عَلِّمْني يا رَبُّ طَريقَ فَرائِضِكَ فأَحفَظَه إِلى النِّهاية (مز 119 /33)
المجامع كعيادات لطبّ النفس - 4 - الأب يوحنا رومانيدس
المجامع كعيادات لطبّ النفس - 4
الأب يوحنا رومانيدس
نقلها إلى العربية الأب أفرام كرياكوس
نظرية أوغسطين الخاطئة
لقد أخطأ أوغسطين في اعتقاده أن الأريوسيين وحدهم وحدّوا بين الكلمة وملاك الرب في العهد القديم. ولم يعرف من القديس أمبروسيوس الأسقف، الذي يدّعي أوغسطين أنه فتح عقله المانيخي عن العهد القديم وعمّده، أنّ الآباء كلهم كانوا كذلك (يوحّدون بين المسيح وملاك المجد في العهد القديم).
كان الأريوسيين والأفنوميانيون يدّعون بأن البرهان على أن الكلمة كان مخلوقاً هو ظهوره للأنبياء بينما الآب وحده غيرُ منظور. لم يفهم أوغسطين خبرة الاستنارة والمجد في العهد القديم، تلك الخبرة التي خلط بينها وبين الاستنارة والانخطاف عند الأفلاطونيين الجدد.
كان يعيد التمجّد (أو التأله) إلى ما بعد الموت ويوحّده مع رؤية الطبيعة أو الجوهر الإلهي التي تملأ رغبة الإنسان في السعادة المطلقة. مفهومه النفعي للحبّ جعل حال دون فهم المحبة غير الأنانية التي في حالة المجد في هذه الحياة. من هذه الناحية لم يفترق عن الآريوسيين الذين كان يهاجمهم.
بهذه الافتراضات الأفلاطونية الحديثة حلّ أوغسطين المشكلة أمامه عن طريق التفسير التالي: الأشخاص الثلاثة في الثالوث الأقدس الذين لا يُرَون يعلنون عن أنفسهم وعن رسائلهم للأنبياء عن طريق خلائق متنوعة يأتون بها إلى الوجود لتصبح منظورة ومسموعة وبعدها يعيدونها إلى العدم على مثال المجد، الغيمة، النار، العليقة الملتهبة الخ... هكذا، يصبح الله منظوراً في طبيعة ابنه البشرية التي عن طريقها ينقل الرسائل والأفكار
ومن المفترض أن الله يستمر في نقل الرؤى والرسائل عن طريق وسائل مخلوقة يخلقها من العدم إلى الوجود حسب الحاجة كما في الحمامة عند معمودية المسيح والألسنة النارية عند العنصرة، المجد، النور، الملك لله معلنة عند التجلي، السحابة-المجد التي عليها ارتفع المسيح إلى السماء، صوتُ الآب الذي عن طريقه أعلن الله عن مسرّته بابنه، نار الجحيم...
هكذا، حسب أوغسطين، العبارات الرمزية التي استخدمها كتاب العهد القديم والجديد للتعبير عن الاستنارة والمجد اقتصرت على أشياء وعجائب لا تُصدَّق. هذا هو التقليد الذي يعود إليه اللاتين والبروتستانت على السواء. وعليه، فإن "ملكوت الله" يشير إلى ملك الله غير المخلوق وليس إلى مملكة أرضية مخلوقة يحكم الله عليها (بحسب المفهوم الأرثوذكسي).
ك- لا تطفئوا الروح
الروح القدس الذي يشفع في قلب الإنسان "بأنّات لا ينطق بها" (رو8: 26) هذا الروح ليس بحدّ ذاته العضوية في جسد المسيح. على كلّ واحد أن يتجاوب، بصلاته الخاصة المستمرّة، صلاة روحه الخاص، حتى يشهد روح الله روحنا "بأننا أبناء الله ووارثين مع المسيح إن كنا نتألم معه لكي نتمجّد أيضاً معه" (رو8: 16-17). هذا الجواب من عندنا، ومع ذلك هو هبة من الله.
هذا بالضبط ما كان يفترضه بولس الرسول بقوله "صلوا بلا انقطاع... لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبؤات" (1تسا5: 17-19). هنا يقول لنا بولس أن ننتبه إلى أن نبقى هياكل للروح القدس بالحفاظ على الصلاة المستمرّة، صلاة روحنا في القلب حتى نصبح أنبياء عن طريق المجد. هذا أيضاً يفسّر قول القديس يوحنا الذهبي الفم: "لا نظننّ أننا أصبحنا أعضاء في الجسد مرّة وعلى طول".
المعمودية بالماء لمغفرة الخطايا سرّ لا بد منه لأن مغفرة الله على ضعفنا هو الهبة الأولى لبداية عملية الشفاء. لكن معمودية الروح ليست عطاءً مجانياً لأن الإنسان يمكنه أن يكون صاحب صلاة مستمرّة، أن لا تكون له صلاة، أو أن يضيعها في قلبه. هل يتجاوب الإنسان للروح القدس وشفاعته في القلب أم لا هو أيضاً سؤال، هل يؤمن بالمسيح أم لا. بعبارة أخرى الله يدعو الجميعَ على السواء ولكن ليس الجميعُ يتجاوبون.
الذين لا يتجاوبون لا يستطيعون أن يتصوّروا أنفسهم هياكل للروح القدس وأعضاء في جسد المسيح... الذين في حالة الاستنارة يصلّون معاً في الليتورجيا كهياكل للروح القدس وأعضاء لجسد المسيح من أجل أن يصبح غيرُ الأعضاء أعضاء والأعضاء قبلاً أعضاءَ من جديد طالما أن هذا لم يكن محققاً بمعموديتهم بالماء لغفران الخطايا.
ل- موهبة الترجمة
في وقت من تاريخ الكنيسة الأولى ظهرت موهبة ترجمة المزامير والصلوات من القلب إلى الذهن من أجل الصلوات المشتركة لإفادة الأفراد المؤمنين. هذه الموهبة استُعيض عنها ببعض النصوص الليتورجية المكتوبة مع نقاط محدّدة حتى يجيب الأفراد آمين، يا رب ارحم الخ... وكذلك الصلاة في القلب اقتصرت على صلاة صغيرة "أيها الرب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطىء"، أو عبارة من المزامير (ما نقله القديس كاسيان إلى الغرب) والمواهب الأخرى بقيت نفسها.
غريغوريوس de Tours الغربي يصف عملية الصلاة المستمرّة وحالة المجد ويراها على أنها عجائب وطرق غريبة.
هذا العجب والخلط وارد عند أوغسطين الذي رأى في الاستنارة والتمجّد نسكاً من الأفلاطونية الحديثة.