أما الجبناء وغير المؤمنين والأوغاد والقتلة والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذابين، فنصيبهم في المستنقع المتقد بالنار والكبريت: إنه الموت الثاني (رؤ 21 /8)
كلمة حياة شباط 2011: "إنّ الّذين ينقادون لروح اللّه يكونون أبناء اللّه حقاً"
كلمة حياة
شباط 2011
"إنّ الّذين ينقادون لروح اللّه يكونون أبناء اللّه حقاً"
( رومة 8،14 )
نجد هذه الآية في صِلب نشيدِ بولس الذي تغنّى فيه بجمال الحياة المسيحيّة وما تحمله من جديد وحريّة، وهما ثمرة معموديتنا وإيماننا بيسوع، التي تجعلنا نرتبط بيسوع ارتباطًًا كاملاً، فيُدخِلُنا في ديناميّة حياة الثالوث؛ وإذ نصبح واحداً معه، نشارك في روحه القدّوس وفي ثمارِهِ كُلِّها، بالأخصّ تلك التي تجعل منّا أبناءَ الله.
حتّى وإن تحدّث بولسُ عن التبنّي (روم 8،15-غلا 4،5)، فهو قد فعل ذلك ليميز بين وضعنا ووضع الابن الطبيعيّ الذي هو حال ابن الله الوحيد.
ليست علاقتنا بالآب مجرّد علاقة قانونية، كما يمكن أن يكون وضع الابن بالتبنّي؛ بل هي علاقة جوهريّةٌ، تحوِّلُ طبيعتنا كما لو أنّها ولدت من جديد. هكذا يُنعِشُ حياتَنا كُلَّها مبدأٌ جديدٌ، روحٌ جديد، هو روحُ اللّهِ عينُهُ. ولا ننكفُّ ننشد مع بولس معجزة الموتِ والقيامةِ الّتي تعمل فينا بنعمةِ المعموديّة.
"إنّ الّذين ينقادون لروح اللّه يكونون أبناء اللّه حقاً"
إنّ مغزى هذه الآية يطال حياتنا كمسيحيّين؛ فروحُ يسوعَ يُدخل إليها ديناميّة وصراعاً يختصره بولس بهذه المواجهة بين الجسد والروح؛ وهو يقصد بالجسد الإنسان بكليّته، جسماً وروحاً، يقصده بهشاشته التي هي في أساس تكوينه، وبأنانيته المُتصارعة باستمرار مع شريعةِ المحبّة، لا بل مع المحبّة ذاتها الّتي سُكبت في قلوبنا (روم 5، 5). فالإنسان الّذي يُرشِده الروحُ عليه أن يجاهدَ كلّ يوم، جهاد "الإيمان الحسن" (1 تيم6،12) لكي يتمكّنَ من رَدْعِ ميول الشرِّ في داخله، ويعيشَ بمقتضى الإيمان الّذي أُعلَن وقت معموديّته.
ولكن كيفَ ذلك؟
نحن نعرِفُ أنّ مساهمتنا ضروريّةٌ لكي يفعل الروحُ القدسُ فعله؛ والقدّيس بولس عندما كتب هذه الآية، كان يفكِّر بصورةٍ خاصّةٍ بواجب تلاميذ يسوع، ألا وهو نكران الذاتِ والجهاد ضد الأنانيّة في أشكالها المتنوّعة.
ولكنّ إماتة الذاتِ هذه هي التي تَلِدُ الحياةَ، لأنّ كُلَّ تخلِّ، كلّ رفض جذريّ لأنانيتنا، يشكّل مصدر نورٍ جديد، مصدر سلامٍ وفرحٍ ومحبّةٍ وحريّةٍ داخليّة؛ إنّها باب مُشرَّع على الروح.
فنحن إذ نحرِّر عمل الروح القدس الساكن فينا، نفسح له المجال كي يهبنا عطاياه بفيض وسخاء، وكي يهدي خطواتنا على دروب الحياة.
"إنّ الّذين ينقادون لروح اللّه يكونون أبناء اللّه حقاً"
كيف نعيشُ هذه الكلمة؟
علينا أن ندرك قبل كلِّ شيءٍ وكلّ يوم أكثر، حضور الروح القدس فينا، فنحن نحمل في أعماقنا كنزاً عظيماً، ولكنّنا لا نعي ذلك كفايةً. نحن نملك ثروةً فائقةَ الطبيعة، غير أنّها تبقى في أغلب الأحيان مدفونة، ولا نستعملها.
ولكي نسمع صوت الروح القدس ونتّبعه، علينا أن نقول "لا"، لكلّ ما يُعيقُ إرادة الربِّ، ونقول "نعم"، لكلِّ ما يريده منّا؛ "لا" للتجاربِ، فنقطع بسرعة إيحاءاتها؛ "نعم" للمهامّ الّتي أوكلها الربُّ إلينا؛ "نعم" لمحبّةِ كلّ قريب؛ "نعم" للمصاعب والمِحَنِ الّتي تعترض مسيرتنا...
فإذا تصرّفنا هكذا، أرشدْنا الروحُ القدسُ، مانحاً حياتنا المسيحيّة هذه النكهة، هذا التوقّد، هذا الإشراق، الّذي تملكه الحياةُ المسيحيّةُ الأصيلة.
عندها يُدْرِكُ أيضاً مَن هُم بقُربِنا أنّنا لسنا أبناءَ عائلتنا البشريّة وحسب، بل نحن كذلك أبناء اللّه.
كيارا لوبيك (حزيران 2000)