أَمَّا أَنا فبِالبِرِّ أُشاهِدُ وَجهَكَ و عِندَ اليَقظَةِ أَشبعُ مِن صورَتكَ ( مز 17 /15)
تذكار القديس يوسف خطيب سيدتنا و أمنا مريم العذراء + صلوات
في ذكرى عيد مار يوسف البتول خطيب مريم العذراء
نقف اجلالا واكراما لذلك الرجل المختفي الذي لم ينطق بكلمة واحدة لا بلسانه ولا في الكتب ، وحتى الأناجيل لم تذكره إلا ما جاء في انجيل متى عند سرده لقصة ميلاد يسوع حيث قال عنه :
" كان يوسف خطيبها بارا " ( متى 1 : 19 ) .
تجاهل الباحثون والمؤرخون عن ذكره ، وحتى الكهنة والوعّاظ " مع الأسف " في عصرنا الحاضر تناسوه في خطبهم ومقالاتهم ..
أما الروحانيون وأصحاب التقوى والفضيلة والذين هاموا بحب المسيح وذاقوا طعم التجرد والتضحية ونكران الذات ، هولاء وحدهم رفعوه الى المقام السامي الذي لم ينله أحد سواه فاعتبروه :
" أشرف قديس ... بتولا ... عفيفا ... زين الأبكار ... يوسف المختار ... كاملا بالفضائل ... مملوءا من الانعام ... شاهدا لسر الفداء ...
أبا ومربيا للأيتام ... شفيع العوائل ... جليلا في الأنام ... فخر العباد ... شفيع العمال ... شفيع الميتة الصالحة ... وصديق الله " .
خطب يوسف فتاة طيّبة من أهل الجليل أسمها " مريم " من عائلة متواضعة تعيش كفاف يومها بسعادة وقناعة ، تخدم في الهيكل وتتعبّد لربها .
اتفق يوسف معها ومع أهلها على أن تكون زوجته ، وذهب يوسف بفرح عظيم يجهّز بيته المتواضع الكائن في بلدة الناصرة ليكون مسكناً لمريم
يوسف ،
إنَّ يوسف الصدّيق والبار ... لم يخطر على باله يوما أن مريم ستكون أم المخلص المنتظر ، وأن الملاك جبرائيل قد حمل اليها البشارة ، رغم كونه متعمقاً بكل ما جاء في الكتب المقدسة عن المسيح المنتظر وعن كيفية مجيئه وما قيل عنه في سفر اشعيا النبي:هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا و تدعو اسمه عمانوئيل..(اشعيا 7 : 14) .
كان يوسف ينتظر الخلاص من الله شأنه شأن سائر شعب الله المنكوب ، لأنه بعد أن مدّ الفقر والاستياء أذياله على عموم الناس كان الجميع ينتظر بفارغ الصبر رسولا من السماء ينعش ويعيد روح الله في قلوب البشر.
وحدث ليوسف ما لم يحدث لغيره سواه ... عندما أراد أن يأتي بخطيبته الى بيته ، وجـــدها ( حبلى ) . تنتظر مولودا ...
فأضطرب وخاف كما جاء في الانجيل ، وتساءل ما عسى أن يكون هذا ،
فأضطرب وخاف كما جاء في الانجيل ، وتساءل ما عسى أن يكون هذا ،
فاحتار في أمرها ..
وهكذا تعرّض يوسف لمحنة قاسية أوشكت أن يؤدي بعلاقته مع مريم الى حد القطيعة والانفصال : فهو يعتبرها شريكة عذراء طاهرة
وإذا بها حبلى .. ذلك يفوق ادراك عقله ، لكن رغم ذلك لم يفقد صوابه ولا تفوّه بكلمة لا مع مريم ولا مع غيرها حول أي نوع من القلق والظنون
لأنه كان مقتنعا ببراءة مريم خطيبته ، ولم يسيء الظن بها مطلقا ، ولكن عدم تمكنه من ايجاد تفسير لما يراه عليها من تغييرات ، دفعه الى أن يتخذ قرارا بتخليتها سرّا دون اثارة اية ضجّة تلحق بها الضرر ،
لأنه مجرّد أن يخبر عن سرّها تنال مريم عقوبة الرجم حتى الموت بحسب الشريعة اليهودية ، لكنه لم يفعل ،
قد يكون باعتقادي لهذا الأمر بالذات يدعوه الانجيل : البار ... الصدّيق.
لم يتركه الله طويلا في حالة الشك والاضطراب
فارسل له الملاك وأخبره حقيقة مريم
وشجّعه وأفهمه بأن الرب اختاره هو أيضا لتحمّل أعظم مسؤولية ألقيت على عاتق بشر ، ليكون أبا ومربيا لإبنه الوحيد يسوع المسيح ، من دون تأثير على حريته أو الضغط على قراره .
عندما أدرك يوسف مقاصد الله وتدابيره من الملاك استجاب لها واندمج معها ، فآمن بالسر الكبير وقبل المهمة التي كلّفه بها الله أن يكون أمام المجتمع الأب الشرعي ليسوع الذي كان الجميع يكنّونه بابن النجار.
( يوحنا 6 : 42 ) .
هكذا آمن يوسف واحتفظ بمريم وأتى بها الى بيته فرحا مسرورا لهذا الشرف السامي الذي خصّه به الله ليكون مربيا ليسوع ابن الله .
عندما ولد يسوع تهلل قلبه من أصوات الملائكة وهم ينشدون المجد والسلام بمولده.
مع مريم استقبل الرعاة والمجوس الذين اتوا من الشرق ليسجدوا له .
مع مريم هرب بيسوع الى مصر لما أوحي اليه أن حياة الطفل مهددة .
مع مريم ويسوع ذاق طعم التشرد والهرب والغربة والانتظار ،
مع مريم ويسوع ذاق طعم التشرد والهرب والغربة والانتظار ،
لكنه كان ينعم بفرح كبير كونه حارس مخلّص العالم .
نذر يوسف حياته كلها مضحيا بكل ما لديه للعناية بيسوع وبأمه مريم .
أحبّهما من كل قلبه لذلك استحق أن يموت ميتة صالحة بين يدي يسوع ومريم العذراء .
هذا هو يوسف الذي ضرب أروع مثال في التضحية والعطاء ونكران الذات خدمة لخير البشرية الأكبر الذي سيحققه ابنه يسوع يوما ما ،
ويكفيه شرفا وفخرا وهو الرجل المتواضع المختفي أن يكون قد أوصل بالتعاون مع مريم ابنه يسوع الى كمال الرجولة من خلال تربية متكاملة الجوانب
هذه كانت رسالة يوسف وتضحيته العظمى .. فهل نجد اليوم أمثال يوسف..؟؟
حتى من بين المكرسين للرب ...!!! عرفوا حقا معنى التضحية وذاقوا طعم التجرد وذهبوا الى أقصى حدود في نكران الذات لإجل خلاص النفوس .
أختم كلامي عن هذا القديس العظيم بما قالته في شفاعته القديسة تريزا التي من افيلا.
قالت: "اناشد بالرب جميع الذين يشكّون في كلامي عن قوة شفاعة القديس يوسف، بأن يجرّبوا الأمر هم انفسهم، فيتأكد لهم كم شفاعته قادرة، وكم يجنون لذواتهم من الخير اذا كرّموا هذا الأب الأكبر المجيد، والتجأوا إلى معونته".
صلاة لمار يوسف شفيع الكنيسة العام
(البابا لاون الثالث عشر)
إليك نهرع في شدائدنا، إيها الطوباوي يوسف، ونستغيث واثقين بحمايتك بعد ان استعنّا بحماية عروسك الكية القداسة.
ونسألك متوسلين بحق ذلك الرباط الوثيق، رباط المحبّة، الذي وحّد بينك وبين العذراء البريئة من العيب أمِّ الله، وبالحب الأبوي الذي احتضنت به الطفل يسوع، ان تنظر منعطفاً الى الميراث الذي اقتناه يسوع المسيح بدمه،
وتساعدنا في حاجاتنا بما لكَ من الفعل والمقدرة، يا حارساً جزيل العناية بالعائلة المقدسة، اي ذرية يسوع المختارة.
فاصرف عنّا، ايها الأب الكلية محبته، وباء الأضاليل والمفاسد بأسرها. يا نصيرنا القدير، بعطفك علينا، قف الى جنبنا عضداً من السماء في هذه المعركة بيننا وبين قوات الظلام.
وكما خلّصت يوماً الطفل يسوع من الخطر العظيم المحدق بحياته، هكذا احمِ الآن كنيسة الله المقدسة من مكايد الاعداء ومن كل كارثة.
ابسط على كلٍّ منّا طلَّ حمايتكَ الدائمة، بحيث نستطيع، على مثالك وبواسطة معونتك، ان نحيا حياة مقدسة، ونموت ميته صالحة،
ونحصل على السعادة الأبديّة في السماوات. آمين
يا مار يوسف كن معنا دوما وأجعلنا أن نتشبّه بك
بالقول والعمل لنصبح جميعا ...
يوسف البار ... صديق الله ..