوبات والتجارب وهي أشبه بمسيرة عبور للصحراء.
وفي تلك المسيرة، بينما كان شعب إسرائيل يعبر الصحراء متوجّهاً نحوَ أرض الميعاد ترك إلهه وسجد للعجل الذهبي. يسوع نفسه إختبر تلك المسيرة في الصحراء، حين جرّبه الشيطان داعياً إيّاه إلى عبادة المال والسلطة، لكنّه وضع حدّاً قاطعاً لكل حيَل الشرير وسار بعزم نحو الله الذي هو "الخير الأوحد".
"للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد". (متّى 4، 10)
وكما كان الأمر بالنسبة إلى الشعب العبراني وإلى يسوع، هو كذلك بالنسبة إلينا. فحياتنا اليوميّة لا تخلو من التجارب التي تحاول أن تُبعدنا عن الطريق القويم وتدلّنا على طرق حياة أسهل. تدعونا هذه التجارب إلى التفتيش عن السعادة في السهولة، إن في اللهو أو في الجمال أو الملكيّة أو السلطة. وهذه كلّها أمور إيجابيّة في حدّ ذاتها، لكنّ الخطورة تكمن في تحويلها إلى قيَم مطلقة، وهذا ما يقوم به مجتمعنا الحالي، فيصوّرها لنا على أنّها كذلك، وتصبح أصناماً حقيقيّة في حياتنا.
وحين نبتعد عن الله وعن عبادته الحقيقيّة تعترضنا آلهة مزيّفة ويظهر التعبّد لعلم الفلك والسحر وغيرهما، من جديد. لكنّ يسوع يذكّرنا أنّ الكمال لا يكون في البحث عن هذه الأمور الزائلة إنّما هو في الإستسلام لله الذي منه يأتي كل خير، وفي الإعتراف به خالقاٌ وربّّ التاريخ وأنّه "الكلّ" في حياتنا.
وإذا كنّا هناك في السماء سوف نمجّده ونسبّحه بدون انقطاع، فلماذا لا نبدأ منذ الآن؟
وما أشدَّ رغبتنا وعطشنا لأن نعبده ونسبّحه في أعماق قلوبنا هو الحيّ في بيت القربان وفي لقاء الجماعة حول الإفخارستيا.
"للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد". (متّى 4، 10)
ولكن ماذا يعني أن نعبد الله؟
أن نعبد الله هو أن نبني علاقة مميّزة معه. أن نعبده يعني أن نقول له: "أنتَ كلّ شيء، أنتَ من هو، ولي أنا الامتياز العظيم بأنّي أحظى بحياةٍ كاملة لكي أعرفك". وأن نقول له أيضاً: "أنتَ كلّ شيء وأنا لا شيء".
كي نعبد الله حقاً، علينا أن نخلي ذواتنا ونصبح العدم ونترك الله ينتصر فينا وفي العالم. وهذا يعني أن نهدم الأصنام المزيّفة التي قد بنيناها أو نحاول أن نبنيها في حياتنا. وللإعتراف بهذه الحقيقة أن الله هو "الكل" وإننا العدم، الطريق الفضلى هي الآتية: لكي نتوصل إلى التخلّي عن أفكارنا ما علينا إلاّ التحلّي بأفكار الله التي أظهرها لنا يسوع في الإنجيل؛ ولكي نتخلّى عن إرادتنا ليس علينا إلاّ أن نتمّم إرادته في اللحظة الحاضرة؛ ولكي نتخلّى عن ميولنا الفوضويّة يكفي أن تغمر محبّته قلوبنا وأن نحبّ إخوتنا ونشاركهم قلقهم وآلامهم وصعوباتهم وأفراحهم.
إذا عرفنا أن نكون دوماً "محبّة" صرنا "عدماً" من دون أن ندري. وبعيشنا كذلك نؤكّد في كلّ لحظة أنَّ الله هو كلّ شيء وفوق كلّ شيء، وبذلك ننفتح على العبادة الحقيقيّة له.
"للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (متى 4، 10)
وحينَ اكتشفنا منذ سنوات عديدة أنّ عبادة الله تعني أن نعلن له"أنه كلّ شيء وأننا لا شيء" وضعنا كلمات أغنية تقول له كلّ صلاتنا:"قد تنطفئ النجوم في السماء، قد يزول النهار وتسكن الأمواج في البحار ويكون ذلك لمجدك. لتنشد لك الخليقة يا ربّ: أنتَ الكلّ وأنا العدم".
وعندما نخلي ذواتنا بدافع المحبة يمتلىء العدم الذي فينا بما هو "الكلّ"، بالله الذي غمر قلوبنا.
كيارا لوبيك