أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟ (1كور 3 /16)
تشرين الثاني - السنكسار الماروني
شهر تشرين الثاني
أيام هذا الشهر ثلاثون يوماً. ساعات نهاره 11 ساعة وساعات ليله 13 ساعة.
اليوم الاول
تذكار جميع القديسين
ان الكنيسة المقدسة تُقيم، كل يوم من السنة، تذكاراً لقديس. وبقي عددٌ لا يحصى من القديسين الغير معروفين، من دون تذكار خاص بهم، لذلك اقام لهم البابا بونيفاسيوس الرابع (608 – 615) تذكاراً شاملاً. فحوَّل هيكل الآلهة الكذبة المعروف (بالبانتيون) فيروما الى هيكلٍ مسيحي وكرَّسه معبداً لإكرام سيدتنا مريم العذراء وجميع الشهداء ونقل اليه رفاتهم وعيَّن لهم عيداً خاصاً، اسماه "عيد جميع القديسين" في 12 أيار. وفي السنة 731 خصَّص البابا غريغوريوس الثالث، في كنيسة مار بطرس، معبداً لتكريم جميع القديسين. وفي السنة 837 زار البابا غريغوريوس الرابع فرنسا وادخل هذا العيد فيها، وعيَّن له اليوم الاول من تشرين الثاني. ومنذ ذلك الحين رسم الباباوات فرضاً خاصاً به فأصبح من اعظم اعياد الكنيسة غرباً وشرقاً. واخذت كنيستنا المارونية تحتفل به اقتداءً بكنيسة رومة. هؤلاء القديسون هم الشهداء والمعترفون والعذارى والابرار والصديقون الذين جاهدوا الجهاد الحسن وانتصروا على الجسد والعالم والشيطان وفازوا باكليل المجد الابدي. فهم شفعاؤنا لديه تعالى وعونٌ لنا في الشدائد والمحن. فبتكريمنا اياهم نقدِّم المجد والشكر لله الذي قوَّاهم بنعمته واهَّلهم الىالسعادة الخالدة. فلنتخذهم مثالاً لنا لنقتدي بفضائلهم صابرين على آلام هذا الدهر لنستحق مشاركتهم في المجد الابدي.
صلاة فرضنا السرياني تخصص لهم القومة الثانية في صلاة الليل من كل يوم ويرد ذكرهم في جميع الالحان والصلوات بعد ذكر العذراء المجيدة. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم الثاني
تذكار الموتى المؤمنين
قد اقامت الكنيسة المجاهدة، يوم امس، تذكاراً لشقيقتها المنتصرة في السماء، واليوم تُقيم تذكاراً آخر لشقيقتها المتألمة في الطهر. وهو اشهى تذكار على قلبها.
صلاة فرضنا السرياني تخصص لهم القومة الثالثة من صلاة الليل بعد ذكر العذراء والشهداء.
ان تذكار الموتى هذا قد رسمه البابا بونيفاسيوس، كما رسم تذكار جميع القديسين. وذلك لان المؤمنين الراقدين بالرب، وعليهم بعض قصاصات عن الخطايا المغفورة بالحلِّ السرِّي، او خطايا عريضة، لم يوُفوا عنها في هذه الحياة، فهم ملتزمون ان يكفِّروا عنها في المطهر، بنار مثل نار جهنم، لكنَّها زمنية. ولذلك تقدِّم الكنيسة، شرقاً وغرباً، الصلوات والقرابين لاجل راحة الانفس المطهرية.
فعلينا نحن، قياماً بواجب الرحمة وعرفان الجميل والعدل ايضاً ان نرفع الصلوات ونقدِّم القداديس او نسمعها ونصنع الحسنات من اجل الموتى، لانهم اخوتنا بالمسيح، ولا سيما اذا كانوا من اقربائنا والمحسنين الينا. فانهم من اعماق مطهرهم يصرخون نحونا:" ارحمونا ارحمونا، انتم يا أخلاَّءنا فانَّ يد الله قد مستنا" (ايوب 19: 21). و" طوبى للرحماء فانهم يرحمون" (متى 5: 7). فلينفذ صوتُ صراخهم هذا اذاننا واعماق قلوبنا لنُسرع الى نجدتهم. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار الشهداء اكندينوس ورفاقه
ان هؤلاء الشهداء كانوا من بلاد فارس في عهد قسطنطين الكبير والملك سابور الثاني، وكان الثلاثة الاولون منهم ذوي غيرة وإقدام على الدين المسيحي، ونشر تعاليم الانجيل المقدس بين اخوتهم المسيحيين وردّ الكثيرين من الوثنيين الى الايمان الصحيح. فغضب سابور عليهم وانزل بهم اشد العذابات هولاً، فكانوا صابرين، ثابتين في ايمانهم. وقد آمن الكثيرون من الجند حتى أمُّ الملك نفسها، لرؤيتها ماحدث من المعجزات في انواع العذابات التي مرُّوا بها. فأمر الملك بقطع رؤوسهم مع جميع الذين آمنوا بسببهم ونال جميعهم اكليل الشهادة في سنة 341. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم الثالث
تذكار الشهداء أكسيما الاسقف ويوسف القس وايتالا الشماس
كان اكسيما اسقفاً على مدينة أوتيني من بلاد أشور شيخاً فاضلاً بهيَّ المنظر شريف الاصل، أباً حنوناً على رعيته، لا ينفك عن الصلاة والتضرع الى الله لاجل الكنيسة وابنائها.
ويوسف كان كاهناً لقرية بيت كاتونا وقد قارب السبعين من العمر، يحترمه الجميع لتقواه ولخدمته الجليلة. وايتالا كان شماساً انجيلياً في الستين من عمره، يقوم بخدمة الكنيسة وتوزيع الاسرار وارشاد الموعظين.
قبض الولاة على الثلاثة وساقوهم مكبّلين الى مدينة اربيلا حيث مثلوا أمام الحاكم، فأمرهم بالسجود للشمس وإلاَّ أذاقهم مر العذاب، فلم يعبأوا بتهديداته، فأمر بجلدهم بجميع الطرق الوحشية حتى تمزَّقت اجسادهم وتفككت اعضاؤهم، ثم طرحوهم وهم في غُصص الآلام، في سجن مظلم حيث قاسوا مُرَّ العذاب والجوع والعطش مدة ثلاث سنوات، الى ان ماتوا الواحد بعد الآخر وذهبت نفوسهم الطاهرة ترتع بالراحة والسعادة الابدية سنة 341. صلاتهم معنا. آمين.
في هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس بسيماس الناسك
كان هذا القديس من جوار قورش معاصراً مار مارون وأسقفها العلاَّمة ثوادوريطس الذي اورد سيرته في كتابه "في النساك" م 15، وقال: ان بسيماس ازدرى العالم وخيراته وملذاته وحبس نفسه في صومعةٍ بعيداً عن ضوضاء الناس. يتناول طعامه من نافذة ويخرج ليلاً يستقي الماء من ينبوع قريب، ولم يأكل سوى العدس والبقول. يصرف ليله ونهاره في الصلاة والتأمل والعمل اليدوي، مدة ستين سنة.
أجرى الله على يده آيات عديدة وعرَّفه بدنو أجله. وقد زاره اسقف ابرشية قورش وعرض عليه ان يرقيه الى درجة الكهنوت، فاعتذر فألحَّ الاسقف عليه، فرضخ لامر الطاعة. وترَّقى الدرجة الكهنوتية المقدسة ولم يلبث فيها أكثر من خمسين يوماً، اذ رقد بالرب بعد ان اوصى بأن يدفن بجانب صومعته، وكانت وفاته في اواسط القرن الخامس. صلاته معنا. آمين.
اليوم الرابع
تذكار الشهيدين فيتالي واغريكولاس
كان اغريكولاس من شرفاء مدينة بولونيا في ايطاليا. وكان فيتالي خادماً له وكلاهما مسيحيان. قبض عليهما والي مدينتهما فاعترفا بايمانهما المسيحي فتهدّدهما بالعذاب والموت، فلم يكترثا لتهديده، فأمر بجلد فيتالي اولاً، تخويفاً لمولاه، فضربوه بقضبان من حديد حتى سالت دماؤه وتكسَّرت عظامه، وهو صابر يصلي قائلاً:
" تقبَّل يا سيدي يسوع المسيح روحي، لاني اتوق جداً الى الاكليل الذي بيد ملاكك". لأنه ابصر ملاكاً حاملاً اكليلاً مُعداً له. قال هذا واسلم روحه بيد الله.
اما اغريكولاس فلم يرهبه عذاب خادمه، بل تشدَّد وازداد شوقاً الى اللِّحاق به، فحنق الوثنيون عليه وسمَّروه على صليب، مثل سيده الفادي الالهي ففاضت روحه وهو يقول:" بين يديك، يا رب، استودع روحي". وكان ذلك في السنة 304. صلاتهما معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار الشهيد بورفوريوس
هذا كان وثنياً من مدينة افسس، مهنته تشخيص الروايات. واذ كان يوماً يمثِّل رواية، ازدراءً بايمان المسيحيين وبطقوسهم، دعاه من كان يمثِّل دور اسقف المسيحيين اورليانوس، في تلك الرواية، ليعمّده، فأدخله في الماء قائلاً:" ليتعمد بورفوريوس، باسم الآب والابن والروح القدس". في الحال ظهرت ملائكة تحمل ثوباً ابيض ألبسوه بورفوريوس، وهم ينشدون الآية:" انتم الذين اصطبغتم بالمسيح فالمسيح لبستم" ( غلا3: 27). فعند هذا المشهد العجيب مسَّت نعمة الروح القدس قلب بروفوريوس فآمن بالمسيح، مجاهراً بايمانه. ولما عرف الوالي بهذا، قبض عليه وامره بان يجحد ايمانه الجديد فلم يعبأ، بل استمرَّ ثابتاً مستعداً لسفك دمه لاجل المسيح. فضُرب عنقه وتكلل رأسه بالشهادة سنة 275. صلاته تكون معنا. آمين.
اليوم الخامس
ذكر القديس أسيا العجائبي
هذا كان من الشرفاء ايام الملك تاودوسيوس الكبير. اراد ابوه ان يزوجه فهرب خفية الى طورسينا وترهب هناك. مارس اسمى الفضائل ثم جاء الى انطاكية وبنى في جوارها ديراً اتسع لعدد كبير من الرهبان، اهتم اسيا بتدبيرهم على اكمل وجه. منحه الله موهبة المعجزات. توفي بعد اتعاب كثيرة في اواخر القرن الرابع للمسيح. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار البابا فيكتور الاول الشهيد
ارتقى الى السدَّة البطرسية عام 189، فدبر الكنيسة بغيرة رسولية مدّة نحو عشر سنوات. اثبت وقوع عيد الفصح يوم الاحد بعد الرابع عشر من نيسان فاستمر هكذا الى مجمع نيقية عام 325.
وانهى حياته بالاستشهاد عام 198. صلاته معنا. آمين.
اليوم السادس
تذكار القديس بولس رئيس اساقفة القسطنطينية
ولد بولس في مدينة تسالونيكي وترَّبى تربية صالحة، وجاء الى القسطنطينية ودخل في سلك الاكليروس، فرقَّاه الكسندرس اسقف القسطنطينية الى درجة الكهنوت، بعد ان ترقَّى في العلوم والفضيلة.
ولمَّا توفي هذا الاسقف سنة 336، انتُخب بولس خلفاً له، على رغم مقاومة الاريوسيين. فقام يدافع عن الايمان الكاثوليكي بغيرة رسولية لا تعرف الملل. فأخذ الاريوسيون خصومه يسعون بجميع الوسائل والتهم الكاذبة حتى تمكنوا من إبعاده عن كرسيه مراراً عديدة. فكان يتحمَّل كل ذلك بصدرٍ واسع وصبرٍ جميل.
وكان مكدونيوس البطريرك الدخيل يعيث فساداً في الشعب، ويزيد على البدعة الاريوسية بدعته ضد الوهية الروح القدس. فما سمع البطريرك بولس بذلك، حتى هبَّ من منفاه، غير حافل بغضب الملك قسطنديوس الاريوسي. وجاء يدافع عن ابنائه ويوقيهم شرَّ الضّلال. فأمر الملك بان يمسكوه سرّاً بالحيلة، خوفاً من هياج الشعب، فقيَّدوه بالسلاسل وارجعوه الى منفاه.
فرفع استغاثته الى البابا القديس يوليوس الاول، فاهتمَّ لأمره وعقد مجمعاً سنة 347، حرم فيه مكدونيوس والاساقفة الاريوسيين. فرجع البطريرك بولس الى رعيته التي استقبلته بأبهى البهجة والاكرام. وعاد يدافع عن المعتقد الكاثوليكي الصحيح. فقام الاريوسيون، كعادتهم، يهاجمونه بوشاياتهم ودسائسهم، حتى نُفي لآخر مرةٍ الى جبال ارمينيا الصغرى، حيث كان صابراً على الجوع والحر والبرد، مستسلماً لارادة الله واحكامه الغامضة، عاكفاً على الصلاة، الى ان رقد بالرب سنة 351. صلاته معنا. آمين.
اليوم السابع
تذكار القديس يارون ورفاقه
كان هؤلاء الشهداء الثلاثة والثلاثون من مدينة ملطية في ارمينيا الصغرى. لم يذكر لنا التاريخ سوى ثلاثة منهم وهم: يارون ونيكندرُس وهيزيكس. القى القبض عليهم ليسياس والي ملطية واخذ يتملَّقهم ليسجدوا للاصنام ويكفروا بالمسيح. فصاحوا بصوت واحد:" ان المسيح هو الاله الحقيقي خالق السماء والارض، فكيف نكفر به؟"
فأمر الوالي بهم، فجُلدوا جلداً عنيفاً وهم صابرون. فطرحوهم في السجن، حيث قاسوا امرّ الاوجاع والآلام حباً لمن تألم ومات لاجلهم. ثم اخرجوهم وجلدوهم ثانية، لعلَّهم يُذعنون لاوامر الملك، فلم ينالوا منهم مأرباً، عندئذٍ أمر الوالي بضرب اعناقهم مع رفقتهم الثلاثين. ففاز جميعهم باكليل الشهادة سنة 303. صلاتهم معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس ليونردوس
كان ليونردوس من اسرة فرنسية، من زعماء الملك كلوفيس ومن خيرة جنوده. ترك الدنيا وتجند ليسوع الملك السماوي فتنسَّك في جبال لوزان الوعرة، عاكفاً على الصلاة والتأمل وسائر انواع التقشف، فمنحه الله صنع العجائب، ولا سيما تخليص الاسرى والمسجونين وردّ الخطأة الى التوبة.
وقد زاره في منسكه الملك كلوفيس وكانت الملكة قد تعسَّرت عليها الولادة، وعجز الاطباء عن شفائها، فشفاها القديس بصلاته، فغمره الملك بالهدايا والمال، تصدَّق بها على الفقراء، وبنى قرب صومعته ديراً للرهبان الذين تتلمذوا له.
فكان لهم خير أبٍ وأعلى مثالٍ في طريق الكمال، الى ان نقله الله اليه نحو سنة 558. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثامن
تذكار مار ميخائيل رئيس الملائكة
ميخائيل هو رئيس الملائكة كما شهد القديس يوحنا في رؤياه حيث قال:
" وحدث قتالٌ في السماء، ميكائيل وملائكته كانوا يقاتلون التنِّين وكان التنين وملائكته يقاتلونه" ( رؤيا 12: 7). وانتصر ميكائيل على ابليس وعلى ملائكته وطردهم من السماء. فرفعهُ الله الى رئاسة الملائكة خدمه. ودانيال النبي يقول:" وفي ذلك الزمان يقوم ميكائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك" (دانيال 12: 1).
وكما كان هذا الملاك العظيم محامياً وناصراً للشعب في العهد القديم، كذلك لم يزل محامياً وناصراً لكنيسة المسيح في العهد الجديد. فهو الذي ظهر لابراهيم، وتراءى ليشوع، حين جاز الاردن ونصره على اريحا. وهو الذي سلَّم لوحي الوصايا الى موسى ونصر داود على جليات الجبار، ونجَّاه من اضطهاد شاول. وهو الذي رفع ايليا بمركبة نارٍ الى السماء، وظهر آيات عظيمة للشعب الاسرائيلي، كذلك هو محامي الكنيسة ضد اعدائها ونصيرها في حياتها وجهادها. وهو الذي ظهر معزِّياً السيد المسيح في بستان الزيتون. وتراءى للقائد كرنيلوس وهداه الى بطرس الرسول. ونجَّى بطرس من هيرودس وظهر مراراً للقديس يوحنا الحبيب، كاشفاً له عن اسرار الرؤيا... وهو لا يزال يشفع فينا لدى عرش العلي ويُرسل بامر الله، الى الارض، ملائكته الحرَّاس ليعضدوا الكنيسة وابناءها في حربهم ضد العالم والجسد والشيطان. صلاته معنا. آمين! (راجع 6 حزيران).
اليوم التاسع
تذكار القديسة مطرونه
ولدت مطرونه في مدينة برجا من بلد بمفيلية، في اواسط القرن الخامس، من اسرة مسيحية غنية، فربيت على العبادة والفضيلة. واقترنت برجل شريف، فرزقا ابنةً وحيدة. ثم ذهبت مع زوجها الى مدينة القسطنطينية حيث كانت تتردد، دائماً الى الكنائس والمعابد، منعكفة على الصلاة والتأمل. واتفق أن تعرَّفت بالقديسة الشهيرة اوجانيا، فاخذت تحذو حذوها في طريق القداسة، دون ان تُهمل واجباتها البيتيَّة. واستمَّرت على هذه الحال الى ان توفي زوجها، فزهدت في الدنيا، لتسير وراء السيد المسيح في حمل الصليب والكفران بالذات. سلمَّت ابنتها الى امرأة فاضلة تدعى سوسنَّة. وارتدت لباس الرجال، ودخلت دير القديس كاسيانوس، وقضت فيه مدة قصيرة متنكرة. ولما عرف الرهبان بأمرها، أرسلوها الى دير الراهبات في حمص. فاستمرت فيه زماناً، ومنه قصدت الى اورشليم والى طورسينا، مثابرةً على اعمالها الصالحة، بكل جدّ ونشاط. ويُروى انها جاءت مدينة بيروت حيث أخرجت عين ماء بصلاتها.
وبعد ذلك رجعت الى القسطنطينية حيث تممت حياتها في النسك والعبادة. ورقدت بالرب سنة 570، ولها من العمر نحو مئة سنة.
اما ابنتها تاودوتا فسارت على خطوات والدتها، ممارسة الفضائل المسيحية والمشورات الانجيلية مدة حياتها ورقدت برائحة القداسة. صلاتهما معنا. آمين!
اليوم العاشر
تذكار القديس الشهيد تريفون
ولد هذا القديس في مدينة افاميا. شرع بممارسة الفضيلة والتبشير منذ الصِّغر، فأجرى الله على يده المعجزات من شفاء المرضى وطرد الشياطين. ولمَّا أثار داكيوس قيصر الاضطهاد على المسيحيين، خاف هذا القديس ان يفشل احدٌ منهم تحت العذاب، فهبَّ بجرأة وحماسة يشدّد عزائم الضعفاء ويشجعهم مقدِّماً لهم احتياجاتهم.
فقبض عليه الوالي كيرينوس واخذ يتهدَّده بالحريق ان لم يكفر بالمسيح، ويسجد للاوثان. فأجابه القديس:" خيرٌ لي ان اموت معترفاً بيسوع المسيح القاضي العادل". فعاد الوالي يتملقه ويلاطفه قائلاً:" اشفق على شبابك وحافظ على مستقبلك – فأجاب:" لا رغبة لي في الحياة إلا لكي أصل الى كمال الحكمة الحقيقية، باتباعي يسوع المسيح فاديَّ وربي".
عندئذٍ جاءوا بآلة التعذيب ليمدِّدوه عليها فتقدم هو اليها من تلقائه، بكل شجاعة، وظلَّ معذَّباً على تلك الآلة ثلاث ساعات لا يشكو ولا يتذمَّر حتى ادهش الحاضرين. فأمر الوالي بطرحه في السجن الى ان يُعد له عذاباً اشدَّ واقسى. فمزَّقوا جسده بمخالب من حديد وسمَّروا رجليه بمسامير محميّة وحطَّموا اعضاءه بالضرب وحرقوا جانبيه، وهو صابر ثابت في ايمانه.
ولدى هذا المشهد آمن الجلاد واسمه رسبيسيوس وجاهر بايمانه، فقادوا الاثنين الى هيكل المشتري فاسقطه تريفون بصلاته. لذلك آمنت ابنة عذراء كانت هناك. فاستشاط الوالي غيظاً، وامر بقطع رؤوس الثلاثة فنالوا اكليل الشهادة سنة 250. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم الحادي عشر
تذكار القديس مينا المصري الشهيد
ولد مينا في الاسكندرية في اواسط القرن الثالث. ولما شبَّ انخرط في سلك الجندية في فرقة نيرميليانوس. وكان مشهوراً بصفاته الممتازة، محافظاً على ايمانه بالمسيح، وما لبث ان آثر التجند له دون سواه من ملوك الارض فنزع ثوب الجندية وانفرد في البرية، مكباً على الصوم والسهر والصلاة، قهراً لاميال الجسد، سنين طويلة، حتى صار من كبار النساك في تلك الايام.
ولما ثارت زوبعة الاضطهاد، ترك مينا وحدته، وجاء يضحِّي بنفسه على مذبح الاستشهاد، مثالاً مشجعاً لاخوته بالمسيح. فوقف امام بيروس الوالي، مجاهراً بايمانه، غير مبال بالعذاب والموت. فتهيَّب الوالي شجاعته واخذ يلاطفه ويحاول مراراً إقناعه بان يُقلع عن عناده ويعدَّ له مستقبلاً زاهراً، وإلاَّ فالعذاب والموت. فلم يبال القديس بوعدٍ او وعيد وصرخ قائلاً:" ان حياتي هي للمسيح ربي وكل سعادتي ومجدي به وحده".
فتميَّز الوالي غيظاً وامر بجلده جلداً قاسياً، فمزَّقوا جسده باظفار من حديد وأحرقوه بالنار، وهو صابر يشكر الله فتقدم بعض الاعيان من اصدقائه يرجونه بأن يُشفق على شبابه وينجو من الموت، فقال:" إنَّ العذاب لي راحة وبالموت حياتي". عندئذٍ امر الوالي فضُرب عنقه وتكلل رأسه بالشهادة سنة 303.صلاته معنا. آمين.
اليوم الثاني عشر
تذكار القديس تاودورس المعترف
ولد تاودورس في القسطنطينية، من اسرة شريفة. رغب في الحياة النسكية، فأتى دير سكوذيون، وعكف على ممارسة اسمى الفضائل. وارتسم كاهناً وأقيم رئيساً على الدير وهو ابن ثلاثين سنة.
ولفرط غيرته على الدفاع عن حق الله وشرائع الكنيسة، قام يؤنِّب الملك قسطنطين الرابع لانه طلَّق زوجته الشرعية تاودوره ليتخذ الاميرة تاوذوثي. فنفاه الملك الى تسالونيكي، وبعد مدة استدعته الملكة إيريني الى ديره.
ثم أُبعد بأمر الملك نيكوفورس، لانه كان يلومه على جوره وخرقه حرمه العدل والانصاف. ولم يرجع من منفاه إلا بعد موت هذا الملك الظالم.
ولما قام الملك لاون الايثوري الارمني يناصر محاربي الايقونات وبدأ الحرب على الكنيسة، هبَّ الرئيس تاودورس الى الدفاع عن الايمان الكاثوليكي. فاضطهده الملك لاون ونفاه.
وبعد موت هذا الملك استدعاه الملك ميخائيل الألثغ الى ديره، فانصرف الى اعمال النسك والتآليف المفيدة. غير أنَّ الملك انقلب عليه، فيما بعد، ونفاه هو ورهبانه الى شبه جزيرة القديس تريفون، حيث توفي بنسمة القداسة سنة 826. صلاته معنا.آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس يوحنا الرحوم بطريرك الاسكندرية
ولد يوحنا في مدينة اماتوس في قبرص، من ابوين فاضلين. تزوج ورزق بنين، لكن الله افتقده بموت زوجته وبنيه، فزهد في الدنيا ووزَّع امواله الوافرة على الفقراء.
واشتهر بفضيلة الرحمة منذ الصغر. حتى لُقِّب "بالرحوم". وذاع صيته في الانحاء الشرقية، فانتخبه الشعب بطريركاً، وله من العمر خمسون سنة. فقام يسوس كنيسته بكل غيرة ونشاط باذلاً احشاء الرحمة للفقراء الذين كان يدعوهم اسياده، ويوزِّع عليهم الاموال الطائلة حتى سأله من حوله ان يضع حداً لتلك الصدقات، فاجابهم: ثقوا بالله إنَّ عنايته تدبِّر كل شيء.
ومع كرمه هذا، كان يحافظ على مال الوقف. فمرة طلب منه الملك هرقل اموالاً لجيشه، فاجابه:" لا يجوز ان نعطي ملوك الارض ما يختص بملك السماء".
وراح يهتم باصلاح شؤون الاكليروس. وكان هو مثالاً لهم في القيام بجميع الواجبات. وقد امتاز بوداعته وتواضعه وصبره، يقابل الاهانة والشتيمة بالابتسامة والمغفرة.
وكان يقوم هو نفسه بسماع دعاوى الايتام والارامل ويجري العدل بين الجميع. ومن فضائله الممتازة أنه كان يمقت كل ما يمسّ فضيلة المحبة، فينهي عن النميمة والدينونة والظنون الباطلة.
قال كاتب سيرته:" انَّ القلم يعجز عن تعداد فضائل هذا البطريرك العظيم وعن اعماله الخيرية، وما ذكرناه انما هو نقطة من بحر".
وبينما كان مسافراً الى روما، اعترته حمَّى شديدة، فعرف بدنو أجله، وعرَّج على وطنه اماتوس، حيث استحرَّ بالصلاة، مستعداً لملاقاة ربه. واوصى للفقراء بثلث الدينار الذي كان باقياً بيده. ورقد بالرب سنة 616. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثالث عشر
تذكار القديس يوحنا فم الذهب
ولد يوحنا في مدينة انطاكية ونشأ في اسرةٍ وثنية شريفة. كان ابوه قائداً في الجيش الروماني، وامَّهّ أنثوسا قد ترملت وهي في ريعان الصِّبا. وكانت قد تنصَّرت فعنيت بتربية طفلها ووحيدها، تربية عالية. فتعمق في درس فلسفة الانجيل وتعاليمه السامية. رسمه البطريرك ملاتيوس شماساً انجلياً.
وبعد وفاة والدته، هجر العالم واعتزل للصلاة والتأمل والشغل اليدوي، وتأليف الكتب العديدة، الى ان استدعاه البطريرك فلافيانوس، ورسمه كاهناً وسلَّمه منبر الوعظ في الكنيسة. فاندفع يعظ ببلاغة عجيبة حتى ادهش السامعين فلُقَّب "بالذهبي الفم". وكانت مواعظه مشبَّعة بروح الحكمة الالهية وشرح الكتب المقدسة، ولا سيما رسائل مار بولس.
وعلى أثر وفاة بطريرك القسطنطينية اجمع البلاط الملكي والشعب على انتخابه بطريركاً. فاستقبلته القسطنطينية بأبهى مظاهر الحفاوة. وكان يُعنى بالطقوس والترانيم البيعية، واليه ينسب النافور المعروف باسمه وتستعمله الكنيسة الشرقية.
وقد خصَّ الفقراء، بعنايته الابوية: فأنشأ لهم الملاجيء والمياتم من اموال الوقف وممَّا يوفَّره باقتصاده وعيشته الفقرية. ولم ينفكّ عن الوعظ والتأليف، ومكافحة البدعة الاريوسية. ولم يكن يهاب أحداً في إحقاق الحق ونصرة المظلوم. ولما اغتصبت الملكة أفدوكيا كرماً لارملة، منعها من دخول الكنيسة فغضبت وتآمرت هي وتاوافليوس بطريرك الاسكندرية، خصم يوحنا، على تنفيذ مآربها. فعقد هذا مع بعض الاساقفة مجمعاً وقرَّاروا عزل يوحنا عن كرسيه وابعاده عن البلاد.
ولمَّا درى الشعب بذلك الحكم الجائر، هجم علىالقصر وكاد يفتك بمن فيه، وحدثت زلزلةٌ فخافت الملكة وقامت تكتب الى البطريرك القديس، ترجوه بالدموع، ان يعود الى كرسيه، وتعتذر عما جرى بحقه. فعاد بين اهازيج الشعب، وهدأت الزوبعة.
ولمَّا نُصب تمثال الملكة في ساحة الكنيسة، اخذ الرعاع يقيمون حوله العاباً مخلّة بالآداب، انهال عليهم بالتقريع الشديد ومنعهم عن مثل تلك الالعاب. فاستشاطت افدوكيا غيظاً، واستصدرت امراً من الملك، بابعاد القديس ثانية. وكان الجند يذيقونه من الاهانات والعذابات الواناً، وهو صابر. وقد خارت قواه، وشعر بدنو أجله.
وفي اليوم التالي 14 أيلول، عيد الصليب، لفظ هذه الكلمات:" ليكن الله ممجَّداً في كل شيء". وأسلم الروح سنة 407.
وله تآليف قيّمة كثيرة ومواغظ خالدة ورسائل عديدة، منها رسالته من منفاه الى القديس مارون الناسك وهي تفيض بعواطف محبته وولائه. صلاته معنا. آمين.
اليوم الرابع عشر
تذكار القديس فيليبوس الرسول
ولد فيليبوس في بيت صيدا مدينة بطرس واندراوس، وهو من مصاف الرسل الاثني عشر عشر واول من دعاهم السيد المسيح، وما سمع كلام المخلص ورأى عجائبه، حتى آمن به واحبَّه ووقف حياته كلها على خدمته. وجاء يبشِّر به صديقاً له اسمه نتنائيل قائلاً:" إِنَّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والانبياء، قد وجدناه وهو يسوع بن يوسف من الناصرة. تعال وانظر". (يو1: 45 – 46).
وقد ورد ذكر غيره غير مرةٍ في الانجيل، دليلاً عمَّا كان له من الدالة والثقة لدى المسيح. فهو الذي جاء اليه قومٌ من اليونانيين وعرفوا بما له من الوساطة لدى معلمه الالهي، فقالوا له:" يا سيد، نريد ان نرى يسوع" فأجابهم على طلبهم (يو 12: 21). وفي العشاء السرِّي قال ليسوع:" يا رب، أرنا الآب وحسبُنا". فقال له يسوع:" انا معكم كلَّ هذا الزمان ولم تعرفوني، يا فيليبوس، مّن رأني فقد رأى الآب. اما تؤمن اني انا في الآب وانَّ الآب فيَّ؟" (يوحنا 14: 8- 10).
وبعد حلول الروح القدس على التلاميذ، اخذ فيليبوس، مدة عشرين سنة، يبشِّر بالمسيح الاله في اورشليم وباسمه يصنع الآيات ولاجله يحتمل الشتم والضرب والعذاب كسائر الرسا. ثم جاء الى بلاد فريجيا يعظ ويردُّ الكثيرين من الوثنيين الى الايمان بالمسيح، ويرسم لهم اساقفة وكهنة. فهجم عليه كهنة الاصنام في مدينة هيروبوليس في آسيا وضربوه ورجموه بالحجارة. ثم علَّقوه على الصليب، وعندما ارادوا ان ينزلوه عن الصليب، أبى وآثر ان يموت مصلوباً، نظير معلمه الفادي. وهكذا اسلم روحه الطاهرة بيد الله نحو السنة 53 للميلاد.وفي القرن السادس نُقل جثمانه الى روما، حيث وضع بكل اكرام في كنيسة الرسل الاثني عشر. صلاته معنا. آمين
اليوم الخامس عشر
تذكار الشهداء غوريا وصامونا وحبيب الشماس
كان هؤلاء من مدينة الرهّا ولم يكن استشهادهم في وقت واحد.
اما غوريا وصامونا فقد امتازا بالاخلاق الحسنة والفضائل الراهنة. فكانت لهما الكلمة النافذة، بين مواطينهما. ولذلك تمكَّنا من تشجيع المؤمنين على احتمال الاضطهاد والثبات في ايمانهم. فقبض عليهما والي الرُّها انطونينوس واخذ يتملقَّهما تارةً ويتهدّدهما اخرى محاولاً إقناعهما بالكفر بالمسيح والسجود للاصنام، فقالا له:
" حاشا لنا ان نعبُد آلهة هي صنعةُ البشر".
عندئذٍ انزل بهما اشدَّ العذابات هولاً: من سجن مظلم وجلدٍ عنيف وربط بالحبال وتعليق جسديهما في الفضاء. ثم طرحهما في حفرة عميقة ليموتا جوعاً، وفي هذه العذابات كلَّها، كان الشهيدان صابرين يصلِّيان ويشكران الله. ولمَّا رأى الوالي أنَّ في اطالة عذابهما تشجيعاً لغيرهما، امر بقطع رأسيهما فنالا اكليل الشهادة سنة 304. فدفنهما المسيحيون في قبر واحد في مدينة الرها، حيث اجرى الله بشفاعتهما عجائب كثيرة.
اما مواطنهما حبيب الشماس الانجيلي فكان يعلِّم ويعظ ويبشِّر بالمسيح بحماسة وشجاعة. فقبضوا عليه وشدَّدوا في عذابه بالجلد وامشاط الحديد حتى تمزَّق جسده وهو صابر تلوح في محيَّاه علامات البهجة والسرور. فقال له الحاكم: اراك تتلذَّذ بهذه الآلام؟ فاجاب:" نعم، لا ألذَّ عندي من العذاب والموت لانَّ لي فيهما حياة ابدية". فامر الحاكم باحراقه حياً. فودَّع الشهيد أمَّه واصدقاءه واندفع من تلقائه، وارتمى في النار فاحترق، وانضمَّ الى مواطنيه الشهيدين غوريا وصامونا في الاخدار السماوية سنة 322. فاخذ ذووه بقايا جسده ووضعوها في قبر القديسين غوريا وصامونا. ولهذا تعيد لهم الكنيسة معاً في يوم واحد. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم السادس عشر
تذكار مار متى الانجيلي الرسول
كان متى من قانا الجليل ويسَّمى لاوي بن حلفى وكان عشَّاراً اي جابياً العشور. ولما مرَّ يسوع بمكان الجباية، على طريق كفرناحوم دعاه، فلساعته لبَّى الدعوة وترك وظيفته وسار مع السيد المسيح منضمّاً الى الاثني عشر رسولاً.
دعا يسوع الى بيته وصنع له وليمة عظيمة. هناك قال يسوع راداً على اعتراض الفريسيين:" لا يحتاج الأصحاء الى طبيب، لكن ذوو الأسقام" (متى 9: 10 – 13).
ولزم متى العشار معلمه الالهي نظير سائر الرسل، واقفاً حياته كلَّها على خدمته. فسمع تعاليمه الالهية واغتبط بمشاهدة عجائبه وقيامته المجيدة وصعوده الى السماء. وبعد حلول الروح القدس يوم العنصرة، اخذ يبشر باسم يسوع في اورشليم واليهودية.
وهو اول من كتب انجيل الرب، في السنة الثامنة بعد صعوده الى السماء وهي الحادي والاربعون للمسيح. وكان ذلك قبل مغادرته اورشليم.
وكتب انجيله باللغة الارامية اي السريانية، ثم نُقل الى اللغة اليونانية، وبه يُثبت ان يسوع هو المسيح المنتظر الذي تمَّت به النبوءات. ولمَّا توزَّع الرسل للبشارة، قام متى يطوف بلاد الله الواسعة. فذهب الى مصر، حيث آمن على يده كثيرون.
ومن هناك استأنف سيره الى بلادالحبشة. فهدى الناس الى الايمان بالمسيح. وايَّده الله بصنع المعجزات. فأقام من الموت ابن الملك واسمه اوفرانو، فآمن الملك ومملكته بأسرها، عند هذه الاعجوبة الباهرة. ولا سيما ابنة الملك ايفيجانيا التي رغَّبها الرسول في حفظ البتولية، واقتدى بها كثيرات من رفيقاتها.
وكان الملك الجديد هيرناس يريد الاقتران بالبتول ايفيجانيا، لانه شغف بجمالها، فجاء يطلب من الرسول ان يقنعها بذلك، فلم يجبه على طلبه، فحنق عليه الملك وارسل جندياً الى الكنيسة، حيث كان القديس يقيم الذبيحة الالهية، فطعنه بحربةٍ فأسلم الروح.
ودامت بشارته في بلاد الحبش ثلاثاً وعشرين سنة، هدم فيها هياكل الاصنام واقام الكنائس ورسم الاساقفة والكهنة والشمامسة. وكانت وفاته نحو السنة التسعين للميلاد. صلاته معنا. آمين.
اليوم السابع عشر
تذكار القديس غريغوريوس العجائبي
ولد هذا القديس العظيم في اواخر القرن الثالث للمسيح، في مدينة قيصرية الجديدة، من اعمال البنطوس. فأرسله ابوه الوثني ليدرس الفقه في مدرسة بيروت التشريعية الشهيرة. وبعد ان انهى دروسه، جاء الى قيصرية فلسطين، حيث تتلمذ للفيلسوف الشهير اوريجانوس. وبعد ان درس عليه الفلسفة الانجيلية وشاهد ما فيه من تقوى راهنة، نبذ الوثنيَّة وآمن وزهد في العالم، ودخل في عداد الموعوظين.
واستمَّر مواصلاً حياته هذه، منكباً على مطالعة الكتاب المقدس، الى ان انتدبه فيديموس اسقف اماسيا ليكون اسقفاً على مدينة قيصرية، وطنه. فهرب متوغلاً في البرية، خوفاً من حمل المسؤولية التي لم يعتقد انه اهلٌ لها، لتواضعه العميق. وبينما كان يصلِّي، سمع صوتاً يقول له: إِعمل بارادة رئيسك، واسقفك فيديموس، فانها ارادة الله. فقام حالاً وأتى اماسيا. فرسمه فيديموس اسقفاً على مدينته قيصرية. وكان المؤمنون فيها يُعدُّون بالاصابع. فأخذ بالصلاة الى الله ليقوِّيه على شرح الحقائق الايمانية ولا سيما سر الثالوث الاقدس.
وقد اشتهر غريغوريوس بعجائبه الباهرة، حتى لُقِّب "بالعجائبي". وكان ممتازاً بتواضعه ومحبته للقريب وعطفه على الفقراء.
وقد اقام هذا القديس عيداً خاصاً سنوياً للشهداء الذين سفكوا دمائهم لاجل ايمانهم.
دخل مدينة قيصرية وفيها سبعة عشر مسيحياً وخرج منها وفيها سبعة عشر وثنياً، مستودعاً روحه الطاهرة بين يدي الله سنة 270. وكان اوصى ان لا يدفن جسده في قبر خاص، بل في قبور الغرباء، لانه، في حياته لم يكن يملك شيئاً، فلا يريد، بعد وفاته، ان يخصص جسده بشبر من الارض. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثامن عشر
تذكار القديس رومانوس الشهيد
ولد هذا القديس في قيصرية فلسطين نحو السنة 275 وكان من اسرة شريفة. تثقف بالعلوم وارتقى الدرحات الكنسية حتى صار شماساً انجيلياً. ولما قام اسكليبازوس الحاكم يُلقي القبض على المسيحيين في انطاكية وكان بعض المسيحيين قد جحدوا ايمانهم، خوفاً على حياتهم، هبَّ الشماس رومانيوس كالاسد يشجعهم ويقول: أليس من العار ان تتركوا الاله الواحد الحقيقي وتتعبَّدوا لآلهةٍ كذبة؟ فأثر كلامه هذا في قلوبهم ورجعوا عن غيَّهم مجاهرين بايمانهم. ولما عرف الحاكم اسكليبازوس بما كان، ارسل فقبض على رومانوس، فاعترف بكل جرأةٍ انه هو الذي منع المسيحيين عن تقديم البخور للاوثان وهو مستعد ليبذل الحياة عن الايمان بالمسيح. فحنق الوالي وامر به فجلدوه بمقارع في اطرافها قطعٌ من الرصاص، حتى سالت دماؤه وهو صابر يشيد باسم الرب يسوع امام الجماهير المحتشدة ويقول للحاكم:" كم تشتهي نفسي ان تستنير انت ومليكك بنور المسيح"! فدُهش الجميع من جرأته هذه. اما الحاكم فتميَّز غيظاً وامر فسلخوا خاصرتي الشهيد وهشَّموا صدره حتى بانت احشاؤه ومزَّقوا وجهه بالجراح، فالتفت وهو على هذه الحال، وقال للحاكم:" اشكرك، على انك اوليتني اوفواهاً كثيرة اشيد بها بمديح ربي والهي". ورأى بين الجميع طفلاً ممسكاً بيد امِّه وكان ولداً مسيحياً يدعى بارولا. فسأله رومانوس:" اجبنا ايها الطفل، الله كم واحد ولمن تجب العبادة؟ - فأجاب الطفل حالاً:" الله واحد فقط وله وحده تجب العبادة".
فاستشاط الحاكم غيظاً وامر بضرب عنق الطفل البريء، امام امه المتفجعة، لكنها اعتصمت بالصبر، متعزّية بأنه انضمَّ الى الشهداء، اطفال بيت لحم في السماء.
اما رومانوس فأمر الحاكم ان يُحرق حياً. وما اضرموا النار حتى هطل المطر سيلاً جارفاً اطفأ النار ونجا القديس من الحريق. اما ذلك الحاكم الغاشم، فأمر بقطع لسان رومانوس فاستمر يمجد الله بصوت عالٍ سمعه الحاضرون فآمن منهم كثيرون. وعندما يئس الحاكم من ذلك البطل المسيحي امر بأن يخنق في سجنه، وبذلك تمت شهادته في السنة 303. صلاته معنا. آمين.
اليوم التاسع عشر
تذكار القديس بونسيانوس البابا
روماني الاصل. قد ارتقى السّدة البطرسية سنة 208، في ايام اسكندر سافاروس. ساس هذا الكرسي خمس سنوات. ولما اصدر الملك اسكندر اوامر مشدَّدة باضطهاد المسيحيين وخاصة الباباوات، قُبض على هذا القديس. وبعد ان عذَّبوه كثيراً، امر الملك بنفيه هو وكاهنه هيبوليتوس الى جزيرة بوتشينا في سردينيا حيث قاسى ضيقاً شديداً. ولم يلبث ان ثار الجيش على ذلك الملك الظالم وقتله، فجلس مكانه مكسيميانوس وكان اكثر ظلماً منه لاخلاقه الشرسة ورغبته في سفك الدماء. واراد، لو استطاع، ان يلاشي الدين المسيحي، فأصدر امره باضطهاد كل مسيحي وطارد رعاة الكنيسة ومعلميها. امر بقطع رأس بونسيانوس في منفاه فمات شهيداً نحو 238.
فنُقل جسده الى رومة في ايام البابا فابيانوس ودفن في مقبرة كالستوس. ويُعزى الى هذا البابا ادخال المزامير فيالطقوس الكنائسية ورسالتان وجههما الى الكنائس يوصي فيهما بمحبة الله والقريب واكرام الكهنة. صلاته معنا. آمين.
اليوم العشرون
تذكار القديس غريغوريوس البانياسي
ولد هذا القديس في ايزوريا احدى المدن العشر في فلسطين في اواسط القرن الثامن، ايام كانت بدعة محاربي الايقونات تعيث فساداً في الكنيسة... وكان والداه سرجيوس وماكاريا مسيحيَّين تقيَّين، ربَّياه على مبادئ الدين القويمة. ولما شبَّ وهمَّا بتزويجه، هرب الى البرية، واختبأ في مغارة منعكفاً على الحياة النسكية بممارسة الصلوات والاماتات. فشنَّ عليه الشيطان حرباً عواناً حتى ضربه وطرحه مرة على الارض، فكان ينتصر على تجاربه بقوة الصلاة وقهر النفس.
وبإلهام الله خرج من مغارته وطاف البلاد، حتى وصل الى مدينة سيراكوزا في جزيرة سيسيليا، حيث سكن في برج من اسوارها، مواعظاً على افعال العبادة والنسك، عائشاً مما كان يتصدق عليه الناس به. فأنعم الله عليه بموهبة فعل المعجزات. ثم جاء الى تسالونيكي ومنها الى القسطنطينية، حيث تعرَّف بكاهن يدعى سمعان، عاش معه، وكانا يتسابقان في ممارسة الفضائل وانواع الإماتات. وحملتهما غيرتهما على الدفاع عن تكريم الايقونات والمحافظة على تعليم الكنيسة الكاثوليكية. ويروى ان غريغوريوس ذهب الى روما ومنها عاد الى القسطنطينية، حيث انهى حياته بالقداسة، ورقد بالرب في القرن الثامن. صلاته معنا. آمين.
اليوم الحادي والعشرون
تذكار تقدمة سيدتنا مريم العذراء ودخولها الى الهيكل
نعلم من التقليد الرسولي والكنسي أنَّ يواكيم وحنَّة، والدي سيدتنا مريم العذراء، قدَّماها لتتربَّى وتخدم في الهيكل، منذ صغرها. وذلك انَّ حنة كانت عاقراً. فطلبت من الله ان يعطيها ولداً لتنذره وتكرسه لخدمته تعالى، فرزقها هذه الابنة الممتلئة نعمة. ولما بلغت الثالثة من عمرها، اخذها ابواها وقدَّماها للرب عن يد زكريا الكاهن، لتسكن قريباً من هيكل اورشليم. وهذه التقدمة كانت افضل التقادم واقدسها، منذ بُني الهيكل، لانها تقدمة ابنة تفوق بقداستها وجمال نفسها وجسدها سائر الملائكة والقديسين والبشر، بل هي افضل من الهيكل، لانها هيكلٌ حي حلَّ فيه الروح القدس بجميع مواهبه الالهية. وكان ابن الله مزمعاً ان يحلَّ في احشائها ويتخذ من جسدها جسداً بشرياً كاملاً.
فاضحت مريم بكل قواها لله، تتفرغ للصلاة والشغل اليدوي وتتعلم القراءة وتنكبُّ على مطالعة الكتب المقدسة. فادركت كل ما فيها عن تجسد ابن الله. بقيت في الهيكل احدى عشرة سنة مُختليةً بالله غارقة في بحر كمالاته.
وقد مدح القديسان امبروسيوس وايرونيموس احتشامها ورصانتها وصمتها العميق المقدس، ومواظبتها الصلاة والخلوة، ومحبتها لرفيقاتها الابكار اللواتي كانت تحضُّهنَّ على الفضيلة وعمل الخير. كانت تحب التعب والشغل وتتقن جميع اعمالها، تنام قليلاً وتكدُّ كثيراً. الفاظها عذبة، مُنادمتها لذيذة. وكثيراً ما كانت تخاطب الملائكة وتناجي الله. أقامت في الهيكل حتى بلغت الخامسة عشرة من عمرها، وعادت الى الناصرة حيث قبلت سر البشارة. ثم أخذها يوسف خطّيبها الى بيته، بعد أن ظهر له الملاك.
اما الاحتفال بعيدها هذا فهو قديم العهد في الكنيسة الشرقية ويرتقي الى القرن السادس في الاقل. اما في الكنيسة الغربية فابتُدئ به في السنة 1372. صلاتها معنا. آمين.
اليوم الثاني والعشرون
تذكار القديسين يواكيم وحنه والدي سيدتنا مريم العذراء
ان اشرف مدح نصف به يواكيم وحنة انما هو كونهما والدي سيدتنا مريم العذراء وجدَّي سيدنا يسوع المسيح. كان يواكيم من الناصرة من ذرية داود والقديسة حنة من بيت لحم من سبط يهوذا. وكانا بارَّين سائرين في شريعة الرب، متحدين قلباً واحداً مضطرماً بمحبة الله والقريب، عائشين بالصلاة والتأمل، ينتظران مجيء مخلص العالم. لكنهما كانا حزينين لانهما لم يرزقا ولداً. واخذا بالتضرع الى الله كي يرزقهما ولداً يكرِّسانه لخدمته تعالى. فاستجاب صلاتهما.
وولدت حنة مريم العذراء ممتلئةً نعمة وبريئة من وصمة الخطيئة الاصلية. ولمَّا بلغت العذراء الثالثة من عمرها، قدماها الى الهيكل. وصرفا حياتهما بالصلاة والتأمل. وصار يواكيم ابن ثمانين سنة وتوفي بشيخوخة صالحة بين يدي حنة، وابنته مريم. اما حنة فعاشت حتى حظيت بمشاهدة الطفل يسوع ثم رقدت بسلام ولها من العمر تسع وسبعون سنة.
وعيدهما هذا يرتقي في الكنيسة الشرقية حتى القرن السادس. والبابا يوليوس الثاني ادخل عيد القديس يواكيم في الكنيسة الغربية في السنة 1510.
ولهما في لبنان كنيسة وحيدة على اسمهما، قديمة العهد، في عنايا تابعة دير مار مارون ومقام القديس شربل. صلاتهما معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار الشهيدة سيسيليا
كانت سيسيليا من اسرة رومانية شريفة. ومنذ حداثتها تربَّت تربية حسنة وتغذَّت بمعرفة الكتب الالهية. وكانت تجمع بين جمال النفس والجسد. فنذرت بتوليتها لله. فزوَّجها والداها، رغماً عنها، بشاب وثني يدعى فاليريانوس. فاقنعته بحفظ البتولية فآمن واقتبل سرَّ العماد ومات شهيداً.
اما سيسيليا فأخذ الوالي يتملَّقها بغية ان يستميلها الى عبادة الاوثان فذهبت تملقاته ادراج الرياح. حينئذ حكم عليها بالاعدام، لكنه خوفاً من فتنة يُثيرها آل الشهيدة في روما، امر فحملوها الى حمامات قصرها واغلقوا النوافذ عليها حتى تموت خنقاً، فكانت بين اللهيب جاثية تصلي ولم تُصب باذىً. فأمر الحاكم الجلاد فشجَّ رأسها بفأس، فرقدت بالرب سنة 230.
واصبح ضريحها ينبوع نعم ومعجزات كثيرة. وقد شمل اكرامها الكنيسة غرباً وشرقاً. وهي شفيعة الموسقيين، لان حياتها صدى موسيقى ملائكية. صلاتها معنا. آمين.
اليوم الثالث والعشرون
تذكار القديس ساسين الشهيد
كان هذا القديس اسقفاً على مدينة كوزيكس، قبض والي كوزيكس عليه فاعترف بايمانه المسيحي بكل جرأة. فغضب الحاكم وامره بأن يضحِّي للاصنام فأبى واخذ يبيِّن فساد العبادة الوثنية وخرافاتها وان الديانة المسيحية هي الديانة الحقَّة. فاستشاط الوالي غيظاً وامر بعذابه فشدّوه الى خيلٍ غير مروَّضة، حتى تهشم جسمه. ثم جلدوه جلداً قاسياً، وهو صابر ثابت في ايمانه. فألقوه في السجن مغلَّلاً بقيود من حديد. ولما قام الملك قسطنطين الكبير ونصر الكنيسة وحرَّرها من الاضطهاد، اطلق سبيل الاسقف القديس وارجعه الى كرسيه. ولما ظهرت بدعة اريوس، انعقد المجمع النيقاوي الاول 325 اخذ ساسين يجادل الاريوسيين ويفحمهم ببراهينه السديدة. ثم رجع الى كرسيه يذيع تعليم المجمع النيقاوي.
كان غالايوس عدواً لقسطنطين وللمسيحيين، فقبض على الاسقف ساسين وانزل به أشدَّ العذابات حتى انتهت حياته بقطع رأسه نحو السنة 328. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضا
تذكار القديس امفيلوكوس
ولد هذا القديس في الكابدوك من اسرة شريفة وكان صديقاً حميماً للقديسين العظيمين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي وقد ضاهاهما بغزارة علمه وغيرته على المعتقد الكاثوليكي. وصار قاضياً فقام بوظيفته بكا نزاهة مراعياً جانب العدل والاستقامة.
اختاره الاكليروس والشعب اسقفاً على مدينة ايقونية سنة 374 فانكب على العمل بغيرة ونشاط. وروى تاودوريطس انَّ القديس طلب يوماً من الملك تاودوسيوس ان يمنع الاريوسيين من بث مفاسدهم في المدن والقرى، فاغضى الملك عن الاجابة. فقام القديس يوماً بواجب الاحترام نحو الملك ولم يكترث لابنه، فاستاء منه الملك، فقال: انك تستاء من عدم احترامي لابنك، فكيف لا يستاء الله من الاراتقة وعدم احترامهم لابنه الكلمة الازلي؟ فانتبه الملك وامر بمنع الاريوسيين من الاجتماعات وشتَّت شملهم.
وفي السنة 381 حضر القديس امفيلوكوس المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية ووضع مقالاً نفيساً في طبيعة الروح القدس ومفاعيله، شاجباً بدعة المكدونيين. وألَّف كتباً عديدة مفيدة تؤيد المعتقد الكاثوليكي القويم. ثم رقد بسلام سنة 394. صلاته معنا. آمين.
اليوم الرابع والعشرون
تذكار القديسة كاترينا البتول الشهيدة
من وجهاء مدينة الاسكندرية. قد زَّينها الله بحدَّة الذهن وبجمال النفس والجسد. عكفت على مطالعة الكتب المقدسة، فتبيَّن لها فساد عبادة الاوثان.
ويروى انه تراءى لها السيد المسيح، بعد اعتمادها، مُبدياً عن رضاه عنها وألبسها خاتماً ثميناً، عربون خطبته إِياها عروساً له. ففرحت فرحاً عظيماً وشغفت بمحبته ونذرت بتوليتها له، وأخذت تبشِّر باسمه.
ولمَّا مرَّ الملك مكسيمنس في الاسكندرية، أقام عيداً حافلاً، تُقدَّم فيه الذبائح للاوثان واوجب ان يشترك فيه جميع سكان المدينة. وحضرت كاترينا امام الملك، وهو جالس في صدر المحفل واخذت تبيّن له بالبراهين الجليَّة، عن ضلال الوثنية وآلهتها الكاذبة. واوضحت عن صحة الدين المسيحي وعن سموّ تعاليمه الشريفة. فأهشت الملك وجميع الحاضرين بجرأتها وفصاحتها، وأخذ مكسيمنس بجمالها، فحبسها في قصره، بغية ان يقنعها بعبادة الاصنام ليتزوجها.
فاستدعى خمسين فيلسوفاً، فدخلوا في الجدال مع القديسة فأفحمتهم بقوة براهينها. فقال الامبراطور لاولئك الفلاسفة: عليكم ان تنقضوا كلامها وبراهينها. فأجابوا: انهم اصبحوا مؤمنين بما تؤمن به كاترينا، لانها على حق في كل ما تقول. فاستشاط الملك غيظاً، وامر بهم فأحرقوهم بالنار، ففازوا باكليل الشهادة.
وأمر مكسيمنس بجلد كاترينا، حتى سالت دماؤها. ثم اعادها الى السجن. فقامت تصلِّي وتشكر الله. وظهر لها ملاك الرب وعزَّاها وشفى جراحها. فدخلت الملكة عليها في سجنها مع القائد برفيريوس، فأعجبت بها. وكانت تُصغي لها فمسَّت النعمة قلبها، فآمنت بالمسيح هي والقائد برفيريوس. ولما علم الملك بذلك جُنَّ جنونه فأمر بضرب عنقهما مع مئتين من الجند الذين آمنوا.
واخرج الملك كاترينا من سجنها وعاد يلاطفها ويريد ان يتزوجها فتصبح هي صاحبة العرش بعد موت امرأته. فازدرته القديسة ووبخته على قتله امرأته وسفكه الدماء البريئة. فهي لا تريد لها عريساً على الارض، فان عريسها في السماء. عندئذ امر بان توضع بين دواليب مركبة من سيوف مرهفة، فتضرعت الى الله ليقوَّيها على هذا العذاب، واذا بالدواليب تتكسَّر وتتطاير شظاياها وتقتل عدداً من الوثنيين، فآمن كثيرون وفازوا بالشهادة. فظنَّ الملك ان ذلك ضرب من السحر، وخاف العاقبة، فأمر بقطع رأس القديسة، فأحنت رأسها للسيف وهي تصلي وبذلك تمت شهادتها سنة 308. صلاتها معنا. آمين!
اليوم الخامس والعشرون
تذكار القديس اكليمنضوس الاول بابا روما
ولد اكليمنضوس في روما وكان من اشرافها، تثقف ثقافة عالية، فنبغ في العلوم والآداب. وعندما قدم القديسان بطرس وبولس الى روما، آمن على يدهما وتتلمذ لهما. ورافق بولس الرسول في جهاده وذكره في رسالته الى اهل فيليبي (4: 3). ثم أقيم خليفة لهامة الرسل على السّدة البطرسية بعد البابا اناكليتوس. فقسم روما سبعة اقسام وجعل في كل قسم منها مسجِّلاً لاعمال الشهداء. وقد ردَّ بمواعظه الكثيرين الى الايمان بالمسيح. وله يرجع الفضل بتعميد أهل فرنسا.
وقد أنشأ هذا البابا فرقة العذارى اللواتي وقفن حياتهنَّ لمجد الله وخدمة القريب.
وجه البابا الى اهل كورنثية رسالته الشهيرة، اوضح بها المراتب الكنسية والتمييز بين الاساقفة والكهنة والشمامسة، وبيَّن واجب المؤمنين نحو رؤسائهم، وان للبابا السلطة المطلقة على جميع الكنائس. وكان لهذه الرسالة اهميتها الكبرى، حتى انها أدرجت بين الكتب المقدسة وكانت تُقرأ في الكنائس على الشعب. ولهذا البابا ايضاً رسالتان في شرف البتولية.
وعندما اثار ترايانوس قيصر الاضطهاد على المسيحيين، نفى البابا اكليمنضوس مع عددٍ من ابنائه الى مدينة كرسونيزا، اي القرم، حيث وجد كثيرين من المسيحيين المنفيين، مسخَّرين في الاشغال الشاقة في مقالع الرخام، فكان لهم الاب الحنون، يشجعهم ويعزِّيهم ويشاركهم في اتعابهم. وكان اولئك المنفيون في ضيق شديد من العطش، فصلى القديس فوق صخرة هناك، راسماً فوقها إِشارة الصليب، فانبجس منها الماء ينبوعاً غزيراً، وعند هذه الآية آمن كثيرون من الوثنيين.
فعرف بذلك ترايانوس، فأوفد وزيره اوسيديوس الى كرسونيزا وامره ان يردَّ جميع الذين اعتمدوا الى الوثنية، ومن لا يخضع يُقتل. فنفَّذ الوزير امر سيده بجميع المسيحيين وبالذين اعتمدوا من الوثنيين. ففاز جميعهم باكليل الشهادة. اما البابا اكليمنضوس، فشدُّوا عنقه بحبل وزجّوه في البحر ليموت خنقاً، فانضمَّت روحه الطاهرة الى ابنائه الشهداء في الاخدار السماوية. وكان ذلك سنة 101 للمسيح.
فانتشل بعض المؤمنين جثة البابا من البحر ودفنوها بما تستحق من الاكرام. واجرى الله المعجزات الكثيرة حول ضريحه. صلاته معنا. آمين.
اليوم السادس والعشرون
تذكار القديس بطرس بطريرك الاسكندرية
ولد هذاالقديس في مدينة الاسكندرية، وفي السنة 300 انتُخب بطريركاً على الكرسي الاسكندري، لما تحلَّى به من علم غزير وفضيلة راهنة.
وفي السنة 303 اثار ديوكلتيانوس وزميله مكسيميانوس اضطهاداً عاماً على كنيسة الشرق، فقام البطريرك بطرس يطوف انحاء البطريركية ويشجع ابناءه على الثبات في ايمانهم، فكان لكلامه اشد تأثير في القلوب، حتى اقدم المؤمنون بالالوف على الاستشهاد بكل جرأة.
وحدث ان ملاتيوس اسقف هليوبوليس قد جحد الايمان وقدَّم بخوراً للاوثان، مع بعض المسيحيين، خوفاً من العذاب، فحزن البطريرك جداً لهذا الحادث الاليم. واخذ يبذل النصح الابوي لذلك الاسقف الجاحد، فلم يرعو عن غيِّه. فعقد البطريرك مجمعاً مع بعض الاساقفة، وحرمه هو والشماس اريوس الذي كان يجدِّف على الكلمة الازلي.
وفي السنة311، قبض الولاة عليه بامر مكسيميانوس، وألقوه في السجن الى الغد، فعرف المؤمنون بسجنه، فجاءوا يدافعون عنه وكان اريوس قد تظاهر بالتوبة وقصده بذلك ان يكون خليفة للبطريرك بعد وفاته. عرف البطريرك مراد اريوس وخبثهُ وطمعهُ بالبطريركية. ثم اختلى بكاهنيه الفاضلين وحذَّرهما من اريوس وشرّه. وبعد ذلك اتى الجند ليأخذوه الى الاستشهاد، فأسلم نفسه. فجاءوا به الى معبد صغير كان قد اعدَّه قبراً له، وبعد ان جثا يصلي الى الله ليمنع الاضطهاد عن الكنيسة، قدَّم عنقه للسيف وفاز باكليل الشهادة سنة 311. صلاته معنا. آمين.
اليوم السابع والعشرون
تذكار القديسين برلام ويواصاف
كان القديس برلام ناسكاً في الهند بعهد الملك ابنير الذي كان يبغض المسيحيين ويضطهدهم وكان حزيناً لانه لم يكن له ولد، فرزقه الله ابناً اسماه يواصاف، خاف عليه من ان يعتنق مذهب النصارى فوضعه في قصر تحت المراقبة الشديدة. ولمَّا شبَّ الغلام، وعرف انَّ اباه خائف عليه من اعتناق الدين المسيحي، رغب في ان يقف على حقيقة هذا الدين.
فألهم الله الناسك برلام الذي تمكن من الدخول على يواصاف بهيئة تاجرٍ، وشرح له قواعد الدين المسيحي فأعجب بتعاليم الانجيل السامية واعتمد ونبذ عبادة الاوثان. فعرف ابوه بتنصُّره واغتاظ جداً. فارسل اليه نساءً ليفسدن قلبه، فلم ينلن منه مأرباً. ولمَّا رأى ابوه ما اتَّصف به ابنه من اخلاقٍ شريفة ومبادئ سامية تلقَّنها من ذلك الفيلسوف الناسك تركه وشأنه.
ثم اعطاه قسماً من مملكته، فأخذ يبشِّر بالانجيل وجاء الاساقفة والرهبان يساعدونه في التبشير فكثر عدد المسيحيين في مملكته، حتى انه جذب اباه نفسه الى الايمان بالمسيح فاعتمد هو وجميع من هم تحت سلطانه. وبعد اربع سنوات توفي ابوه تاركاً له كلَّ ما يملك.
غير أنَّ يواصاف سلَّم المملكة الى رجل مسيحي اسمه باركياس، وذهب الى برِّية برلام ابيه اروحي، حيث انصرف الى النسك والصلاة. ولما بلغ الستين سنة من العمر، رقد بالرب سنة 740. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس يعقوب المقطع
كان مسيحياً من شرفاء بلاد فارس، فقرَّبه يزدجرد الملك من بلاطه واولاه اشرف المراتب. الزم الملك جميع المسيحيين بان يقدموا الذبائح للشمس والكواكب. فكان حظ الكثيرين اكليل الاستشهاد، غير ان بعضهم خافوا وكفروا بايمانهم، ومنهم يعقوب هذا الذي انصاع لامر الشاه، فكفر وقدَّم البخور لآلهة المملكة.
فبلغ الخبر امه وزوجته، فكتبتا اليه رسالة مليئة بالعتاب والاسف والدموع والتوسل اليه لكي يرجع عن غيه. فكات لتلك الرسالة تأثيرها العميق في قلب يعقوب. فأسرع الى سرادقه وتناول الانجيل وبدأ يتأمل في تعاليمه السامية ولا سيما بهذه الآية:" من آمن بي وان مات فسيحيا" (يو 11: 25). وخرج الى الشوارع ينادي:" انا مسيحي انا مسيحي". فاخذ الملك يوبِّخه على جسارته هذه ويتهدَّده بالموت. فأجابه بكل جرأة انه عن ايمانه لن يحيد. فغضب الشاه وامر بأن يُقطع إِرباً. فقطَّعوا اولاً اصابع يديه ورجليه واحدةً واحدة، ثم قطعوا يديه ورجليه ثم ساقيه وذراعيه وهو صابر يشكر الله حتى تعجب الحاضرون من شجاعته. واخيراً قطعوا رأسه فتكلل بالشهادة وكان ذلك يوم الجمعة سنة 441. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثامن والعشرون
تذكار الشهيد اسطفانوس الجديد
ولد اسطفانوس في القسطنطينية سنة 713. فتثقف بالعلوم ونبغ فيها، لكنه كان ولوعاً بقراءة الاسفار المقدسة. ادخله ابوه احد الاديار، حيث تربَّى على روح العبادة والتقوى. وبعد وفاة والده، وزّع ما كان يملك على الفقراء، واخل امه واخته في دير للراهبات، وانحاز هو الى ديرٍ على قمَّة جبلٍ بالقرب من القسطنطينية، حيث اشتهرت قداسته ومنحه الله فعل المعجزات.
ثم اقيم رئيساً على الدير وما عتم ان اعتزل الرئاسة وسكن مغارة ضيِّقة، عاكفاً على اعمال النسك والصلاة، الى ان قام الملك قسطنطين محارب الايقونات. فذاق اسطفانوس في دفاعه عن المعتقد الكاثوليكي أمرَّ العذابات وأُلصقت به أشنع التُّهم، لكن الله اعلن براءته وقوَّاه على الاحتمال بايمانٍ حي.
حاول الملك ان يستميله الى رأيه الفاسد. فأخذ اسطفانوس درهماً، وطبع عليه رسم الملك، ورماه في الارض وداسه برجله، فانقضَّ الملك عليه بصواعق غضبه وكاد يمزقه تمزيقاً، فقال له القديس بكل لطف: اذا كنت، ايها الملك، تغضب هكذا لاهانة صورتك المرسومة على هذا الدرهم، فكيف لا يغضب السيد المسيح ووالدته وقديسوه، عندما تأمر بتمزيق صورهم وطرحها في الازقَّة ليدوسها الناس بارجلهم؟ فخجل الملك ولم يجب، بل أمر بان يُلقى القديس بالسجن، مكبَّلاً بالقيود.
فدخل ورأى ثلاثمئة واربعين راهباً مسجونين لاجل ثباتهم في ايمانهم، ففرحوا به، فأخذ يشجعهم، وحوَّل ذلك السجن الى معبد يُقيم فيه معهم الصلاة كأنهم في دير. فعرف الملك واراد ان يتخلَّص من ذلك الراهب، فأمر الجند بالقبض عليه وبتشهيره في شوارع المدينة. وبينما جثا يصلي، فاجأه جندي بضربة عصا على رأسه، فتكلل بالشهادة سنة 766. صلاته معنا. آمين.
اليوم التاسع والعشرون
تذكار القديسين ساتورينس وسيسينيوس الشهيدين
كان ساتورينس من مدينة روما، شيخاً جليلاً مزداناً بالفضائل المسيحية. وكان الملك مكسيميانوس يوجب على المسيحيين القيام بالاشغال الشاقة، فألزم ساتورينس ان يكون بينهم يحمل الاثقال على منكبيه امام مراقبين لا رحمة في قلوبهم ولا شفقة.
واستمر صابراً راسخاً في ايمانه، متعزِّياً بأن يحمل صليب التعب والآلام وراء المسيح الفادي الالهي. فجاء شاب يدعى سيسينيوس يحمل عنه اثقاله ويقدِّم له ما يحتاجه. فأمر مكسيميانوس بطرحهما في السجن مع كثيرين من المسيحيين. فأخذ ساتورينس والشماس سيسينيوس يناديان باسم يسوع المسيح، فارتدَّ بسببهما عددٌ وافر من الوثنيين. حنق الوالي كنديدوس فاستحضرهما مكبَّلين بالسلاسل وامرهما بتقديم البخور والسجود للصنم. فأجاباه: انه لا يجوز السجود الاَّ ليسوع المسيح ابن الله الحي. وصرخ ساتورينس في اصنم قائلاً: ليسحق الرب صنم الوثنيين. فسقط الصنم متكسراً. وعندها آمن جنديان بالمسيح، فتميَّز الوالي من الغيظ وامر فوضعوا الشهيدين على آلة العذاب وكَّسروا اعضاءهما بالعصي والمجالد، فصبرا على هذا العذاب الاليم. فوبخ الجنديان اللذان آمنا الوالي على قساوته الوحشية وجاهرا بايمانهما حالاً بعد ان كسر اسنانهما. اما ساتورينس وسيسينيوس الشماس، فأمر بحرق خواصرهما وبقطع رأسيهما خارج المدينة وبذلك تمت شهادتهما سنة 305. صلاتهما معنا. آمين.
اليوم الثلاثون
تذكار القديس اندراوس الرسول
ولد اندراوس في بيت صيدا على ضفاف بحيرة طبريا، وهو اخو بطرس وقد تتلمذ اولاً ليوحنا المعمدان. تبع يسوع ودعا اليه اخاه سمعان اذ قال:" قد وجدنا ماشيح الذي تأويله المسيح" (يوحنا 1: 41). ولما شاهدا المعجزة التي صنعها يسوع في عرس قانا الجليل، اذ حوَّل الماء الى خمر، آمنا بالوهية معلمهما ولازماه ولم ينفصلا عنه.
وبعد حلول الروح القدس على التلاميذ، بشَّر اندراوس بالانجيل في اورشليم مع باقي الرسل. ولما تفرق الرسل، قام يبشر باسم الرب يسوع، في تركيا واخائيا وكبادوكيا وغلاطية وبيثينا وغيرها.
وكان الوالي اجيَّا، يضطهد المسيحيين في بتراس، فقبض على القديس اندراوس وامره بالخضوع لامر الملك وتقديم الذبيحة للآلهة وإِلاَّ مات مصلوباً، فأجابه الرسول:" اني اقدِّم كل يوم للاله الواحد الضابط الكل، لا دخان البخور ولا لحم الثيران ولا دم التيوس، كما تقدمون لآلهتكم، بل ذبيحةً الهية طاهرة هي الحمل البريء من كل عيب، ابن الله يسوع المسيح الذي افتدانا بدمه الكريم". فاستشاط الوالي غضباً وامر بأن يرفعوه على الصليب ليموت نظير الذي يبشر باسمه. فتقدَّم بكل جرأة وبثغرٍ باسم وعانق الصليب وهتف قائلاً:" اهلاً بك، ايها الصليب المقدس الذي أنتظره منذ زمان مديد، لقد رفع عليك فيما مضى مخلصي الالهي، فاقبلني انا تلميذه، لكي استحق بك ان اذهب اليه على عجل". وبقي على الصليب يومين، يعظ الناس ويثبتهم في الايمان. وفيما هو يناجي الصليب، اسلم الروح. فأنزل المسيحيون جسده الطاهر ودفنوه باكرام. وكان ذلك سنة 62. صلاته معنا. آمين.