نَصَبوا شِباكًا لِخَطَواتي فرَزَحَت نَفسي . حَفَروا أَمامي هوةً فوَقَعوا فيها. (مز 57 /7)
كلمة الحياة ايار 2009: اخدموا بعضكم بعضا
كلمـة الحيـاة
أيار 2009
"أُخدُموا بعضكم بعضاً، كل واحدٍ بما نال من موهبة،
كما يَجدُرُ بالوكلاء الصالحين على نعمة الله المتنوّعة"
(1 بط 4/10)
"إديت" فتاة مكفوفة منذ الولادة، تعيشُ مع أخريات من أمثالها في مؤسّسة خاصّة بالمكفوفين. وحين أُصيب الكاهن، المرشد لهذه المؤسسة، بشلل نصفيّ، لم يعد باستطاعته الاحتفال بالقدّاس. فاتّصلت "إديت" بالأسقف المحليّ كي يأذن بإبقاء القربان المقدّس في بيت المؤسّسة، فيكون يسوع الحاضر فيه النور الوحيد في عتمة حياتهم. وكان لها ذلك ونعمة إضافية، إذ سمح لها الأسقف أيضاً بتوزيع المناولة على المرشد ورفيقاتها.
كان عند "إديت" رغبة عميقة في أن تجعلَ حياتها مفيدةً للآخرين، فحصلت على إذن باستخدام إذاعةٍ خاصّةٍ لبعض الساعاتِ، استطاعت من خلالها، أن تُقدّم أفضل ما عندها من نصائح وأفكار قيّمة، وتوضيحات أخلاقيّة، تساعد بواسطتها ومن خلال خبرتها الذين يتألّمون وتساندهم.. باستطاعتي أن أخبركم أموراً أخرى كثيرة تختصّ ب"إديت". بالرّغم من فقدانها للنظر، وجدت النور من خلال ألمها.
هناك العديد من الأمثلة التي تُظهر لك بأنّ الخيرَ موجودٌ وأنّه لا يُحدث ضجيجاً عندما يعملُ. إنّ "إديت" هذه عاشت ببساطة كمسيحيّةٍ صادقةٍ، وعرفت أنّ كلّ واحدٍ منّا يتلقّى مواهب خاصّة فوضعت مواهبها في خدمة الآخرين. نعم، فإنّ كلّ عطيّة أو موهبة (كاريزما بحسب التعبير اليونانيّ) لا تقتصر على النِعَم التي يهبها الله لأولئك الذين يديرون شؤون الكنيسة وحسب. وليست هي، بالضرورة، المواهب الفائقة الطبيعة التي يُفيضها الله على بعض المؤمنين من أجل خير الجماعة، إن في بعض الحالات الاستثنائية أو أمام الأخطارِ الكبيرة التي تحدقُ بالكنيسة ولا تستطيع مؤسّساتها وحدها أن تواجهها. تظهر المواهب التي منحها الله لبعض المؤمنين، كموهبة الحكمة والمعرفة، أو موهبة صنع العجائب أو التكلّم باللغات، أو موهبة إبراز روحانيّةً جديدةً في قلب الكنيسة أو غيرها.
إنّ هذين التعبيرَيْن، عطيّة وموهبة، لا ينحصران في هذه الأمثال التي ذكرناها آنفًا. ولكنّهما يشملان أيضًا الوزنات البسيطة، التي يمتلكها الكثير من الناس، ونلاحظ وجودها عبر أعمال الخير الصادرة عنهم. فالروح القدس لا يزال يعمل. ويمكننا أيضاً أن نعتبر الميول الطبيعيّة مواهب أو كاريزما، وكلّ واحدٍ منّا يملك منها الكثير. فلكلّ فردٍ مواهبه، وأنتَ أيضًا لك مواهبك المتنوعة.
ماذا عليكَ إذاً أن تعمل بها؟ فكِّرْ في كيفيّة جعلها تثمر. إنّها لَمْ تُعطَ لكَ لتحتفظَ بها لنفسكَ، إنّما هي من أجل خير الجميع.
"أُخدُموا بعضُكم بعضاً، كلّ واحدٍ بما نال من موهبَةِ، كما يَجدُرُ بالوكلاءِ الصالحينَ على نِعمةِ الله المتنوّعة" (1 بط 4/10)
في هذا التنوّع الكبير للمواهب، لكلُّ واحدٍ منّا موهبته، ومن خلالها يكون له دوره الخاصّ في الجماعة. أمّا أنتَ، فما هو وضعكَ؟ هل لديك شهادة أو اختصاص مُعيّن؟ هلاّ فكّرْتَ بتكريس بعض الوقت أسبوعيّاً من أجل تعليم مَن هو بحاجة إلى مساعدتكَ أو مَن ليس لديه الإمكانيّات اللازمة للتحصيل العلميّ؟
أنتَ يا من تملك قلبًا سخيّاً ألَمْ تفكّرْ يومًا بتسخير قوّتك لتساعد أناساً فقراءَ أو مهمّشين نبذهم المجتمع، فتعيد بذلك إلى قلوب الكثيرين معنى الكرامة الإنسانيّة؟
هل لديك موهبة تعزية الآخرين أو موهبة إدارة البيت أو فنّ الطبخ، أو صنع الألبسة بتكاليفَ زهيدةٍ، أو أي نوع من أنواع الأشغالِ اليدويّةِ..؟ تطلع إلى مَن هم حولك وانظر إن كان باستطاعتك أن تخدم مَن هم بحاجة إليك.
إنّني أشعر بألم كبير حين أرى أناساً يبحثون عن أوقات الفراغ ويُعلّمون كيفيّة ملئها!. من غير المقبول عندنا كمسيحيّين أن نملك أوقات فراغ، طالما هناك على الأرض مريض أو جائع أو سجين أو جاهل، أو إنسان غارق في الشكّ، أو حزين، أو مدمن على المخدّرات، (...) أو أرملة أو يتيم...؟
والصلاة! ما القول عنها؟ ألا تعتبرها موهبة فائقة الطبيعة باستطاعتنا استخدامها؟ نعم، فنحن قادرون في كلّ لحظةٍ أن نتوجّه إلى الله الحاضر في كلّ آنٍ ومكان.
"أُخدُموا بعضُكم بعضاً، كلّ واحدٍ بما نال من موهبَةِ، كما يَجدُرُ بالوكلاءِ الصالحينَ على نِعمةِ الله المتنوّعة" (1 بط 4/10)
تخيّل كيف ستغدو الكنيسة لو أنّ كلَّ المسيحيّين، مهما كانت أعمارُهم، يعملون ما في وسعهم ليضعوا مواهبهم في خدمة بعضهم البعض؟ ستنتصر المحبّة المتبادلة بالطبع، وستأخذ قوّة وصلابة وبُعدًا عميقًا إلى درجة يتعرّفُ الناس من خلالها، على تلاميذِ المسيح الحقيقيّين.(...) فلِمَ لا تبذل قصارى جهدك لنصلَ الى نتيجة كتلك؟
كيارا لوبيك (كانون الثاني 1979)