صوتٌ سُمِعَ في الرَّامة بُكاءٌ ونَحيبٌ شَديد راحيلُ تبكي على بَنيها وقَد أَبَتْ أَن تَتَعزَّى لأَنَّهم زالوا عنِ الوُجود . مت-2-18
الإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6) - الموقع الرسمي لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس
الإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6)
«لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة» (غل5: 6)
يؤكّد الرسول بولس في قوله هذا الذي وجهه في حينه إلى أهل الإيمان في غلاطية، على أهمية اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان في الحياة المسيحية الحقة
جاعلاً ذلك حقيقة إيمانية في الدين المسيحي المبين، كاشفاً النقاب عن بطلان شريعة الختان التي كانت علامة عهد بين اللّـه وإبراهيم أبي الآباء
وبينه تعالى والنبي موسى وشعبه. وإن شريعة الختان هذه أضحت كالغرلة لا قيمة روحية لها ولا أهمية في المسيحية بل إن من يمارسها دينياً يصبح غريباً عن المسيح، وبهذا الصدد يقول الرسول بولس في موضع آخر
«إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً»(غل5 : 2) فالأمر المهم في المسيحية هو الإيمان الذي يعلنه الإنسان حالما ينتمي إلى المسيح يسوع
ثم الإيمان العامل بالمحبة أي المقترن بالأعمال الصالحة بعد إقامته العهد مع اللّـه بولادته الجديدة من السماء بنيله سر المعمودية المقدس فيتبرر
ويتقدس ويصير ابناً للّه بالنعمة. ويبرهن على صدق إيمانه بتحلّيه بالأعمال الصالحة وبخاصة فضيلة المحبة الصادقة التي اعتبرها الرب يسوع علامة واضحة مميزة لتلاميذه بقوله:
«بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حبّ بعضاً لبعض»(يو13 : 35)
أجل إننا بمحبتنا اللّـه تعالى التي تظهر بمحبتنا القريب نتحلى بالإيمان العامل بالمحبة.
ويعرّف الرسول بولس الإيمان بقوله: «أما الإيمان فهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى»(عب11: 1)
وبعبارة أخرى، الإيمان هو التسليم بكل ما أعلنه لنا اللّـه تعالى على ألسنة أنبيائه في أسفار العهد القديم ورسله الأطهار وتلاميذه الأبرار في أسفار العهد الجديد من حقائق إيمانية ولئن لا تدركها عقولنا البشرية، وقبول دساتير الإيمان المسيحي التي حددتها المجامع المسكونية الثلاثة في نيقية
سنة 325 وقسطنطينية سنة 381 وأفسس سنة 431 وصار قبولها ملزماً على المؤمنين.
كما إن الإيمان هو أيضاً اليقين بالأمور المرجوة فنراها وكأنها قد تمت فعلاً، فالإيمان المسيحي إذن يجمع بذاته التسليم بالعقائد الإيمانية، والثقة بالرب يسوع المسيح ابن اللّـه الوحيد وفادي البشرية.
وتنجلي قوة الإيمان المسيحي الحي عندما الإيمان يقترن بالأعمال الصالحة الموازية له، والتي هي ضرورية للخلاص مثله.
وبهذا الصدد يقول الرسول يعقوب للذين يدّعون أنهم مؤمنون «ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد أن له إيماناً ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلّصه...، أنت تؤمن أن اللّـه واحد حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت. ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال إذ قدم اسحق ابنه، ترون إذن أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده»(يع2: 14 ـ 24).
أجل قد يبدو كلام الرسول يعقوب هذا مناقضاً لكلام الرسول بولس الذي يقول: «متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدّمه اللّـه كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله... إذن نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس»(رو3 : 24 ـ 31).
ثم يتخذ الرسول بولس من إبراهيم كما فعل الرسول يعقوب مثالاً على ذلك إذ يقول: «آمن إبراهيم باللّـه فحسب له براً... فكيف حُسب أَهو في الختان أم في الغرلة ليس في الختان بل في الغرلة وأخذ علامة الختان ختماً لبر الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أباً لجميع الذين يؤمنون وهم في الغرلة كي يحسب لهم أيضاً البر. وأباً للختان للذين ليسوا من الختان فقط بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا إبراهيم»(رو4: 1 ـ 12).
وقد كتب القديس البطريرك مار سويريوس الكبير تاج السريان رسالة إلى يوليان أسقف هاليكارتاس تضمنت التوفيق بين قَوْلَيْ الرسولين في موضوع التبرير بالإيمان والأعمال شارحاً ذلك بما خلاصته أن غير المسيحي
ولئن لم يأت أعمالاً صالحةً عندما يؤمن بالمسيح ينال حالاً مغفرة خطاياه الجدية والشخصية بالإيمان وحده
وبعد أن يعتمد باسم الثالوث الأقدس ينال الخلاص بناءً على قول الرب يسوع:
«من آمن واعتمد خَلَصَ ومن لم يؤمن يدن»(مر16: 16) وبالمعمودية يولد من السماء ويصير ابناً للّه بالنعمة ويبدأ عهداً جديداً مع اللّـه
ويصمم أن يسلك كما يحق لإنجيل المسيح مقرناً إيمانه بالأعمال الصالحة وإلاّ حينذاك يصير إيمانه باطلاً ما لم يقترن بالأعمال الصالحة وعلى حد تعبير الرسول يعقوب «الإيمان بدون أعمال ميت»(يع 2: 20).
تماماً مثل إبراهيم الذي حسب إيمانه براً وهو في الغرلة أما بعد الختان فقدم أعمالاً صالحةً مقترنةً بالإيمان إذ أطاع أمر اللّـه وقدم ابنه
وحيده اسحق للذبح ورأينا أن الرب يسوع يركز على أعمال إبراهيم لما قال لليهود جواباً على قولهم أبونا هو إبراهيم قال لهم: «لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم» (يو 8: 38 و39).
فيجب أن يكون إيمانه «الإيمان العامل بالمحبة» (غل 5: 6) على حد تعبير الرسول بولس الذي يقول أيضاً
«لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند اللّـه بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون»(رو 2: 13) وهذا القول مبني على تعليم الرب يسوع القائل:
«ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات»(مت 7: 21).
وقد أيّد له المجد تعليمه هذا عملياً عندما «جاء إليه مرة أمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع فأخبروه قائلين أمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك فأجاب وقال لهم أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة اللّـه ويعملون بها»(لو 8: 19 ـ 21).
ولا غرو من ذلك فقد أعلن رب المجد قانون الحكم في دينونة العالمين في السماء الذي هو قانون «الإيمان العامل بالمحبة»
ومن علامة المحبة المميزة خدمة إخوة يسوع الأصاغر ففي يوم الدين سيقول الرب يسوع للمؤمنين الصالحين
«تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني مريضاً فزرتموني محبوساً فأتيتم إليَّ فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك، ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك. فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم»(مت 25: 34 ـ 40).
أما الأشرار فسيقول لهم «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته...» (مت 25: 41)
ويعلل الرب إصداره هذا الحكم عليهم لأنهم لم يفعلوا الخير لمن كانوا بحاجة إلى ذلك فكأنهم لم يفعلوا للرب يسوع ذاته، فيمضي الأشرار إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية (مت25: 46)
ويقول الرسول بولس بهذا الصدد لأهل كورنثوس: «لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً»(2كو5: 10) وقال في رسالته إلى العبرانيين
«لأن اللّـه ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم»(عب6: 10).
أجل، من هنا نعلم أن الرب يسوع يريدنا أن نخدم القديسين وإخوته المعوزين ونشعر معهم فنرعى أمورهم ونمد يد العون للفقير ونتفقد الأرامل والأيتام، معتبرين خدمتنا لهم خدمة للرب يسوع ذاته لأنهم إخوته الأصاغر، وما نفعله معهم ولهم كأننا فعلناه له.
ويعتبر هذا العمل من صلب الدين المسيحي كقول الرسول يعقوب:
«الديانة الطاهرة النقية عند اللّـه الآب هي هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم»(يع1: 27).
كما أن الرحمة هي ابنة المحبة فمن عمر قلبه بمحبة اللّـه تظهر محبة اللّـه بمحبته للقريب. وهذا معلمنا الرسول بولس في الإصحاح الثالث عشر من رسالته الأولى إلى أهل الإيمان في كورنثوس
يتغنى بفضيلة المحبة ولذلك يدعى ذلك الإصحاح أنشودة المحبة حيث يفضل أفعالها وثمارها وتضحياتها على الاستشهاد في سبيل الإيمان واجتراح المعجزات الباهرات حتى نقل الجبال والتكلم باللغات العديدة، ويختم الرسول هذا الإصحاح بقوله:
«أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة»(1كو13: 13) فالمحبة أعظم الفضائل وهي زبدة الوصايا الإلهية. وما أسمى جواب الرب يسوع للناموسي الذي سأله قائلاً:
«يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك، بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء»(مت22: 35 ـ 40).
فما أروع المحبة التي وصفها الرسول يوحنا بقوله: «اللّـه محبة».
أيها الأحباء: يعلمنا الرب يسوع في مثل العذارى العشر الخمس الحكيمات والخمس الجاهلات درساً في الإيمان والرجاء والمحبة
فقد كانت جميع العذارى العشر مؤمنات ومنتظرات مجيء الرب ثانية بإيمان متين ورجاء لا يخيب ولكن عندما أبطأ مجيئه نعسن كلهن
ونمن ولما جاء العريس دخلت العذارى الخمس الحكيمات معه إلى العرس أما العذارى الخمس الجاهلات اللواتي كان لهن الإيمان والرجاء كصديقاتهن ولم يكن لهن زيت الأعمال الصالحة
وخاصة زيت المحبة وابنتها الرحمة فانطفأت سرجهن وذهبن إلى الباعة ليشترين زيتاً وحينذاك جاء العريس فدخلت معه إلى العرس العذارى الخمس الحكيمات المستعدات اللواتي كان لهن إلى جانب الإيمان والرجاء،
الأعمال الصالحة أعمال الرحمة والمحبة، أما الجاهلات فطردن إلى الظلمة الخارجية.
فالإيمان إذن بدون الأعمال ميت. وكما يعلمنا الرب يسوع أيضاً درساً في ضرورة الأعمال الصالحة إلى جانب الإيمان، في مثل الغني ولعازر (لو16: 19 ـ 31) وقد بنى على هذا المثل ملفان الكنيسة القديس مار يعقوب السروجي موعظة روحية رائعة في ميمر يعتبر من عيون الأدب السرياني الروحي حيث يقول:
لم تسجل خطية لهذا الغني ولم يذكر عنه أنه أتى أمراً منكراً قط لا بل كان متمسكاً بالناموس الموسوي تمسكاً شديداً وكان يدعو إبراهيم (أبي إبراهيم) ولما مات رأى نفسه يتعذب في الجحيم والسبب في ذلك لأنه لم يرحم لعازر المسكين الذي كان مطروحاً عند بابه يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني.
أيها الأحباء: إن حلول موعد الصوم الأربعيني المقدس يعد فرصة ذهبية سانحة لنا لنجاهد روحياً ضد إبليس ونغلبه بإيماننا
الذي هو علامة النصر، فلنلهج بناموس الرب ليلاً ونهاراً... ونمارس الفضائل السامية ولنقرن إيماننا بالأعمال الصالحة وبخاصة أعمال الرحمة كتوزيع الصدقات
ومساعدة الفقراء ورعاية الأيتام والأرامل فيكون إيماننا حقاً عاملاً بالمحبة فننال الغلبة بالإيمان
وبعبارة أخرى، الإيمان هو التسليم بكل ما أعلنه لنا اللّـه تعالى على ألسنة أنبيائه في أسفار العهد القديم ورسله الأطهار وتلاميذه الأبرار في أسفار العهد الجديد من حقائق إيمانية ولئن لا تدركها عقولنا البشرية، وقبول دساتير الإيمان المسيحي التي حددتها المجامع المسكونية الثلاثة في نيقية
سنة 325 وقسطنطينية سنة 381 وأفسس سنة 431 وصار قبولها ملزماً على المؤمنين.
كما إن الإيمان هو أيضاً اليقين بالأمور المرجوة فنراها وكأنها قد تمت فعلاً، فالإيمان المسيحي إذن يجمع بذاته التسليم بالعقائد الإيمانية، والثقة بالرب يسوع المسيح ابن اللّـه الوحيد وفادي البشرية.
وتنجلي قوة الإيمان المسيحي الحي عندما الإيمان يقترن بالأعمال الصالحة الموازية له، والتي هي ضرورية للخلاص مثله.
وبهذا الصدد يقول الرسول يعقوب للذين يدّعون أنهم مؤمنون «ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد أن له إيماناً ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلّصه...، أنت تؤمن أن اللّـه واحد حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت. ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال إذ قدم اسحق ابنه، ترون إذن أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده»(يع2: 14 ـ 24).
وقد كتب القديس البطريرك مار سويريوس الكبير تاج السريان رسالة إلى يوليان أسقف هاليكارتاس تضمنت التوفيق بين قَوْلَيْ الرسولين في موضوع التبرير بالإيمان والأعمال شارحاً ذلك بما خلاصته أن غير المسيحي
ولئن لم يأت أعمالاً صالحةً عندما يؤمن بالمسيح ينال حالاً مغفرة خطاياه الجدية والشخصية بالإيمان وحده
وبعد أن يعتمد باسم الثالوث الأقدس ينال الخلاص بناءً على قول الرب يسوع:
«من آمن واعتمد خَلَصَ ومن لم يؤمن يدن»(مر16: 16) وبالمعمودية يولد من السماء ويصير ابناً للّه بالنعمة ويبدأ عهداً جديداً مع اللّـه
ويصمم أن يسلك كما يحق لإنجيل المسيح مقرناً إيمانه بالأعمال الصالحة وإلاّ حينذاك يصير إيمانه باطلاً ما لم يقترن بالأعمال الصالحة وعلى حد تعبير الرسول يعقوب «الإيمان بدون أعمال ميت»(يع 2: 20).
تماماً مثل إبراهيم الذي حسب إيمانه براً وهو في الغرلة أما بعد الختان فقدم أعمالاً صالحةً مقترنةً بالإيمان إذ أطاع أمر اللّـه وقدم ابنه
وحيده اسحق للذبح ورأينا أن الرب يسوع يركز على أعمال إبراهيم لما قال لليهود جواباً على قولهم أبونا هو إبراهيم قال لهم: «لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم» (يو 8: 38 و39).
فيجب أن يكون إيمانه «الإيمان العامل بالمحبة» (غل 5: 6) على حد تعبير الرسول بولس الذي يقول أيضاً
«لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند اللّـه بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون»(رو 2: 13) وهذا القول مبني على تعليم الرب يسوع القائل:
«ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات»(مت 7: 21).
وقد أيّد له المجد تعليمه هذا عملياً عندما «جاء إليه مرة أمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع فأخبروه قائلين أمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك فأجاب وقال لهم أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة اللّـه ويعملون بها»(لو 8: 19 ـ 21).
ومن علامة المحبة المميزة خدمة إخوة يسوع الأصاغر ففي يوم الدين سيقول الرب يسوع للمؤمنين الصالحين
«تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني مريضاً فزرتموني محبوساً فأتيتم إليَّ فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك، ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك. فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم»(مت 25: 34 ـ 40).
أما الأشرار فسيقول لهم «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته...» (مت 25: 41)
ويعلل الرب إصداره هذا الحكم عليهم لأنهم لم يفعلوا الخير لمن كانوا بحاجة إلى ذلك فكأنهم لم يفعلوا للرب يسوع ذاته، فيمضي الأشرار إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية (مت25: 46)
ويقول الرسول بولس بهذا الصدد لأهل كورنثوس: «لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً»(2كو5: 10) وقال في رسالته إلى العبرانيين
«لأن اللّـه ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم»(عب6: 10).
ويعتبر هذا العمل من صلب الدين المسيحي كقول الرسول يعقوب:
«الديانة الطاهرة النقية عند اللّـه الآب هي هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم»(يع1: 27).
كما أن الرحمة هي ابنة المحبة فمن عمر قلبه بمحبة اللّـه تظهر محبة اللّـه بمحبته للقريب. وهذا معلمنا الرسول بولس في الإصحاح الثالث عشر من رسالته الأولى إلى أهل الإيمان في كورنثوس
يتغنى بفضيلة المحبة ولذلك يدعى ذلك الإصحاح أنشودة المحبة حيث يفضل أفعالها وثمارها وتضحياتها على الاستشهاد في سبيل الإيمان واجتراح المعجزات الباهرات حتى نقل الجبال والتكلم باللغات العديدة، ويختم الرسول هذا الإصحاح بقوله:
«أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة»(1كو13: 13) فالمحبة أعظم الفضائل وهي زبدة الوصايا الإلهية. وما أسمى جواب الرب يسوع للناموسي الذي سأله قائلاً:
«يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك، بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء»(مت22: 35 ـ 40).
فما أروع المحبة التي وصفها الرسول يوحنا بقوله: «اللّـه محبة».
فقد كانت جميع العذارى العشر مؤمنات ومنتظرات مجيء الرب ثانية بإيمان متين ورجاء لا يخيب ولكن عندما أبطأ مجيئه نعسن كلهن
ونمن ولما جاء العريس دخلت العذارى الخمس الحكيمات معه إلى العرس أما العذارى الخمس الجاهلات اللواتي كان لهن الإيمان والرجاء كصديقاتهن ولم يكن لهن زيت الأعمال الصالحة
وخاصة زيت المحبة وابنتها الرحمة فانطفأت سرجهن وذهبن إلى الباعة ليشترين زيتاً وحينذاك جاء العريس فدخلت معه إلى العرس العذارى الخمس الحكيمات المستعدات اللواتي كان لهن إلى جانب الإيمان والرجاء،
الأعمال الصالحة أعمال الرحمة والمحبة، أما الجاهلات فطردن إلى الظلمة الخارجية.
فالإيمان إذن بدون الأعمال ميت. وكما يعلمنا الرب يسوع أيضاً درساً في ضرورة الأعمال الصالحة إلى جانب الإيمان، في مثل الغني ولعازر (لو16: 19 ـ 31) وقد بنى على هذا المثل ملفان الكنيسة القديس مار يعقوب السروجي موعظة روحية رائعة في ميمر يعتبر من عيون الأدب السرياني الروحي حيث يقول:
لم تسجل خطية لهذا الغني ولم يذكر عنه أنه أتى أمراً منكراً قط لا بل كان متمسكاً بالناموس الموسوي تمسكاً شديداً وكان يدعو إبراهيم (أبي إبراهيم) ولما مات رأى نفسه يتعذب في الجحيم والسبب في ذلك لأنه لم يرحم لعازر المسكين الذي كان مطروحاً عند بابه يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني.
الذي هو علامة النصر، فلنلهج بناموس الرب ليلاً ونهاراً... ونمارس الفضائل السامية ولنقرن إيماننا بالأعمال الصالحة وبخاصة أعمال الرحمة كتوزيع الصدقات
ومساعدة الفقراء ورعاية الأيتام والأرامل فيكون إيماننا حقاً عاملاً بالمحبة فننال الغلبة بالإيمان