العلاقة بين الكهنة و العلمانيين حسب تعليم الذهبي الفم - للمتروبوليت بولس صليبا

العلاقة بين الكهنة و العلمانيين

حسب تعليم الذهبي الفم

للمتروبوليت بولس صليبا

  يعيش عالمنا في وقت يتخبط فيه البشر في معنى ومفهوم السلطة والطاعة ، و الخضوع للرأس. هذه الكلمة التي يكره أن يسمها الكثيرون. لذلك أجد من الضروري أن أوضح هذه النقاط للمسيحي .

هذه المفاهيم في شكلها المسيحي الحقيقي ، هي قسم من كل حياة كنيستنا ، مثلا خذ كهنوت الرجل ، الذي لدرجة ما يعكس المفهوم العام " لرأس العائلة" سوف لن نستطيع فهمه منفصلا عن المعنى العميق للسلطة التي نجدها في قوله :" قبل أي شيء فليحب كل واحد قريبه كنفسه...". لا أن يتسلط عليهم . هذا المفهوم للسلطة هو الذي يوجه ويسير العلاقة الصحيحة لعلاقة الكهنة و العلمانيين في الكنيسة الأورثوذكسية.

ولكي نتعمق أكثر في مفهومنا لهذه الحقائق، علينا أن نوجه انتباهنا إلى آباء الكنيسة العظام، الذين ومع أنهم عاشوا في أوقات بعيدة عن وقتنا ، فإن تعاليمهم تتوافق وحاجات اليوم. الذهبي الفم الذي كان كاهنا في أنطاكية و رئيس أساقفة القسطنتينية يمكنه أن يتكلم معنا بلغتنا) 347 ـ 407( أكثر من أي أب آخر.

 يوجه ويدير الأسقف و الكاهن الكنيسة بإنكار الذات و محبة، اللتين بهما أسس المسيح أولا كنيسته التي هي جسده.

 قبل كل شيء يجب أن لا يتحول الكهنوت إلى شهوه وبقصد السلطة ، لقد دعينا لنشر الكلمة و ليس للسلطة ولا للقوة. إنه لمسموح به أن يشتهي الواحد السلطة "للخدمة وللحفاظ على الكنيسة،، ما دام لا يحولها إلى تسلط وتعال. ثانيا : الكاهن هو شخص يمكنه أن يدير أموره و أمور عائلته أولا . أما بالنسبة لإنكار الذات ، يكتب الذهبي الفم ما يلي : " سوف لن يتمكن من يركض وراء السلطة العالمية ولا من يركض وراء السلطة الروحية أن ينجح بهما، قبل أن يتمكن أولا من أن يدير نفسه وبيته كما يجب و يحافظ على القوانين.

 فكيف يستطيع الكاهن أن يقنع الآخرين بالحفاظ على عواطفهم و غضبهم إذا لم يفعل ذلك بنفسه أولا ؟

الحفاظ على الجأش الشخصي يساعد على الإدارة الحسنة للعائلة. وبذلك يبرهن الشخص بأنه مستحق أن يدير كنيسة . " إذا ما أدرنا عائلتنا بخوف الله ، سنكون مستحقين أن ندير الكنيسة . البيت في الواقع هو " كنيسة صغيرة". هنا يبرهن الشخص بأن باستطاعته أن يتقبل أوامر رؤسائه .

لأنه إذا عين مسؤولا قبل أن يتعلم أولا أن يخضع و يعمل للقوانين ، سيمتلأ قلبه بالعجرفة. أما الكاهن فيجب أن يقود قطيعه بتواضع واحترام، بحكمة ومحبة، وليس بالإدعاء وقوة المركز. يعلم المعلم بالدرجة الأولى بمثل حياته وليس بالكلام. كان الذهبي الفم يشدد ويدعو كل المعلمين أن يتبعوا قول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس  الرسالة الأولى 4 : 12 ( " كن مثلا صالحا للقطيع ".

 فكما أن الرجل هو رأس المرأة دون أن يعني ذلك بأنه سيدها ولكنه موجه بمثله وفضائله ، هكذا على الكاهن أن لا يأمر خرافه بطريقة تقودهم إلى الهلاك، بل يقودهم بالإقناع والمثل.

 يصف الرسول بولس لتباعه دور الكاهن بقوله :

 " لا كأننا نريد التحكم في إيمانكم، بل نحن نساهم في فرحكم") 2 كورنثوس 1 : 24 ( لقد عينا معلمين للكلمة ، لا بالقوة و لا بالسلطة المطلقة. نحن مستشارون لمساعدتكم .يتكلم المستشار من شعوره الخاص ولا يفرض رأيه على السامع ، لكنه يترك له كل الحرية ليختار من ما يسمع" .

 بكلام آخر لم يتصرف الرب يسوع  فارضا نفسه ولكن بالإقناع : يعزي ، ينصح، يدفع بعيدا عن الشر لكنه لا يجبرأحدا أن يفعل شيئا ما لا يريد فعله . على الكاهن أن يتبع مثل معلمه الإلهي. هذا لا يعني بأن على الكنيسة أن تهمل النظام ، لأن الحفاظ عليه وتطبيقه جد ضروري . يقول الذهبي الفم :" انه لحسن الحظ أن يطيع التلميذ ، لا أن يحاكم سيده".

ويقول الرسول بولس :" يجب أن يقف الجميع بخوف أمام أسقفهم ويهابوه". لكنه يشدد على أن إدارة الكنيسة ينبغي أن تتم باحترام لحرية كل شخص.

 يتكلم الذهبي الفم عن بعض نقاط المساوات بين الكهنة والعلمانيين ، لأن كل عضو في الكنيسة ، كاهنا كان أو علمانيا، هو فقط كذلك، عضو في نفس الكنيسة ، جسد المسيح. ففي تعليقه على الرسالة الأولى إلى كورنثوس الإصحاح 12 يوضح المساوات الوجودية بين كل الأعضاء في الجسد الواحد. متبعا تعليم الرسول بولس عن صورة جسد الإنسان، مقارنة بالكنيسة، حيث كل عضو مساو وجوديا للآخر.

و يضيف الرسول بولس :" جسدنا واحد مع أنه مركب من أعضاء كثيرة ، هكذا في الكنيسة . فمع أن الكنيسة تتألف من أعضاء كثيرين، لكنها جسد واحد.

 إن هدف القديس يوحنا هو التشديد على مساوات الأعضاء العلمانيين بالكهنة بقصد تشجيع العلمانيين ليتخذوا إيمانهم جديا . كأن يعمل على دحض المفهوم السائد آنذاك و الذي هو سائد في أيامنا والقائل :"أن الرهبان ورجال الدين وحدهم مدعوون لحياة طهارة ، صلاة وتعبد. وان الكهنة والرهبان يقومون بذلك عوضا عنا ومن أجلنا .

لا أظن بأن قصده كان التقليل من الفروقات بين الكهنة والعلمانيين. فبينما الكهنة والعلمانيون متساوين، كما ذكرت أعلاه، على العلمانيين أن يطيعوا كهنتهم وأساقفتهم، لأنهم قد تسلموا نعمة خاصة من المسيح خلال رسامتعهم خولتهم الإدارة والترأس.

 يشدد القديس يوحنا على أن المسيح نفسه هو المعلم و المبارك الذي يحث خرافه بواسطة الكهنة . ثم في تفسيره للرسالة ) الأولى إلى كورنثوس 12( يشرح أنه كما أن الأجزاء الوجودية في الجسم البشري متساوية مع كونها تلعب دورا مختلفا ، ومع أن بعضا من هذه الأجزاء بالمفهوم البشري تلعب دورا أهم من الأجزاء الأخرى، هكذا بالنسبة للأجزاء المختلفة في الكنيسة ، يعتبر دور البعض منها أهم من دور الآخر.

 الناحية الثانية التي فيها يطلب الذهبي الفم من العلمانيين أن يشتركوا فعليا مع الكهنة هي التعليم. فبعد أن يذكر الرسالة إلى ) العبرانيين 12 : 15 ( حيث يكتب الرسول بولس " ملاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله..." يحضهم " الا تروا كيف أن الرسول بولس يضع يوميا خلاص كل فرد ) ذكرا أو أنثى( بين يديه؟ فلا ترموا كل المشاكل على معلميكم ، لا ترموا بها على من دعي لقيادتكم . يمكن لكل منكم أن يساعد في بناء الآخر.

 والدعوة ليست لبناء واحدهم الآخر و لحضه ، بل للعمل مع الآخرين:" إذا حملنا كلنا شهادة المسيح ، سنتمكن من إقناع أكبر عدد من الوثنيين .

 ويتكلم الذهبي الفم عن كهنوت العلمانيين بعلاقته بالأعمال الصالحة ، يقول مثلا لمستمعيه "أن العضو العلماني المؤمن يمكنه أن يؤثر بتعليمه أكثر بكثير من كاهن فصيح" .

أما أعمال الرحمة بالنسبة للذهبي الفم ، هي واحدة من أهم السبل " لينير المؤمن حياته بها" ويضيف : ان كل فقراء المدينة هم مذبح المسيح، مذبح أكثر قداسة من مذبح الكنيسة، إذ انهم جسد المسيح نفسه.

 لا يتكلم الذهبي الفم عن الشراكة بين العلمانيين والكهنة في خدمة الكنيسة فحسب ، لكنه يتعداها إلى أمور أخرى حيث الكهنة يخضعون للعلمانيين . كما أ هناك مناسبات يخضع فيها الزوج لزوجته. رسامة الكاهن أو الأسقف لا يمكن تحقيقها بدون صلاة الشعب.

 انتخاب الشمامسة في ) أعمال أصحاح 6 ( هي مثل مهم على دور الشعب في رسامة الإكليروس ، حيث يذكر " ان الرسل يطلبون شهادة الشعب " وخيار الأشخاص الذين يثقون بهم ".

 نادرا ما نفهم  قياداتنا الأرضية ولكن غالبا ما نزدري بالذين رسمهم الله ، نسيء إليه، ونتهمه بألف تهمة ، بينما لا نتجرأ في محاكمة الإخوة. كيف نفسر قوله " إننا لا نرى القصبة التي في عيننا بينما نرى القشة التي في عين الآخر؟ أفلا تعلم بأنه بمحاكمتك أخيك تجعل دينونتك قريبة؟

 هذه الكلمات للقديس يوحنا الذهبي الفم ستساعدنا لفهم وتنمية الروح المسيحية واستعمال السلطة والطاعة للمسؤولين . آمل أن تساعد كل قارئ إكليريكيا كان أو علمانيا لفهم دوره في الكنيسة.

 آميــــــــــــــــــــــــــــــن