فإِنِّي تَحَمَّلتُ العارَ مِن أَجلِكَ و غَطَّى الخَجَلُ وَجْهي (مز 69 /8)
رسالة فصح 2009 - البطريرك صفير
رسالة فصح 2009
"كن مؤمنا لا غير مؤمن"
(يو 20: 27)
قيامة السيد المسيح من بين الأموات هي أكبر برهان على ألوهته. وما سبق لأحد من الناس أن مات ثمّ قام من بين الأموات. والمسيح هو من أعطى هذا البرهان بقوله لليهود: "أنقضوا هذا الهيكل وأنا أقيمه في ثلاثة أيام".[1] وداخل سامعيه العجب، فقالوا" بُني هذا الهيكل في ستّ وأربعين سنة، وتقيمه في ثلاثة أيام ؟ أمّا هو فكان يتكلّم عن هيكل جسده.
[2] وأساؤوا فهم ما قال.
قيامة السيد المسيح من بين الأموات هي البرهان الأكبر الذي أعطاه عن ألوهته. البشر يموتون ولا يعودون الى هذه الحياة. أما المسيح فقد مات وعاد حيّا ،انما بجسم غير ترابي. وقيامته هي عربون لقيامتنا نحن من رقدة التراب. لذلك يقول بولس الرسول:" ان متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا معه"
[3] .
ولكي نتمكّن من أن نحيا مع المسيح بعد الموت، يجب أن نعيش معه في حال الحياة على الأرض. وهذا يعني أنه علينا أن نتشبّع من تعاليمه، ونضعها موضع العمل، ونطبّقها على حياتنا اليومية في جميع مراحلها. والمسيحي لا يمكنه أن يكون مسيحيا في الكنيسة، وغير مسيحي في عالم الأعمال، فيجيز لنفسه ما لا يجيزه الحق والعدل والضمير المستنير بنور الايمان.
والمسيحي الذي يريد أن يعيش حياته المسيحية كما يريدها المسيح، لا يمكنه أن يستبيح المحرّمات وينتهك الحرمات، ويرتكب المنكرات، كأن له طريقتين في التعامل : احداهما مع الله والثانية مع الناس. يجب أن يكون هناك تآلف بين طريقتي حياته. لا بل عليه أن يحيا حياة واحدة مع نفسه ومع الناس ومع الله. والصدق مع الذات هو الشرط الذي لا بدّ منه ليحيا الانسان في جوّ من الصدق مع الناس. ومن لم يكن صادقا مع نفسه، فكيف بامكانه أن يكون صادقا مع الناس؟
ان تعليم الكنيسة الكاثوليكية المسيحي يقول: "يجب أن يعيش المسيحي في الحقيقة مثل الله."
في المسيح يسوع تجلّت حقيقة الله بكاملها، فهو مملؤ من النعمة والحق[4]. ومن آمن به لا يبقى في الظلام. وتلميذ المسيح يثبت في كلمته ليعرف الحقيقة التي تحرّر [5].وتقدّس [6]. واتّباع يسوع يعني أن يحيا المؤمن من روح الحق [7] الذي يرسله الآب باسمه[8]، والذي يقود " الى الحقيقة كلها"[9] .لقد علّم المسيح تلاميذه محبة الحقيقة غير المشروطة:" ليكن كلامكم نعم؟ نعم! ولآ؟ لآ!.
[10].
لو كنّا نعتمد في حياتنا اليومية لغة واحدة، دونما ازدواجية، أو مواربة، لكنّا نعيش في وضوح، ولما كان يسود مجتمعنا هذا الضياع الذي نلقاه. والصراحة تقضي بأن يكون كلامنا ما علّمناه السيد المسيح، وهو من قال: "ليكن كلامكم نعم. نعم! ولآ.لا!".
"ان الشريعة الطبيعية مكتوبة ومحفورة في نفس جميع الناس وفي كل منهم، لأنها العقل البشري الذي يأمر بالخير وينهى عن المنكر...ولكن هذا الأمر الآتي من العقل البشري لن يكون له قوّة الشريعة ، ان لم يكن صوتا وترجمانا لعقل أسمى يجب أن يخضع له روحنا وحريتنا"
[11].
ان الشريعة" الالهية والطبيعية " تُظهر للانسان الطريق الذي يجب اتباعه ليعمل الخير ويبلغ الغاية. ان الشريعة الطبيعية تعلن القواعد الأولية والجوهرية التي تحدّد الحياة الأخلاقية. وهي تدور على التوق الى الله والخضوع له، وهو ينبوع كل خير والحَكَم فيه، وهذا كله تعرضه وصايا الله في مبادئه الأولية. وهذه الشريعة هي خالدة ، ليس بالعودة الى طبيعة الكائنات غير العاقلة، بل لأن العقل الذي يأمر بها يعود الى الطبيعة البشرية".[12]
ومن أراد أن يكون مرضيا لله وبالتالي لضميره عليه أن يتبع هذه القاعدة التي سنّها الله، وهي قاعدة الاستقامة والضمير الحيّ.
بعد أسابيع سيدعى اللبنانيون الى انتخاب نوابهم. وعليهم في ذلك أن يلبّوا داعي الوطنية السليمة دون أن يؤخذوا يأيّة مغريات. وليضع كل منهم نصب عينيه مصلحة الوطن بكامله، وليس مصلحته الشخصية الضيّقة. وليفكّروا قبل كل بمصلحة بلدهم، وأولادهم، والأجيال الطالعة، وليحسنوا الاختيار، وليحكّموا ضميرهم. وليذكروا القول الذي أصبح مأثورا:" من اشتراك باعك". وليضعوا ورقتهم في صندوق الاقتراع غير ملبّين الا لداعي ضميرهم الحرّ، المستقيم وخير الوطن بكامله .
وأنا نسأل الله أن يعيد عليكم أعيادا عديدة ملؤها البركة والخير والطمأنينة وراحة البال.
بكركي في 10 نيسان 2009 .