طوبى للمدعوين إلى وليمة عرس الحمل (رؤ 19 /9)
جسد المسيح السري - الخوري ليون عبد الصمد
جسد المسيح السري
بعد عشرة أيام من صعود السيد المسيح إلى السماء كان الرسل مجتمعين بانتظار حلول الروح القدس الذي سيرسخ فيهم تعاليم الرب يسوع.
لقد سبق وكلمهم يسوع عن جسد جديد سيتخذه بعد الجسد السابق الذي اتخذه في أحشاء مريم العذراء والذي أصبح الآن ممجداً لدى الآب,
ولن يكون هذا الجسد الجديد جسداً معنوياً مؤلفاً من اتحاد وتضامن البشر، بل سيكون جسداً شاملاً للمؤمنين برباط الروح القدس، حقيقياً.
1- كان يسوع قد تكلم عن هذا الجسد الجديد واصفاً إياه بملكوت الله، أما بولس فيسميه جسداً ليكون أقرب إلى فهم الوثنيين،
وكان يسوع قد علّم الرسل أن على البشر حتى يصبحوا أعضاء في جسد المسيح الجديد أن يولدوا من جديد بفعل الروح القدس في مياه المعمودية فيصيروا أبناء الله بالتبني.
2- وإن الاتحاد بين المؤمنين وبين يسوع في هذا الجسد الجديد سيكون بمشاركتهم له في حياته الإلهية:
"أنا الكرمة وأنتم الأغصان، فمن ثبت فيّ وثبتّ فيه فذاك الذي يثمر ثمراً كثيراً" يوحنا 5:15
3- وإن هذا الجسد الجديد سينمو مثل كائن حيّ مثل حبة الحنطة التي تنتقل من بساطة الحبة إلى حياة السنبلة المعقدة،
وسيتواصل نمو هذا الجسد حتى نهاية العالم: "فالأرض من نفسها تخرج العشب أولاً ثم السنبل ثم القمح الذي يملأ السنبل" مرقس 28:4
4- إن كل بيت يتم بناؤه بإضافة حجر إلى حجر بدءاً من الخارج.
وكذلك المنظمات الإنسانية تنمو بإضافة إنسان إلى إنسان منطلقة من الخارج إلى المركز. أما جسد المسيح السري فينطلق من المركز مثل جنين يتكون أولاً في جسم الإنسان.
فكما نال الابن الحياة من الآب هكذا ينال المؤمنون الحياة منه. جاء في إنجيل يوحنا 21:17 قول الرب يسوع:
"فليكونوا بأجمعهم واحداً: كما أنك أنت فيّ، يا أبت، وأنا فيك، فليكونوا هم أيضاً فينا، ليؤمن العالم بأنك أنت أرسلتني".
5- لقد أعلن الرب يسوع بأن لن يكون له سوى جسد واحد، وإلا فلن يكون شخصاً طبيعياً إذا كان مؤلفاً من عدة أجساد وعدة رؤوس. لذا فحتى يبقى هذا الجسد واحداً
فلن يكون له سوى رأس واحد أي راع واحد يعيّنه الرب ليرعى غنمه ونعاجه "فيكون هناك رعية واحدة وراع واحد" يوحنا 16:10
6- وقال أيضاً يسوع أن جسده الجديد لن يعلن للناس قبل يوم العنصرة حين سيرسل روح الحقيقة روح القدس
"إنه خير لكم أن أمضي،فإن لم أمضي لا يأتيكم المؤيد، أما إذا ذهبت فأرسله إليكم" يوحنا 7:16
7- وأشار الرب يسوع إلى أن هذا الجسد الجديد سيكون معرّضاً للحقد والبغض في العالم كما كان هو نفسه
لأن العالم يحب من هو منه لا ما هو من الله "إذ إني اخترتكم من بين العالم فلذلك يبغضكم العالم" يوحنا 19:15 وهذا يشرح الاضطهادات التي تعرّضت لها الكنيسة.
إن الخلية الأولى لهذا الجسد السرّي كانت مجموعة الرسل.
إليهم أرسل الرب روحه القدوس ليصبحوا مواصلين له فيمثلونه بعد صعوده وكلفهم بالتبشير في العالم كله.
وهذا الجسد الجديد سيكون امتداداً لشخص الرب خلال الأجيال كلها.
قبل أن يرسل الرب روحه القدس إلى الرسل كانوا كعناصر متفرقة لكيان لم يتحقق بعد.
أما بعد حلول الروح القدس فقد أصبح الرسل وخلفاؤهم كياناً واحداً متميزاً وفعالاً.
وهذا جسد المسيح السري أو ما ندعوه الكنيسة سمي أيضاً في التقليد المسيحي والكتاب المقدس المسيح الشامل أو المكتمل.
فكما أن السيد المسيح ابن الله اتخذ الطبيعة البشرية في حشا مريم البتول بفعل الروح القدس كذلك سيتخذ جسداً سرياً في الطبيعة الإنسانية بفعل الروح القدس.
وكما بشر الرب يسوع في حياته الأرضية وعلّم وقدّس كذلك سيواصل تدبيره وتعليمه وتقديسه بواسطة جسده السري الكنيسة المقدسة إلى آخر الأجيال.
إن مار بولس وكان اسمه شاول حقد على المسيحيين كما لم يحقد أحد بعده هذا الحقد. فأخذ تفويضاً من رؤساء الكهنة اليهود ليذهب مع الجند إلى دمشق ويأتي بالمسيحيين مكبلين ليحاكموا في أورشليم القدس.
وعند أبواب دمشق "إذا نور من السماء قد سطع حوله، فسقط إلى الأرض، وسمع صوت يقول له: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا رب؟ قال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده" أعمال الرسل 5:9
فكان بولس يضطهد يسوع في الجسد السرّي الذي هو رأسه
وإن جسد المسيح السري الذي بواسطته يدبّر يسوع ويعلّم ويقدس هو الكنيسة، ولهذا الجسد أربع علامات مميزة:
أولاً: الوحدة لأن روحاً واحداً هو هبة العنصرة يحيي هذا الجسد ولأن الوحدة في السلطة والتعليم هي التي تحافظ على حياة الكنيسة.
ثانياً: الكثلكة أي الشمول هي التي تساوي بين القوميات والثقافات والعنصريات فيفيد الكل من فداء المسيح.
ثالثاً: القداسة لأن الكنيسة مقدسة مهما كان وضع بعض أعضائها الخطأة لأن الروح القدس هو روح الكنيسة.
كما أن الشمس لا تتوسّخ حين تتخلل زجاجاً وسخاً، كذلك الأسرار المقدسة لا تفقد فاعليتها رغم ضعف بعض خدمتها.
رابعاً: الديمومة لأن الرب يسوع باق على الأرض في أيامنا وحتى انقضاء الدهر كما كان حياً في جسده الطبيعي.
وهو يتعرض للاضطهاد كما جرى له مع الملك هيرودس ويحظى بالانتصار الاحتفالي كما في يوم الشعانين.
وسيموت بعض أعضائه ويقومون وستعم مقاومة الكنيسة ولكن نصر القيامة آت في النهاية.
وسيتمجد يسوع في جسده السري كما تمجد في جسده الطبيعي