هاءَنَذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ ( مت 11 /10)
يا صاحب لماذا جئت؟
يا صاحب لماذا جئت؟
(مت 26: 50)
ذهب يهوذا
الإسخريوطى مع الجند للقبض على رب المجد يسوع المسيح بعد أن كان قد باعه بثلاثين من
الفضة لرؤساء الكهنة، و هو ثمن زهيد جداً
و كانت العلامة
للجنود الذين لم يكونوا يعرفون رب المجد يسوع المسيح معرفة تامة هى قبلة من يهوذا لسيده.
وحينما هم
يهوذا بتنفيذ خطته الخبيثة و أقبل مع الجند و قبّل سيده قال له يسوع: يا صاحب لماذا جئت؟ (مت 26: 50)،
و فى النسخة
اليونانية نجد الكلمة المستخدمة هى كلمة إيتا إيروس
وهى كلمة
تعنى صديق أو زميل أو شريك فى العمل أو صاحب، كمان أن اللفظ المستخدم فى النسخة الانجليزية
هى كلمة Friend.
هذا هو يهوذا
.. هذا هو يهوذا الخائن الغادر اللص الذى كان سارقاً للصندوق (يو 12: 6).
هذا هو يهوذا
الذى وبخ المرأة ساكبة الطيب أمام الناس لائماً إياها على إهدار طيب غال الثمن متحججاً
بأنه كان من الأفضل أن يوضع ثمنه فى الصندوق فيظهر أمام الناس بمظهر الحكيم بينما هو
سارق لئيم.
هذا الذى
إختاره رب المجد ليكون كارزاً - بل أنه كان ضمن ممن أرسلهم السيد المسيح للبشارة فرجع
مع من رجعوا فرحين لأن حتى الشياطين كانت تخضع له بإسم سيده المسيح.
كان كارزاً
أمام الناس و هو يضمر الشر فى داخله بينه و بين نفسه.
هذا هو يهوذا
الذى كان يأكل فى نفس الصحفة مع سيده وهو يضمر له الشر فى داخله.
هذا هو يهوذا
الذى إتفق مع الكتبة و الشيوخ و رؤساء الكهنة على أن يبيع لهم سيده مقابل ثمن عبد،
و كانت العلامة
قبلة محبة يعطيها لذلك الذى سوف يقبض عليه الجند.
وهذا هو السيد
المسيح الذى بلاهوته عرف ما يضمره يهوذا الاسخريوطى فى داخله فأرسل له أكثر من تحذير
ينبهه إلى خطورة مصيره الذى يرسمه لنفسه بسلوكياته الخاطئة التى بدأت بالسرقة و المراءاة
و المداهنة حتى إنتهت بالخيانة ثم الانتحار.
كم من مرة
يقول السيد المسيح "إن إبن الانسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه.
ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الانسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد." (مت 26: 24، مر 14: 21).
أى أن السيد
المسيح سبق و قال أنه كده كده حيتسلم و كده كده حيموت و حيتمم النبوات .. فبلاش تيجى
بإيدك إنت يا اللى ناوى تسلمنى.
أو على رأى
المثل "لو صبر القاتل على المقتول كان مات لوحده". و كم من النبوات تنبأها
السيد المسيح عن موته و قيامته على مسمع من يهوذا الإسخريوطى و أنه أتى لهذا الغرض،
فلماذا تكون بيدك أنت يا يهوذا؟!
و حتى فى
لحظة تسليمه و خيانته سأله قائلاً "يا صاحب، لماذا جئت؟"
حتى فى هذه
اللحظة يقول له السيد المسيح أنه ما زال صاحب
و ما زال
صديق و ما زال فى قلب يسوع حتى لا يتسرب له اليأس من مراحم الله و ينتحر
لقد ذكرنى
هذا الموقف بموقف داود النبى و الملك من ذلك الطفل اللقيط الذى وجده وأخذه إلى قصره
و رباه مع أولاده ليشب و يكبر و يصير كبير مستشارين داود الملك
و لكن حينما
ينقلب أبشالوم على أبيه داود ينضم هذا اللقيط إلى الخائن أبشالوم و يشور عليه كيف يذل
و يهين والده أمام الجميع .
ذلك الذى
نذكر فى القداس الإلهى طالبين من الله أن يبدد مشورة الهراطقة كما بدد مشورة أخيتوفل.
و مع ذلك
فحينما يكتب داود مزموراً من أجمل ما كتب عن رد الجميل بالخيانة إذ يقول "طوبى لمن يتعطف على المسكين فى يوم الشر
ينجيه الرب"
.. و تكون نهاية أخيتوفل أيضاً بالانتحار
فكان نبؤة
عن يهوذا الاسخريوطى. و مع هذه الخيانة يقول فيه داود هذا المزمور الرائع بدلاً من
أن يقول "خير تعمل شر تلقى" أو يقول "يا بانى فى غير ملكك، يا مربى
فى غير ولدك"
أو يقول
"إتق شر من أحسنت إليه"
و الآن
..
ماذا عنى أنا؟
لست كثيراً
ما أكون يهوذا الإسخريوطى فى علاقتى بالله؟
ألست كثيراً
ما أسلمه ليصلب مع كل خطية أقترفها؟
ألست أبيع
سيدى بأثمان أزهد من الثلاثين فضة؟
بل كم مرة
أبيع سيدى كل يوم؟
إنى أبيعه
مقابل بضع ساعات من النوم أكثر، أو لذة وقتية، أو مشاهدة مباراة كرة قدم، أو .. أو
.. أو ... و ما أكثر أسبابى هيافة
ألم يختارنى
الله لأكون خادماً فى الكنيسة فكنت سارقاً لمجده و أحاول أن أظهر نفسى و أسرق المجد
لنفسى ليشار لى بدلاً عن خدمتى النارية و التى لولا السيد المسيح ما كنت خادماً لولا
أن إختارنى هو؟!
ألم أغمس
معه يدى فى الصحفة و أتناول من جسده الطاهر و دمه الكريم و أخرج من القداس و أنا أضمر
الشر فى داخلى؟
ألم أقبله
و أحضنه و أنا فى داخلى شر و خيانة؟
وليس بالضرورة
أن أصنع الشر مع رب المجد يسوع المسيح مباشرة، و لكن يكفى أن أصنعه بأحد إخوته الأصاغر
الذى قال عنهم
"الحق أقول لكم بما إنكم فعلتموه بأحد إخوتى
هؤلاء الاصاغر فبى فعلتم" (مت 25: 40)
كم من مرة
خنتك يا سيدى و سلمتك بأقل من ثلاثين من الفضة
و كم من مرة
إخترتنى لأكون كارزاً فإنقلبت عليك و سرقتك
و كم من مرة
حذرتنى من مصيرى إن مضيت فى هذا الطريق عن طريق العظات و كلمات المنفعة التى صممت أذناى
عنها و إستمريت فى طريقى
كم و كم و
كم من مرة ظهرت بمظهر المدافع عن الحق و العدل و أنا آكل مال اليتيم ولا أشفق عليه
حقيقة إنه
بقليل من التفكير و التأمل سأجد إنى أقذر و أحقر و أكثر خيانة من يهوذا الإسخريوطى
ذلك الذى ننبذه فى يوم خميس العهد و نطرده خارج الكنيسة قائلين القطعة اليونانية فى
صلاة باكر من خميس العهد
"يا يهوذا مخالف الناموس بعت المسيح
لليهود مخالفى الناموس" (يوذاس أو باراناموس).
و لكن ..
إن كان يهوذا
لم يفهم الرسالة من كلمة "يا صاحب لماذا جئت؟" فإن الله يشفق علىّ و يتركنى هذا السنة أيضاً
لأسمع نفس الكلمة
فأقول مجاوباً
:
يا رب ما
جئت خائناً ولا مسلماً لك و إنما جئت تائباً طالباً حضنك كأنى أرتمى فيه و أقول :
"أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك"
فأسمعنى ذلك الصوت المملوء فرحاً القائل:
"اليوم ستكون معى الفردوس"
آميـــــــــــــــــن
لمجده تعالى
+ ? +