نَصَبوا شِباكًا لِخَطَواتي فرَزَحَت نَفسي . حَفَروا أَمامي هوةً فوَقَعوا فيها. (مز 57 /7)
نيسان - السنكسار الماروني
شهر نيسان
أيام هذا الشهر 30 يوماً. ساعات نهاره 13 ساعة، وساعات ليله 11ساعة
اليوم الاول
تذكار مريم المصرية التائبة
هي مريم المعروفة بالمصرية. وهي المجدلية الثانية التي من ملخص سيرتها نعلم كم هو عظيم مفعول النعمة الالهية. في الثانية عشرة من عمرها، أفلتت من بيت أبيها وجاءت الى الاسكندرية التي كانت في أوج ازدهارها. وهناك نصبت من جمالها الرائع شركاً تصطاد به الرجال والفتيان الاغرار، منغمسة في الاثم سبع عشرة سنة.
ثم جاءت يوماً الى اروشليم لحضور الاحتفال بعيد ارتفاع الصليب المقدس، لا للعبادة، بل للتفرج. ولما ارادت الدخول الى الكنيسة صدتها يد خفية. فحاولت الدخول مراراً فلم تقدر. فعرفت ان آثامها هي التي تمنعها عن الدخول. فلجأت الى العذراء قائلة:" انت ملجأ الخطأة، فارحميني". وما درت الا وهي في داخل الكنيسة جاثية على قدمي المصلوب، نادمة على جميع خطاياها. ثم مضت الى دير القديس يوحنا المعمدان فاعترفت بخطاياها، وتناولت القربان الاقدس، وتوغلت في براري الاردن السحيقة، تمارس افعال التوبة بجميع انواع النسك والتقشف والصلاة.
وانقضت الايام والسنون. فمر الكاهن زوسيما في البرية، واذا أمامه امرأة شاحبة الوجه، كثيفة الشعر الناصع البياض. فأخذت تقص عليه سيرتها. ففرح بها زوسيما جداً ومجَّد الله. فسألته ان يأتيها بالقربان المقدس. ثم طلبت بركته وصلاته، وانصرفت الى مواصلة جهادها في توبتها. وبعد سنة جاء يفتقدها. فوجدها ميتة ممدّدة على الارض ووجهها يطفح نوراً وبهاء. فدفنها وعاد الى ديره وكانت وفاتها سنة 521. صلاتها معنا. آمين.
اليوم الثاني
تذكار الشهيدين ابيفانيوس واداسيوس أخيه
كان هذان الاخوان مسيحيين من مدينة باكاس في آسيا الصغرى. تعلم أبيفانيوس اللغة اللاتينية والفقه في مدينة بيروت. وقضى فيها سنتين. ولما أتم دروسه، عاد الى وطنه. وتوجه الى مدينة نيقوميدية حيث كان الملك مكسيميانوس قد أصدر أمره بأن يضحي أهل المدينة للأوثان. فحملت الغيرة ابيفانوس فجاء الى الوالي يسأله أن يرعوي عن ضلاله، ويكف عن اضطهاد المسيحيين.
فغضب الوالي وأمر به فوثب عليه الوثنيون واثخنوه جراحاً حتى انتثرت لحمانه. ثم ألقوه في السجن مغلّلاً. فكان صابراً يسبح الله، وفي الغد أخرجوه. وبعد أن أذاقوه مر العذاب، دهنوا رجليه بالزيت واحرقوهما بالنار فلم ينالوا منه مأرباً. أخيراً أغرقوه في البحر. فقذفت الامواج جثته الى الشاطئ. فحملها المسيحيون. ودفنوها باكرام سنة 306. وكان اخوه اداسيوس فيلسوفاً كبيراً. وبعد سنتين جاهر بايمان المسيح مراراً. فعذبوه وطرحوه في السجن. ثم حكموا عليه بالاشغال الشاقة في معادن فلسطين. فاستمر ثابتاً في ايمانه. وكان ان جاء الى الاسكندرية وأخذ يوبخ الوالي على جوره. فأمر به فعذبوه، ثم أغرقوه في البحر نظير أخيه فتمت شهادته سنة 308. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثالث
تذكار البابا ايسيدوروس اسقف اشبيليه
ولد ايسيدوروس في اسبانيا سنة 560. كان ابوه ساويريانوس والياً. درس العلوم على اخيه الاكبر لياندروس اسقف اشبيليه. وكان متكاسلاً مستصعباً الدرس. ورأى يوماً أثر الحبل في حجر على بئر فقال في نفسه: ان كانت المداومة قد أثرت في الحجر الصلب، فلا بد من ان المواظبة على الدرس تؤثر بعقلي. فعاد الى أخيه. وعكف على الدرس. فأتقن اللغات اللاتينية واليونانية والعبرانية. وتضلع من العلوم، حتى فاق أهل عصره.
وكان اكبر المساعدين لأخيه لياندروس اسقف اشبيليه في رد الاريوسيين الى الايمان الكاثوليكي. وقد تحمل مشاق كثيرة في هذا السبيل. اعتزل في دير أنشأه ليتفرغ لاعمال الاماتة ودرس الكتب المقدسة. ولما توفي أخيه لياندروس اسقف اشبيليه، أجمع الاكليروس والشعب على انتخاب ايسيدوروس اسقفاً سنة 600. فقام يسوس رعيته بغيرة وقداسة. فاستأصل بدعة اريوس من ابرشيته. وأنشأ معهداً للاكليركيين. وكان هو يعلّم اللاهوت. وبنى أدياراً كثيرة. ترأس مجمع اشبيليه الثاني. وفي سنة 623 ترأس ايضاً مجمع تُوليد الرابع. وقد اشتهر هذا القديس بتآليفه، حتى لقبه الاسبانيون: بمعلن الكنيسة الكاثوليكية وملفانها العظيم.
وأعلمه الله بدنو اجله. فدخل الكنيسة، ونزع عنه ثياب الحبرية، وطلب من الاكليريكيين أن يوشحوه بثوب التوبة. فألبسوه مسحاً. وأخذ يذر الرماد على رأسه. واستغفر من الحاضرين. ثم تناول القربان الاقدس ورقد بالرب سنة 636. وله عدة تآليف هامة، تدل على سمو مداركه وغزارة معارفه. صلاته معنا. آمين.
اليوم الرابع
تذكار الشهيدين تاودورس واغاتوبيدس
كان هذان الشهيدان من مدينة تسالونيك، خادمين في كنيستها بكل ورع وعبادة. ولما أثار مكسيميانوس الاضطهاد، وشي بهما الى والي المدينة. فسألهما عن معتقدهما، فجاهرا بأنهما مسيحيان. فأخذ يتملقهما ويتهددهما ليقلعا عن عنادهما ويذبحا للاوثان، فرفضا بكل جرأة. فأمر بطرحهما في السجن.
وفي الغد دعاهما الوالي وأعاد الكرة عليهما بالوعد والوعيد، فازدريا به وأعلنا أنهما لا يهابان عذاباً او موتاً. عندئذ أمر بهما فعلّقوا بعنق كل منهما حجراً، وزجوهما في البحر. فنالا اكليل الشهادة في اوائل القرن الرابع. صلاتهما معنا. آمين.
وفيه ايضاً: تذكار البابا ايساتوس
كان هذا البابا سرياني الاصل من مدينة حمص. وقد ترقى في المناصب في روما، حتى خلف البابا بيوس الاول على السدة البطرسية عام 154. ألف مجمعاً رذل فيه بدعة مرقيون وجميع التابعين له. ورد كثيرين ممن خدعهم هذا المبتدع بضلاله.
وقد عقد هذا البابا مجمعاً آخر بشأن عيد الفصح. لكنه توفي في أثناء المجمع الذي لم يتم الا في زمان خلفه البابا سوتيرس بحضور القديس بوليكربوس. وبعد أن ساس الكنيسة بكل حكمة وقداسة. نال اكليل الشهادة سنة 165. صلاته معنا. آمين.
اليوم الخامس
تذكار القديس روبرتوس
ولد روبرتوس في فرنسا سنة 1017 من أسرة شريفة. ولما شبّ ترهب في رهبنة مار مبارك، وله من العمر خمس عشرة سنة. لمع بين المبتدئين بتمرسه على المشورات الانجيلية واعتكافه على اقتفاء الفضائل. وبعد نهاية سنتي التجربة، انتخبه الرهبان رئيساً عليهم، فكان لهم قدوة صالحة في الترقي بمدارج الكمال. ثم استقال من الرئاسة رغبة في الوحدة والتفرغ لمناجاة الله. وهناك أدار شؤون نساك فقراء. وعندما ازدادت عليهم التقادم ومالوا الى أمور الدنيا تركهم روبرتوس، واعتزل في البرية. على انهم تابوا وعاد اليهم، وشدد بحفظ القوانين وأسس ديراً في سيتو بفرنسا، ازدهر بكثرة رهبانه وقداسة سكانه. وتوفي روبرتوس عام 1110. وله من العمر 93 سنة. صلاته معنا. آمين.
اليوم السادس
تذكار القديس افتيخيوس بطريرك القسطنطينيه
ولد افتيخيوس سنة 512 في فريجيا من آسيا الصغرى. وكان ابوه الاسكندر من قواد الجيش الروماني. فسلمه الى البار اسيسكيوس فعمده ورباه تربية صالحة. ولما شبّ ذهب الى القسطنطينية، فدرس على كبار اساتذتها ونبغ في علوم عصره كما نبغ في علم الكتب المقدسة. لكنه كان تواقاً الى خدمة الله في العزلة. رُسم شماساً انجيلياً. ورقي الى درجة الكهنوت ورشح الى الاسقفية. فأبى تواضعاً. لكن اسقف أماسيا اقامه كاتباً له. ثم أوفده الى القسطنطينية ليكون نائباً عنه في المجمع الخامس المنعقد فيها سنة 553. وفي تلك الاثناء توفي مينا بطريرك القسطنطينية. فانتخب افتيخيوس خلفاً له. فما تسلم عصا الرعاية حتى راح يغذي النفوس بتعليم الايمان الكاثوليكي الصحيح. ويوجه عناية خاصة بالكهنة.
وبمثل هذه الاعمال الرسولية بقي يسوس رعيته مدة اثنتي عشرة سنة. وما عتم ان وشي به المبتدعون الى الملك يوستينيانوس. فحطمه عن كرسيه ونفاه الى جزيرة بعيدة تدعى "الاميرة" بقي فيها منعكفاً على الصلاة واعمال النسك، التي كانت تصبو اليها نفسه. وفي خلوته هذه وضع التآليف النفيسة في حقيقة الايمان الكاثوليكي وضلال البدع. وأجرى الله على يده آيات عديدة. ولما مات يوستينيانوس الملك خلفه يوستينوس الثاني، عاد البطريرك القديس الى كرسيه. فأخذ يصلح في رعيته ما أفسدته البدع، مثابراً على الصلوات والتقشفات الى ان رقد بالرب في 5 نيسان يوم عيد الفصح سنة 582. صلاته معنا. آمين.
اليوم السابع
تذكار القديس فلافيانوس بطريرك القسطنطينيه
كان فلافيانوس خازناً لكنيسة القسطنطينية. وبعد أن رُقي الدرجات المقدسة، انتخب بطريركاً، خلفاً للقديس البطريرك بروكللس سنة 446. فخاصمه وزير الملك تاودوسيوس الصغير ونسيب المبتدع اوطيخا. وكان فلافيانوس قد حرمه. فاستغاث اوطيخا بالحبر الروماني لاون الاول الذي عرف بمكره وخداعه. فكتب الى فلافيانوس رسالة مسهبة بين فيها عقيدة الايمان الكاثوليكي بالطبيعتين الالهية والبشرية في المسيح، وحرم بدعة اوطيخا.
أما الملك فأمر بعقد مجمع في أفسس، وكتب الى ديوسقوروس بطريرك الاسكندرية المُشايع لاوطيخا ان يترأس هذا المجمع. فأتى اليه اوطيخا مصحوباً بمعتمدين من قبل الملك وبفرقة من الجند. وكان فلافيانوس حاضراً. فأبرز ديوسقوروس الحكم عليه بالحط عن كرسيه، دون ان تسمع له دعوى. ثم اسلمه الى الجند. فساروا به الى المنفى. لكنه مات في الطريق متأثراً من الاهانات والجراح سنة 449. قبل أن تصله رسالة البابا لاون الذي كتب اليه يشجعه ويعزيه. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم ايضاً: تذكار الشهيد بيونيوس
هذا كان كاهناً في مدينة باياس. ولما رأى يوماً في مدينة قيصرية فيلبوس الوالي مهتماً بتقدمة الذبائح للاوثان، دفعته غيرته الى الدفاع عن صحة الايمان المسيحي. وعن ضلال الوثنيين. فغضب الوالي. وأمر بطرحه في السجن حيث كان يبغض المسيحيين. فأخذ القديس يشجعهم على احتمال العذاب والاستشهاد لاجل المسيح الفادي.
ثم أخرجه الوالي من السجن وأمر بتعذيبه. فجلدوه جلداً عنيفاً، وهو صابر، ثم سمروه على خشبة، وأحرقوا رجليه بخرق مغموسة بالزيت، واخيراً طرحوه في البحر. وبذلك نال اكليل الشهادة سنة 160. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثامن
تذكار الشهيد برلام
ولد برلام قرب انطاكية من ابوين مسيحيين فقيرين، ربيّاه على حب الفضائل والاداب السليمة. ولما ثار الاضطهاد العاشر على المسيحيين، قبض على برلام. فجاهر بانه مسيحي. فجيء به الى مدينة انطاكية حيث ذاق مر العذاب وهو ثابت في ايمانه. ولما كلّوا من تعذيبه، أجبروه على تقديم البخور للصنم. فوضعوا ناراً متقدة على مذبح الصنم. ووضعوا البخور في يده، ومدوها فوق النار لتحترق. على أنه لم يشعر بالحريق والالم. ثبتت يده غير متحركة حتى أحرقت النار جلدها وعروقها. فسقط مغشياً عليه ظافراً باكليل الشهادة سنة 213. صلاته معنا. آمين.
عقد هذا المجمع في مدينة نيقية سنة 787، ضد بدعة محاربي الايقونات. وكان من مناصريها الملكان لاون الايصوري، وقسطنطين الخامس. وقد اقلقت هذه البدعة الكنيسة الكاثوليكية الشرقية نحو قرن كامل. واستشهد بسببها كثيرون من الرهبان والمؤمنين. وكان تمسك الموارنة بايمانهم وتكريمهم للايقونات سبباً اولياً لانفصالهم عن الكنيسة الشرقية. ولغضب الملك قسطنطين عليهم واضطهاده لهم.
أمر البابا ادريانوس الاول، بناء على طلب ايريتي أم الملك قسطنطين السادس بعقد المجمع وأرسل من قبله قصاداً ترأسوه. وكان فيه ثلاثمئة من الاساقفة اكثرهم من الشرقيين، فابرزوا حكمهم هذا:" اننا بعد ان بذلنا العناية والجهد في مطالعة آيات الكتاب المقدس واقوال الآباء القديسين، حكمنا ونحكم ان الايقونات سواء أكانت مصورة بالالوان أو بمادة غيرها، يجب عرضها لتكريم المؤمنين لها. لا بالنظر الى مادتها، بل الى من تمثلهم من القديسين. فان النظر اليها يذكرنا بفضلهم ويوقظ في المؤمنين عواطف المحبة والاجلال لهم. وهذا التكريم هو غير التعبد الحقيقي الذي لا يجوز تقديمه الا لله وحده. ذلك هو تعليم الاباء القديسين والكنيسة الكاثوليكية. ومن جسر أن يعلّم الخلاف، حُط عن مقامه، إن كان اسقفاً أو اكليريكياً، حرم ان كان راهباً او عالمياً".
ورفع ترازيوس بطريرك القسطنطينية أعمال هذا المجمع الى البابا ادريانوس بواسطة قصاده، فأثبتها البابا، وأرسل منها نسخاً الى الملوك. صلوات آباء هذا المجمع تكون معنا. آمين.
اليوم التاسع
تذكار القديس هرماس
هذا كان في ايام الرسل ومن تلاميذهم. ويروى انه هو الذي ألّف الكتاب المعروف "بالراعي" الذي كان يقرأ جهاراً في بعض كنائس اليونان. وبعد ان اشتهر بالفضائل نال الملكوت السماوي سنة 95 للميلاد. صلاته معنا. آمين.
يدعوه بولس الرسول شريكه في الاسر. وقد رسمه الرسول اسقفاً على كولوسي. فاشتهر بالفضائل والغيرة الرسولية. ونال اكليل الشهادة مدافعاً عن الخراف الموكولة اليه. ودفن في مدينة كولوسي نفسها. ثم نقل جسده الى روما. ووضع في كنيسة القديسة مريم المعروفة بالكبرى. صلاته معنا. آمين.
وفيه ايضاً: تذكار البابا أوربانوس الاول
ولد هذا البابا في روما من أسرة شريفة، ارتقى السدة البطرسية سنة 222. فتفانى غيرة على النفوس. وبتحريضه وتعليمه رد كثيرين من الوثنيين الى الايمان بالمسيح واكثرهم من الشرفاء. وبعد أن ساس الكنيسة بالحكمة والقداسة، نال اكليل الشهادة بقطع رأسه سنة 230. صلاته معنا. آمين.
اليوم العاشر
تذكار القديس اغابيوس
قد ذكره كتاب اعمال الرسل بقوله:" وفي تلك الايام، نزل أنبياء من اورشليم الى انطاكية. فقام واحد منهم اسمه اغابيوس، فأنبأ بالروح أن ستكون مجاعة شديدة في جميع المسكونة. وقد وقع ذلك في أيام كلوديوس" (اعمال 11: 27و 28).
ثم قال:" وبينما نحن لابثون هناك (قيصرية فلسطين)، نزل نبي من اليهودية اسمه اغابيوس. فدخل الينا وأخذ منطقة بولس وأوثق بها رجليه ويديه وقال: هذا ما يقول الروح القدس: ان الرجل صاحب هذه المنطقة، سيوثقه اليهود هكذا في اورشليم ويسلمونه الى أيدي الأمم" (اعمال 21: 10 -11).
ومن هذا النص نعلم أن اغابيوس كان من المبشرين الاثنين والسبعين. وانه كان يجول البلدان مع الرسل مبشراً بالمسيح. وقد صرف حياته كلها بالتبشير في بلدان عديدة، الى ان نقله الله، لينيله جزاء جهاده. وذلك في اواخر القرن الاول. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم ايضاً: تذكار معجزة صورة السيد المسيح في بيروت
قد ذكر هذه المعجزة اثناسيوس اسقف بيروت في المجمع السابع المسكوني في نيقيه سنة 787. وذلك بعريضة قدّمها لآباء المجمع. فدونت في أعماله، وهذا ملخصها: كان أحد المسيحيين قد استأجر داراً قريبة من مجمع اليهود. ووضع في احدى غرفها صورة المصلوب. ثم ترك الدار والصورة. فاستأجر الدار يهود. فأخذوا يجرحون تلك الصورة. وطعنوا جنبها بحربة، فخرج منه دم وماء بكثرة. فدهشوا ودهنوا من ذلك الدم مخلَّعاً فشفي حالاً وأتوا بعميان فأبصروا واشلاء فبرئوا. فآمن كثيرون من اليهود. وحملوا الصورة وأتوا بها الى الاسقف وسألوه ان يعلمهم قواعد الايمان المسيحي. ففعل وعمّدهم. وحوّل تلك الدار الى كنيسة على اسم المخلص. وكان ذلك سنة 763.
ولم يزل ذكر هذه الكنيسة معروفاً في بيروت، حيث أقام في القرن الثالث عشر الرهبان الفرنسيسكان ديراً بجانبها وسكنوه.
وأثبت آباء المجمع هذه الآية الباهرة دعماً لتكريم الايقونات. نعمة المصلوب تكون معنا. آمين.
اليوم الحادي عشر
تذكار الشهيد انطيباس
كان انطيباس تلميذ للرسل وخاصة ليوحنا الحبيب. أقيم اسقفاً على مدينة برغامس في آسيا الصغرى في أيام الرسل. ودعاه كتاب الرؤيا:" شاهدي الامين" (2: 13) كان في مدينة برغامس في مقاطعة بمفيليا معبد للاوثان. اشتهر كهنته بتعاطيهم مع الشيطان، لذلك دعا يوحنا الحبيب المكان عرش الشيطان. لأن الشياطين كانوا يتكلمون بواسطة التماثيل والاصنام الموجودة فيه. وكان القديس انطيباس يطردهم باسم يسوع المسيح.
فهاج الوثنيون وقبضوا على القديس وأتوا الى حاكم المدينة. فأمره ان يكفر بالمسيح ويضحّي للاوثان. فأبى بكل جرأة. وأخذ يبين للحاكم سخافة عبادة الاوثان ورجاستها ويثبت له صحة الدين المسيحي. فحنق الوالي وأمر بتعذيبه وحرقه. فنال اكليل الشهادة سنة 93. صلاته معنا. آمين.
وفيه ايضاً: تذكار الانبا برحُوفيوس
هذا كان في ايام الملك يوستينيانوس، ناسكاً مجاهداً مشهوراً بالتعليم الرهباني. وقد وضع كتاباً في المشاكل الرهبانية. ورغب في العزلة ومناجاة الله دون سواه. وقضى على هذه الحال سنين طويلة. ثم رقد بالرب بكل قداسة في أواسط القرن السادس. والكنيسة الشرقية تكرمه كثيراً، فقد وضعت صورته في كنيسة القسطنطينية بجانب صورتي القديسين انطونيوس وافرام. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثاني عشر
تذكار الشهداء مينا وارموجانوس وافقرافُس
كان مينا مسيحياً من اشراف مدينة أثينا من اصحاب المقدرة والخبرة في السياسة. لذلك أرسله الملك مكسميانوس والياً على مصر لاصلاح القلاقل بين أهلها والقاء السلام بينهم. فكان يحمي المسيحيين من الظلم والتعدي. ويسند الوظائف في الدولة الى من يراه بينهم مستحقاً وقديراً.
فاستاء منه الملك وعزله عن الولاية وعيّن ارموجانوس مكانه، وأمره بأن يشدّد على مينا لكي يكفر بالمسيح، ويضحي للاوثان. فأخذ ارموجانوس بحاول بشتى الوسائل لارجاع مينا الى احضان الوثنية، فلم يُفلح. ولما سأل مينا لماذا ترك عبادة الاوثان، أجابه: لأني بعد مطالعة الاسفار المقدسة تحققت وجود اله واحد واجب الوجود، له وحده يحق التكريم والسجود. وما الاصنام سوى الهة صماء لا يُرجى منها خير، فأمر ارموجانوس بقطع لسانه وقلع عينيه، ثم ألقوه في السجن وفيه رمق من الحياة.
أما ارموجانوس، فأهابت به لواذع الضمير وعرف أنه مسيئ الى مينا الذي لم يكن مذنباً في شيء، بل كان شريفاً وأميناً في خدمة ملكه ووطنه، كما هو شديد الامانة في خدمة ربه. فندم ارموجانوس على ما فعل، وظن أنه يكفِّر عن ذلك بدفن مينا دفنة مكّرمة. وفي الغد أرسل جنوده الى السجن، ليقوموا بهذا الواجب، فوجدوا مينا سالماً يشكر الله بتسابيحه. فآمن أرموجانوس ايضاً واعتمد. فاستشاط الملك مكسيميانوس غضباً، وجاء هو نفسه الى الاسكندرية ومعه افقرافُس المسيحي مقيَّداً بالسلاسل، وكان هذا أحد كتبة ديوانه. واذ رأى أن لا وعد ولا وعيد ينال من ذينك المسيحيّين، أمر بتعذيبهما وهما صابران ثابتان على ايمانهما ومعهما افقرافس الكاتب. ثم ضُربت أعناق الثلاثة ونالوا اكليل الشهادة سنة 307. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم الثالث عشر
تذكار البار زوسيما
كان هذا البار من فلسطين. رغب منذ حداثته في العيشة النسكية. فترهب وأنعكف على ممارسة الفضائل، حتى تسامى فيها. واستمر على هذه الحال ثلاثاً وخمسين سنة، حتى بلغ شوطاً بعيداً في طريق الكمال. وكان خير مرشد للرهبان، يسيرون بحسب تعاليمه ويأخذون بنصائحه الابوية.
وفيما كان يفكر يوماً في طريقة أخرى تزيده رقيّاً في الفضيلة والقداسة، ويسأل الله ان يهديه اليها، سمع صوتاً يدوي في داخله قائلاً" يا زوسيما، أترك ديرك واذهب الى دير على ضفاف الاردن، حيث ترى من الفضائل والعظائم ما تصبو اليه نفسك". ولساعته توغل في البراري حتى وصل الى الدير الذي أوحي له أن يقيم فيه، فوجده آهلاً بعدد وافر من الرهبان، يدأبون في أعمال النسك والتقشف وعمل اليد، ويتناوبون الصلاة في كنيستهم ليلاً ونهاراً دون انقطاع، لا يقتاتون بسوى الخبز والماء. فارتاح زوسيما الى تلك الحياة النظامية السعيدة. وأخذ يواصل جهاده في ذلك الجو الصافي ويزداد كمالاً يوماً بعد يوم، وهو الذي لقي مريم المصرية التائبة في البرية وناولها الزاد الاخير.
وعاش زوسيما في ذلك الدير، مثابراً على أعمال النسك والقداسة، الى أن نقله الله اليه في السنة 525. صلاته معنا. آمين.
اليوم الرابع عشر
تذكار أرمنجلدوس الملك الشهيد
كان ارمنجلدوس بن ملك اسبانيا، وكان هذا الملك اريوسياً متعصباً. فأضحى أرمنجلدوس الشاب ملكاً على اشبيلية وما جاورها من بلاد اسبانيا. واقترن بأميرة فرنسية كاثوليكية تقية تدعى انداغندا. وكان يحبها ويحترمها جداً لما تحلت به من فضائل سامية، واخلاق شريفة. فما لبث ان نبذ الاريوسية عن يد القديس ليونردوس اسقف اسبانيا. وبتأثير المثل الصالح الذي كان يراه في زوجته الامينة الفاضلة.
فاستاء أبوه منه وكانت خالته اي امرأة ابيه الاريوسية توغر صدر أبيه عليه. فحاول الملك الأب بكل ما لديه من وسائل الوعد والوعيد ليرد ابنه الى الاريوسية، فذهبت محاولته عبثاً. فاستدعاه بحيلة الى بلاطه وطرحه في السجن. ثم أرسل اليه اسقفاً اريوسياً ليقنعه بالرجوع الى الاريوسية والخضوع لأمر أبيه. فأبى القديس بكل ثبات. فلعبت الخالة الشريرة دورها الاخير. فأرسل الملك جنوده الى السجن فضربوا رأسه بالفأس وقتلوه. فنال اكليل الشهادة سنة 586. وقام بعده اخوه ملكاً. فاعتنق المذهب الكاثوليكي. وبذلك كان اهتداء المملكة كلها الى الكثلكة. صلاته معنا. آمين.
وفيه ايضاً: تذكار القديس ارستركوس
كان ارستركوس تلميذاً لبولس الرسول ومن رفاقه الذين كانوا يلازمونه ويخدمونه. وقد شاهد المعجزات الباهرة التي جرت على يد الرسول. وقد ذكره مار بولس مراراً في رسائله. أقامه اسقفاً على تسالونيكي حيث احتمل عذابات كثيرة ورقد بالرب. صلاته معنا. آمين.
اليوم الخامس عشر
تذكار سابا الشهيد
كان سابا من أمّة الغطط الاشرار. ومنذ صباه، اعتنق الايمان المسيحي ورغب في الفضيلة سالكاً طريق الكمال الانجيلي. كان سريع الطاعة، متواضعاً فصيح اللسان، شجاعاً، لا يهاب أعداء الدين. وكان الغُطط يكرهون المسيحيّين ويضطهدونهم ويلزمونهم بأكل الذبائح المقدمة للاوثان. فحملت الغيرة هذا القديس على أن يصيح علانية: ان كل من يأكل من تلك الذبائح لا يُعد مسيحياً. فانصاع لكلامه كثيرون من المسيحيين. واستمروا ثابتين على ايمانهم صابرين على أشد العذابات.
ولما استؤنف الاضطهاد وأتى الحكام الى قرية سابا يسألون هل فيها مسيحيّون، وقف سابا أمامهم مجاهراً بكل شجاعة: انه مسيحي. فأمروه بأن يأكل من ذبائح الاوثان. فأبى بكل جرأة. حينئذ شدوا وثاقه. وأوسعوه اهانات وجراحاً. وهو ثابت على ايمانه، فحملوه الى النهر حيث خنقوه وطرحوه في الماء. فنال اكليل الشهادة في 12 نيسان سنة 372.
وفي هذا اليوم ايضاً: تذكار البابا سوتيروس
ولد هذا البابا في مدينة فوندي في ايطاليا. وصار خلفاً للبابا انيساتوس سنة 166. لقد دبر هذا البابا الكنيسة والكرسي الرسولي بكل غيرة وقداسة وامتاز بمحبته للفقراء والمصابين، ولم يكن يضن بمال ينفقه عليهم. وقد توفي شهيداً عام 174. صلاته معنا. آمين.
اليوم السادس عشر
تذكار البارّة اناسيما
كانت هذه ابنة ملك يحكم على خمس عشرة مدينة في مصر. وهي وحيدة لوالديها وربيت مثابرة على درس الكتب المقدسة، ولا سيما كتاب الانجيل الطاهر. مات ابوها وهي صبية، فهمّ ارباب الدولة بأن يقيموها ملكة مكانه. فانسلَّت من بيتها خلسة، وزهدت في الدنيا مرتدية اثواباً ذرية. ولم تأخذ معها سوى كتاب الانجيل المقدس. وسارت الى البرية، متوغلة الى ان بلغت غاباً كثيف الاشجار. فأقامت فيه ناسكة تناجي الله بالصلاة والتأمل وتقتات من أعشاب البرية، وبعض الأثمار نحو اربعين سنة. وكانت الوحوش تؤانسها، وتصغي اليها عند تلاوة الانجيل الذي شغفت بمحبته وكرست حياتها لخدمته. ثم الهم الله القديسة اناسيما ان تذهب الى دير بجانب نهر النيل فيه ثلاثمئة راهبة. فانضمت اليهن وتظاهرت بأنها بلهاء مجنونة زيادة لأجرها. ولذلك كانت تقاسي من الراهبات انواع الاهانات والشتم مدة طويلة وهي لا تتذمر.
وفي غضون ذلك كان الأنبا دانيال قد اشتهر بقداسته. فأوحي اليه ان يزور ذلك الدير حيث القديسة اناسيما. فجاء وعرفها وجثا أمامها طالباً صلاتها. فاندهشت الراهبات من عمله. فأخبرهن بأمرها ونسبها الملوكي. وسرد لهن قصتها. فالتحفن الخجل والندم على جهلهن من هي وأسرعن الى طلب المغفرة منها، فشق ذلك على القديسة، لاحتقارها المجد العالمي وتعلقها الشديد بفضيلة التواضع السامية. لذلك خرجت من الدير دون أن يعلم بها أحد ولا الى أين ذهبت وكيف انتهت حياتها. والمرجح انها رجعت الى البرية حيث كانت اولاً. وبقيت تواصل جهادها النسكي الى أن رقدت بالرب نحو سنة 379 وهي السنة التي توفي فيها القديس دانيال الذي كان واقفاً على سيرتها. فقصها على رهبانه حتى كتب بعضهم ترجمتها. صلاتها معنا. آمين.
اليوم السابع عشر
تذكار البابا أغابيطوس
ولد هذا البابا في روما. واسم أبيه غودريانوس. درس العلوم وامتاز فيها كما كان ممتازاً بفضائله. فأقيم خلفاً للبابا يوحنا الثاني في 3 حزيران سنة 535. ودامت حبريته نحو سنة. وقع خلالها حادثان هامان في تاريخ الكرسي الرسولي: الاول تدخل البابا في شؤون الملوك. الثاني بسط سلطانه على أعلى رئاسة كنائسية بعده. فالأمر الاول هو ذهاب البابا الى القسطنطينية. واقناع الملك يوستينيانوس بالعدول عن الحرب ضد تاوداتوس ملك الغُطط والقاء الصلح بينهما ونشر السلام بين الشرق والغرب.
أما الحادث الثاني فهو رفض البابا توسط الملك يوستينيانوس والملكة تاوادورا بشأن بطريرك القسطنطينية انتيموس الاوطاخي. فقد عقد البابا مجمعاً وحط البطريرك انتيموس عن كرسيه ورقى هو بيده القديس مينا الى مقام البطريركية القسطنطينية. وكان هذا اول بطريرك يرقيه البابا نفسه على كرسي عاصمة المشرق. وكتب هذا البابا الى البطريرك الاورشليمي يفهمه أن الاسقف الذي يقيمه البابا يجب ان يعتبر بمنزلة الذين يقيمهم القديس بطرس الرسول.
ومما يجب معرفته ان رهبان القديس مارون قدموا آنذاك عريضة الى القديس مينا البطريك والى ذلك المجمع، يعلنون شدة تمسكهم بالمعتقد الكاثوليكي ضد اتباع اوطيخا وساويروس وحمل عريضتهم هذه قاصدهم الراهب بولس الذي حضر المجمع، ووقع على أعماله.
وتوفي هذا البابا العظيم في 22 نيسان سنة 536. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثامن عشر
تذكار البارة تاسيا التائبة
ولدت تاسيا في الاسكندرية وكانت بديعة الجمال. فأمست شركاً لاقتناص الكثيرين الى الاثم. فألهم الله القديس بفنوتيوس أن يدعوها الى التوبة. فجاءها متنكراً وأخذ يبين لها فظاعة حالتها وسوء مصيرها، فتأثرت جداً ومست النعمة قلبها. فظهرت لها شناعة الخطيئة. فانطرحت كالمجدلية على قدمي القديس وسألته أن يفرض عليها كفَّارة تمحو خطاياها الكثيرة وأسرعت فأتت بكل ما لديها من الحلي والثياب الثمينة وأحرقتها أمام جمهور غفير فحبسها القديس في قليّة أوصد بابها وأمر الراهبات بأن يقدمن لها من نافذتها شيئاً من الخبز والماء. فقبلت تاسيا بملء رضاها هذه الكفّارة وعلمها مرشدها أن تردد بصلاتها "يا من جبلتني ارحمني". وبعد ان استمرت تاسيا على تويتها هذه ثلاث سنين، قبل الله توبتها عن يد القديس بفنوتيوس وانصرفت الى ربها بسلام سنة 350. صلاتها معنا. آمين.
اليوم التاسع عشر
تذكار البار طيمون الشماس
كان طيمون احد الشمامسة السبعة الذين اختارهم جمهور المؤمنين الاولين، بناء على طلب الرسل الاثني عشر للخدمة اليومية في الموائد. لكي يتفرغ الرسل للصلاة ولخدمة الكلمة، فصلوا ووضعوا عليهم الايدي، كما جاء في اعمال الرسل (6: 1- 6).
ولمّا تفرق الرسل وذهبوا للتبشير، أقيم الشماس طيمون معلماً في حلب. فبشر فيها أولاً، خادما كنيستها. ثم استأنف عمله، حتى بلغ قورنثيه فخدم كنيستها ايضاً. وهناك قام عليه اليهود الحسّاد واليونان مضطهدو اسم المسيح، فأسلموه للعذاب: طرحوه أولاً في النار فلم تؤذه. ثم أماتوه مصلوباً فنال اكليل الشهادة نحو أواخر القرن الاول للميلاد ودفن في قورنثيه بكل اكرام. صلاته معنا. آمين!
اليوم العشرون
تذكار البار نتنائيل الناسك
كان هذا البار ناسكاً في جبل النطرون في صعيد مصر. بنى له قليّة. وأقام فيها ونذر أنه لا يخرج منها حياته كلها. فأخذ الشيطان يحاربه ويخادعه بشتى الحيل ليخرجه من قليَّته، فكان ينتصر عليه بالصلاة والالتجاء الى الله. فجاءه مرة بزي صبي يسوق حماراً حاملاً خبزاً. فسقط الحمار تحت الحمل. وقد أدركه المساء في واد قريب من منسك القديس، فأخذ يستغيث صارخاً: يا أبانا نتنائيل، هلم لمساعدتي لئلا تفترسني الوحوش أنا وهذا الحمار. فأطل القديس من نافذته وبالهام الهي أجابه: ان كنت حقاً في ضيق، ايها الغلام، فأنا اسأل الله أن يرسل اليك من يساعدك وينجيك من الوحوش. وان كنت شيطاناً فليخزك الله. وللحال اختفى الصبي وحماره. وأغلق القديس باب قليته وقام مصلياً، شاكراً الله على نجاته من تجارب ابليس... واستمر محافظاً على نذوره، مثابراً على مناجاة الله وعلى ممارسة سائر الفضائل الى أن رقد بالرب في القرن الرابع للمسيح. صلاته معنا. آمين.
اليوم الحادي والعشرون
تذكار البابا بيوس الاول
ولد هذا البابا في أكويلا في البندقية. وخلف البابا هيجين برئاسة الكنيسة. فدبرها بكل غيرة مدة أربع عشرة سنة. وناضل ضد المبتدعين ورد الكثيرين من الوثنية الى الايمان القويم وقد شرف الكنيسة بجهاده واعماله البارة. رقد بالرب سنة 154. صلاته معنا. آمين.
وفيه ايضاً: تذكار الشهيدة جوليا البتول
كانت جوليا من مدينة قرطاجنة. أُسرت. فابتاعها رجل من سوريا اسمه اوسابيوس. فكانت جارية عنده تخدمه بكل نشاط وأمانة. وتحثُّ الخَدَم على ذلك. وتعلمهم قواعد الايمان المسيحي. مذكرة اياهم بوصية القديس بولس الرسول للعبيد نحو اسيادهم وكانت مثابرة على الصلوات والتأملات وقهر أميال الجسد بالاصوام والاماتات.
فجاءت يوماً مع مولاها الى جزيرة كورسيكا، حيث اشترك في حفلة تكريم اله الشجرة. فأبدت جوليا مقتها خرافات الوثنية مزدرية بها، فبلغ ذلك مسامع الوالي فاستحضرها وكلفها أن تشترك في ذبيحة الآلهة فيعتقها ويحررها. فأجابته بجرأة وصراحة:" انا حرة بايمان المسيح. ومعاذ الله أن أشتري الحرية بجحود معتقدي وإيماني". فصفعوها على فمها ووجهها حتى امتلأ فمها دماً وهي صابرة صامتة. ثم سحبوها بشعرها وجلدوها جلداً قاسياً، حتى تمزقت لحمانها، فتحملت ذلك بصبر عجيب. أخيراً صلبوها على خشبة. فابتهجت بأن تشابه فاديها الالهي بموتها على الصليب، حيث طارت روحها الطاهرة الى التمتع بالمجد السماوي مع العذارى الشهيدات. وكان ذلك في أواسط القرن الخامس. صلاتها معنا. آمين.
اليوم الثاني والعشرون
تذكار القديس تاودورس السيكاوي
ولد هذا البار في بلدة سيكا في آسيا الصغرى وتربى على خوف الله وحفظ وصاياه.
ثم زهد في العالم واباطيله، وآثر الحياة النسكية، يقهر جسده بالاصوام والتقشفات منحبساً في مغارة، وبذلك اشتهرت قداسته فرقي الى درجة الكهنوت وهو في الثامنة عشرة من العمر فازداد فضيلة وقداسة.
ثم ذهب الى زيارة الاماكن المقدسة وجال في برية فلسطين ودخل ديراً بالقرب من الاردن.
وبعد ذلك رجع الى وطنه شيخاً وتنسك في البرية، مواظباً على الاماتة والتوبة الصارمة، فانتشر صيت قداسته في تلك النواحي. ومنحه الله موهبة صنع المعجزات فأتاه الكثيرون يستنيرون بارشاداته، فأنشأ لهم ديراً وتولى ادارتهم. ثم عاد مرة ثانية لزيارة الجلجلة والارض المقدسة. وما لبث ان لزم ديره وخلوته هرباً من اكرام الناس له.
ثم رُقِّيَ الى درجة الاسقفية فقام يتفانى غيرة على مجد الله وخلاص النفوس. وان الكونت موريقيوس بعد انتصاره على جيش الفرس وسماعه بشهرة هذا القديس أتى لزيارته وطلب صلاته فتنبأ القديس له بانه سيصير ملكاً. وتمت النبوءة بالفعل وذكر موريقيوس الملك ما قاله القديس، فأرسل اليه كتاب شكر وست مئة كيل قمحاً. وبقي كل سنة يرسل اليه مثلها لتوزع على المعوزين.
ثم استقال هذا القديس من الاسقفية بعد عشر سنوات. وعاد الى ديره يخلوا الى الله بالتأمل في صفاته الالهية، الى أن نقله اليه في 22 نيسان سنة631. صلاته معنتا.آمين.
اليوم الثالث والعشرون
تذكار القديس جرجس الشهيد
ولد هذا القديس في مدينة اللد بفلسطين سنة 280 من اسرة مسيحية شريفة. توفي والده فربته أمه التقية تربية مسيحية صحيحة. ولما بلغ السابعة عشرة دخل في سلك الجندية وترقي الى رتبة قائد الف.
قال المؤرخ اوسابيوس في استشهاده: لما شدد ديوكلتيانس قيصر في اضطهاد المسيحيّين وأصدر بذلم أمراً علقه على جدار البلاط الملكي في نيكوميدية، تقدم جورجيوس ومزق ذلك الامر. فقبض عليه الوثنيون فشووه اولاً، ثم البسوه خفاً من حديد مسمراً بقدميه وسحبوه وراء خيل غير مروضة، فخلصه الله من ذلك كله، ثم طرحوه في أتون مضطرم فلم يؤذه، ولما رأى الملك ديوكلتيانوس هذا المشهد غائصاً في بحر من الدماء لا يئن ولا يتأوه أكبر شجاعته. وعز عليه ان يخسر قائد حرسه وابن صديقه القديم. فأخذ يلاطفه ويتملقه لكي يثنيه عن عزمه، فأحب جورجيوس أن يبدي عن شعوره بعطف الملك. فتظاهر بالاقتناع وطلب ان يسمح له بالذهاب الى معبد الاوثان. فادخلوه معبد الاله "ابلّون" باحتفال مهيب حضره الملك ومجلس الاعيان والكهنة بحللهم الذهبية وجمع غفير من الشعب. فتقدم جورجيوس الى تمثال ابلّون ورسم اشارة الصليب. وقال للصنم: أتريد أن أقدم لك الذبائح كأنك اله السماء والارض؟ " فأجابه الصنم بصوت جهير، كلا انا لست الهاً بل الاله هو الذي انت تعبده". وفي الحال سقط ذلك الصنم على الارض وسقطت معه سائر الاصنام. وعندها صرخ الكهنة والشعب: ان جورجيوس بفعل السحر حطم آلهتنا. فالموت لهذا الساحر. فصلبوه. ورموه بالنشاب حتى اسلم الروح. فطارت شهرة استشهاده في الآفاق شرقاً وغرباً. وأجرى الله على يده عجائب كثيرة باهرة وأخذ المسيحيّون منذ القرن الرابع يحجون الى ضريح الشهيد " اللابس الظفر"، فينالون بشفاعته غزير البركات والنعم.وقد رسم له المصورون صورة رمزية جميلة تمثله طاعناً برمحه شيطان الوثنية الممثل بالتنين، ومدافعاً عن معتقد الكنيسة الممثلة بابنة الملك السماوي. وقد شيدت على اسمه كنائس ومذابح في جميع الاقطار. واتخذته بريطانيا شفيعاً لها. ودعي كثير من ملوكها باسمه. ويكرمه الانكليز اكراماً عظيماً. وامتازت فرنسا أيضاً بتكريمه. واتخذته جمهورية جنوا في ايطاليا شفيعها الاول الاكبر. وجمهورية البندقية أنشأت فرقة رهبانية عسكرية على اسمه. صلاته معنا. آمين.
اليوم الرابع والعشرون
تذكار القديس سابا قائد الجيش
كان هذا البار مسيحياً من قبيلة الغطط وقائداً للجيش في روما. حملته غيرته على افتقاد المسجونين لاجل ايمانهم بالمسيح، مشجعاً اياهم على احتمال العذاب والثبات في ايمانهم. فعرف به الملك اورليانوس، وكان قد أثار الاضطهاد على المسيحيين، فألقى القبض عليه. فمَا كان من سابا القائد الباسل، الا ان نزع عنه منطقة الجندية بحضرة الملك، وجاهر بايمانه بالمسيح قائلاً: اني لافخر بأن اكون أميناً بخدمة ملكي السماوي، كماكنت أميناً بخدمة ملكي الارضي، وعلي اطاعة الاول قبل الثاني". فأمر به الملك فوضعوه على مشواة من حديد محمي، فاحتمل هذا العذاب، صابراً ثابتاً على عزمه. ثم ألقوه في قدر مملوءة زيتاً يغلي، فصانه الله من كل اذى. ولدى هذا المشهد العجيب آمن من عبدة الاصنام سبعون رجلاً. فعذبوهم، فأستمروا ثابتين على ايمانهم، فضربوا أعناقهم فطارت أرواحهم الى الاخدار السماوية. ثم ساقوا القديس سابا الى السجن حيث ظهر له السيد المسيح فعزاه وقواه على احتمال العذاب. وفي الغد استحضره الملك أمامه ثانية، وحاول اقناعه بالوعد والوعيد ليثني عن عزمه ويضحي للاوثان. فأبى بكل جرأة وشجاعة. فأمر الملك بقطع رأسه. فانضم الى رفقائه الشهداء متمتعاً معهم بالمجد السماوي سنة 271. صلاته معنا. آمين!
اليوم الخامس والعشرون
تذكار مرقس الانجيلي
كان القديس مرقس رفيق بولس الرسول في اسفاره واتعابه والتلميذ الخاص لبطرس الرسول. وكان مرقس من اورشليم حيث يقال ان المخلّص صنع الفصح في بيته. وهذا القديس هو يوحنا الملقب بمرقس الذي ورد ذكره مرات في اعمال الرسل، والذي رافق الرسل وشاركهم في الاسفار والتبشير.
ولما كان بطرس يعظ وبيشر بكلمة الرب في رومة، سأل المؤمنون تلميذه مرقس أن يدون البشارة التي يلقيها معلمه عليهم. فكتب لهم الانجيل المعروف باسمه حوالي السنة السادسة والاربعين للمسيح، كما تلقّنه من فم استاذه ووجّهه الى الامم باللغة اليونانية.
وبعد أن أقام القديس بطرس تلميذه مرقس اسقفاً على مدينة جبيل، كما يثبته التقليد القديم مضى الى مصر حيث بشر بالانجيل في عدة مدن الى أن قاده الروح القدس الى كنيسة الاسكندرية التي كان أول أسقف عليها. وعلى يده اهتدى الى الايمان بالمسيح اناس كثيرون.
وأنشأ القديس مرقس في الاسكندرية مدرسة نبغ فيها كثيرون من العلماء والاحبار والشهداء ومنهم القديس اثناسيوس وباسيليوس وغريغوريوس النزينزي.
ولما رأى عبدة الاصنام ما كان عليه القديس مرقس من النجاح في رد الوثنيين الى الايمان بالمسيح، حنقوا وائتمروا على اهلاكه. ففيمَا كان يحتفل بالاسرار المقدسة يوم أحد عيد الفصح المجيد، وثبوا عليه وربطوه بالحبال وأخذوا يجرونه في شوارع المدينة قائلين:" لنجر الثور الى الحظيرة". فتمزق جسده واصطبغت الصخور بدمائه، وهو يشكر الله الذي أهله الى الاشتراك في آلامه. ثم أودعوه السجن. وفي منتصف الليل جاء ملاك الرب يعزيه ويشجعه. وظهر له السيد المسيح يقويه ويهنئه باكليل الشهادة والمجد. وفي الغد استأنفوا التنكيل به الى ان فاضت روحه الطاهرة وذهبت ترتع في اخدار النعيم. وكان ذلك في 25 نيسان سنة 68 للمسيح.
وكنيسة جبيل التاريخية التي يفيد التقليد انها من عهد الرسل وقد رممها الصليبيون، هي على اسم القديس يوحنا مرقس. صلاته معنا. آمين!
اليوم السادس والعشرون
تذكار الشهيد باسيليوس اسقف آماسيا
كان هذا القديس اسقفاً على مدينة اماسيا في اقليم البنطس في ايام الملك ليكينيوس الذي كان يضطهد المسيحين ويسفك دماءهم انهاراً ويزاحم الملك قسطنطين الكبير على الملك. فألقى القبض على باسيليوس وبدأ يوبخه ويهدده بالموت ان لم يكفر بالمسيح ويضحي للاوثان. فأزدرى به القديس ولم يعبأ بتهديداته بل أخذ يبين له عن ضلاله وعن جوره في اضطهاد المسيحيين الآمنين وسفك دمائهم، وان الله سيعاقبه على معاصيه. فاستشاط الملك غيظاً وأمر به فضرب عنقه، ففاز بالشهادة والمجد السماوي وكان ذلك نحو سنة 322.
وقد تمت نبوءة هذا القديس الشهيد في الملك ليكينيوس، لان قسطنطين قد انتصر عليه ومات مقتولاً سنة 323.
وفيه ايضاً: تذكار البابا أناكليتوس الاول
كان هذا القديس من مدينة آثينا في بلاد اليونان. وقد اهتدى الى الايمان المسيحي على يد القديس بطرس الرسول الذي عمده وهذبه وعلمه حقائق الايمان، ثم رقاه الى درجة الكهنوت. وكان متقداً غيرة على خلاص النفوس، مزيناً بالعلم والفضيلة، حتى أهّل ان يكون خلفاً للبابا لينوس على السدة البطرسية. وهو الحبر الثالث بعد القديس بطرس. فدبر كنيسة الله بكل غيرة وقداسة، وردّ بتعاليمه كثيرين من الوثنيين الى الايمان القويم، وكان يشجع المؤمنين على احتمال الاضطهاد والثبات في ايمانهم. ولشدة محبته وتعلقه بمعلمه القديس بطرس، أقام على اسمه كنيسة صغيرة في الفاتيكان،وفوقها أنشئت فيمَا بعد، كاتدرائية القديس بطرس العظمى. وبعد ان أحسن ادارة الكنيسة مدة احدى عشرة سنة، نال اكليل الشهادة سنة 90. صلاته معنا.آمين.
اليوم السابع والعشرون
تذكار القديس سمعان بن حلفى اسقف اورشليم
كان سمعان ابناً لحلفى. اخوته يعقوب الصغير ويهوذا الرسول ويوسى، كما جاء في انجيل متى (13: 55).
وهو احد المبشرين الاثنين والسبعين.كان في اورشليم يوم هاج اليهود على أخيه يعقوب ايسقف اورشليم الاول ورموه من فوق جناح الهيكل فمات شهيداً. فأجمع الرسل على انتخاب أخيه سمعان خلفاً له. فأخذ يسوس رعيته بما تحلى به من حكمة وغيرة رسولية. وفي تلك الاثناء ثار اليهود على الحامية الرومانية فذبحوها، طمعاً باستقلالهم واعادة مجد آبائهم. ولم يدروا بمَا سيحل بهم. أما الاسقف سمعان فاستدرك الامر وعرف ما سينزل باروشليم من الخراب. فغادرها هو ورعيته كلها وذهب بهم الى شرقي الاردن حيث أقاموا آمنين.
وما لبث أن جاءت الجيوش الرومانية، فطوقت مدينة اورشليم سنة السبعين ودخلتها عنوة وعملت السيف في بنيها وقتلت منهم مئة الف والتهمت النيران هيكلها البديع. فتمت فيه نبوة السيد المسيح:" انه لا يترك ههنا حجر على حجر الا ويُنقَض" (متى 24: 2) فشكر المسيحيون الله على نجاتهم من سيف الرومانيين بفضل اسقفهم القديس سمعان. ولما هدأت الحال عاد هذا الاسقف مع رعيته الى اورشليم يواصل جهاده في خير أبنائه، نحو 35 سنة. فازداد عدد المؤمنين في أيامه.
وكان قد طعن في السن، وصار ابن مئة وعشرين سنة، يوم أثار ترايانوس الاضطهاد على اليهود والمسيحيين، فوشي بالقديس سمعان الى أنيكوس والي فلسطين. ولما لم ينل منه مأرباً، أمر به دون ان يحترم شيخوخته. فانزلوا به انواع الاهانات وأمر العذابات أياماً عديدة وهو صابر، يسبح الله. وأخيراً أمر الوالي بصلبه. فأسلم روحه الطاهرة على الصليب، مبتهجاً بأن يموت نظير سيده وفاديه الالهي. وكان ذلك في سنة 107. صلاته معنا. آمين!
اليوم الثامن والعشرون
تذكار الشهيدين ياسون وسوسيبتروس
ان هذين الشهيدين كانا تلميذين للقديس بولس، بل من انسبائه،كما جاء في رسالته الى الرومانيين (16: 21):" يسلم عليكم تيموتاوس معاوني ولوقيوس وياسون وسوسيبتروس، أنسبائي". وكانا من مدينة تسالونيكي ومقيمين فيها. وقد آمنا على يد بولس الرسول سنة 51 لما جاء الى تسالونيكي للمرة الاولى. نزل مع رفيقه سيلا ضيفاً كريماً على ياسون، كما جاء في اعمال الرسل (17: 1- 10).
وبعد أن آمن ياسون بالمسيح ترك كل شيء وتبع بولس في اسفاره، يساعده في التبشير في بلاد أخائيا وكورنتس. وقد أقامه بولس اسقفاً على طرطوس وطنه فتفانى غيرة على مجد الله وخلاص النفوس ورد كثيرون الى الايمان بالمسيح. ثم نال اكليل الشهادة في القرن الاول.
أما سوسيبتروس، فكان أيضاً رفيقاً للقديس بولس ونسيباً له كما ذكرنا. وقد ذهب معه الى اورشليم وشاطره أتعابه وأنواع الاضطهادات التي احتملها. وقد اقامه بولس الرسول اسقفاً على تسالونيكي. وقال بعضهم على قونية واستمر مجاهداً في بشارة الانجيل وربح للمسيح نفوساً كثيرة. ثم نال اكليل الشهادة في القرن الاول. صلاتهما معنا. آمين.
اليوم التاسع والعشرون
تذكار القديسة كاترينا السيانيّة
ولدت هذه القديسة في سيانا، احدى مدن ايطاليا سنة 1347. وكان أبوها يشتغل في صباغة الاقمشة، وامها من النساء الفاضلات. وكانت كاترينا منذ حداثتها تميل الى حياة الانفراد. فأخذت تمارس الصلوات والتأملات. وقد حباها الله برؤى سماوية وهي في السادسة من عمرها. وفي السابعة نذرت بتوليتها لله. كانت متعبدة للسيدة العذراء واتخذت يسوع خطيباً لها واعتقدت أنه سلمها خاتماً علامة الخطبة يحمل ثلاث جواهر، رمزاً للمشورات الانجيلية: الطاعة والعفة والفقر.
وقد أظهر لها يسوع قلبه وجراحاته الخمسة حتى انطبعت فيها. وكانت أمها تهتم بتزويجها. الا ان كاترينا قصت شعرها علامة الثبات في نذرها بتوليتها لله. فشق ذلك على أمها، فأنبتها واشغلتها بمهام البيت. انما ابوها جعلها تتفرغ لامر دعوتها. ولما بلغت الخامسة عشرة من عمرها، اتشحت بثوب الراهبات الثالثات واستمرت متشحة به وهي في بيت والديها. وقد ضاهت بحياتها القشفة اكابر النساك بمَا كانت تمارسه من الاصوام والتقشفات حتى الجلد ولبس المسح وزنار من حديد شائك.
ولما اصيحت في أسمى درجة من الكمال، كان الرب يتراءى لها ويعلمها ما تقصر عن معرفته اعاظم الفلاسفة واللاهوتيين. فكانت ترشد الجميع وتمارس افعال المحبة للقريب وتحسن الى الفقراء من ثروة والديها، وتخدم المرضى.
وقد شرفها الله بموهبة صنع المعجزات الكثيرة. ولشدة تأملها بآلامه، تراءى لها المسيح مصلوباً ونفذت انوار جراحاته في قلبها. كانت ترى بعين دامعة ما حل بالكنيسة من الانشقاق والتنازع فذهبت الى البابا غريغوريوس في أفينيون في فرنسا، بعد ان كتبت اليه رسالة ملؤها التوسل بالدموع. فأقنعته بالرجوع الى روما مع حاشيته. بعد أن أقامت البابوية في فرنسا نحو سبعين سنة (1309 – 1377). وكان الفضل لكاترينا ايضاً في اخماد نار الثورة في فلورنسا. وبمسعاها وكتاباتها الى الملوك والامراء في ايطاليا وفرنسا واسبانيا وانكلترا والمانيا، كان الاعتراف بالبابا اوربانوس السادس الشرعي ونبذ اكليمنضوس التاسع البابا الدخيل. واستدعاها البابا اوربانوس السادس، فقامت تخطب فيمجمع الكرادلة، وتبيّن لهم بفصاحة عن سلوك العناية الربانية في تدبير الكنيسة. ورغماً عن كل ما كان لها من شأن ونفوذ لدى عظماء الدنيا ومدح وثناء على ألسنة الناس، كانت تتستر وراء حجاب الوداعة والتواضع.
وبعد أن أكملت شوطها النبيل في مثل هذا الجهاد البطولي والشريف، رقدت بالرب في روما في 25 نيسان سنة 1380 مملوءة قداسة وفضلاً، وهي لم تتجاوز الثالثة والثلاثين من العمر. ولها كتابات قيمة اهمها كتاب "العلم الالهي". وقد احصاها البابا بيوس الثاني بين القديسين عام 1461. صلاتها معنا. آمين!
اليوم الثلاثون
تذكار القديس يعقوب الرسول الملقب بالكبير
هو ابن زبدى وصالومي واخو يوحنا الانجيلي الحبيب، من بيت صيدا في الجليل وطن بطرس الرسول.
قال مرقس الانجيلي (1: 19):" وفيمَا كان ماشياً على شاطئ بحر الجليل... رأى يعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما وللوقت تركا اباهما زبدى في السفينة مع الاجراء وتبعاه".
ولازم يعقوب الرب يسوع وشاهد جميع أعماله ومعجزاته وكان الرب يشمله مع اخيه يوحنا ومع بطرس بعطفه الابوي الخاص ودعاهما ابني الرعد كما دعا سمعان بطرس الصخرة (مرقس 9: 1و2) وأخذهم معه ليلة الامه وصلاته في بستان الزيتون.
على أن يعقوب ويوحنا قد استحقا توبيخ المعلم ايضاً يوم سألاه أن تنزل نار من السماء تأكل السامريين الذين لم يقبلوه، فالتفت وزجرهما.
وقد شاهد يعقوب الرسول الرب يسوع بعد قيامته ويوم صعوده وامتلأ من الروح القدس يوم العنصرة. بشر في اليهودية والسامرة وسوريا. وروى أنه بشر ايضاً في اسبانيا حيث ظهرت له سيدتنا مريم العذراء وهو يصلي.
وبينما كان ينذر اليهود ويؤنبهم لعدم ايمانهم بالمسيح، وثب عليه احدهم وشد عنقه بحبل فساقوه الى هيرودوس اغريبا حفيد هيرودوس الكبير. فلقيه في الطريق رجل مخلع تضرع اليه، قشفاه باسم يسوع الناصري. وعند هذه الآية، آمن يوشيا وهو أول من قبض على يعقوب، فانطرح على قدمي الرسول، مستغفراً ومعلناً ايمانه بالمسيح، فهاج اليهود عليه وطلبوا قتله. فخاف هيرودوس الملك من فتنة. لذلك أمر بضرب عنق يعقوب ويوشيا معاً. فنالا اكليل الشهادة سنة 44 للميلاد. صلاته معنا. آمين!