طَريقُ الرَّبَ حِصنٌ لِلسَّليم وا لدَّمارُ لِفاعلي الآثام (ام 10 /29)
ماذا أفعل لأرث الحياة الأبديّة - رضا يزبك
ماذا أفعل لأرث الحياة الأبديّة؟
رضا يزبك
لطالما كانت الحياة الأبديّة موضوعاً شائكاً كثرالجدل حوله ويسعى الإنسان المسيحي في مسيرة حياته أن يقوم بأعمالٍ تخوّله الوصول إلى هذه الحياة.
فمن أين يبدأ؟ وكيف ينال هذه النعمة أبالإنتظار أم بلأمل فيبحث ويجدّ ويحلم كي يلمس الجواب على هذه الأرض وفي الحياة الفانية التي منها ينطلق وعليها أعمل بجدٍّ وإيمان ويسير على حياة صادقة وصالحة بهدي المسيح وعيش الإنجيل واتباع الوصايا.
فالحياة الأدبيّة هي حياة الله ويبدأ تحقيقها عندما يبدأ الإنسان بتحقيق صورة الله فيه فيتخلّق بأخلاق المسيح ويحقّق صورته البهيّة بتطبيق الأعمال الجيّدة .كما أنّ الوصايا ترسم لنا الدرب الصحيح للوصول إلى هذه الحياة فنحيا هذه الحياة اتباع الوصايا كلملة ونهدف لتحقيق الهدف الأسمى ألا وهو الكمال كما أنّ الآب السماوي كامل.
كذلك على الإنسان أن يعيش حرّاً ومتحرّراً ،حرًّا في اقتداء المسيح والتقيّد بالإنجيل ومتحرِّراً من قيود الخطيئة التي تكبّله وتقفل أمامه الطريق المؤدّية إلى الملكوت.وهنا تتسلق الأسئلة في عقل الإنسان لتطرح نفسها:
ما هي الوصايا؟وكيف أعيش الإنجيل وأقتدي بالمسيح؟وهل حريّتي في عيش الإنجيل؟
"يا معلّم ماذاعليّ أن أفعل لأرث الحياة الأبديّة ؟"
أجاب يسوع :"إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا".ثمّ أضاف : " تعال اتبعني"(متّى١٩:١٦ـ٢١). واتّباع يسوع يقتضي حفظ الوصايا.
الوصيّة لم تبطل ، ولكنّ الإنسان مدعوّ إلى أن يجدها في شخص المعلّم الإلهيّ الذي يحقّقها تحقيقاً كاملاً في ذاته ، ويكشف عن مدلولها الكامل.
1- ماهي الوصايا؟
الوصيّة الأولى:"أحبب الرب إلهك بكلّ قلبك وكلّ ذهنك"
وتقضي هذه الوصيّة بأن يحفظ المؤمن ويمارس الفضائل الإلهيّة الثلاث:الإيمان والرّجاء والمحبّة.
ويقضي كلام الرب :"للرب إلهك تسجد ، وإيّاه وحده تعبد " بعبادة الله بكونه ربًّا لكلّ ما هو موجود وبالصلاة له بالتسبيح والشكر والإبتهال.
تحرّم هذه الوصيّة تعدّد الآلهة ، وعبادة الأوثان والخرافة ومخالفة الدين والإلحاد.
الوصيّة الثانية:"لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً"
فنحترم قداسة اسم الرب باستدعائم،ومباركته ، وتسبيحه ، وتمجيده . وبالتالي فمن الواجب عدم إستعمال غير لائق لاسمه.لأنّ القسم بالباطل يستدعي الله ، الذي هو الحقيقة بعينها ? ويتّخذ شاهداً على كذب .
"لا تحلف لا بالخالق ولا بالخليقة إلّا في الحقيقة والضرورة والإجلال" (القدّيس إغناطيوس دي لويولا)
الوصيّة الثالثة:"قدّس يوم الرّب"
اعترف يسوع بقداسة السبت وشرح ، ما له من سلطة إلهيّة معناها الحقيقي:"جعل السبت لأجل الإنسان ولا الإنسان لأجل السبت"(مرقس٢:٢٧)
أمّا بالنسبة للمسيحيين فالأحد هو يوم الرب فيقدّسون فيه.
الوصيّة الرابعة:"أكرم أباك وأمّك "
إنّها تأمر بإكرام واحترام والدينا والذين خوّلهم الله السلطة لأجل خيرنا.
يؤلّف الرجل والمرأة المتّحدان بالزواج ، مع أولادهما أسرة . على الأبناء احترام الوالدين والإعتراف بجميلهم ، والطواعيّة والطاعة لهم. وبما أنّ الوالدين هم المسؤولون الأوّلون عن تربية أولادهم وأوّل من يبشّرونهم بالإيمان . وعليهم أن يحّوا أولادهم ويحترموهم بمثابة أشخاص وكأبناء الله.
الوصيّة الخامسة :"لا تقتل"
علينا أن نحترم الحياة البشريّة لأنّ حياة الإنسان مقدّسة . وليس لأحد أن يدمّر حياة كائناً بشريًّا بريئاً، لأنّ ذلك يتعارض بوجه خطير وكرامة الشخص البشري وقداسة الخالق:"البريء والبارّ لا تقتلهما"
خروج(٢٣:٧) .بالدفاع المشروع يختار الدفاع عن النفس وتعزيز الحقّ في الحياة ، الخاصّة الشخص أو بالآخرين، ولا يختار القتل.
وتنهي هذه الوصيّة عن القتل المباشر وعن عمد والإجهاض المباشر والقتل الرحيم والإنتحار.
الوصيّة السادسة:"لا تزن"
خلق الله الإنسان رجلاً وامرأة بكرامة شخصيّة ومتساوية . ووضع في كلٍّ منهما الدعوة إلى المحبّة والإتّحاد.
أمّا الطهارة فتعني اندماج الجنس في الشخص . ويصير الجنس إنسانيًّا حقّاً عندما يندمج في علاقة صحيحة بين شخص وشخص. الطهارة فضيلة أخلاقيّة ، عطيّة من الله ونعمة وثمرة من ثمار الروح . والخطايا الجسيمة المناقضة للطهارة هي:الزنى ، الفسق ، الاغتصاب وأفعال مثليّي الجنس.
الوصيّة السابعة:"لا تسرق"
تعلن الوصيّة السابعة أن الخيور معدّة للجميع وموزّعة بينهم ، وتعلن الملكيّة الخاصّة ، واحترام الأشخاص وأموالهم واحترام سلامة المخلوقات .
تفرض هذه الوصيّة احترام أملاك الآخرين بممارسة العدالة والمحبّة، والقناعة والتضامن . وتنهي هذه الوصيّة أوّلاً عن السرقة أي اغتصاب مال الآخرين .
الوصيّة الثامنة:"لا تشهد بالزور"
كل إنسان مدعو إلى الصدق والحقيقة في سلوكه وكلامه . وعلى كلّ إنسان السعي إلى الحقيقة وقد تجلّت حقيقة الله كاملة في يسوع المسيح.
على المسيحيّ أن يشهد لحقيقة الإنجيل .
تنهي هذه الوصيّة عن شهادة الزور والكذب والحكم الجائر والنميمة...
الوصيّة التاسعة:"لا تشته امرأة قريبك"
تقضي هذه الوصيّة بالتغلّب على الشهوة الجسديّة بالأفكار والرغائب.وتقضي الطهارة الحشمة .
تنهي هذه الوصيّة عن تغذية الأفكار والرغائب المتعلّقة بالأفعال التي تنهي عنها الوصيّة السادسة.
الوصيّة العاشرة:"لا تشته مقتنى غيرك"
هذه الوصيّة تكمّل الوصيّة السابقة.وهي تطلب موقفاً داخليّاً من الاحترام للعلائق مع ممتلكات الآخرين وهي تنهي عن الطمع والجشع والحسد.ونجد أنّ يسوع يطلب من تلاميذه أن يفضّلوه، هو على كلّ شيء وكلّ إنسان."من رأى الله فقد حصل على كلّ الخيّرات التي نستطيع أن نتصوّرها "(القديس غريغوريوس النيصيّ).
2- عيش الإنجيل:
ليس الانجيل رسالة فقط اجل ،فيه رسالة مسيحية ،لكن الانجيل ، قبل ان يكون رسالة ،هو شخص،شخص يسوع المسيح.والإنجيل ليس إنجيلاً إلاّ إن أخذ بكامله . "الكتاب المقدّس قطعة واحدة"(باسكال)
والبشرى هي التعبير عن شروط تقبّل عطيّة الله . فتفيدنا عمّا يجب أن نكون لتقبُّل إله يبذل نفسه ليجعلنا على صورته.فالمطلوب أن نشبهه فهو لا يريد غير ذلك وأن نصبح أحراراً في أن نحبّ كما يحبّ الله،
ونأتي على ذكر الجملة الكبرى في خطبة يسوع :"أحبّوا بعضكم كما أنا أحببتكم"(يو١٣\٣٤)فالمحبة في حدّ قول القديس يوحنّا، إرادة وفعل:إرادة لبذل النفس وفعل بذل النفس.
إن أردنا أن نعيش الإنجيل ،هو السؤال عن السعادة. تسود الإنجيل كلّه كلمة يسوع هذه:طوبى ... فعيش الإنجيل هو الحياة بالإيمان.
الإنجيل لا يمنعنا أن نكون خلاّقين إن الله لا يخلق إلاّ الخلاّقين.فالإنجيل إذاً هو نور لحياتنا اللاّزمة وغير الكافية .
قبل أن نتّخذ أيٌّ من مقرّراتنا يجب أن نسأل الإنجيل ونعمل بوفقه إنّ الحياة المسيحيّة في جوهرها حياة في سبيل العدل والمحبّة .والإنجيل هو مربّياً لحريّتي؟
"إنّ المسيح قد حرّرنا لكي ننعم حقّاً بالحريَّة"(غلاطية١:٥ )والروح القدس يقودنا بنعمته إلى الحريّة الروحيّة ، ليصيّرنا أحراراً في الكنيسة وفي العالم .(١)
لا تقوم حريّة الإنسان على القيام بما يريد ، بل على إرادة ما يعمل.لا يكون الإنسان إنساناً صحيحاً ما لم يتحمّل مسؤوليّة حياته.فالحريّة الحقيقيّة هي القدرة على مواجهة الموت لا الموت الأخير، بل ذلك الموت اليوميّ الذي تفترضه ممارسة العدل والحقّ والحريّة.
مثال الإنسان الحرّ هو المسيح ، فقد فضّل الموت على إنكار نفسه .
إنّه شاهد لحريّة الله الأزليّة (٢)
وبمحبّة الله والقرب منه فهذه التعابير تكمّل بعضها بعضاً فلذلك يجب النظر إليها بشكل كامل لتكوين صورة كاملة عن الأخلاق المسيحيّة أي أخلاق المسيح.
نعم،علينا أن نشقى ونتعب في هذه الحياة لننال الحياة الباقية فلا يتم ذلك بالصلوات وحدها وحضور القدّاس فليس كلّ ما يلمع ذهباً ،فكثر هم الذين يكثرون الكلام والصلوات والطلبات ولكنّنا لا نجد مكاناً لتطبيق الإنجيل في حياتهم العمليّة.
فماذا عن ذاك الإنسان الذي قرّر أن يمزّق كلّ ورقة من الإنجيل لا تتطابق مع إرادته ومشيئته، وبعد وقت وجيز توصّل إلى تمزيق الإنجيل بكامله. فالإنجيل إذاً يتضمّن كلّ الحلول لمشاكلنا اليوميّة ويضع أسساً إذا عملنا بها نرث الحياة الأبديّة. وكما قال يسوع "ليس من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت الله بل من يعمل بمشيئة أبي الذي في السماوات"(متّى٧\٢١).
إنّ حياتنا على الأرض فانية فعلينا أن نصرف اهتمامنا عن كماليّات هذه الدنيا وماديّاتها، ونعمل على عيش إيماننا المسيحيّ الحقّ بعيش المحبّة والحريّة ورؤية المسيح في كلّ الإنسان.
وبما أنّ هذه الحياة ليست سوى جسر عبور للحياة الثانية علينا بالتضحية والكدّ أن ننال الملكوت الذي يبقى هدفنا الأوّل والأخير في هذه الحياة.
(٢) فرح الإيمان بهجة الحياة للأب فرنسوا فاريّون اليسوعيّ ، دار المشرق ، الطبعة السادسة ، بيروت 1998 .