واْنظُرْ إِلى أَعْدائي فقَد كَثُروا و أَبغَضوني بُغضًا عنيفًا ( مز 25 /19)
كلمة حياة كانون الاول 2007: "المحبّة هي كمال الشريعة"
كلمة حياة
كانون الأول 2007
"المحبّة هي كمال الشريعة" (روم 10،13)
يختم القدّيس بولس أحد مقاطع الرسالة إلى أهل رومة بهذه الكلمات، حيث يقدّم الحياة المسيحيّة على أنّها حياة تُنعشها المحبّة الأخوية. وهذه هي الذبيحة الروحيّة الجديدة التي هي دعوة كلّ مسيحيّ، يُقدّمها إلى الله بإرشاد من الروح القدس (أنظر روم 21، 1) المصدر الأساسي لهذه المحبّة في قلوبنا.
يُلَخّص الرسول مضمون هذه الفقرة ويؤكّد أنّ محبّة القريب تجعلنا نُتمّم إرادة الله الموجودة في الشريعة، أي في الوصايا، بشكل كامل وتامّ. فمحبّة إخوتنا وأخواتنا هي أصدق تعبير عن محبّتنا لله.
"المحبّة هي كمال الشريعة" (روم 10،13)
ولكن ماذا يعني هذا الكمال؟ نُدرك ذلك من خلال الآيات الواردة سابقاً والتي يُحّدد فيها الرسول التعابير المختلفة لهذه المحبّة وثمارها.
بدايةً، إنّ محبّة القريب لا تقترف شرّاً تجاهه (أنظر روم 10،13)، وبالتالي فهي تجعلنا نعيش وصايا الله كلّها (أنظر روم 9،13)، بما أنّ هدف هذه الوصايا الأول هو أن نتجنّب الشرور التي قد نقترفها تجاه ذواتنا وتجاه القريب. وإلى جانب ذلك أي عدم الإتيان بأيّ شر، فإنّ هذه المحبّة تدفعنا إلى أن نتمّم كلّ الخير الذي يحتاج إليه قريبنا (روم 6،12 – 8).
إنّ كلمة الحياة هذه تدفعنا إلى محبّة متضامنة واعية لحاجات إخوتنا وأخواتنا وتطلّعاتهم وحقوقهم. هي تدفعنا إلى محبّة تحترم الكرامة البشريّة والمسيحيّة، إلى محبّة طاهرة، متفهّمة، قادرة على المشاركة، منفتحة على الجميع، كما علّمنا يسوع.
هذه المحبّة غير ممكنة إن لم نكن مستعدّين للتخليّ عن أنانيّتنا واكتفائنا الذاتيّ. لذلك إنّها تساعدنا على تخطّي ميول الأنانيّة فينا من غرور وبخل، وفجور، ومطامح، وتفاهة، الخ.. هذه التي نحملها في داخلنا والتي تُشكّل حاجزاً رئيسيّاً أمام عيشنا المحبّة الحقيقيّة (أنظر روم 9،12 – 21).
"المحبّة هي كمال الشريعة" (روم 10،13)
كيف نعيش إذاً كلّمة الحياة خلال هذا الشهر؟
نعيشها ونحن نتذكّر المتطلّبات المختلفة التي تستدعيها محبّة القريب.
سنتجنّب أوّلاً أن نؤذيه أو أن نقترف شرّاً بحقه، وسنركّز انتباهنا بصورة دائمة على وصايا الله المرتبطة بدعوتنا الخاصة ونشاطنا المهني، والبيئة التي نعيش فيها. والشرط الأوّل لتحقيق المحبّة المسيحيّة هو بألاّ نقوم أبداً بعصيان وصايا الله.
ومن جهة أخرى سوف ننتبه لما هو أساس الوصايا وروحها ومحرّكها وهدفها. فكلّ وصيّة تريد أن تحملنا إلى عيش المحبّة نحو إخوتنا، محبّة تكون عمليّة، رقيقة، عينها ساهرة وملؤها الاحترام.
وفي الوقت نفسه سوف نسعى لنُنَمّي فينا روح التخلّي عن ذواتنا، فنتخطّى أنانياّتنا. وهذه نتيجة حتميّة لتجسيدنا المحبّة المسيحيّة.
وهكذا نتمّم ملء إرادة الله علينا، ونُظهر له محبّتنا بأفضل طريقة ترضيه. (أنظر روم 2،12).
"المحبّة هي كمال الشريعة" (روم 10،13)
نورد في هذا السياق خبرة محامٍ موظّف في وزارة العمل. يُخبرنا قائلاً: "في أحد الأيام قدّمتُ إلى صاحب شركة شكوى من عمّاله يتّهمونه فيها أنّه لا يدفع لهم رواتبهم وفق القوانين السارية المفعول. وكنت قد وجدتُ بعد بحث جاد وطويل الوثائق التي تشهد على خرقه للقانون. فطلبت من يسوع أن يمدّني بالقوّة كي أكون مخلصاً لوصيّته التي تريدني أن أكون في الحقيقة وفي الوقت عينه أداة لمحبّته.
وأمام الدلائل الواضحة، حاول المالك أن يدافع عن نفسه قائلاً بأنّ بعض القوانين غير عادلة في نظره. فلفتُ انتباهه إلى أنّه لا يمكننا أن نبرّر أخطاءنا ونتستّر بالثغرات الموجودة في القانون. وخلال الحديث الذي دار بيننا تبيّن لي أنّه يؤمن بقيم العدالة والمساواة نفسها التي أومن بها لكنّه ترك الذهنيّة السائدة حوله تقوده وتأثّر بها.
وفي الختام قال لي: "كان باستطاعتك أن تذلّني وتسحقني، ولكنّك لم تفعل. فأوّل واجباتي أن أعوّض عن الخطأ الذي اقترفته". وبما أنّ التزاماً فوريّاً كان بانتظاره لم يكن هناك متّسعٌ من الوقت لأكتب وثيقة المخالفة ويوقّع عليها، فما كان منه إلا أخذ ورقة بيضاء، ووضع توقيعه من دون شرط، مقدّماً لي بذلك الدليل القاطع على أنّه مستعدّ لتصحيح الوضع والبدء فعلاً من جديد".
كيارا لوبيك