اللهُ طريقُه كامِل و قَولُ الرَّبِّ مُمَحَّص هو تُرسٌ لِكُلِّ مَن بِه يَعتَصِم ( مز 18 /31)
الرسالة الرسولية
الرسالة الرسولية
«يسرّنا جداً»
(LAETAMUR MAGNOPERE)
لأجل الموافقة على الطبعة اللاتينيّة الرسمية
للتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ونشرها
إلى إخوتنا الأجلاَّءِ الكرادِلة، والبطاركة، ورؤساء الأساقفة، والأساقفة، والكهنة، والشمامسة الإنجيليّين، وإلى سائر أعضاء شعب الله
يوحنَّا بولس الأسقف،
خادم خُدَّام الله
لِذكرى خالدة
يسّرنا جدًّا أن تصدر الطبعة اللاَّتينيّة الرسميّة للتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية التي نوافق عليها وننشرها بهذه الرسالة الرسولية، والتي تصبح النص النهائيّ لهذا التعليم المسيحي. يجري هذا الحدث نحو خمس سنوات بعد إعلان الدستور الرسولي «وديعة الإيمان» ف 11 تشرين الأول سنة 1992، الذي رافق النص الأوَّل باللغة الفرنسية ذلك التعليم، وذلك بداعي الذكرى الثلاثين لافتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني. لقد زادنا سروراً ما تبين لنا من حسن استقبالٍ عامّ لهذا العمل، ومن انتشاره الواسع خلال هذه السنوات، ولا سيما في الكنائس المحلية التي أكبّت على ترجمته إلى لغاتٍ مختلفة، وجعلته أقرب منالاً لدى شعوب العالم المختلفي اللغات. وهذا ما يثبت الطابع الإيجابي للتقرير الذي قدَّمته لنا جمعيّة الأساقفة السينودسيّة غير العادية سنة 1985، وطابت فيه بوضع تعليم مسيحي، أو بخلاصة لكل العقيدة الكاثوليكية في ناحيتيها الإيمانية والأدبيّة.
قامت بهذا المشروع جنة من الكرادلة والأساقفة سنة 1986، فوافقنا عليه وأعلنّا التعليم المسيحي في الدستور الرسولي المذكور آنفاً، والذي لا يزال يحافظ اليوم على قيمته وعلى حاليّته، ويجد تحقيقه بصيغته النهائية في هذه الطبعة اللاتينيّة الرسميّة.
أعدَّت هذه الطبعة لجنة من شتّى التيّارات أنشأناها لهذه الغاية سنة 1993، وعلى رأسها الكردينال راتسنغر، فأكبّت على العمل بلا هوادة لبلوغ الهدف الذي أنشئت له. وقد اهتمت اهتماماً شديداً لتفحص اقتراحات التبديل الكثير التي أُجريت على محتوى النص، والواردة في شتّى اقطار العالم، كما اهتمت للمطالب المختلفة التي تقدّم بها الاكليروس العالمي على مرّ هذه السنوات.
وهذا العدد الكثير من عروض التحسين يدل، قبل كل شيء على اهتمام العالم كله بهذا التعليم، حتى في الأوساط غير المسيحية، وهو إلى ذلك يُثبت غائيّته، في عرضٍ كاملٍ وغير منقوص، للعقيدة الكاثوليكية، يُتيح لكل واحد أن يعرف ما تعترف وتحتفل به الكنيسة، وما تحياه وتُصلِّيه في حياتها اليومية. وفي هذا العرض نفسه إيضاح لواجب كل شخص في الإسهام الفعلي، حتى يصبح من الممكن أن يُقدَّم لعالم اليوم، الإيمان المسيحي الذي يلخص هذا الكتاب تعاليمهُ الجوهرية، بالطريقة الأشد ملاءمةً. بهذا الإسهام المتعدد والمتكافئ لدى أعضاء الكنيسة، يتمّ أيضاً ما قلناه في الدستور الرسولي «وديعة الإيمان»: «ان تضافر هذا العدد الكبير من الأصوات يُعبّر في الحقيقة عما نستطيع أن نسميه «سمفونية الإيمان» (الرقم2).
ولهذه الأسباب اخذت اللجنة بعين الاعتبار الاقتراحات الواردة وتفحّصتها بدّقة وفي دوراتٍ مختلفة، وقدمت لنا النتائج التي توصلت اليها لنوافق عليها. فإذا أتاحت هذه النتائج فهماً أفضل لمضمون التعليم المسيحي بالنسبة إلى وديعة الإيمان الكاثوليكي، أو بسبب أنها تسمح بصياغة بعض حقائق الإيمان أكثر ملاءمةً لمقتضيات التعليم الحالي، وافقنا عليها شخصياً فأُدرجت في مضمون هذه الطبعة اللاتينية الرسمية، وهكذا فهذه الطبعة تكرر بأمانة التعاليم العقائدية التي قدمناها رسمياً للكنيسة وللعالم في كانون الأول سنة 1992.
فنَشْرُ هذه الطبعة اللاتينية الرسميَّة اليوم يَحتِم مراحل إعداد التعليم المسيحي التي بدأت سنة 1986، ويُتوج نجاح رغبة جمعية الأساقفة السينودسية غير العادية. فلدى الكنيسة اليوم هذه النشرة الجديدة للإيمان الرسولي الواحد والأزلي وهي الكلمة الفصل التي ستكون «الارادة الحقيقية والمعترف بها لدى الجماعة الكنسية»، «والنص الأصيل» الذي يُرجع اليه في كل وضع كتب التعليم المسيحي المحليّة (راجع وديعة الإيمان، 4).
في هذا العرض الأصيل والمنسق للإيمان وللعقيدة الكاثوليكية سيجد التعليم الديني طريقاً سوية لتقديم كل وجه من وجوه الرسالة المسيحية، لإنسان اليوم، باندفاع جديد ونشاطٍ متجدد. سيجدُ كل عامل في حقل التعليم الديني ما يساعده في هذا النص على نقل وديعة الإيمان الوحيدة والأزلية الى بيئته ومجتمعه، عاملاً، بعون الروح القدس، على الجمع ما بين وحدة السّر المسيحي العجيبة وتعدُّد متطلبات وحالات من يوجه اليهم بشارته. ومن شأن نشاط التعليم الديني كله أن يكتسب اندفاعاً جديداً واسع النطاق لدى شعب الله، اذا استطاع ان يُحسن استعمال هذا التعليم المسيحي ويكتشف قيمته الحقيقية.
وهذا كلّه أشدّ أهميّةً اليوم ونحن نُطِلّ على الألف الثالث للميلاد. فلابُدّ من عملٍ تبشيريّ عاجل وواسع، حتى يستطيع الجميع أن يعرفوا ويتقبلوا رسالة الإنجيل، وينمو كل واحد «الى ملءِ اكتمال المسيح» (أف4: 13).
اننا ندعو بإِلحاح إخوتنا الأجلاء في الأسقفية، الذين يتوجه اليهم تعليم الكنيسة الكاثوليكية بنوع خاص، الى أن يضاعفوا نشاطهم، وهم يتلقَّون هذه الطبعة اللاتينية، لنشر نصها على مجال أوسع، والعمل على تقبله على وجه إيجابيّ، على أنه هبةٌ ثمينة للجماعات المؤتمنين عليها، تتيح لها ان تكتشف، من جديد، غنى الإيمان غير المحدود.
فنأمل أن تتضافر جميع قوى شعب الله، ويتعاون جميع أفراده، ليصل الجميع الى معرفة هذا التعليم المسيحي ويتقيدوا بما فيه، حتى تتقوى وتمتد الى أقاصي الأرض هذه الوحدة في الإيمان التي تجد لها مثالاً ومبدأً في وحدة الثالوث.
إننا نستودعُ مريم أم المسيح هذه الآمال ونحن نحتفل اليوم بصعودها الى السماء، جسداً وروحاً، حتى تتحقق لخير البشرية الروحي.
من كاستلغندلفو، في 15 آب 1997
السنة التاسعة عشرة لحبريتّنا
+ يوحنا بولس الثاني