يا بُنَيَّ، إِن أَقبَلتَ لِخِدمَةِ الرَّبِّ فأَعْدِدْ نَفْسَكَ لِلمِحنَة (سي 2/ 14)
تشرين الاول - السنكسار الماروني
شهر تشرين الاول
ايام هذا الشهر 31 يوماً، ساعات نهاره 11 ساعة، وساعات ليله 13 ساعة.
اليوم الاول
تذكار القديس حننيا الرسول
هو احد المبشرين الاثنين والسبعين واسقف دمشق. وهو الذي عمَّد، بأمر الله، شاول المضطهد، كما جاء في اعمال الرسل:" وكان بدمشق تلميذٌ اسمه حننيا، فقال له الرب في الرؤيا: قم فانطلق الى الزقاق الذي يسمى القويم والتمس في بيت يهوذا رجلاً من طرطوس، اسمه شاول، فهوذا يُصلِّي. فاجاب حننيا:" يا رب، اني قد سمعتُ من كثيرين عن هذا الرجل، كم من الشر صنع بقديسيك في اورشليم وله ههنا ايضاً سلطان، من قبل رؤساء الكهنة، أن يوثق كلَّ من يدعو باسمك". فقال له الرب:" انطلق، فان هذا لي إناءٌ مختار ليحمل اسمي أمام الامم والملوك وبني اسرائيل".
فمضى حننيا ودخل البيت ووضع يديه عليه قائلاً:" يا شاول أخي، ان الرب يسوع الذي ترآءى لك في الطريق، وانت آتٍ فيها، ارسلني لكي تُبصر وتمتلىء من الروح القدس". وللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشر، فعاد بصره فقام واعتمد ( اعمال 9: 10 -19).
وقد رافق حننيا بولس، مدة اقامته في دمشق. وكان دليلاً له في دخوله وخروجه مع التلاميذ. وتسامى هذا القديس بالفضائل، ولا سيما الوداعة والغيرة على التبشير بالمسيح في دمشق التي اقيم عليها اسقفاً، وفي غيرها من المدن.
وبعد ان ردّ الكثيرين الى الايمان بالمسيح، القى عليه الحاكم ليكينيوس وجلده جلداً عنيفاً باعصاب البقر. ثم امر برجمه فمات شهيداً، سنة السبعين للمسيح. ولم يزل التقليد القديم يدل المؤمنين على ضريحه في دمشق، فيزورونه وينالون بشفاعته النعم والبركات. صلاته تكون معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً:
تذكار القديس ريميجيوس (Rémi)
ولد هذا القديس سنة 437، في قرية سيرني ( Cerny) بفرنسا، من ابوين تقييَّن. وما ترعرع حتى تسامى بالفضيلة والعلم. وبعد ان ارتسم كاهناً انتُخب اسقفاً على مدينة ريمس. فانكبَّ على الصلاة والجهاد ونصَّر الكثيرين. واجرى الله على يده آيات كثيرة، اهمها ارتداد كلوفيس ملك فرنسا وشعبه من الوثنية الى الايمان بالمسيح. فكان كلوفيس اولَ ملك مسيحي على فرنسا.
وكان كلوفيس يجل الاسقف القديس جداً ويأخذ بآرائه في كل امر هام. وقد امده بالمال الكثير لاجل الكنائس والفقراء. واقامه البابا هرمسدا رئيساً على اساقفة فرنسا.
له بعض تفاسير للاسفار المقدسة. وقد ابتُلى في آخر أيامه بفقد البصر، فاعتصم بالصبر الجميل، مثابراً على التأمل والصلاة الى ان رقد بالرب نحو سنة 533.
صلاته معنا. آمين!
اليوم الثاني
تذكار الشهيدين قبريانوس ويوستينا البتول
ولد قبريانوس في مدينة انطاكية من اسرة وثنيَّة وجيهة شريفة. وتخصَّص، منذ الصِّغر، لعبادة الاصنام وفنّ السحر. يقتل الاطفال ليقدمهم ذبيحة للشيطان. واستمر على هذه الحال نحو ثلاثين سنة. وبما انه كان شفوقاً على الفقراء، شفق الله عليه، فانتشله من لُجَّة الكفر.
كان الشاب اغلاوس الوثني قد أغرم بجمال فتاة تدعى يوستينا. فاراد ان يتزوجها، فأبت واجابت انها مخطوبة ليسوع المسيح. فلجأ الشاب الى قبريانوس الساحر، بلوغاً الى مراده. فأخذ هذا يستعمل كل ما لديه من وسائل السحر، لكنه باءَ بالفشل. واقرَّ الشياطين بعجزهم.
عندئذ قال قبريانوس:" اني لجاهل، فان كانت ابنة مسيحية ضعيفة تنتصر على الابالسة بمجرد الصلاة وعلامة الصليب، فماذا تكون إذن، قدرة اله المسيحيين؟" ولساعته عزم على التعبد لهذا الاله الذي تعبده يوستينا. وطلب من افتيموس اسقف انطاكية ان يؤهِّبه لقبول سر العماد المقدس. فاعتمد، بعد ان أخذ بتعاليم الانجيل السامية، وتاب توبة صادقة.
جمع كتبه السحرية واحرقها امام الاسقف وجمهور من العلماء والشعب ففرحت به يوستينا فرحاً عظيماً، واخذت تصلِّي لثباته في ايمانه. وباعت حُلاها واملاكها ووزعت ثمنها على الفقراء واقتدى بها الشاب اغلاوس، فآمن واعتمد وعاش حياة صالحة. كما رجع الكثيرون من الخطأة الى التوبة، ومن الوثنيين الى الايمان بالمسيح، كما ذكر قبريانوس في كتاب اعترافاته.
امر الملك ديوكلتيانوس، عندما جاء الى نيقوميدية بتعذيبهما وضربهما بالسياط بقساوة وحشية. ثم القاهما في خلقين من نحاس مملوءة زفتاً يغلي. فصانهما الله من كل اذىً. فظنَّ احد السحرة ان ذلك من سحر قبريانوس القديم. فدخل تحت الخلقين، واحترق حالاً وبانت قدرة اله المسيحيين. فخاف الحاكم من ثورة الشعب، فارسل الشهيدين الى نيقوميدية، عند ديوكلتيانوس واخبره بما جرى، فأمر بقطع رأسيهما فتكلَّلا بالشهادة نحو سنة 304. ونُقلت ذخائرهما الى روما ودُفنت في كنيسة القديس يوحنا لاتران. صلاتهما تكون معنا. آمين!
اليوم الثالث
تذكار القديس ديونيسيوس الاريوباغي
ولد ديونيسيوس في مدينة آثينا. وكان من اعظم فلاسفة عصره، يتحرّى الحقيقة ضالتهُ المنشودة. ولما دخل بولس الرسول اثينا وقف في محفل اريوس باغوس، حيث مجتمع القضاة والعلماء وجمهور الشعب واندفع يبيّن لهم، بفصاحته المعهودة، عن الاله الحقيقي خالق السماوات والارض، الذي لا يحلُّ في هياكل مصنوعة بالايدي، آمن اناس ومنهم ديونيسيوس الاريوباغي (اعمال 17: 22 – 24). اقتنع بحقيقة الدين المسيحي، وثبت في ايمانه. ونزل بولس في بيته، حيث اخذ يعلِّم المؤمنين قواعد الايمان ويعمدهم. واتخذه بولس مساعداً له في التبشير، ثلاث سنوات. اقامه بولس اسقفاً على اثينا، فكان، على مثال معلمه، كلاً للكل، بغيرته الرسولية وشقفته على الفقراء والمساكين.
ويروى عنه انه حظي برؤية سيدتنا مريم العذراء، وأخذ بانوار طلعتها السنيَّة، فقال:" لو لم اعتقد ان الله واحد، لا إله سواه، لكنت سجدت لها وعبدتها، كإلاهة الجمال والكمال".
ولم ينفك عن التبشير بكلمة الله، الى ان كلَّل جهاده بسفك دمه لاجل المسيح في سنة 95 للميلاد. صلاته تكون معنا. آمين!
وفي هذا اليوم أيضاً:
تذكار القديسة تريزيا الطفل يسوع
ولدت ترازيا سنة 1873، في مدينة ألانسون بالنورمندي، في فرنسا، من أبوين متمسِّكين بالدين المسيحي. ومن صغرها تعشقَّت الفضيلة ومحبة الله. وفي الرابعة عشرة من عمرها، رغبت في اللحاق بشقيقاتها الكرمليات الثلاث في دير ليزيو، لكنها لم تحصل على مرغوبها، لصغر سنها، فلجأت الى البابا لاوون الثالث عشر، والحَّت عليه، فأمر بقبولها في الدير.
بلغت شأواً بعيداً في مضمار القداسة، عاكفة على الصلاة والتأمل وممارسة جميع الفضائل واخصها المحبة والتواضع، وقد جُنَّت في محبة الطفل الالهي وكانت تقول: ان طريق القداسة، هي طريق المحبة.
ولكثرة ما كانت تأتيه من الاماتات والتضحيات، والقيام بالخدمة الديرية، على رغم ضعف مزاجها، مرضت مرضاً ثقيلاً، ومن على صليب الآلام طارت نفسها البارة الى الاتحاد بعريسها الالهي في الاخدار السماوية، في 31 ايلول سنة 1897، ولها من العمر 24 سنة. ومن سمائها امطرت الارض يغيوث النعم. واحصيت في مصاف القديسين سنة 1925. صلاتها تكون معنا. آمين!
اليوم الرابع
تذكار القديس بطرس الشهيد
كان الشاب بطرس مسيحياً من مدينة لمبساك في البنطوس، كريم الاخلاق، لطيفاً تقياً، يحبه مواطنوه ويجلّونه. سأله الوالي عن ديانته فاجاب، بكل جرأةٍ، انه مسيحي. فامره بان يخضع لاوامر الملك ويضحِّي للآلهة. فاجاب: ومن هي تلك الإلهة؟ - قال الوالي: هي الزهرة. فاجاب القديس:" انني لاعجب كيف تطلب مني ان اقدم الذبيحة والسجود لامرأة زانية، وكل سجود انما لا يليق الا لربي والهي يسوع المسيح".
فغضب الوالي، وامر الجنود فمزَّقوا جسده بالمجالد، وكسروا عظامه، وهو صابر، يسّبح الرب ويقول: اشكرك، يا يسوع الهي الحي، لانك اهَّلتني لان اسير وراءك في طريق الجلجلة لانال نعمة الاستشهاد. وما انتهى من صلاته، حتى فاضت روحه الطاهرة، سنة 250. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً:
تذكار القديس فرنسيس الاسيزي الكبير
ولد فرنسيس عام 1179، في مدينة أسّيزي بإيطاليا. ولما شبَّ انقاد لاميال الجسد وشهواته، إلاَّ انه كان شفوقاً على الفقراء، فنظر الله اليه بعين الشفقة، وانار عقله واولاه نعمة التوبة الصادقة.
سمع ذات يوم صوتاً يقول له:" يا فرنسيس اسنُد بيعتي". فلم يفهم معنى هذا الصوت. واخذ يزيد ويُفرط في الاحسان الى المساكين، حتى ضجَّ ابوه منه فحرمه الميراث وسرَّحه. فاتشح ثياباً رثَّة، ومشى حافي القدمين، ممارساً اعمال التوبة الشاقة والرسالة، يعظ الناس بالمثل اكثر منه بالكلام، فتبعه كثيرون. فبنى لهم ديورة ووضع لهم القوانين، متسامياً بالفضائل ولا سيما بفضيلة التواضع العميق. فمنحه الله صنع العجائب.
أثبت له البابا انوريوس القانون ببراءة رسمية. فتعزَّى القديس فرنسيس بان رهبنته قد تعززت ونمت وانتشرت. وكان على صداقة متينة مع القديس عبد الاحد، يتعاونان على خلاص النفوس وخير الكنيسة.
وبعد ان اتمَّ هذا القديس جهاده، رقد بالرب سنة 1224، وله من العمر 45 سنة. وقال فيه البابا غريغوريوس العاشر ان جراحات المسيح انطبعت في يديه ورجليه وجنبه. صلاته تكون معنا. آمين!
وفي هذا اليوم أيضاً:
تذكار القدجيسة تريزيا افيلا الكبيرة
ولدت في افيلا من اسبانيا عام 1515. انشأت الرهبنة الكرملية. تركت تآليف ورسائل قيمة. توفيت عام 1582.
صلاتها معنا. آمين.
اليوم الخامس
تذكار القدجيس بولس البسيط
ولد هذا القديس في صعيد مصر ولقِّب بالبسيط لنقاء سريرته وجهله القراءة. اقترن بفتاة، وهو يجهل سوء مسلكها. ولما تحقق خيانتها، تركها وشأنها وفرَّ الى البرية سائحاً، حتى بلغ صومعة القديس انطونيوس أب الرهبان، فأيقن ان العناية الالهية قادته الى كوكب البرية ليستضيء بنور تعاليمه. فلم يقبله انطونيوس إلا بعد ان تحقق دعوته الى الطريقة النسكية التي كان يطلبها بالتوسل وذرف الدموع. وظلَّ منعكفاً على الصلوات والتأملات وانواع التقشف، حتى رآه القديس انطونيوس اهلاً للانفراد بصومعة وحده. ومنحه الله صنع الآيات كشفاء الامراض وطرد الشياطين، الى ان رقد بالرب في القرن الرابع. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً: تذكار القديسة خريستينا البتول
كانت خريستينا فتاة مسيحية في البنطوس، جارية لرجل وثني، وقد نذرت بتوليتها للسيد المسيح. ولم تكن أقل امانة لمولاها الذي كان مرتاحاً الى قيامها بجميع واجباتها الزمنية والدينية. ولما ثار الاضطهاد، امر دوميطيوس والي البنطوس بالقاء القبض على خريستينا واخذ يتملقها لكي تكفر بالمسيح. اما هي فأبت الا الثبات على ايمانها. فامر بتعذيبها، فجلدوها جلداً عنيفاً وحلقوا شعر رأسها وكووها بالحديد المحمي وهي صابرة. ثم القوها في النار فلم تحترق. وطرحوها في البحر، فخرجت منه سالمة تسَّبح الله. وقطعوا لسانها، فبقيت تتكلم. واخيراً شدّوها الى عمود ورموها بالنبال فأسلمت روحها بيد الله، في السنة 304. صلاتها معنا. آمين.
اليوم السادس
تذكار القديس توما الرسول
توما الملقَّب بالتوأم كان من الجليل نظير سائر الرسل. دعاه الرب فلبَّى الدعوة تاركاً كل شيء. لازم معلمه الالهي مستميتاً في حبه. ولما كان اليهود يطلبون رجم يسوع اظهر توما شدة تعلقه بمعلمه، فقال للتلاميذ اصحابه:" لنذهب نحن أيضاً ونمت معه" ( يوحنا 11: 16). وفي ليلة العشاء السرِّي عندما قال السيد المسيح:"انتم عارفون الى اين اذهب وتعرفون الطريق" ابتدره توما بهذا السؤال:" يا رب، لسنا نعرف الى اين تذهب وكيف نعرف الطريق؟" – اجابه يسوع بهذه الآية الخالدة:" انا الطريق والحق والحياة، لا يأتي أحد الى الآب إلاّ بي"(يوحنا 14: 5 -6).
وبعد القيامة قال التلاميذ لتوما: اننا قد رأينا الرب، فقال لهم:" ان لم أعاين أثر المسامير في يديه واضع إصبعي في موضع المسامير واضع يدي في جنبه، لا اؤمن". شكَّ توما وقد يكون الشك سبباً لاظهار الحقيقة. وبعد ثمانية ايام اتى يسوع ووقف في الوسط وقال: السلام لكم. " ثم قال لتوما: هاتِ إصبعك الى ههُنا وعاين يديَّ وهات يدك وضعها في جنبي. ولا تكن غير مؤمن، بل مؤمناً". فانطرح توما على قدمي يسوع وقال:" ربي والهي". فقال له يسوع:" لانك رأيتني، يا توما، آمنت فطوبى للذين لم يروا وآمنوا". (يوحنا 20: 19 – 29).
بهذا الايمان الراسخ قام توما يبشر بالانجيل في اليهودية، نظير الرسل. ثم سار الى الشرق، كما يقول الاباء، والتقى بالمجوس الذين كانوا اتوا الى بيت لحم وسجدوا للطفل الالهي، فعمّدهم وعاونوه في التبشير في بلدانهم. وجاء الرسول الى الحبشة، حيث جعل في اولئك القوم السود الوجوه قلوباً بيضاء بماء المعمودية، كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم.
ثم تابع سيره الى الفرس حتى الهند التي دخلها، كما يقول سمعان متفارستي، يبشر ويعمِّد ويقيم الاساقفة والكهة، ويرد الكثيرين الى الايمان بالمسيح. وبينما كان يصليّ يوماً، هاجمه كهنة الاصنام ورجموه بالحجارة وطعنوه بحربة في عنقه، ففاز باكليل الشهادة في السنة 57 للمسيح. صلاته تكون معنا...
اليوم السابع
تذكار الشهيدين سرجيوس (سركيس) وباخوص
ان هذين الشهيدين كانا من اشراف المملكة الرومانية واخلص الجنود لها. انتصرا في الحرب التي شنَّها الرومان على الفرس سنة 297 فجعلهما الملك مكسيميانوس من اعضاء ديوانه. فيوم عيد الاصنام في مدينة افغوسطيا ببلاد سوريا الشمالية، دعاهما الملك للاشتراك في هذا الاحتفال فرفضا معلنين انهما مسيحيان وديانتهما تحظِّر عليهما تقديم الذبائح لاصنامٍ ليست سوى حجارة صَمَّاء لا يرجى منها خير. فغضب الملك وامر بنزع شارات الشرف عنهما والباسهما ثياباً نسائية للهزء والسخرية. فصبرا على هذه الاهانة بايمان راسخ، وصرَّحا بقولهما:" ان لنا ملكاً ازلياً، هو المسيح ابن الله، اياه نعبد وله وحده نقرِّب كل يوم ذبيحة مقدسة حيَّة".
عندئذ امر الملك بان يُساقا الى انطوخيوس القائد الذي كان، من عهد قريب، يأتمر بامرهما. وكان سرجيوس قد احسن الصنيع اليه. شرع يتهددهما تارةً ويتملقهما اخرى، لكن على غير طائل، فاستشاط غيظاً وبدأ بباخوص، فأمر به فجُلد جلداً وحشياً حتى اسلم الروح، غافراً لمن أساء اليه.
اما سرجيوس فأعاده الى السجن ريثما يُنظر بامره. فظهر له في تلك الليلة رفيقه الشهيد باخوص، يعزيِّه ويشجعه. ثم اخرجه انطيوخوس من السجن وامر بان يساق امام مركبته، ماشياً، بعد ان توضع مسامير مسننة في حذائه. فسار الشهيد عشرين ميلاً والدماء تسيل من رجليه وهو صابر يقول:" ما اطيب العذاب في سبيل من قاسى لاجلنا امرَّ الآلام والموت صلباً". فاندهش انطوخوس وامر بضرب عنقه فحنى سرجيوس البطل رأسه للسيف متهللاً فائزاً باكليل الشهادة، سنة 307. صلاتهما معنا. آمين.
اليوم الثامن
تذكار القديسة بلاجيا التائبة
بلاجيا فتاة وثنية من مدينة انطاكية رائعة الجمال، شغوفة بتمثيل الروايات والرقص. كانت تختال في الشوارع لاقتناص قلوب الشبان والرجال. فما وقع نظر نونس اسقف بعلبك، يوم كان في انطاكية، على ذلك المشهد، حتى اخذ منه الغم كل مأخذ، فبكى وقال لاخوته الاساقفة: نأسف ان نرى هذه المرأة تبذل جهدها في اقتياد النفوس الى الهلاك، ونحن متقاعدون عن القيام بالواجب.
يوم الاحد اعتلى الاسقف المنبر، في الكنيسة، مبيناً مصير المشككين يوم الدين الرهيب، اذا لم يرجعوا الى الله بتوبة صادقة. وكانت بلاجيا بين السامعين، فأثر هذا الكلام في نفسها ومسَّت النعمة قلبها. فلساعتها اسرعت الى مقابلة الاسقف نونس وسألته ان يقبلها بين التائبين الموعوظين. ففرح ذلك الراعي الصالح برجوع النعجة الضالة الى الحظيرة. وبعد ان وثق بصدق توبتها، عمَّدها وثبَّتها وناولها القربان الاقدس.
هجرت العالم بعد ان وزعت اموالها على الكنائس والمساكين. وذهبت الى زيارة الاماكن المقدسة وقامت على جبل الجلجلة منطرحة كالمجدلية على قدمي المصلوب تبللهما بدموع الندامة. ولبست لبس الرجال واتخذت اسم بلاجيوس، واعتزلت في مغارة، عند جبل الزيتون، منعكفة على النسك والصمت والصلاة. واشتهرت قداستها، حتى اصبح بلاجيوس الناسك حديث الناس.
وفي تلك الاثناء جاء الى اورشليم من هليوبوليس (بعلبك) يعقوب شماس الاسقف نونس. وسمعهم يطنبون بقداسة بلاجيوس وعيشته النسكية الغريبة، فزاره فوجده ميتاً في كهفه، مجلَّلاً بنور سماوي. واذ جاء الحبساء والرهبان ووجدوا انه امرأة، دُهشوا ومجدوا الله الذي قواها لتعيش تلك الحياة القشفة العجيبة. عندئذ عرف الشماس يعقوب انها بلاجيا التي تابت عن يد سيده الاسقف نونس في انطاكية. وجاء يخبره بامرها فامر الاسقف بكتابة سيرتها لتكون اسطع برهان على قوة النعمة الالهية في النفوس وخير مثال للتائبات والتائبين مدى الاجيال. وكانت وفاتها في السنة 457. واجرى الله على يدها آيات كثيرة. صلاتها معنا. آمين...
اليوم التاسع
تذكار القديس يعقوب الرسول ابن حلفى واخي الرب
كان يعقوب من سبط يهوذا ومن قانا الجليل، ابوه كلاوبا او حلفى وامه مريم ابنة عم او ابنة خالة العذراء ام يسوع. لذلك دُعي أخا الرب، لأن اليهود كانوا يسمون الاقرباء الأدنين "أخوة". وقد ذُكر هو واخوه يهوذا او تدّاوُس بين الرسل الاثني عشر (لوقا 6: 15و16) وقد لقَّب بالصغير، تميزاً له عن يعقوب الكبير الرسول ابن زبدى اخي يوحنا.
وكان هو وبطرس ويوحنا معتبرين كأعمدة الكنيسة، كما يقول مار بولس (غلاطية 2: 9). ويذكر مار بولس أيضاً: ان الرب يسوع تراءى ليعقوب خصوصاً، كما ترآءى لكيفا ولسائر الرسل (1كور15: 7). ولما تفرَّق الرسل للبشارة، بقي هو وحده في اورشليم كما صرّح مار بولس (غلاطية1: 18).
بعد العنصرة، اخذ يعقوب يبشر بالانجيل في اورشليم وجوارها. وقد أهين وضرب وسجن كسائر الرسل وكان صابراً مسروراً. ثم اقيم اسقفاً على اورشليم، فكان ذلك الراعي الصالح لتلك الكنيسة الاولى، ام الكنائس، يبذل نفسه عن رعيته ويرد الكثيرين الى الايمان بالمسيح.
وكان في حياته مثلاً للنسك والتقشف والبرارة.
فحسده رؤساء الكهنة، وفي مقدمتهم حنان، وعملوا على قتله. فاصعدوه الى جناح الهيكل وسألوه عن رأيه في المسيح، فجاهر قائلاً: انه ابن الله الوحيد الجالس عن يمين الله. وسوف يأتي ليدين الاحياء والاموات. فطرحوه الى اسفل، فتكسرت اعضاؤه واشرف على الموت. فرفع عينيه الى السماء، غافراً لهم، كما فعل الرب يسوع واستفانوس اول الشهداء، وقال:" يا رب، لا تُقم عليهم هذه الخطيئة". وبعد ان رجموه بالحجارة ضربه احدهم بمطرقة على رأسه، ففاضت روحه الطاهرة، في عيد الفصح في العاشر من نيسان سنة 62.
وله اعظم فضل بوضعه الليتورجيا الاولى للقداس، المعروفة باسمه، وعنها صدرت جميع الليتورجيات. ورسائله هي الاولى بين رسائل الكاثوليكية، بها يبين وجوب المحبة والاحسان ولزوم الايمان المقرون بالاعمال. ويصرِّح عن سر مسحة المرضى (يعقوب 5: 14و 15) صلاته تكون معنا. آمين!...
اليوم العاشر
تذكار الشهيدين اولمبيوس واخته اولمبيا ورفقائهما
كان اولمبيوس واخته اولمبيا من اشراف مدينة نيكوميدية ومن المسيحيين العاكفين على الصلاة وممارسة الفضائل. اما اولمبيوس فكان منفرداً في البرية يوم أثار ديوكلتيانوس الظالم الاضطهاد العاشر المريع واجرى دماء الشهداء انهاراً في نيكوميدية. اشتعل قلب اولمبيوس غيرة وشوقاً الى سفك دمه أسوة باخوته الشهداء، مجاهراً بكل جرأةٍ بايمانه بالمسيح. فقبض عليه الوالي، ولما رآه يزداد جرأةً في ايمانه ويسخر بعبادة الاصنام، امر بجلده جلداً عنيفاً، فكان صابراً شاكراً الله على نعمة الاستشهاد. ولما عرفت به اخته اولمبيا اسرعت اليه وهو على آخر رمق وعانقته، مجاهرة بانها لا تريد الانفصال عنه، بل ان تموت معه لاجل المسيح الفادي الالهي. فاستشاط الوالي غيظاً وامر بهما فطرحوهما في خلقين زفت مغلي فكانا فيه كأنهما في الماء البارد وخرجا منه سالمين يسبحان الله القادر على كل شيء.
فاندهش الحاضرون من هذا المشهد وآمن منهم كثيرون وأحنوا رؤوسهم للسيف، راغبين في الاستشهاد مع اولمبيوس وشقيقته حباً للاله صانع العجائب. فضُربت اعناقهم جميعاً وفازوا باكليل الشهادة سنة 303. صلاتهم تكون معنا. آمين!
اليوم الحادي عشر
تذكار القديس فيلبّس الشمّاس
ولد هذا الرسول في قيصرية فلسطين وهو احد الشمامسة السبعة الذين اختارهم المؤمنون عملاً باشارة الرسل الاثني عشر، ووضع هؤلاء عليهم الايدي لكي يقوموا بتوزيع الخيور على الارامل والمحتاجين، فينصرف الرسل الى الصلاة وخدمة الكلمة. ولما ثار الاضطهاد على الكنيسة في اورشليم، تبدد التلاميذ والمؤمنون في بلاد اليهودية والسامرة، ما عدا الرسل. فنزل فيلبس مدينة سامرية وجعل يكرز بالمسيح وكان الناس يُصغون بقلبٍ واحد الى ما يقوله فيلبس، لانهم رأوا المعجزات. فعم المدينة فرحٌ عظيم واعتمد كثيرون (اعمال الرسل 8).
وانطلق فيلبس بأمر الله، نحو الجنوب. وفي طريقه التقى برجل حبشي خصيّ، له منزلته عند ملكة الحبشة، فردّه الى الايمان بالمسيح وعمّده. فكان ذلك الرجل خير مبشر بالانجيل في الحبشة.
وبعد أن بشَّر فيلبس في آسيا وردَّ كثيرين الى الايمان بالمسيح، رجع الى قيصرية، حيث زاره القديس بولس، بعد رجوعه الى اورشليم، ونزل في بيته ضيفاً كريماً...
ولا يذكر التاريخ زمن وفاته ومحلها، غير ان التقليد الكنسي يفيد انه توفي في قيصرية، ممتلئاً فضلاً وقداسة. صلاته معنا. آمين!
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار المجمع المسكوني الاول النيقاوي
انعقد هذا المجمع سنة 325 وترأسه نواب البابا القديس سلفسترس وهم فينُس ومنصور الكاهنان الرومانيان وايوسيوس اسقف قرطبة في اسبانيا. وحضر جلسة الافتتاح الملك قسطنطين الكبير. وكان انعقاد هذا المجمع ضد اريوس وتبَّاعه القائلين بان الابن غير مساوٍ للآب في الجوهر وانه انسان مخلوق ليس الهاً. ولمَّا لم يرعو اريوس عن ضلاله، حرمه آباء المجمع وقرَّروا الوهيَّة السيد المسيح وان له وللآب جوهراً واحداً. واضافوا هذه الحقيقة الايمانية الى قانون الايمان الذي وضعه الرسل، وهي: إِنه الهٌ من اله نورٌ من نور الهٌ حقّ من الهٍ حقّ مولودٌ غيرُ مخلوقٍ. له وللآب جوهر واحد". وكان عدد اباء هذا المجمع ثلاثمئة وثمانية عشر، لمع بينهم اوستاتوس بطريرك انطاكية ومركلسُّ اسقف أنكره وعلى الاخص اثناسيوس شماس كنيسة الاسكندرية. وكنيستنا المارونية تذكرهم بفرض صلواتها في القومة الرابعة من ليل الخميس بهذا النشيد:" نسلم بتحديد الايمان الذي قرره الاباء الثلاثمئة والثمانية عشر". صلاتهم معنا. آمين!
اليوم الثاني عشر
تذكار الشهداء تراخوص (إدنا) ورفيقيه، بروبوس واندرونيكسُ
كان هؤلاء الابطال الثلاثة من قيليقية. اما تراخوص فروماني خدم في الجندية زماناً باسم فيكتور (منصور) ثم ترك وظيفته إراحةً لضميره. وكان بروبوس من بمفيليا من اسرة غنية وزَّع ماله على الفقراء والمحتاجين زُهداً في الدنيا. اما اندرونيكس فكان من وجهاء افسس. إبان اضطهاد المسيحيين استحضرهم الحاكم نومريان واستنطقهم، فجاهروا بايمانهم بكل جرأة وشجاعة. وسأل الوالي تراخوص: ما اسمك؟ فأجاب: انا مسيحي. فأمر بصفعه بشدَّة. فقال: قد سمَّاني والدي تراخوص وبين الجند اسمي "فيكتور". وما هو نسبك؟ - انا روماني وجندي وقد تركت الجندية باذن قائدي". فقال الوالي: عليك ان تضحي للآلهة. فاجاب:" اني اقدم ذبيحة قلبي للاله الحقيقي، رب الجميع، وله وحده اسجد، ولست أقدِّم ضحيةً للاخشاب آلهتكم". عندئذ امر الوالي فضربوه وعرَّوه من ثيابه وقيَّدوه بالحديد والقوه في السجن مع رفيقيه اللذين لم يكونا في استنطاقهما اقلَّ جرأة منه. ثم انزلوا بهم اشد العذابات هولاً كالنار والسياط وبتر الاعضاء ومنها قطع الشفاه والآذان. لذلك يلجأ المؤمنون الى القديس تراخوص في امراض الاذن، ويدعوه السريان "إدنا" اي الأُذُن. وبعد تهشيمهم صبُّوا على جراحهم خلاً وملحاً فكانوا صابرين مسرورين يمجدون الله الذي قواهم على الاستشهاد. ثم طُرحوا فرائس للسباع فلم تمسّهم باذىّ. ولما يئس الوالي من ثباتهم وبأسهم امر بضرب اعناقهم فنالوا اكليل الشهادة سنة 304. صلاتهم معنا. آمين!
اليوم الثالث عشر
تذكار الشهيدين كربوس وبابيلوس ورفقتهما
كان القديس كربوس اسقفاً على مدينة تياتيرا في جوار افسس. وكان له شماس يُدعى بابيلوس. وُشي بهما الى فالريانوس والي اسيا الصغرى. فاستحضرهما وتملقهما وتهددهما فلم ينل منهما مأرباً، فأمر بان يُطاف بهما في شوارع المدينة عريانين مقيدين بالسلاسل معرَّضين للهزء والسخرية، فصبرا على هذا العار ثابتين في ايمانهما ومحبتهما للاله الفادي.
ثم امر بحجز اموالهما واعطائها للذين وشوا بهما. واودعهما السجن. وكان للاسقف خادم امين اسمه اغاثوذورس قام يخدمهما في السجن، فعرف به الوالي، وكلفه بان يضحي الأوثان، فلم بذعن، فأمر بجلده باعصاب البقر جلداً عنيفاً حتى اسلم الروح وسبق سيديه الى الاخدار السماوية.
وعاد فالريانوس يتملق كربوس وبابيلوس ويحاول ان يثنيهما عن عزمهما فلم يُفلح، عندئذ انزل بهما من العذابات ما تقشعرُّ له الابدان، فجلدوهما وربطوهما باذناب الخيل وجرُّوهما اميالاً ومزَّقوا جسديهما بامشاط من حديد وصبُّوا على جراحهما ملحاً وخلاً، فكانا يقاسيان هذا العذاب الهائل بصبر عجيب وايمان راسخ ادهش الحاضرين والجّلادين انفسهم. ولما باء الوالي منهما بالفشل، امر بضرب عنقيهما فنالا اكليل الشهادة واستشهد معهما كثيرون منهم اغاثونيكا اخت الشهيد بابيلوس وكان ذلك في اليوم الثالث عشر من نيسان سنة 251. صلاتهم معنا. آمين!
اليوم الرابع عشر
تذكار القديس جرفاسيوس واخيه برتاسيوس الشهيدين
ولد هذان الشهيدان الاخوان في مدينة ميلانو بايطاليا، في القرن الاول للمسيح، من ابوين تقيين. وبعد وفاة والديهما، باعا كل ما يملكانه ووزعا ثمنه على الفقراء. وعكفا على الصلاة وممارسة التقشفات والفضائل المسيحية.
فعرف بهما والي المدينة استاسيوس، وكلفهما عبادة الاصنام، فاجابا انهما لا يعبدان الاَّ الاله الواحد خالق السماء والارض وانبه يسوع المسيح. فامر بهما، فجلدوا اولاً جرفاسيوس، حتى سالت دماؤه وفاضت روحه الطاهرة، ثم بعد ان عذبوا برتاسيوس قطعوا رأسه، فنال اكليل الشهادة نحو سنة 68 للميلاد.
فاخذهما احد المسيحيين ودفنهما بتابوت من رخام وضع فيه كتابة باسميهما وتاريخ استشهادهما. وفي السنة 386، تمكن القديس امبروسيوس اسقف ميلانو من كشف تلك الذخائر بالهام الهي. ورأى جسمي الشهيدين عائمين بالدم، كأنهما في يوم استشهادهما، سالمين من الفساد. ومن لمس تابوتهما، حصل رجل اعمى على البصر وشفي كثيرون من المرض والجنون. صلاتهما معنا. آمين.
اليوم الخامس عشر
تذكار القديس لوكيانس كاهن انطاكية الشهيد
ولد لوكيانس سنة 240، في سوريا. وتوفي والداه وهو في الثامنة عشرة من العمر. فتتلمذ لرجل يدعى كربوس، قدير بشرح الكتب المقدسة.
فانعكف على الصلاة ومطالعة الكتاب المقدس. ثم جاء انطاكية وأنشأ فيها مدرسة لتفسير الاسفار الالهية. وقد اشتهرت مدرسته بالعلوم اللاهوتية، فأخرجت علماء اعلاماً، تفاخر بهم الكنيسة، نظير يوحنا فم الذهب وسواه.
فالقى القبض عليه الملك مكسيميانوس واخذ يتملقه ويعده بالمراتب السامية، ان هو كفر بالمسيح. فأجاب:" أنا مسيحي ولا شيء يفصلني عن محبة المسيح". فأذاقوه أمرّ العذابات، ثم طرحوه في السجن، فكان يعزِّي المؤمنين والمسجونين، ويثبتهم في ايمانهم، الى ان سفك دمه لاجل الفادي الالهي سنة 312.
وقد مدحه القديس الذهبي الفم بخطاب بليغ. وألف كتباً نفيسة، لم يبق منها سوى رسالة وجهها من السجن الى مسيحيي انطاكية وقانون الايمان الذي استشهد ببعض فقراته القديس يوحنا مارون في رسالته الى ابنائه في لبنان. صلاته معنا. آمين!
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس آشعيا الحلبي العجائبي
ولد آشعيا في مدينة حلب. كان ابوه سوماخوس والياً على حلب من قبل الملك قسطنطين الكبير. شبَّ آشعيا على حب الفضائل ولا سيما العفة. فنذر بتوليته لله، على غير علم من والديه.
بعد زواجه اتفق مع خطيبته على حفظ العفة. فذهبت الى دير الراهبات. وانضوى هو تحت لواء القديس اوجين، يسير معه في طريق الكمال الانجيلي والتبشير.
وكان ابوه سوماخوس قد جدّ في طلبه فوجده بالهام الله في دير القديس اوجين، ففرح وتعزَّى به جداً.
ثم عاد آشعيا الى نواحي حلب وبنى قلِّيَّةً عاكفاً فيها على الصلاة والتقشف. فذاع صيت قداسته وعجائبه، فأتاه الكثيرون يتتلمذون له، فأقام لهم قلالي حول منسكه، ووضع لهم قوانين.
وبعد ان عاش في الرهبانية اثنتين وسبعين سنة، رقد بالرب في اواخر القرن الرابع واليه تنتسب الرهبانية الانطونية، وقد شيَّدت على اسمه ديرها الامّ، على احدى اجمل قمم لبنان – جهة المتن. صلاته معنا. آمين!
اليوم السادس عشر
تذكار القديس لونجينوس الشهيد قائد المئة
كان لونجينوس قائد فرقة من الجند الروماني، يوم حُكم على السيد المسيح بالصلب. وكان واقفاً على مجرى تلك الدعوة التي اقامها اليهود عليه وقد رافقه في مراحل آلامه حتى جبل الجلجلة حيث قام هو وجنوده بحراسته وهو على الصليب. وكان لونجينوس رجلاً مستقيماً عادلاً وقد عرف انهم حكموا على المسيح ظلماً.
لذلك لما رأى أنَّ الشمس انكسفت والارض تزلزلت والصخور تصدعت، صرخ قائلاً: حقاً ان هذا هو ابن الله.
وقد اقامه اليهود هو ونفرٌ من الجند حارساً لقبر المخلص. ولما شاهده قائماً من الموت آمن به حقيقة هو واثنان من الجنود. وأبى هو ومَن معه قبول الرشوة من اليهود، انكاراً لحقيقة القيامة.
ثم ذهب ومَن آمن معه الى بلاد الكبادوك، يبشرون بقيامة الرب وبانه ابن الله. فأجرى الله على ايديهم آيات باهرة رداً للكثيرين الى الايمان بالمسيح.
وما زال اليهود يطاردونه حتى استحصلوا امراً بقتله. ولما وصل اليه الجند لينفذوا الامر ولم يعرفوه، اكرم ضيافتهم ثلاثة ايام. ثم عرَّفهم بنفسه انه هو لونجينوس قائد المئة، فتأثروا جداً وامتنعوا عن تنفيذ الامر الذي بيدهم. أما هو فأبى إلاّ ان يقوموا بواجبهم، وامر خادمه ان يأتيه بثوب ابيض، لبسه عربون عرسه في السماء. واستدعى رفيقيه في الاستشهاد فقطع الجند رؤوسهم ففازوا باكليل الشهادة نحو السنة 45 للميلاد. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم السابع عشر
تذكار الشهيدين الشقيقين قزما ودميانوس
ولد هذان الاخوان قزما ودميانوس في برِّ الشام، في اوائل القرن الثالث، وبعد وفاة والدهما، ربّتهما والدتهما التقية على حب الفضيلة وغرست في قلبيهما محبة الله والقريب، وتثقَّفا بالعلوم وبرعا في علم الطب، واتخذاه خير وسيلة لنفع القريب، والتبشير بايمان المسيح.
فذهبا الى مدينة اجاس من اعمال قيليقيا، وشرعا يعالجان المرضى لوجه الله، ولا سيما الفقراء والمحتاجين ويعيشان عيشة الفقر والتقشف، لا يقبلان بدلاً عن تعبهما من أحد، غنياً كان أو فقيراً، لذلك لقِّبا "بماقِتَي الفضة".
وكانت صلاتهما انجح من الادوية الطبية لشفاء الامراض على انواعها. واجرى الله على ايديهما آيات كثيرة. فارتد الكثيرون من عبادة الاوثان الى الايمان بالمسيح. فبلغ خبرهما ليسياس والي قيليقية، فاخذ يلاطفهما ويعدهما بمراتب عالية، اذا ضحَّيا الاصنام، وإلا انزل بهما اشد العذابات هولاً. فأجابا بكل جرأةٍ:" اننا عن ايماننا بالمسيح لا نحيد" عندئذ أمر فقيدوهما بالسلاسل وطرحوهما، على التوالي، في الماء والنار والسجن. ثم رجموهما وصلبوهما ورشقوهما بالسهام، وبعد ان تغلَّبا على كل هذا العذاب، بصبر عجيب، يئس منهما الوالي فأمر بضرب عنقهما، فنالا اكليل الشهادة في سنة 303.
وبواسطة ذخائرهما شفي الملك يوستينيانس من مرض كاد يودي بحياته. فاقام في القسطنطينية كنيسة كبرى على اسمهما، كما شُيِّدت لهما عدة كنائس في روما وغيرها. صرتهما معنا. آمين.
اليوم الثامن عشر
تذكار القديس لوقا الانجيلي
ولد هذا القديس في انطاكية من اسرة وثنية، وكان طبيباً، كما يُستدل من رسالة القديس بولس الى اهل كولسي (4: 14)، اذ يقول:" يسلِّم عليكم لوقا الطبيب الحبيب". وقد آمن لوقا بالمسيح على يد التلاميذ الذين جاؤوا من اورشليم الى انطاكية، مبشرين بالانجيل، وتتلمذ لبولس الرسول ورافقه في اسفاره وعاونه في التبشير كما ذكره في رسالته الى فيليمون (عدد 23 و24). وقد لازم لوقا بولس الرسول، مدة اقامته في قيصرية سنتين، يقوم بخدمته بكل غيرة ونشاط ويشاطره جميع اتعابه الرسولية وما تحمَّله من الشتائم والاهانات. وسار معه الى روما، حيث كان له خير مُعزٍّ ومؤأسٍ في سلاسله وشدائده، كما حضر استشهاده.
ثم كتب لوقا انجيله باللغة اليونانية. وامتاز عن غيره بذكر ما تلقَّنه من فم سيدتنا مريم العذراء: كحَبَلها بالكلمة الالهي وزيارتها نسيبتها القديسة اليصابات والميلاد في بيت لحم والهرب الى مصر والتقدمة الى الهيكل، وغير ذلك. واذ كان في روما، نحو سنة 63، وضع كتاب اعمال الرسل ( الإبرَكسيس).
وبعد استشهاد معلمه القديس بولس، اخذ يطوف البلدان الكثيرة، كما يقول القديس ابيفانيوس، مبشراً بايمان المسيح الذي ردَّ كثيرين من الامم. وبعد جهاده هذا المجيد رقد بالرب سنة 90 للميلاد. صلاته معنا. آمين!
اليوم التاسع عشر
تذكار القديس هارون بطريرك انطاكية
تتلمذ القديس هارون للقديس اغناطيوس النوراني الشهيد وخلفه في البطريركية الانطاكية التي ساسها مدة عشر سنوات أحسن سياسة على ما رواه المؤرخ اوسابيوس القيصري بتاريخه "الكرونيكون"، الكتاب الثالث، الفصل 36: انه بعد استشهاد القديس اغناطيوس بطريرك انطاكية، خلفهُ القديس هارون الذي اشتهر بالفضيلة والزهد والغيرة على خلاص النفوس. فقبض عليه الوثنيون واذاقوه من العذابات امرّها حتى نال اكليل الشهادة في السنة 127. صلاته تكون معنا. آمين!
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار البابا سيكستوس الاول
ولد هذا البابا القديس في روما من اسرة شريفة تدعى ايلفيديا، وارتقى الى السدّة البطرسية سنة 116 فكان محافظاً على الامانة الصحيحة ضد المبتدعين الذين حرمهم وقطعهم من شركة الكنيسة.
وبعد ان دبَّر الكنيسة بكل غيرة ونشاط، باذلاً احشاء الرحمة للايتام والفقراء رقد بالرب في سنة 125. ودفن في كنيسة الفاتيكان. صلاته تكون معنا. آمين.
اليوم العشرون
تذكار القديس ارتيموس (شليّطا)
كان القديس ارتيموس من انطاكية ومن الرجال العظام الذين قاموا بالاعمال المجيدة في المملكة الرومانية ايام قسطنطين الكبير الذي قلَّده رتبةً عالية في الجندية تسمَّى "أفُغُستي" وهو لقب كان يعطى لمن تقلَّد ولاية مصر. غير ان ارتيموس لم يكن ليحتفل بامور الدنيا وامجادها، بل كانت هذه كلها تصغر في عينيه، ازاء مجد الله وسعادة الابد.
ولما مات الملك قسطنطين وتولَّى اولاده الملكَ، اعتزل ارتيموس وظيفته وجاء فسكن انطاكية، ممارسأً الفضائل المسيحية، على اكمل وجه، يحثُّ المؤمنين على التمسك بأهداب الدين القويم ويشجعهم على الدفاغ عن الايمان بالمسيح في خوضهم غمرات الاضطهاد، ويساعد المساكين والفقراء وينصر الضعيف على القوي الظالم، سالكاً مسلك الانس والوداعة مع الجميع.
ولمَّا كان يوليانوس الجاحد، مضطهد المسيحيين ذاهباً بعسكره الى محاربة الفرس، ومرَّ بانطاكية ألقى القبض على ارتيموس الذي اصبح شيخاً وقوراً، وأمره بان يشترك في ذبائح الاوثان، فأبى وجسر على الملك، موبخاً اياه على تنكيله بالنصارى وعلى شراسته وضلاله. فاستشاط الملك غيظاً، وبدلاً من ان يوقِّر تلك الشيخوخة التي ابيضَّت في خدمة المملكة، أسلمه الى رعاع الجند فانقضوا عليه انقضاض الكواسر واخذوا يضربونه بالمجالد حتى سقط مغشياً عليه، فضُرب عنقه وتكلل رأسه بغار الشهادة سنة 363. يدعى بالسريانية المُسَلَّط وهو اللقب الذي قلده اياه الملك قسطنطين الكبير. صلاته معنا. آمين.
اليوم الحادي والعشرون
تذكار القديس ايلاريون
ولد ايلاريون في بلدة تدعى طاباتا، بالقرب من غزَّة، من والدين وثنيَّين غنيين. فأرسله ابوه الى الاسكندرية لاقتباس العلوم، فنبغ في دروسه. واخذ يجالس العلماء، وجلَّهم من مسيحيين. فدرس عليهم العقائد المسيحية، فراقت له بما فيها من سموٍ وترفعٍ عن حطام الدنيا. فآمن بالمسيح واعتمد. ثم زهد في خيور الارض وعكف على الصلاة والتأمل.
وما سمع بالقديس انطونيوس الكبير حتى سار اليه في البرية. فأقام عنده زماناً يسترشده ويتمرَّس على الحياة النسكية. وبعد ان تزوَّد نصائحه ولبس الاسكيم من يده، عاد الى وطنه في فلسطين.
ثم ترك كل شيء وانحاز الى القفر بالقرب من مايوما وسكن منسكاً هناك، واخذ يمارس اقسى التقشفات كالاصوام ولبس المسح والتأمل وعمل السلال ونقب الارض.
دخل عليه اللصوص، يوماً، وهو راكع يصلي في مغارته، فقالوا له: ألا تخاف من اللصوص؟ فأجاب: مَن لم يملك شيئاً لا يخاف احداً. فقالوا: ألا تخشى الموت؟ فقال:" كيف أخشاهُ وانا استعد له في كل ساعة؟". فأثَّر فيهم كلامه وتخشعوا من منظره. وانصرفوا، عازمين على اصلاح سيرتهم بالتوبة.
فطارت شهرة قداسته، فأتاه الكثيرون يرغبون في السير على طريقته، فقبلهم وأنشأ لهم الديورة وتولَّى ارشادهم بنفسه، فأجرى الله على يده أيات عديدة. منها شفاء ثلاثة بنين لامرأة البيردوس رئيس الحرس الملكي، كانوا اشرفوا على الموت.
ولما تضايق من ازدحام الناس عليه، ترك فلسطين وذهب مع تلميذٍ له يدعى ايزيكُس، الى صقلية في ايطاليا، ومنها جاء الى قبرس، مثابراً على طريقته النسكية، وقد بلغ الثمانين عاماً من العمر. فعرف بدنو أجله وخاف من الدينونة الرهيبة، لكنه تشدد بالايمان والرجاء بالله، مردِّداً هذه الصلاة:" أخرجي ايتها النفس الى ملاقاة ربك، لماذا تخافين، وقد جاهدتِ في خدمته السنين الطوال"؟ وبهذه المناجاة رقد بالرب سنة 372.
وترك تلميذه ايزيكس كتاب الانجيل والاسكيم الجلدي الذي وهبه اياه القديس انطونيوس. فجاء تلميذه بجثمانه الطاهر الى فلسطين، حيث استقبله الرهبان بمظاهر الحفاوة والاحترام ودفنوه في ديره القديم. وكان ضريحه ينبوع نعم وبركات. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثاني والعشرون
تذكار الشهداء السبعة الفتية في افسس
هؤلاء الاخوة السبعة الفتية كانوا من اسرة مسيحية شريفة في مدينة افسس، فوُشي بهم الى حاكم المدينة انهم مسيحيون، فاخذ يتملَّقهم ويتهددهم ليجحدوا ايمانهم ويضحُّوا للاوثان، فأبوا وتمكنوا من الذهاب الى مغارة قرب المدينة واختبأوا فيها، فعرف الحاكم بمخبئهم وارسل جنوداً سدُّوا عليهم باب المغارة، سداً محكماً كي يميتوهم جوعاً. لكن احد المسيحيين، بعناية الهية، قد سبق فرمى في المغارة صفيحة من نحاس مكتوبة فيها اسماء اولئك الاخوة السبعة وهم: مكسيميانوس ومَلخُس ومرتينيانوس وديونيسيوس ويوحنا وسرابيون وقسطنطين، مع موجز استشهادهم وتاريخه. فرقدوا، اي توفوا داخل المغارة.
وفي السنة 441، اي بعد ما يقرب من مئة وتسعين سنة، بعهد الملك تاودوسيوس الثاني الصغير، انكشفت المغارة امام احد الفلاحين وفيها اجساد اولئك الشهداء سالمة من الفساد وطريئة. فارتعب الرجل لهذا المشهد، واسرع فأخبر اسقف المدينة، فجاء هذا مع الاكليروس وجمهور من الشعب بهيئة حافلة، وما وقع نظرهم على تلك الاجساد السليمة وقرأوا صحيفة النحاس المشار اليها، حتى تحققوا الامر، فدُهشوا وامتلأت قلوبهم فرحاً وافواههم تمجيداً لله. فحملوا تلك الذخائر الى الكنيسة ودفنوها باحتفال عظيم، وكانت تفيض بالنعم والمعجزات الباهرة، وكان ذلك سنة 447. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم الثالث والعشرون
تذكار القديس اغناطيوس بطريرك القسطنطينية
ولد اغناطيوس في القسطنطينة متحدراً من الاسرة المالكة وتربَّى على محبة الله والفضيلة. ولمَّا شبَّ دخل احد الديورة وارتسم كاهناً. واصبح موضوع ثقة الرهبان واحترامهم، فأقاموه رئيساً عليهم. فكان لهم خير أبٍ يقوم امامهم بجميع الواجبات، ويسوسهم بالمحبة والفطنة.
ولما اشتهرت قداسته، انتُخب بطريركاً على القسطنطينية سنة 846. ولفرط غيرته على مجد الله وخلاص النفوس قام يقرِّع الخطأة، ولا سيما المشهورين منهم، فاصطدم بالامير برداس قيصر، خال الملك ميخائيل الثالث، لأنه كان طلَّق امرأته وسار مسلكاً مشكِّكاً، فمنعه البطريرك من التقدُّم الى مائدة الخلاص، يوم عيد الظهور، وأعلن حرمهُ.
فغضب برداس واضمر له الحقد. وراح يوغر صدر الملك عليه، حتى عزله عن كرسيه ونفاه. واقام مكانه فوتيوس المقرَّب من القصر، بعد ان رُقِّيَ الدرجات المقدسة حتى الاسقفية بستة ايام. فبات اغناطيوس مبعداً، يقاسي الاهانات وامرَّ الآلام بصبر جميل.
ولما عرف البابا نقولا الاول بما جرى، استاء كلَّ الاستياء، وامر بارجاع اغناطيوس البطريرك الشرعي الى كرسيه، وبتنحي فوتيوس عنه. فغضب هذا جداً وابى الخضوع لأمر البابا وقطع صلاته معه، مستقلاً بنفسه. وجاء اغناطيوس يعمل على تهدئة الخواطر والقاء الامن والسلام في الشعب.
وقيل ان اغناطيوس وفوتيوس التقيا، يوماً، في القصر الامبراطوري، فركع كلُّ منهما على ركبتيه، طالباً المغفرة من صاحبه.
واستمر اغناطيوس عاكفاً على الصلاة والتأمل، مستسلماً لارادة الله في كل شيء، الى ان رقد بالرب سنة 877. صلاته معنا.آمين.
اليوم الرابع والعشرون
تذكار القديس بروكلوس رئيس اساقفة القسطنطينية
ولد بروكلوس في القسطنطينية وكان تلميذاً للقديس يوحنا فم الذهب. وقد اشتهر بالعلم والفضيلة.
وقد سقِّف على مدينة كيزيكُس وحمل على نسطور، الناكر الامومة الالهية على سيدتنا مريم العذراء، حملة شعواء وفنَّد هرطقته، مثبتاً صحة الاعتقاد الكاثوليكي القويم.
وفي السنة 434، انتُخب بطريركاً على القسطنطينية. فكان ذلك الراعي الغيور المتفاني في خير شعبه، وله عدَّة تآليف ورسائل قيِّمة.
وقد اجرى الله على يده معجزة ايقاف الزلزال الهائل الذي حدث في القسطنطينية وجوارها سنة 447، وذهب بالوف الضحايا. فهرب الناس الى البراري والحقول فقام هذا البطريرك يتفقَّدهم ويعزِّيهم ويوزع عليهم المساعدات ويحرم نفسه الطعام ليشاركهم في آلامهم. وبينما هو يتضرع الى الله ليرحم شعبه، اذا باصوات الملائكة تسبِّح وتقول: قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الذي لا يموت، عندها هدأت الزلزلة، ومن ذلك الحين دخلت تلك التسبحة في الليتورجيا. وتوفي بروكلوس سنة 447. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس امبراميوس وابنة اخيه مريم
ولد امبراميوس في مدينة الرها من اسرة مسيحية غنيَّة. وتتلمذ للقديس افرام الذي كتب سيرته وهذه خلاصتها: لمَّا شبَّ امبراميوس نذر بتوليته لله. وانسلَّ من البيت وذهب الى البرية، فسكن مغارةً، يمارس فيها الصلاة والتأمل وجميع انواع التقشفات.
واشتهرت قداسته فتقاطر اليه الناس. فرسمه اسقف الرها كاهناً وأرسله الى بلدة قريبة، كان اهلها متعبدين للاوثان، فردَّهم بمثله وارشاده الى الايمان بالمسيح، كما انه عُني بتربية مريم ابنة اخيه اليتيمة تربية صالحة.
وما زال هذا القديس سائراً على طريق الفضائل الى ان رقد بالرب سنة 370. صلاته معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار الشهداء حارث ورفاقه
كان حارث شيخاً جليلاً وزعيم النصارى بمدينة نجران، يوم دخلها اليهود وأعملوا السيف بأهلها. وقبضوا على حارث. فخيَّروه بين الكفر بالمسيح، او الموت مهاناً، فأجاب قائلاً:" الموت ولا الكفر بمن مات لاجلي".
وقبل ان ينفَّذ به الحكم، التفت الى رفقته وأخذ يشجعهم على الثبات في ايمانهم فهتفوا بصوت واحد:" انه لا يفصلنا عن محبة المسيح الهنا عذابٌ ولا سيف، ولا موت". عندئذ أمر الملك بضرب اعناقهم مع شيخهم حارث، فنال جميعهم اكليل الشهادة سنة 523. وكان عددهم 340 شهيداً. صلاتهم معنا. آمين!
اليوم الخامس والعشرون
تذكار الشهيدين خريسنتوس وزوجته داريا
ولد خريسنتوس في الاسكندرية من اسرة وثنية. وتثقف بالعلوم الفلسفية في روميه، اذ كان ابوه عضواً في المشيخة الرومانية. ولفرط ذكائه، لم تكن الوثنية لتُقنع عقله وتُشبع قلبه. ولمَّا سمع بايمان المسيح، اخذ يطالع الانجيل، فراقته تعاليمُه السامية.
فآمن بالمسيح واعتمد. وما عرف ابوه بذلك، حتى جنَّ جنونه، لما كان عليه من التعصب لوثنيته والتمسك بمقامه. فأمره بان يعود الى دين آبائه، فأبى، فطرحه في سجن مظلم. وحاول ان يزوجه من فتاة رائعة الجمال، تدعى داريا، من عابدات الإلهة فُستا، فأتت هذه اليه وأخذت تلاطفه. أما هو فراح يُفهمها فساد الوثنية وصحَّة الدين المسيحي وسمو تعاليمه وشرف البتولية. فأثر فيها كلامه ومسَّت النعمة قلبها. فآمنت بالمسيح، فاتفق معها على الزواج، شرط حفظ العفة، فرضيت. وعاشا اخوين ملاكين.
وانطلقا يبشران بالانجيل، فردَّا الكثيرين من الوثنيين الى الايمان القويم. فألقى الوالي سلارينوس القبض عليهما وارسلهما الى القائد كلوديوس الذي امر جنوده بتعذيبهما، فلم ينل منهما مأرباً. ثم قيَّدوا خريسنتوس بسلاسل من حديد وطرحوه في السجن، فانحلَّت القيود وأضاء السجن نورٌ سماوي أدهش الحاضرين. فآمن القائد كلوديوس وزوجته وولداه وغيرهم. فأمر الملك نوميريانوس بقتلهم جميعاً ففازوا بالشهادة.
ثم ساروا بخريسنتوس وداريا، الى خارج المدينة وطرحوهما في حفرةٍ رملية على طريق سالاريا، ورموا الحفرة بالحجارة، فدفنوهما حيَّين وهما يسبحان الله ويشكرانه على نعمة الاستشهاد. وكان ذلك سنة 284. صلاتهما معنا.آمين.
اليوم السادس والعشرون
تذكار القديس الشهيد ديمتريوس
ولد ديمتريوس في مدينة تسالونكي، وكان من اسرة مسيحية شريفة. فترَّبى تربية حسنة وتثقَّف ثقافة عالية. وشغل وظيفة القنصلية في المملكة الرومانية، لكن نفسه كانت توَّاقة الى الفضيلة. وكان غيوراً على الفقراء والبائسين وعلى التبشير بالانجيل، فرد الكثيرين من الوثنيين الى الايمان بالمسيح.
ولما أثار الملك مكسيميانوس الاضطهاد على المسيحيين، جاء الى تسالونكي وأنزل بهم اشد العذابات هولاً وفي الطليعة زعيمهم ديمتريوس الذي سجنه. فكان عاكفاً على الصلاة، مستعداً لسفك دمه في سبيل ايمانه. وحضر الملك مشهد المصارعة بين لوهاش الوثني واحد حرسه الملكي وبين الشاب نسطُر المسيحي، فانتصر هذا على ذاك الجبار وصرعه، ، فغضب الملك جداً وظنَّ ان صلاة ديمتريوس هي سببب انتصار نسطر المسيحي على خصمه، فارسل جنوده الى السجن، فطعنوا ديمتريوس بالحراب وقتلوه وألحقوا به خادمه لبُّوس الدي جاء ليبكيه ويجمع ذخائره. وانتقم الملك أيضاً من الشاب نسطور فقتله. ففاز الثلاثة بغار الشهادة سنة 303. صلاتهم معنا. آمين.
اليوم السابع والعشرون
تذكار الشهيدتين كابيتولينا واروتيدا
كابيتولينا امرأة مسيحية شريفة من قيصرية الكابدوك، غنية بالمال، لكنَّ غناها بالفضيلة أكبر، تجود بكفٍّ سخية على الكنائس والفقراء. بلغ خبرُها والي المدينة فاخذ يعدها ويتوعدها لتكفر بالمسيح وتضحِّي للاوثان، فلم تبالِ بوعده ووعيده، فأمر بطرحها في السجن. ثم حاول مرةً ثانية اقناعها فلم تتزعزع عن ايمانها. عندئذٍ امر بضرب عنقها فتكلل رأسُها بغار الشهادة، فأسرعت اروتيدا خادمتُها واخذت توَّبخ القاضي على حكمه الجائر وتجاهر بايمانها بالمسيح، فأمر بسجنها ثم بطرحها في اتون النار فلم تُمَسّ بأذىً، بل كانت تترنم بتسبحة الفتية في اتون بابل، فاندهش الجنود وآمن بعضُهم فأمر القاضي بضرب اعناقهم ومعهم اروتيدا ففازوا جميعهم باكليل الشهادة سنة 304. صلاتهم معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار البابا زكريا
يوناني الاصل، جاء الى روما وارتسم كاهناً واشتهر بعلومه الرسولية. ولمَّا توفي البابا غريغوريوس الثالث، اجمع الاكليريكيون والشعب على انتخاب زكريا خلفاً له سنة 741.
ولما احتل اللُّمبرديون ايطاليا وشدُّوا الخناق على الشعب، تمكن هذا البابا، بصلاته وغيرته، من عقد الصلح مع ملكهم، فأوقف الحرب، واطلق الاسرى وردَّ المدن التي افتتحها.
ثم وجَّه البابا عنايته الى اصلاح شؤون الاكليروس والشعب، وكان عطوفاً على الفقراء والبائسين. وكانت له المنزلة الكبرى عند ملوك فرنسا يعملون بنصائحه ويأخذون بآرائه. وله يرجع الفضل باهتداء الجرمانيين الى الدين المسيحي.
ترجم الى اللغة اليونانية بعض تآليف للبابا غريغوريوس الكبير. وبعد ان ساس الكنيسة بكل غيرة وقداسة، رقد بالرب سنة 752. صلاته معنا. آمين.
اليوم الثامن والعشرون
تذكار الشهداء تيرنسيوس ورفاقه
كان هؤلاء الشهداء اربعين رجلاً من افريقيا، قبض عليهم والي ارمينيا فرتونيانس، واخذ يتملَّقهم ويتوعَّدهم ليكفروا بالمسيح، فلم ينثنوا عن ايمانهم، بل آثروا الموت على الكفر بربهم، فجلدوهم جلداً عنيفاً ومزقوا اجسادهم بمخالب من حديد، فثبتوا صابرين يعترفون بالمسيح. عندئذٍ امر الوالي فقطعوا رؤوسهم وطارت نفوسهم الى السماء لتنعم بمجد الشهداء الى الابد في السنة 250. صلاتهم معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار البابا القديس تاليسفوراس
ولد هذا القديس في بلدة موريُّوم في اليونان. ثم اتى مدينة روما، حيث تثقف بالعلوم وارتسم كاهناً. واشتهر بغيرته وقداسته، الى ان خلف البابا سكتوس الاول المتوفي سنة 125.
فأخذ يدير دفة الكنيسة بحكمة وغيرة رسولية. فقام يدافع عن الايمان الصحيح ضد المبتدعين، وعقد مجمعاً حرم فيه تعاليمهم الضالة. وشدَّد على حفظ فريضة الصوم الاربعيني، كما كانت في عهد الرسل. وامر باقامة القداس نصف الليل في عيد الميلاد. وحرَّم اقامة الشكوى المدنية على الاكليريكيين وتوفي شهيداً سنة 136. ودفن في الفاتيكان، بجانب ضريح القديس بطرس. صلاته معنا. آمين.
اليوم التاسع والعشرون
تذكار القديسة انسطاسيا الكبرى البتول الشهيدة
كانت هذه القديسة من اسرة مسيحية رومانية شريفة، في عهد الملك فاليريانوس والوالي بروبُس. ومنذ صباها نذرت بتوليتها لله. وبعد ان وزعت مالها على الفقراء والشهداء، اعتزلت الدنيا مع بعض العذارى العابدات. وانعكفت على الصلاة وممارسة الفضائل، ولا سيما اعمال الرحمة الروحية والجسدية، تحت تدبير امرأة تقية تدعى صوفيَّا.
فوُشي بها الى الوالي برونُس، بانها لا تكرم الآلهة ولا تحترم امر الملك، فاستحضرها وسألها عن معتقدها، فاجابت بانها مسيحية. فشرع الوالي يتملَّقها ويتهددها، فلم تحفل بتهديده. فأمر بها فأذاقوها من العذابات ما تقشعر له الابدان: قيَّدوها بالسلاسل وجلدوها، حتى تمزَّق جسدها وحرقوا اعضائها وكسروا اسنانها واضراسها وقلعوا اظافر يديها ورجليها، وكسروا ساقيها ويديها، فأمست غائصة بدمائها، وهي صابرة تشكر الله. واخيراً قطعوا رأسها، فتكللت بالشهادة سنة 252. صلاتها معنا. آمين.
وفي هذا اليوم أيضاً
تذكار القديس بلاسيوس اسقف سبسطيه ورفاقه
كان هذا القديس اسقفاً على مدينة سبسطيه في الكابدوك، معروفاً بغيرته على خلاص النفوس وبعطفه على الفقراء. وكان له إلهامٌ بفن الطب، يعالج المرضى ولا سيما الفقراء مجاناً ويداوي الخطأة بالتوبة الى الله. فمنحه الله صنع العجائب، حتى انَّ الوحوش كانت تؤآنسه. وقد ردَّ الكثيرين الى الايمان بالمسيح.
امره حاكم ارمينيا بان يضحَّي للاوثان. فأجابه:" اني اضحي ذبيحة قلبي ليسوع المسيح ربي لا لغيره". فحنق الحاكم وامر به فوضعوه في حبسٍ مظلم كان فيه بعض المرضى فشفاهم بصلاته. ثم اخرجوه وشدُّوه الى عمودٍ ومزقوا جسده بامشاط من حديد، فتقدم سبع نساء يلتقطن دمه تبركاً فقبضوا عليهنَّ وطرحوهنَّ في اتون النار، فنلن اكليل الشهادة.
ثم طرحوا القديس في بحيرة، فانقذه الله من الغرق. عندئذٍ قطعوا رأسه فتكلل بالشهادة في السنة 316. صلاته معنا.آمين.
اليوم الثلاثون
تذكار القديس مكاريوس اسقف اورشليم
ارتقى مكاريوس الى اسقفية اورشليم سنة 318، وساسها بكل غيرة وقداسة ثلاث عشرة سنة. وقد حضر المجمع النيقاوي الاول عام 325، الذي حرم اريوس وبدعته. وكان مكاريوس من اشد المقاومين له.
وأهمُّ اعماله انه سعى لدى الملك قسطنطين الكبير في تعزيز الاراضي المقدسة وتطهيرها من ارجاس الوثنية. ساعد القديسة هيلانة، والدة هذا الملك، في البحث عن خشبة الصليب المقدس، فوجدتها وارسلت تخبر ابنها بذلك واهدته جزءاً منها. فارسل الملك كتاباً الى البطريرك مكاريوس يشكر له غيرته ومساعدته لوالدته، ويوعز اليه بان يُقيم على قبر المخلص كنيسة تفوق جميع كنائس الدنيا فخامة واتقاناً وتكون زينتها وكل اثاثها على نفقة الملك.
وبعد ان اتمَّ هذا الاسقف القديس سعيه وانشأ الكنائس العديدة، رقد بالرب في السنة 331. صلاته معنا. آمين.
وفيه أيضاً: تذكار القديس سرابيون بطريرك انطاكية
كل ما نعرفه عن هذا القديس سرابيون انه تولَّى الكرسي الانطاكي اثنتين وعشرين سنة. وساسه بكل ما فيه من غيرةٍ ومفاداة في سبيل مجد الله وخلاص النفوس، ورقد بالرب سنة 313. وقد ذكره السنكسار الروماني، في 31ت1. صلاته معنا. آمين.
وفيه أيضاً: تذكار النبي باروك
كان النبي باروك في ايام يكنُيا ملك يهوذا تلميذاً لإراميا النبي وكاتباً له، يساعده في وعظ اليهود قبل سيبهم الى بابل وبعده وكان يقرأ عليهم رسائل ارميا ويوبخهم على عدم العمل بها. لذلك قاسى اضطهادات كثيرة من اجل الرب وحفظ شرائعه.
وفي بابل كتب السفر المعروف باسمه كملحق لمراثي معلمه. ورقد هذا النبي بسلام عام 580 قبل مجيء المسيح. وباروك لفظة عبرانية معناها المبارك. صلاته معنا. آمين.
اليوم الحادي والثلاثون
تذكار الشهيدين إبيماخسُ وغُرديانس
عرف إبيماخس في مدينة الاسكندرية بتمسكه بالدين المسيحي. فقبض عليه الوالي سابينوس. ولمَّا لم ينل منه مأرباً، امر فقيَّدوه بالسلاسل وطرحوه في سجن مظلم مدة طويلة، كان معتصماً بالصبر، عاكفاً على الصلاة ليهبه الله نعمة الاستشهاد.
ثم اخرجوه من السجن وبعد ان انزلوا به انواع العذابات، وهو صابر، القوه في حوض مملوء كلساً حياً، ففاضت روحه الطاهرة وفاز بالشهادة سنة 250.
أما غُرديانس، فكان قاضياً وثنياً، ارسله يوليانوس الى روما، حيث تعرَّف بكاهن يدعى يانواريوس، كان يُصغي الى مواعظه في شرف الدين المسيحي وسموّ تعاليمه، فمسَّت النعمة قلبه وانارت عقله، فآمن بالمسيح، هو وزوجته واثنان وخمسون شخصاً من انسبائه، فعمَّدهم الكاهن، بعد ان علَّمهم قواعد الايمان.
غضب يوليانوس جداً وعزل غُرديانس عن وظيفته واقام مكانه كلامان الذي وشى به. فاستحضره هذا وامره بأن يضحي للآلهة، وجاهر بايمانه بالمسيح، فأمر بجلده جلداً عنيفاً بأمراس مجهَّزة بأكر من رصاص. واخيراً قطعوا رأسه، فتكلل بالشهادة. فأتى المسيحيون، ليلاً ودفنوه في الضريح الذي وضعت فيه، من قبل، رفات الشهيد ابيماخس. وكان ذلك سنة 362.
اما امرأته مارينا، فحكم القاضي عليها بالاشغال الشاقة، فلم تتزعزع عن ايمانها وبهذه الطريقة اكملت استشهادها ولحقت بزوجها الى الاخدار السماوية. صلاتهم معنا. آمين.