بِرّ المُستَقيمينَ يُنقِذُهم و الغادِرونَ يُصْطادونَ بِشَهوتهم (ام 11 /6)
صلوات قسمة الرهبان الصلوات الطقسية للحياة اليومية - دير القديس أنبا مقار الكبير
مقدمة:
تُبيِّن صلوات قسمة الرهبان علوَّ وشرف الحياة الرهبانية التي تقوم على النزوح من العالمعلى نسق القديس أنطونيوس الذي وصفه القديس أثناسيوس الرسولي في السيرة التي كتبها عنه ونشرها في بلاد الغرب، بأنه: النازح من العالم anachoresis. وكما وصف القديس مقاريوس الكبير الحياة الرهبانية في عظاته بأنها:الحياة الرسولية، أي على مثال مؤمني كنيسة الرسل الأوائل الذين «كان عندهم كل شيء مشتركاً»، «ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له»، و«كان يُوزَّع على كل أحد كما يكون له احتياج» (أع 2: 45،44؛ 4: 35،32). كما شرح مار إسحق مضمون هذه الحياة الرهبانية أنها ليست مجرد خروج أو نزوح من العالم بالجسد فقط، ولكن بمعنى أن النفس يجب أن تكفَّ عن الخضوع للجسد:
[حينما تسمع عن جحد العالم أو عن هَجْر العالم أو التطهُّر من العالم، فلا بد أنك تتعلَّم وتعرف أولاً معنى كلمة العالم. فالعالم هو الطريقة الجسدانية للحياة والذهن الجسدي. أما إنكار العالم فيتضح مـن هذيـن التغييرين: تغيير طريقة الحياة، واختلاف الدوافع الرهبانية](1).
بدء صلاة على الثياب يقولها الكاهن(2):
توضع الثياب: الجلباب والقلنصوة والمنطقة الجلد على أجساد القديسين، ويُصلِّي الكاهن الصلوات التالية:
أيها السيد الرب يسوع المسيح إلهنا. بارك هذه الثياب التي لأجل ملكوتك، ليلبسها عبدك (فلان)، الحَسَن المعرفة بك، بفرح. ليُرضيك بقية حياته بالطهر والنقاوة. ثبِّته في خوفك. احفظه في وصاياك. شدِّده في الأمانة التي لا يشوبها عيب. ونجِّه من كل التجارب وحِيَل المضاد، لكي تتخشع نفسه وتصفى إلى الكمال. لتهتف إليك في كل حين مع النبي القائل: «+ذكرنا أيها الرب إلهنا في كل تواضعنا. لأنك أنت هو مخلصنا ومنقذ نفوسنا».
ونتضرَّع إليك مع تجديد السؤال، أيها الرب إله القوات الذي تجرَّدْتَ على الصليب وتعاهدْتَ عُري آدم، أنت أيها السيد بارك هذه الثياب وعلى عبدك وألبِسْه قميص البرِّ لكي بقوتك ينال عزاءً و+قتداراً قُبالة سهام الخبيث الملتهبة، وكن معه أيها الرب إلهنا، واملأه من نعمتك أيها الصادق في مواعيده وغير النادم في مواهبه، الذي لا يمكننا وَصْف مودَّته للبشر، الداعي الكل إلى الخير والصلاح، القائد عبده هذا إلى الحياة الروحانية. امنحه يا رب سيرة بشكل حسن ذات فضيلة بغير غباوة، لكي يسير بقداسة، +حفظه بغير دنس كما يليق بقوتك كمن قد لبس هذا الزي المقدس وليكن:
- هذا اللباس للتوشُّح بالبر وتهيئة العدل،
- والمِنْطَقة تكون لشدِّ القلب والجسم وامتلاك العفة،
- والقلنسوة قد وُضِعَت على هامته، لتمسكُن العقل؛
- وخوذة الخلاص والإسكيم كمَن قد تزيَّن بالصليب؛
- والأمانة كمَن قد لَبِسَ درع حُلَّة عدم الفساد،
- والأحذية لكي يسعى في سبيل السلامة والخلاص ويكون مرهوباً عند المضادين مُبيداً لكل حربهم، متجنِّباً لكل لذَّة، وادّاً لكل الشهوات الروحانية، طائعاً للتأديب الإلهي، سالكاً في النسك والشهوات الحسنة، بحسب ترتيب القانون الإلهي،
- لكي بمزاميرَ وتسابيحَ وتراتيلَ روحانية يُكرِّم اسمك القدوس العظيم، ويقتني آثار الأولين إيليا النبي والقديس يوحنا المعمدان، ويصل إلى كمال القامة، ويكمل سعيه في الأمانة، ويتسربل بلباس الملائكة العادم الفساد، ويُضاف في عِدَاد رعيتك المقدسة، ويُحصَى مع الوقوف عن يمينك، ويسمع صوتك القائل لأولئك وأهل طاعتك: «تعالوا إلىَّ يا مُبارَكي أبي، رِثوا المُلْك المعدَّ لكم من قبل إنشاء العالم. ما لم تَرَه عين، ولم تسمع به أُذن، ولم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله لمحبيه وصانعي إرادته ووصاياه في كل حين». آمين.
+ وهناك صلاة أخرى يقولها الكاهن، مطلعها:
أيها السيد العالي الأزلي ضابط الكل، ملك المجد، وكلمتك ذو الأقنوم الحي معك، وروحك الصادق المنبثق منك المالك كافة البرايا المنظورة وغير المنظورة، إله الكل الجالس على الشاروبيم والمُسبَّح من السارافيم بأصوات ذات ثلاثة تقديسات دائماً بغير فتور، والذي تمثُل لديه ألوف ألوف وربوات ربوات ملائكة ورؤساء ملائكة، أنت هو الضوء الذي يُضيء لكل إنسان، أتيتَ إلى العالم وأنرتَ قلوبنا بضياء مجد لاهوتك. إليك نتوسل بوالدة الإله القديسة الدائمة بتوليتها وبجميع الأبكار الذين بأورشليم السمائية. اطَّلع بعين التحنُّن على خضوع عبدك هذا وإقراره قدام شهود كثيرين...
+ ثم يُقيمون الأخ الذي يريد أن يترهب في الوسط ويَشْرِط عليه أبوه الروحاني بشروط الرهبنة، ثم يتقدم يضرب ميطانية أمام المذبح، والقديسين، ولأبيه الروحاني ولجميع الآباء.
+ ثم يَرقُد الأخ طالب الرهبنة أمام الهيكل بحيث يكون وجهه تجاه الشرق، ويُغطَّى بستر، ثم يبتدئون الصلوات بصلاة الشكر.
وبعد صلاة الشكر، يقرأ الشماس من سفر التكوين - أصحاح 12: 1-7 النموذج الأول لخروج الراهب من العالم وراء الله. ثم من سفر التثنية - الأصحاح 8: 1-9. وفي هذه القراءة يتكلَّم الله للراهب - من خلال حديثه لبني إسرائيل - ويُذكِّره بعناية الله معه في مسيرته القادمة، ويُذكِّره بأنه: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان».
وهذا المبدأ هو أساس حياة النسك التي سيعيشها الراهب: «بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان».
ثم تأتي قراءة سفر حكمة يشوع بن سيراخ (من الترجمة السبعينية)، أصحاح 3: 1-9، نذكرها كلها لأنها هي الكلمات المُرشدة للراهب في كل مسيرة حياته:
من يشوع بن سيراخ ص 3: 1-9:
+ «يا بُنيَّ إذا تقدَّمتَ لخدمة الرب، أَعْدِدْ نفسك للتجربة، وضَعْ قلبك واحتمل، ولا تُسرع في زمان البلاء، التصق بالله وكُن صبوراً، ليكون فضل في آخر حياتك. كل ما أتاك فاقبله، واصبر على الوجع، وفي اتضاعك كُن صبوراً، لأن الذهب يُجرَّب بالنار، والناس المقبولون يُجرَّبون في أتون التواضع. آمِن بالله وتوكَّل عليه، فهو يردُّك لمقامك، ويُقوِّم طريقك. يا خائفي الرب، آمنوا به فلا يضيع أجركم. يا خائفي الرب، ترجَّوا به فتأتي عليكم الصالحات وسرور الدهر والرحمات».
مجداً للثالوث الأقدس إلى الأبد، آمين.
صلوات الكنيسة من أجل الخليقة
والخلائق كلها:
ويتخلل صلوات وقراءات طقس قسمة الرهبان الأواشي السبع التي تُقال في كل خدمة ليتورجية. إن الكنيسة هي بيت الصلاة، وخدمتها هي خدمة الصلاة والتشفُّع من أجل الكل: المرضى، المسافرين، سلامة الكنيسة، ثم أخيراً الراقدين التي بعدها يقوم طالب الرهبنة لتُجرى عليه صلوات تكريسه وإلباسه ثياب الرهبنة.
قراءات المزامير:
ثم يُتلى من المزامير: المزمور الثالث والثلاثين من عدد 10-14، وهي وصايا ذهبية لسلوك الراهب التي تبدأ بمخافة الله، ثم اللسان الطاهر، وصُنع الخير، والصلاة التي هي الشُّغل الشاغل للراهب في الحياة الرهبانية.
ثم من المزمور 118 (الذي يُقال في صلوات نصف الليل) من العدد 93-98. وفيه مُلخَّص العمل الروحي للراهب: «عبدك أنا ففهِّمني، وأعرف شهاداتك»، القراءة والهذيذ في كلمة الله.
ثم من المزمور الرابع والخمسين من عدد 4-6. وفيه يعترف الراهب بخبراته التي اجتازها أثناء حياته العلمانية: اضطراب القلب، جزع الموت، الخوف والرعدة، ظلمة هذا الدهر؛ ثم هروب النفس إلى مخلِّصها، إلى البرية، فيقول: هأنذا قد ابتعدتُ هارباً، وسكنتُ في البرية. كنتُ منتظراً الذي يُخلِّصني من صِغَر النفس. هللويا.
القراءة من رسالة القديس بولس إلى أفسس:
وتأتي هذه القراءة من الأصحاح السادس، الأعداد من 10-18 كمقدِّمة لإلباس الراهب ثيابه الجديدة: «البسوا سلاح الله الكامل»، والتي ترمز إلى لباس الحرب الروحية، الذي هو قادمٌ إلى البرية ليُمارسها: «فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم، على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويَّات».
وفي هذه القراءة يُعدِّد أنواع الألبسة التي سيرتديها: المنطقة (الحق)، القلنسوة (خوذة الخلاص)، الثوب (درع البر)، وإنجيل السلام، وتُرس الإيمان، وسيف الروح الذي هو كلمة الله. كل هذا محمولاً على «بكل صلاة وطلبة، كل وقت في الروح. وساهرين لهذا بعينه (سهر الراهب في الصلاة)».
مزمور 26: 1:
+ «الرب نوري وخلاصي مِمَّن أخاف. الرب عاضد حياتي مِمَّن أجزع، هللويا».
الإنجيل من مرقس (ص 8: 34- 9:1):
+ «ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم: مَن أراد أن يأتي ورائي، فليُنكر نفسه، ويحمل صليبه، ويتبعني. فإن مَن أراد أن يُخلِّص نفسه، يُهلكها؛ ومَن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل، فهو يُخلِّصها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله، وخسر نفسه. أو ماذا يُعطي الإنسان فداءً عن نفسه. لأن مَن استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين. وقال لهم: الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يَرَوا ملكوت الله قد أتى بقوة». والمجد لله دائماً.
+ ثم يُرفَع الستر عن الأخ طالب الرهبنة ويقوم، ثم تُقرأ عليه الطلبة الآتية:
السيد الرب الله الضابط الكل الساكن في الأعالي الناظر إلى المتواضعين، العارف بما كان من البدء وما يكون، الذي يعرف المكتومات وعقل البشر، عالِم الخفايا قبل كونها، انظر من عُلو سمائك المقدس ومن مسكنك المستعد على عبدك (فلان) هذا المُقبِل إليكَ المبتدئ بالسيرة الروحانية التي للرهبنة، قوِّم سعيه وهَبْ له الفضيلة الكاملة لتكون فيه قريحة المسرات، لكي يكون من جهة قص شعر رأسه يطرح عنه الأعمال الرديَّة ويقبل المعونة التي للروح القدس.
نعم، أيها الرب إلهنا، اصنع مع عبدك خيرات ونِعَماً لكي يشتاق إليك بقلب طاهر كامل، يميل عنقه بمسرة تحت نيرك الطيِّب، ويهرب بالكمال من الشهوات واللذات الجسدانية والعالم المُضِلّ ووُلاته وكل الأرواح الخبيثة، ويستحق كَرْمك الروحاني؛ لكي يتقلب في زمان صبره بالعفة وقبول التعب والغربة والتواضع والسيرة النقية المملوءة فضيلة وأوامرك كاستحقاق الدعوة التي دُعِىَ إليها، ويستحق العمل بالفضائل الكاملة والسرائر من قِبَل المناظر، ويكون وارثاً للاسم غير الموصوف، وينال مجد ملكوتك بابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا هذا الذي ينبغي لك معه المجد والإكرام والسجود الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين، آمين