Skip to Content

الحياة الرهبانية الأرثوذكسية - عائلة الثالوث القدوس

 


الحياة الرهبانية الأرثوذكسية

 

 
السلّم إلى الله بحسب القدّيس يوحنا السلّمي  
 

 

1 - المقدمة

        يقول البعض أنه على الرهبان خدمة العالم كي لا يأكلوا خبز الشعب باطلاً، ولكن علينا أن نفهم جيداً ما تشتمل عليه هذه الخدمة.

 

القديس سلوان الآثوسي (+ 1938م)
يعيّد له في 24 أيلول

    الراهب إنسان مصلٍّ يبكي لأجل العالم بأسره، وهذا هو انشغاله الرئيسي.

     من الذي يحثه على البكاء من أجل العالم كلّه؟ هو السيّد يسوع المسيح...

     ليس عمل الراهب خدمة العالم بعمل يديه، فهذا عمل ناس هذا العالم. إن الإنسان في العالم يصلي قليلاً، لكن الراهب يصلّي باستمرار، وبفضل الرهبان لا تتوقف الصلاة على الأرض، وهذا ما ينفع الكون بأسره لأن العالم يبقى مستمراً بصلاة الراهب. ولكن، وإذ تضعف الصلاة، يفنى الكون.

     ماذا للراهب أن يعمل بيديه؟ في يوم عمل واحد، يكسب الراهب القليل من المال، وما هذا بالنسبة لله؟...بينما في فكرة واحدة موافقة لله يصنع العجائب. وهذا ما نعرفه في الكتب المقدّسة.

     صلّى النبي موسى في قلبه فقال الرب السيّد له: "ما بك تصرخ إليّ؟" وهكذا خلص اليهود من المصائب. أما القدّيس أنطونيوس الكبير فقد عضد الكون بصلاته، وليس بعمل يديه. والقدّيس سرجيوس رادونيج ساعد شعب روسيّا للتحرر من هجمة التتار بالصلاة والصوم. والقدّيس سيرافيم كان يصلي في قلبه، فحلّ الروح القدس على موتوفيلوف أثناء حديثهما.

     هذا هو عمل الرهبان.

 

     إن الروح القدس علّم الرهبان محبة الله والعالم.

     ربّما تقولون إنه لا يوجد بعد رهبان يصلّون للعالم أجمع، لكني أقول، إذا لم يعد في العالم رهبان مثل هؤلاء، فستكون نهاية العالم، بل ستنقض عليه المصائب، وهي حاصلة الآن...

 

     يظن البشر أن الرهبان ذريّة لا نفع فيهم وعديمة الجدوى. إنهم يخطئون في هذا التفكير. العالم لا يعرف الراهب إنساناً يصلّي لأجل كل الكون. إنهم لا يشاهدون ولا يختبرون صلواتهم، ولا يعرفون بأي فرح وطيب يتقبّل السيّد هذه الصلوات. إن الرهبان يشنّون حرباً ضروساً ضد أهوائهم وبفضل هذه المقاومة، يصيرون كباراً أمام الله. (القدّيس سلوان الآثوسي)  

2- ما هي الحياة الرهبانية؟

 

        التكريس الرهباني هو في آن واحد الكلمة الأولى والأخيرة في سرّ الخلاص. الكلمة

 

"ها أنذا أمة للرب"

 

الأولى: جواب أبينا ابراهيم "ها أنذا يا رب" الذي سيؤدي يوماً إلى جواب العذراء "ها أنذا أمة للرب"...والكلمة الأخيرة، لأنه إذا كان الأنسان قد أجاب في البدء وقال "ها أنذا"، فالله في النهاية سيقدّم ذاته كلّياً للإنسان:"ها أنذا معكم إلى انقضاء الدهر".

     إن التكريس  الرهباني  هو  الطريق  الأكثر  امتثالاً  لإرادة  الله  وتشبّهاً  بسرّه، طريق اتّباع  المسيح  أكثر ما يكون، طريق قد رسمه المسيح. لقد عيّن الرب طرقاً أخرى كافية لإطاعة شريعته. قال للشاب الغني إن  الوصايا  الأساسية  كافية. ولكن إن أردت لقاء الله يجب أن تتبعني.

     تجد الحياة الرهبانية معناها في الأوجه الرئيسية التالية:

     أ. الحياة الرهبانية حياة فصحية: لأن الراهب يموت بالنسبة للعالم ويقوم مرة أخرى بوعي جديد وإرادة مستنيرة وعطاء قلب كلّي. وذلك لا من أجل لا شيء بل يقوم في الله. هي ذوكسولوجيا (تسبيح وتمجيد) ترتل لا بالشفاه فقط بل بالكيان كله. بالخطيئة نرفض أن يظهر الله من خلالنا. أما الراهب فيريد، على العكس، إبقاء الله حاضراً في العالم. إلى جانب الوجه التسبيحي هنالك جهاد ونضال، لأن النضال هو الوجه الآخر للطابع الفصحي. إن الحياة الرهبانية تُدخل الراهب في الجهاد الذي خاضه المسيح بالذات.

     ب. الحياة الرهبانية حياة نبويّة: إنها حياة نبوية بالمعنى الأقوى للكلمة: النبي هو من يصرخ (صوت صارخ...) . ثم هو من يرى. فالراهب يحيا في شفيف الله ويرى اللامنظور.ثم يعلن لا بالكلام فقط بل بالصمت أيضاً، بطريقة حياته، يعلن أن الإنسان لا يستطيع أن "يقيم" ويتبلّد، لا يحق له أن ينسى أن الله هو الله وأن له حقوقاً علينا. الراهب كائن ثوروي يقترح تغيير الحياة. يطلب اهتداء الناس ولذا لا يحب الناسُ الرهبان. الرهبان مثلاً يريدون الطاعة بدلاً من الفوضى، وبدل اللذة العفة وبدل الغنى الفقر الذي هو ناموس الله...الحياة الرهبانية تعلن ملكوت الله وتبشّر به وبهذا المعنى هي نبويّة.

     ج. الحياة الرهبانية حياة رسولية: إن الرسل تتلمذوا على الله طيلة ثلاث سنين كاملة ليكونوا شهوداً له. هذا شرط الرسالة ولهذه الغاية طلب الرب منهم أن يتركوا كل شيء ليتبعوه. هذا عميق جداً. هذا يعني أن تجديداً حقيقياً للكنيسة لا يمكن أن يأتي عن مسيحية جزئية تعطي لله جزءاً من وقتها...لو أن بطرس وأندراوس ومتى وبقية التلاميذ لبّوا نداء المسيح بأن عاشوا حياة صالحة مثابرين على حياتهم العادية ومجتعين مع المسيح ساعة كل يوم أو كل أسبوع ...لما كانت الكنيسة قد تأسست. فبهذا المعنى الحياة الرهبانية حياة رسولية في الأساس، حياة مرسلة من الله لإعلانه إعلاناً كلّياً خالصاً.

     د. الحياة الرهبانبة حياة تأملية: إنها الحياة الداخلية، والحياة الداخلية هي الحياة مع الله. الحياة في العالم ليست محتقرة: لكنها تعكس الله بصورة غير مباشرة، أما الراهب فيتوق إلى معرفة الله المباشرة. الراهب يرى العالم بالله فهو يسعى إلى الله معتزلاً العالم.

     هـ. الحياة الرهبانية حياة توبة: لا خلاص من دون توبة. التوبة (باليونانية Metanoia) تعني تحولاً في الإنسان، انتقالاً من حالة إلى حالة. "أنسى ما ورائي وأمتد بكل نفسي إلى ما أمامي" (فيلبي 13:3). إنها السعي نحو الله لا ينقطع، الله هو الحقيقة الوحيدة  التي لا يُشبع منها، وفي التوبة جوع إلى الله وعطش إليه لا حدّ لهما. النفس بطبيعتها تريد الله وتحبه. كل سعادة غير الله تُستنفد وتنتهي لأنها محدودة، النفس في ملذات العالم تفتقر بدلاً من أن تستغني، وتفقد حريتها وقوتها. سعادة العالم سعادة مزيّفة ولذلك نرى العالم فريسة للقلق والجزع: السلام هو في الله اللامتناهي. النفس الني تنهمك في الأهواء تفرغ وتموت، و"نسك" الراهب ليس سوى حرب ضد موت الأهواء. إن التوبة كما اختبرها القديسون وعبّروا عنها في الكنيسة تجمع دائماً بين ضدين: الشعور بخطيئة الإنسان وصغره من جهة والشعور بقداسة الله وعظمته من جهة ثانية. فهنالك الكثير في الصلوات الكنيسيّة الأرثوذكسية ترداد لكلمة يا رب ارحم. صلاة يسوع هي طلب للرحمة: يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطىء. لأن التوبة هي عمل مستمر. إن كل "وصول" إلى الله صنم وعبادة أوثان، و"الحصول على الله هو بالضبط التفتيش عنه دون انقطاع (غريغوريوس النيصصي). وهذا لا يتوقف بعد الموت بل يستمر في الحياة الآخرة، وليست حياة الراهب سوى تذوّق مسبق لطعم الأبدية. على الراهب أن لا يقف أبداً في عمل التقدم الداخلي وألا ينتظر نتيجة ومفعولاً لجهاده حتى الموت.

     و. الحياة الرهبانية حياة تمجيد كالملائكة: إن الحالة الرهبانية حركة، ولكون الملائكة في هذا الوضع، لكونهم "يجدون" الله تنبعث منهم تلقائياً صرخات التمجيد بلا انقطاع. والرهبان أخذوا على عاتقهم تمجيد الله على الأرض والترتيل له بصورة دائمة بالمزامير والصلوات.

     ز. الحياة الرهبانية تُجَدِّد الذهن وتُعطي معرفة: إن الحياة الرهبانية تجدّد نشاط الراهب وتخلق ذكاءه خلقاً جديداً. إن بولس الرسول يوصينا بأن "جددوا أذهانكم" (رومية 2:12) وأن "ليكن فيكم فكر المسيح" (فيلبي 5:2). فالإنسان المسيحي (الذي له فكر المسيح) هو الذي تفتحت له عينان جديدتان نحو السماء، والفهم الحقيقي هو النظر إلى العالم بعيني المسيح

3- لمحة تاريخية

 

        إن فكر الإنسان يهتم في كل عصر بموضوع الرهبنة. الرهبنة ليست بالأهمية القصوى للرهبان بالمعنى الحصري أو قل، على سبيل الإختصاص، لطغمة الرهبان والنساك، بل أيضاً بصورة عامة لكل مسيحي. الرهبنة بمعنى "العمل الروحي" جزء لا يتجزأ من تاريخ الأديان كلّها والحضارات بما فيها تلك التي لا أساس ديني لها. كل ديانة أو شكل، قديم كان أم حديث، يمتّ

 

القدّيس أنطونيوس الكبير
(+356م)
(يعيّد له في 17 كانون الثاني)

بصلة  إلى الديانات، حياة الروحانيين، كلّ منها له نهجه النسكي الخاص الذي يختلف تبعاًَ للوعي العقائدي البارز عنده

     إن نشوء الحياة الرهبانية المسيحية يبدأ بالمسيح. فهو الراهب الأول إذا جاز القول، وقد شقَّ لنا طريق الخلاص والحياة فقراّ وعفةً وطاعةَ صليبٍ حبّاً بالله الآب.

     يؤكد جميع الآباء القديسين أنّ الرهبنة ابتدأت منذ عصر الرسل، بل وقبل ذلك، منذ أيام ربنا يسوع المسيح على الأرض. يقول القدّيس باسيليوس الكبير، إن الحياة في الشركة الرهبانية هي في الحقيقة تقليد لطريقة حياة يسوع المسيح وتلاميذه. أي أنه كما كان يسوع المسيح يجمع حوله مصفّ الرسل ويعيش معهم حياة متميزة، هكذا الرهبان أيضاً يقلّدون تلك الحياة، بعيشهم في مجتمعات صغيرة متميزة تحت طاعة الرئيس، ويحفظون أصولها ببرٍّ وحكمة.

     كانت الجماعة المسيحية الأولى، كما يصفها سفر أعمال الرسل، المثال الأول لجماعات الرهبان الذين "يواظبون كل يوم، بنفس واحدة، على تعليم الرسل وكسر الخبز والشركة والصلوات" (أع 42:2 و46)، والذين عندهم "كل شيء مشترك" (أع 44:2 و32:4).

     كما عمد بعض  المؤمنين،رجالاً ونساء، إلى الإنقطاع إلى الصلاة والصوم، بالزهد والبتولية، في المدن وفي الأرياف. والحقيقة أن جميع المعمّدين بالمسيح مفرزون لطلب وجه الله:"اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه..." (متى 32:6). ومن الأسباب التي أسهمت في ازدياد عدد المسيحيين المتفرّغين لله، إلى جانب دافع الأصالة والإيمان الحيّ، إنحلال الأخلاق بشكل ملحوظ لدى المسيحيين أنفسهم، لا سيّما بعد انتهاء عصر الإضطهادات و"انتصار" المسيحية، مما جعل البعض يتطلعون إلى ميدان آخر للجهاد والشهادة للمسيح، وكان هذا الميدان الصحراء.

     وظهر القديسان انطونيوس الكبير (توفي حوالي العام 356) وباخوميوس (توفي عام 346) اللذان وضعا أسس الحياة الرهبانية في أشكالها الثابتة التي استمرت إلى الآن.

     ثم إن القديس باسليوس الكبير، بقوانينه النسكية الشهيرة، رسم طريقاً للحياة المشتركة مبنية كلياً على الإنجيل والمحبة الأخوية النابعة من حب الله. وانتقلت الحياة الرهبانية إلى الغرب بعد أن ترجم القدّيس يوحنا كاسيان (توفي عام 435) سيرة القدّيس أنطونيوس الكبير. واستند القدّيس بندكتوس (توفي عام 547) إلى طريقة القديس باسيليوس في تأسيس الرهبنة البندكتية.

     في القرن الخامس ظهرت الحاجة إلى ضبط الحياة الرهبانية من حيث علاقتها بالرئاسة الروحية، فكانت هذه مهمة المجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدونيا العام 451 والذي أتبع الرهبان لمطران الأبرشية.

     وقد برز القديس ثيودوروس الستوديتي (759-826) الذي تولّى رئاسة دير الستوديون في القسطنطينية في العام 799، فعمد إلى جانب انكبابه على الدفاع عن الأيقونات، إلى إصلاح الحياة

 

القديس ثيودوروس الستوديتي (+826م)
 (يعيّد له في 11 تشرين الثاني)

الرهبانية في ديره على أساس التشدّد في اتّباع الحياة المشتركة الباسلية فصار دير الستوديوم مركز إشعاع الحياة الرهبانية الرئيسي في بيزنطية كلها وترتيبه يُحتذى بها حتى اليوم (ما يعرف بتبيكون القسطنطينية). وتوالت حركة تشييد الأديرة في القسطنطيبية حتى القرن الرابع عشر.

     أما جبل آثوس فابتدأ إنشاء الأديرة فيه العام 963،  حيث دخل نظام الحياة المشتركة إلى جانب حياة التوحد.

     ودخلت الحياة الرهبانية إلى روسية والبلاد السلافية والبلقان بدخول الأيمان المسيحي إليها على الأرجح، فنشأ أول دير في روسيا بحسب رواية التقليد في القرن العاشر قرب مدينة كييف على يد رهبان يونانيين بعد عماد الأمير فلادمير مباشرة.

4-أنماط الرهبنة

 

      التوحد Hermitage: وفيه يسكن الراهب منفرداً. أسّسه القديس أنطونيوس الكبير وتفرعت منه صور خاصة كالحبساء والسواح.

      الشركة Cenobitism : وأنشأه القديس باخوميوس. وفيه يحيا الرهبان جماعات يُصلّون الصلوات المختلفة مجتمعين،  وينقسمون   في العمل إلى فرق حسب الصناعات والأعمال المختلفة.

 

      الفردية المترابطة Idiorhythmism : أي الحياة الفردية في تناسق مع الجماعة وأنشأه القديس مكاريوس. وفيه يعيش البعض في قلالٍ منفردين، يجتمعون مساء كل سبت في الكنيسة يستمعون لتعليم الشيوخ ويحضرون القداس ويتناولون الطعام سوياً يوم الأحد.

5- الدعوات الرهبانية

     هناك ثلاثة أنواع من الدعوات ومن هنا ثلاثة تخليات معتبرة ضرورية للراهب مهما كان نوع دعوته. حسب يوحنا كاسيان النوع الأول هو الدعوة المباشرة من الله. الثاني هو الدعوة التي تتحقّق بواسطة أناس آخرين والثالث هو الذي يتمّ بداعي الحاجة. النوع الأول يتميز بقدر ما من الإلهام: يُستلهم القلب، حتى خلال النوم ويَشدّ بشكل لا يقاوم إلى محبة الله واتباع وصايا المسيح. النوع الدعوي الثاني يحدث عندما يلتهب الإنسان حرارة من جراء كلام الرجال القديسين أو يتأثر بالإحتكاك بهم. مما يدفعه للتوق إلى الله. أمّا النوع الثالث للدعوات فيحدث في ظروف طارئة

طغمة من الرهبان

لكارثة  مادية،  مرض  أو  فقدان  أحد  الأعزّاء مما يدفع الشخص إلى التوجه إلى الله.

     ويضيف الأرشمندريت صفروني إلى عقيدة الآباء القديسين ملاحظة واحدة أو اثنتين اكتسبتها خلال سنين معاشرته الروحيّة لعدد كبير من رهبان الجبل المقدس: هناك أناس يأتون إلى الكنيسة ونفوسهم ناضجة إلى حد كبير من جوّ تراثها القديم مع الليتورجيا السامية وحياتها الأسرارية، من كنوزها غير الناضبة في الصلاة والتعليم. هؤلاء ينمون بسلام ولا يعرفون النزاعات. أحياناً يعون منذ طفولتهم توقاً عميقاً وقوياً إلى الله. هذا التوق الذي يصبح، في النهاية، أبدى من كلّ شيء آخر ويدفعهم بكلّ بساطة وبصورة طبيعية، "إن جاز التعبير"، إلى الدير. الأمر يختلف مع الذين لسبب أو لآخر فقدوا الله وابتعدوا كثيراً عنه أو هم في خلاف معه. "عودتهم" تأخذ غالباً شكل أزمة داخلية حادة مع نزاع وتشنج. يقعون في كثير من الأحيان ضحية لأمراض عصبية، لإضطراب نفساني أو حتى لجنون. لمثل هؤلاء الإهتداء الروحي الجديد يحصل بفعل النعمة. يحسّون به حقيقة كيانية ويُعبّر عنه على الصعيد النفسي باعتمادهم هدفاً واضحاً.

     النعمة تدخلنا إلى عالم النور الإلهي. ومع كلّ قوّة جاذبيتها لا تُعدم حرّية الإرادة ولا تريحنا من الجهاد التابع لها أو حتى من شكوكنا وتردداتنا. الذين عرفوا هذه النعمة معرّضون أيضاً للتجربة وربما لظلمة شيطانيّة. حينئذ المعرفة التي أعطيت لهم والتي طبعت حتماً وعيهم الفكري بشكل عميق، هذه المعرفة يمكن أن تستخدم من قبل الشرّير فتصير "أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله" (متى 45:12). وفي أحيان أخرى تفيض النعمة بوفرة إلى حدّ أن النفس تعي تماماً قيامتها... عند حدوث ذلك يتثبّت الإنسان ويستقر لبقية حياته ويتحرر من النزاع الداخلي، فلا يعود المتألم يبحث عن الحقيقة.

     لم يقلل الآباء أبداً من شأن أي نوع من أنواع الدعوات. لأن تاريخ الكنيسة يضّم عدداً لا بأس به من الناس الذين أتوا إلى دعوتهم بسبب الحاجة ومع ذلك أدركوا كمالاً ربّما أعظم من الذين وصل إليه المدعوون مباشرة من الله. هكذا فإن الآباء يحكمون استناداً لا إلى بداية الطريق بل إلى نهايتها.

 

6-النذور الرهبانية

     أين نجد صورة المتوحد؟ أين يجب البحث عن صورة المتوحد الروحية؟ المعمودية تعود للجميع. وكذلك بقية الأسرار الكنسية، فلا يختص الراهب المتوحد بأحد منها دون غيره من المؤمنين. فأين نجد المتوحّد؟ نجده على الصليب، صليب المسيح. المتوحد هو الأنسان الذي يعيش على صليب المسيح. "من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مرقس 34:8). وضع الراهب على الصليب هو سر مرتبط بالقيامة. "حبة الحنطة إن لم تمت تبقى وحدها وإن ماتت أتت بثمر كثير" (يوحنا 24:12). إذن الموت هو مصدر الحياة.

     الموت والحياة ضدان لا يجتمعان. هما الأمران الأكثر تضاداً في الوجود. لكنهما اجتمعا وتصالحا بيسوع، بالصليب: يسوع يموت على الصليب وغلبة الموت حينذاك غلبة كلية. "الصخور تشققت والقبور تفتحت..." (متى 52:27). لقد طعن يسوع بحربة بعد نحو ثلاث ساعات من موته: "فخرج للوقت دم وماء" (يوحنا 34:19). لا يخرج دم وماء من جسد مائت منذ ثلاث ساعات. أما جسد يسوع فخرج منه دم وماء، وأكد يوحنا الأنجيلي على حقيقة ذلك بقوله في هذا الموضع من إنجيله بالضبط: "والذي شهد عاين وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يوحنا 35:19). هذا يعني أن جسد يسوع منذ لحظة موته بالضبط انتصر على الموت وصار جسداً ظافراً. لكن موتنا ليس موتاً مغلقاً، بل موت منفتح، موت مشرق ومُحي. وهكذا، على صليب المسيح المحيي، المتوحّد إنسان يموت ويقوم دون انقطاع، يموت للعالم ليقوم في المسيح.

     كيف يصلب المتوحد ذاته للعالم دون انقطاع؟

     إن الصليب في التقليد الأرثوذكسي يتضمن أربعة مسامير، وهذه المسامير ترمز روحياً إلى النذور الرهبانية:

     العفة، والفقر والطاعة والنذر الرابع هو الصبر.

     النذور التي ينذرها الراهب هي بمثابة جواب الإنسان الحر لنداء الرب وتدبيره الخلاصي.

 

  نذر العفة أو البتولية  

 

القدّيسة مريم المصرية (+522م)
(يعيّد لها في 1 نيسان)

  البتولية الرهبانية ليست وضعاً بل حالة: هي الطهارة الداخلية القلبية، الطهارة بالمعنى الكلي للكلمة، والبتولية الرهبانية ليست فضيلة، أي غاية بحد ذاتها بل هي واسطة نرتقي بها إلى شيء أعظم. إن آدم وحواء-الإنسان الأول- كانا واحداً. ولكنهما بالخطيئة انقسما وانفصلا. والآن الرجل والمرأة عبثاً يحاولان الإتحاد مجدداً على صعيد الجسد. لذا غاية بتولية الراهب، بالنتيجة، هي إعادة وحدة الطبيعة البشرية الأنسانية وكمالها على مثال الرب يسوع. الراهب لا يحقّق وحدة طبيعته عن طريق سر الزواج (الذي لا يتناقض والبتولية)، بل الزواح الروحي، أي باتحاده بالمسيح وتوحيد ذاته فيه. والبتولية أخصب من الزواج. فالراهب بصلاته والتصاقه بالله يعطي أبناء روحيين للكنيسة في خصب لا يقاس بخصب الزواج. بالبتولية نموت عن العالم وأهوائه. أي أننا بالبتولية ننفصل عن تيار الموت وندخل عالم القيامة.

     البتولية ليست جهلاً ساذجاً للحقائق البيولوجية. إن المثال الأسمى ، الوحيد للكمال، العذراء مريم، أجابت الملاك الذي أتى ليبشّرها بولادة ابن بهذا السؤال: "كيف يكون هذا وأنا لم أعرف رجلاً" (لوقا 34:1). إن الكنيسة تتصور الإنسانية بثلاث حالات روحيّة: الحالة التي تفوق الطبيعة، الحالة الطبيعية، والتي هي ما دون الطبيعة. إن البتولية أو العفة الرهبانية المفهومة كمواهب للنعمة تنتمي إلى الحالة الأولى. أما الزواج المبارك من الكنيسة فهو ينتمي إلى الثانية. أمّا الحالة الثالثة (ما دون الطبيعة) فهي تضمّ كل شكل آخر من الحياة الجنسية.

     للحفاظ على البتولية لا بد من حد أدنى من النسك والنظام الواقي والإنضباط: في الأكل، في الكلام، في الفكر. ولكن الشرط الأساسي لحفظ البتولية هو الصلاة: صلاة القلب المحب الذي يتوق إلى الله ويطلب الإتحاد به دون سواه.

 

نذر الفقر أو عدم القنية:

 

     الفقر للمتوحد يعني أولاً واقعاً اجتماعياً، فلا يملك المتوحد ولا يحق له أن يملك ما يملكه الآخرون كما يملكه الآخرون. ويعني ثانياً واقعاً معنوياً أخلاقياً، فيعيش المتوحد حياة الفقراء ويتحسس الألم الذي يتألمه الفقراء ظلماً. للفقر أولاً وجه نسكي تقشفي أي أنه جزء من الجهاد النسكي، من الحرب النسكية التي يخوضها الراهب في طريقه إلى هدفه. هو حركة انسلاخ وتجريد وتنازل اختياري عن خيرات العالم وذلك لا احتقاراً للعالم بل تفضيلاً لما هو أفضل منه، أعني الله خالق العالم. 

 

القدّيس يوحنا المعمدان

     وللفقر وجه صوفي أيضاً: عندما يمتلك المرء شيئاً يرتبط بما يملك ويخضع له. إن العدم الذي فينا يُنبع عطشاً إلى التملك. ومن هنا تأتي الأنانية. الأنانية إرتباط بالأشياء وخضوع لها وتوهّم بأن وجودي وحياتي متوقفان عليها. وهكذا بدون أن أشعر أصير عبداً لها فتخفي عني الله، مصدر وجودي الأخير. الثروة حاجز بين الإنسان والله. الثروة "وسواس". "سأهدم أهرائي وأبني غيرها أوسع منها"...أما الراهب فهو الإنسان الذي يحقّق بالفقر تجريداً يعيده أكثر فأكثر إلى يدي الله.

     إن الرب يسوع يلح كثيراً على تجريد الذات:"لا تقدرون أن تعبدوا ربّين الله والمال". إن الفقر الأكبر حققه الرب يسوع حين تجسد فتنازل عن مجده الإلهي: "أفرغ ذاته الإلهية، أخلى ذاته" (فيليبي 11:2). لذا فمن شروط جهادنا الرهباني أن نبقى فقراء: لأن الراهب يكون "حاضراً" أي فعالاً في العالم بقدر ما ينسلخ عنه. كلما كانت الرهبنة غنية ومنظمة في العالم كانت غائبة عنه، لا تأثير روحي لها ولا إشعاع. والفقر الحقيقي عاشته الجماعات المسيحية الأولى وكان في نظرهم الفضيلة العظمى.

     وأكثر ما يُحقق الراهب الفقر في نظام الشركة حيث كل شيء مشترك والراهب لا يملك شيئاً.

     للحفاظ على الفقر يجب أن يكون الراهب يقظاً دائماً لميله الطبيعي بالتعلّق بالأشياء الموضوعة لإستعماله، أو ببعض الوظائف...على الراهب اليقظة الدائمة للتحرر من أي تعلّق وحفظ النذر بمعونة الله.

 

نذر الطاعة:

     "من يحبني يحفظ وصاياي" (يوحنا 15:14)

     الطاعة الرهبانية من ناحية أخرى هي عمل ديني ولذلك يجب أن يتقبلّها الإنسان بحريّة وإلا تفقد معناها الحقيقي الروحي. مثل هذه الطاعة لا تكون مثمرة روحياً إلا في حال خضوع الإرادة والحكم الذاتي طوعياً للأب الروحي من أجل الوصول إلى إرادة الله. لأن جوهر طاعتنا يكمن في ارتباطها بالتفتيش عن إرادة الله.

     إذا كان الفقر يفصلنا عن المُلك لننال الكيان، فبالطاعة نتنازل عن الكيان، أي نتخلّى عن أنفسنا، نتنازل عن إرادتنا الشخصية. ليست الطاعة مجرد خضوع لسلطة خارجية. الخضوع يشوّه الإنسان ويحوّله إلى موضوع بدلاً من ذات، أما الطاعة الرهبانية فتحييها من الداخل وتنيرها الطاعة الإلهية والمحبة الداخلية لله. هذا التنازل عن الإرادة لا ينقص الإنسان، لأن الإنسان كائن حر. الطاعة الرهبانية موجهة مباشرة إلى المسيح، المسيح الذي أطاع حتى الموت. "لتكن مشيئتك لا مشيئتي". فهي تتم حباً بالمسيح ومن أجل المسيح. وهي تتم داخلياً وليس خارجياً فقط. الطاعة السهلة جداً والتي لا تتطلب من الراهب جهداً داخلياً خطر على حياته الروحية.

     موضوع الطاعة لا يُستنفد منه. ولكن مبدأه العام يبقى دائماً هو: أن لا يضع الإنسان ثقته بنفسه. هذا الأمر مهم خاصة بالنسبة للمبتدئين. وحتى الرهبان المتقدّمون في الجهاد الروحي فإنهم لا يهملون الطاعة.

 

نذر الصبر:

     هذا هو المسمار الرابع الذي يعتبر ضمناً النذر الرهباني الرابع: الثبات والصبر. هذا الإلحاح وهذا الصبر يقرران مصير حياتنا الرهبانية وكيف نحقّقها. فالصبر هو قلب النذور الرهبانية، هو الذي يدفع الراهب إلى الكمال دون انقطاع. كمال الراهب ككمال كل مسيحي، ولكن بشكل أوضح وأشدّ: هو مشاهدة الله. "وجهك يا رب أنا ألتمس" (مزمور 8:26). في الكتاب المقدس كله حقيقة أساسية هي أن لا أحد يقدر أن يرى وجه الله ويحيا، لذلك يجب أولاً أن نموت كخليقة.

     أما المعاينة الأولى فبالإيمان: الأيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى كأنها ترى (عب 1:11). إذن كمال المتوحد هو المشاهدة الإلهية وهو يستطيعها فقط إن مات. "لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ" (غلا 20:2). يجتهد الراهب في أن يموت دائماً عما هو :"قد متّم مع المسيح عن أركان العالم. قد متّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كولوسي 3:3). الراهب هو الشهيد الدائم، يشهد للمسيح في الألم والموت حتى النهاية.

     "من هو الراهب الأمين الحكيم؟ هو الذي يحافظ على همته حتى النهاية، الذي لا يزال إلى آخر حياته يزداد اضطراماً على اضطرام، وحماساً على حماس، وغيرة على غيرة، وشوقاً على شوق" (القديس يوحنا السلمي). هذا هو الراهب الذي يفي بنذر الصبر حقه: "من صبر إلى المنتهى فذاك يخلص" (متى 22:10).

 

7-الإسكيم الرهباني

     في الأديرة اليونانية في الجبل المقدس الخطوة الأولى هي ارتداء اللباس دون تقديم أي نذور وهي بمثابة "بركة". من هنا كلمة راسوفرورس "اللابس الثوب". قبلها يُرشَد المبتدئ إلى معنى

 

القدّيسة سنكليتيكي (+350م)
(يعيّد لها في 5 كانون الثاني)

الرهبنة وضرورة التخلّي عن العالم والأقارب. هذه المرحلة هي مرحلة إختبارية يتهيأ فيها المريد للجهاد الروحي. 

     الدرجة الثانية هي "الإسكيم الصغير" عندما يقدم الراهب النذور التي تعود وتُقدّم من جديد، مع تغيير طفيف، عندما يأتي الراهب إلى الدرجة العليا إلى ارتداء الإسكيم الكبير. هناك فرق بسيط في الشكل الخارجي في المناسبتين ولكن يكون في الوقت نفسه قد حصل، ربّما، تحول عميق في وعي الراهب الداخلي. إن درجات التكريس الرهبانية هذه مع تقديم النذور ليست كاف

ية وحدها لإدراك كمال المحبّة الإلهية. هكذا فإن كل إنسان ينمو ويتقدّم. يكتب بطرس الرسول ما يلي: "لذلك بالأكثر اجتهدوا، أيها الإخوة، أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتَين، لأنكم إذ فعلتم ذلك لن تزلّوا أبداً. لأنه هكذا يقدم لكم بسعة دخول إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدي" (2 بطرس 10:1-11). 

8- الخُلاصة

 

     إن رفض العالم والنذور المطلوبة من الراهب لا تُفهم دائماً بسهولة. ردّ الفعل الشائع يكمن في السؤال التالي:"أيجوز أن ترتكز حياة بكاملها وفي جوهرها على موقف سلبي ومبادئ رافضة؟" الجواب هو "كلا". إن وصايا المسيح الحقّة "في المحبة" لها طابع إيجابي والحياة مع الله عامة لا يمكن إلا أن تكون عملاً إيجابياً. حيث تسري محبة الله لا حاجة هناك لأي جهد في إنكار الذات من أجل التغلّب على إحدى الأهواء، الإنسان الممتلئ من محبّة المسيح، الذي أصبحت عنده المحبة طبيعة ثانية، هذا الأنسان لا يحتاج إلى نزع تعلّقه بأمور هذا العالم أو إلى تحررّه من عبودية الأهواء لأنه لا يكون قد أُطلق منها. في هذه الحال كل عمل روحي قائم على وصايا المسيح، يأتي تعبيراً عفوياً وشكرياً لا نتيجة غصب النفس. 

     من هنا نأتي إلى التواضع أو الوداعة، فيقول القديس يوحنا السلّمي :"الوداعة صخرة قائمة على شاطئ بحر الغضب...الوداعة دعامة للصبر وباب للمحبة بل أم لها، دالة للصلاة، مسكن الروح القدس، مكبح للعنف، منبع للفرح، تشبّه بالمسيح." 

     الوداعة قضية أكبر، بما لا يقاس، من كل حالة "نفسية". الوداعة شجاعة تأخذ على عاتقها أثقال الآخرين وضعفاتهم. هي الإستعداد الدائم لتحمّل الذم وعدم الإنقياد للمديح. هي الثبات الهادئ أمام كل شدة حتى أمام الموت.  الوداعة تحوي في ذاتها قدرة كبيرة وغلبة على العالم. يقول المسيح: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" أي أنهم سيغلبون العالم بالمعنى الأسمى للكلمة.

 

     أما الأعمال النسكية التي هي الصوم، السجدات، السهر ، والصمت فكلها تأتي بالراهب إلى الصلاة.

 

القديستان مارانا وكيرا (القرن 5م) اللتان عرفتا بصمتهما (يعيّد لهما في 28 شباط)

 

     يقول القديس سلوان الآثوسي:"إن الذي يحب السيّد يتقي بذكره دائماً. ذكر الله الدائم يبعث على الصلاة. فإذا لم تتذكر السيّد، فلن تصلي. وبغير الصلاة، لن تسكن النفس في الحب الإلهي، لأنه بالصلاة تنزل نعمة الروح القدس على الإنسان فيُحفظ من الخطيئة، لأن الروح في حالة الصلاة تكون مأخوذة ومشغوفة بالله، فتقف بتواضع أمام وجه السيّد الذي تعرفه بالروح."1

     الصلاة هي لقاء حيّ بين النفس والله. الصلاة هي الطريق وغاية الطريق في آن واحد. إن اكتساب أي كمال يتم بالصلاة وفي الصلاة. الراهب تحديداً رجل صلاة. "الصلاة تصنع الراهب، لا اللباس".

 

القدّيس سيرافيم ساروفسكي
(+1833م)
(يعيّد له في 2 كانون الثاني
)

     الصلاة، قبل كل شيء، موقف داخلي للنفس التي تعي ذاتها أمام الله: تدرك أنها هالكة أو خاطئة ومفعمة بالنواقص والعيوب أي تدرك ذاتها كما هي فتتجه نحو الله وترتمي أمامه وفيه. 

 

     مضمون الصلاة هو فعل شكر واعتراف وتمجيد وأخيراً فعل طلب. 

     ينتج عن ذلك أن الراهب يركّز جهده، في حياته وإرادته، على الغوص في حياة الله نفسه وإرادته. هذا ما يحققه بشكل خاص عن طريق الصلاة. هكذا فإن الصلاة تشكل ذروة كل عمل نسكي. الصلاة هي التعبير الأسمى للحياة الرهبانية الأرثوذكسية والراهب الأرثوذكسي يكرّس قواه الرئيسية للصلاة. الشكل الأكمل للصلاة معروف باسم الصلاة النقية التي بواسطتها تدخل إلى الكيان الإلهي بقوة الروح القدس الذي يشكل هدف كل عمل نسكي حقيقي. إن الراهب في سبيل هذا الهدف يرمي وراءه كل شيء. والزهد الرهباني من العالم هو بالضبط في هذا التخلّي.

 

     وقمة الصلاة هي الإتحاد بالله.

     إن القرار الحرّ في الإختيار وفي الإلتصاق بالصلاح الإلهي من دون رجعة عن طريق الجهاد الأليم يشكل بالضبط قلب الحياة المسيحيّة النسكيّة. وعلامات هذه الحياة كامنة في عدم

اكتفاء النفس بكل ما هو على الأرض وفي "حنين" وتوق إلى الله وتفتيش ملتهب عنه.

     هذا معبّر عنه في كلمات القديس سلوان الآثوسي التالية:

 

     "إن نفسي تشتاق إلى الربّ، أفتش عنه بالدموع.
     كيف يمكن لي أن لا أفتش عنك؟ أنت الذي بحثت عني أولاً.
     وأعطيتني أن أنعم بروحك القدوس.
     ونفسي علقت بمحبتك"

 

 



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +