على اللهِ توكَّلتُ فلا أَخاف و ماذا يَصنعُ بِيَ الإِنْسان (مز 56 /12)
مقالة الله الآب في سرّ المعمودية - الجزء الثاني - المونسنيور يوسف سويف
الجزء الثاني
الله الآب في سرّ المعموديّة (تابع)
مقدّمة:
نتوقف في هذه الدراسة الموجزة على "نافور تكريس ماء المعمودية" بحسب طقس الكنيسة المارونية، محاولين القاء الضوء على الغنى اللاهوتي والروحانيّة المميّزة لسرّ التنشئة المسيحيّة، وهو سرّ محبّة الله الآب للإنسان، التي تجلّت بإبنه يسوع المسيح الذي أعتمد في الأردن وتوجّه نحو الصليب ليحقّق الخلاص ونحن، بقوّة الروح القدس الذي أعتمدنا فيه أشتركنا بهذا الخلاص ونَعِمْنا بمجبة الآب اللامتناهية.
هذا الغنى اللاهوتي الذي تحمله نصوص الرتبة المارونية، هو عنصر مشترك في سائر الرتب سيّما تلك التي لها الجذر الأنطاكي السرياني الواحد.
لا بدّ في المقدّمة من أن نلفت الانتباه إلى المقارنة التي يجب أن نقوم بها بين "نافور القربان" و "نافور تكريس الماء" من حيث التشابه في هيكلية الصلاة وتقسيمها ومضامينها اللاهوتية إلى حدّ ما.
أوّلاً: نصّ نافور تكريس ماء المعمودية.
ندرج هنا النصّ كما ورد في الرتبة:
"المجد لك أيّها الجوهر الأزلي، يا من إشارتك الخفية تحمل العالم الذي خلقته حكمتك المجيدة، وإشارتك المخوفة تدبّر الكون الذي أتقنه فهمك الثاقب، يا من تبدو قدرتك العجيبة لعبيدك بخلائقك الجميلة، التي لا قيام ولا وجود لها بدونك، بل كلّها بالأفواه والألسن التي وهبتها تمجّدك.
لك، يا الله، المجيد بجماله، الخفي بغنى طبعه، الجليّ بعجائبه، المخوف بعزّة خلائقه، نرفع توسّلنا وطلبتنا، فأنت قابل التائبين، ومقرّب الحقيرين إليك، وصانع العجائب بتحنّنك، وقد شئت بعَطفِكَ علينا، أن تحيينا بمحبتِكَ التي لا مثيل لها، وترسل لخلاصنا إبنك الوحيد المولود منك ولادة غير زمنية، وهو بخروجه وحلوله في حشى البتول ليولد بالجسد، لم يغادرك. فأتى الينا وبقي عندك، وهو قد تعمّد في نهر الأردن ولم يكن فيه حاجة إلى عماد، فقدّس لنا العماد وجعله حشى طاهراً عجيباً، وهو بارادته وارادتك وارادة الروح القدس حلَّ مثلّثاً، في حشى بشري، وفي حشى العماد، وفي منازل الجحيم.
فأّهّلنا، يا ربّ، لأن نرتفع من الأعماق السفلى الى مساكن الثالوث المجيد الثلاثية، أيُّها الآب والابن والروح القدس، لك المجد إلى الابد.
و ينفخ في الماء شكل صليب:
التفت يا رب إلى هذه المياه الموضوعة في هذا الحوض الصغير أمامك، يا رب.
(و يدعو الروح)
أطرد، يا ربّ، قوّة العدو المارق من هذا الماء، وممن يتعمّد به ومن هذا المكان، وأحلّ فيه قوّة الروح القدس. وعوض أحشاء أمّنا حواء التي ولدت بنين قابلين الموت والفساد، لتلد أحشاء هذه المعمودية بنين سماويين غير قابلين الفساد. وكما أرف الروح في تكوين البريّة على المياه فولدت الحيوانات والزحافات من كلّ جنس، فليُرف الروح القدس على هذه المعمودية التي هي أحشاء روحانية، وليحلّ فيها وليقدّسها فتلد عوض آدم الترابيّ آدماً سماوياً، وليتغيّر من يتعمّد بها تغييراً ثابتاً، وليتحوّل من الجسد إلى الروح، ومما لا يرى إلى ما يرى، وبدل نفسه الضعيفة فليحلّ فيه الروح القدس.
(ويركع)
استجبني، يا ربّ، استجبني، يا ربّ، استجبني، يا ربّ،
(وينهض)
وليأتِ، يا ربّ، الروح القدس وليحلّ في هذا الماء، وليطرد منه كل قوة العدو وليملأه قوّة لا تقهر، وليباركه+ ويقدّسه+ ويجعله+ مثل الماء الذي جرى من جنب الإبن الوحيد على الصليب، فيتنقى ويتطهر مَن أعتمد به ويلبس لباس البرّ، ويتوشّح وشاحاً سماوياً، ويتمنطق بدرع الإيمان في وجه سهام الشرير.
(ويرفع صوته)
فيصعدون من هذه المياه، وقد تطهّروا وتقدّسوا ولبسوا سلاح الخلاص. ويرفعون المجد والشكر إلى الثالوث الممجد، الآب والابن والروح القدس له المجد إلى الأبد.
ثانياً: قراءة وتحليل.
لندع هذه الرتبة تحدِّثُنا عن لاهوتها وتكشف لنا أبعاد سرّ المعمودية في دينامية تصاعدية وانحدارية نحو الله الآب ومنه نحو الإنسان، إذ تتجلّى في هذه النصوص صورة الله الخالق وراسم الخلاص، وما المعموديّة الاّ الإشتراك الفعليّ والدخول المباشر في نعم هذا الخلاص.
كما في أسلوب النوافير الافخارستية، هكذا في نافور تكريس ماء المعمودية، تُقسم الصلاة إلى قسمين أساسيين، الأوّل هو فعل التمجيد من أجل الخلق والخلاص والثاني هو فعل الطلب أو ما نسمّيه استدعاء الروح القدس على المياه وعلى طالب العماد.
أ) دينامية التمجيد.
1. الخلائق تمجّد الله.
تستهلّ الصلاة حركتَها بفعل: "المجد لك"، وهي صيغة من أقدم وأعرق الصِيَغ الليتورجية في المسيحية وقبلها. من خلال هذا التوجّه، تصف الصلاة الله "بالجوهر الأزلي"؛ يا من اشارتك الخفيّة تحمل العالم الذي خلقته حكمتك المجيدة"؛ وهنا تسبيح وشكر واعتراف وتمجيد للحكمة الإلهية التي خلقت هذا العالم وهي تدبّر الكون. نلفت الإنتباه هنا إلى فعلين جوهريين في لاهوت النصوص الليتورجية كما في موقعهما؛ فالإنسان يشكر الله لأنّه خالق وهذا الخلق هو تعبير عن فيض الحبّ الذي سكبه الله في مخلوقاته إلى أن تجلّت ذروته في الإنسان الذي خُلِقَ على صورة الله و مثاله. أمّا التدبير فهو فعل يلخّص تدخّل الله المتواصل في الكون فينظّمه، ويرتّبه بحكمته وبحبّه اللامتناهيين؛ كما يحمل أيضاً بُعداً خلاصياً بدأ يتجلّى بوضوح بعد سقطة الانسان وابتعاده عن الله؛ فتدبير الله هنا يعني العهود المتتالية التي قطعها الله مع الإنسان إلى أن توجّهت بالعهد الجديد الذي قطعه من خلال إبنه الوحيد الفادي والمخلّص.
اذاً علينا دوماً أن ننظر إلى هذين الفعلين بمنظار لاهوتي من خلال تاريخ الخلاص وليس بمنظار لغوي سطحي وعابر.
إنّ قدرة الله سوف تتجلّى بخلائقه، التي بدونه وخارجاً عنه لا قيام لها. هذا هو المفهوم الأساسي للخلق الأول وهو أن الخلائق دُعِيَت كي تكون بمعيّة الخالق وبرفقته وصحبته، وهي معه وبه تأخذ معنى لوجودها. فهذه الخلائق بأسرها وعلى رأسها الإنسان مدعوّة لتمجّد الحكمة الإلهية على الخلق الجميل. وهنا يكمن البعد الكوني لرتبة المعمودية؛ ومن هذا المنظار تحقّق المعمودية بحياة الإنسان وكلّ إنسان "الخليقة الجديدة" بكونها اشتراك بمشروع الخلاص.
2. تدخل الله لخلاص الإنسان.
بعد وصف جمال الخالق والخلائق، تصل الصلاة إلى ذكر خطيئة الإنسان، الذي أصبح بفعل ابتعاده عن الله، حقيراً. لكن الله وهو "قابل التائبين وصانع العجائب بتحنّنه"، أراد بمحبّته أن يحيي هذا الإنسان الذي بغربته عن الله وبرفضه إيّاه مات. أمام لحظة الموت الله يتدخّل ليحيي جبلة يديه. لقد تُوِّج هذا التدخّل بإرسال الإبن الوحيد مولوداً من الآب "ولادة غير زمنيّة". فهذا الذي خرج من الآب وحلّ في حشى مريم البتول، لم يغادر الآب. في هذه الصورة تعبير عن سرّ الإبن العجيب يسوع المسيح، الإله والإنسان معاً، إبن الله وإابن الإنسان. فصلاة تكريس الماء تعبّر عن هذا السرّ بالأسلوب التالي:
"فأتى الينا وبقي عندك
تعمّد في الأردن ولم يكن بحاجة إلى عماد".
يهدف مشروع الإرسال هذا إلى خلاص الإنسان. بدأ يسوع مسيرة الخلاص بطريقة مباشرة عندما حلّ في ماء الأردنّ و قدّسه وجعله حشى طاهراً عجيباً.
هذا الخلاص هو تعبير عن محبّة الله - الثالوث للإنسان. فوِفقَ الارادة الثالوثيّة أيّ مخطّط الله الذي أراد أن يعيد خليقته الميتة إلى الحياة، تمّ حلول الإبن المثلّث من أجل تحقيق الخلاص. فالحلول الأول هو "حشى مريم" وهنا انعكاس لحدث تجسّد إبن الله في الزمن، مولوداً من امرأة. والحلول الثاني هو في "العماد" عندما افتتح يسوع مشروع البشارة المفرحة، فأعلن عنه الآب في الأردن أنّه الإبن الحبيب وحلّ الروح القدس عليه بشبه جسد حمامة وبعدها انطلق يسوع ليكرز بالإنجيل؛ فهذا الحلول هو تلخيص لحياة يسوع التبشيرية على الأرض. والحلول الثالث هو في "منازل الجحيم" أي عندما مات ابن الله على الصليب وأُنزِلَ ووُضِعَ في قبر بين المائتين وأعاد اليهم الحياة بقيامته المجيدة.
هذه الأنواع الثلاثة من الحلول: تجسّد – كرازة - موت وقيامة، هي تعبير عن عمل الخلاص الأوحد الذي يظهر المحبّة الالهية؛ هذه المحبة تنازلت كي ترفع الإنسان وتعيده إلى فرح الحياة الأبدية.
في المعمودية يتحقّق هذا الخلاص إذ يشترك المعمّد في هذه الأنواع الثلاثة من (حلول – نزول - سكنى) الإبن أيّ اشتراك في تجسّده وفي معموديّته وحياته الكرازية إلى أن يصل إلى الاشتراك الكبير في موته على الصليب وقيامته المجيدة من بين الأموات. الروح الذي نناله بالمعمودية هو الذي يدخلنا مباشرة بفرح هذا الخلاص.
ب) دينامية الطلب. (استدعاء الروح)
يبدأ هنا قسم الطلب: "أطرد يا ربّ قوّة العدو المارق من هذا الماء، و ممن يعتمد به ومن هذا المكان وأحلّ فيه الروح القدس".
إنّه استدعاء الروح القدس على المياه وعلى المعمّد. تحمل هذه الصلاة معان جميلة وعميقة للمعمودية من خلال رمزيّة لاهوتية هي التالية:
1. المعمودية أحشاء روحانية.
تُشبَّه المعمودية بالأحشاء التي تحمل وتلد أولاداً. انّها رمز الأمّ الجديدة، غير حواء القديمة التي ولدت بنين "قابلين الموت والفساد". فاذا كانت الأولى قد وضعت بنين يموتون، فالثانية أي المعمودية تضع أولاداً سماويين لا يموتون، بل يحييون إلى الأبد. انّها الولادة الثانية التي تحقّقها المعمودية للحياة الأبدية. من هنا نفهم معنى صيغة المعمودية عندما يتلوها الكاهن وهو يعمّد إذ يقول: "أنا أعمّدك يا (الإسم) حملاً في رعيّة المسيح، باسم الآب والابن والروح القدس للحياة الأبدية"، فمع المعمودية يصير الانتماء إلى كنيسة المسيح وتبدأ مسيرة الإنسان نحو الحياة الأبدية، نحو الآب مع الابن بقوّة الروح القدس.
المعمودية من خلال هذه النصوص تشبّه بالأمّ، بحواء الجديدة و هنا نرى صورة مريم العذراء، أم الحياة وحواء الجديدة وقد أعطت إبنها - الحياة للعالم؛ كما نرى صورة الكنيسة وهي أمّ تجمع أبناءها بالروح وتدعوهم إلى ملكوت الحياة الأبدية. وهنا يتمّ التلاقي بين المعمودية ومريم والكنيسة كحقيقة واحدة في مشروع الخلاص من أجل آدم الجديد.
2. المعمودية وآدم الجديد.
بقوة الروح الذي يحلّ في المياه الموضوعة في "الحوض الصغير"، رمزِِ "الأحشاء الروحانية" فيقدّسها، تتمّ ولادة "آدم السماوي" عوضاً عن "آدم الأرضي". يولد إنسان جديد مع آدم الجديد يسوع المسيح؛ إنّه يولد في موته وحياته؛ لذلك فثمار الروح التي تُمنَح للذي يتعمّد في المياه المقدّسة هي بنوعٍ خاص ثمرة التغيير والتّحول. فالروح الذي يحلّ في المياه يحقّق فيه الإنسان تغييراً ثابتاً وتحوّلاً جذرياً؛ وهذا التحوّل الذي نراه من خلال الصلوات لا ينحصر فقط ببعد أخلاقي وأدبي في حياة الإنسان اليومية بل يُراد به هنا تحوّلاً كيانياً أي أنّه يطال الإنسان بكلّ كيانه البشري وبشخصيّته المتعدّدة الآفاق والأبعاد؛ فيصير التحوّل من إنسان ميّت في كيانه إلى إنسان يحيا للأبد؛ تحوّل من حالة العبودية إلى حالة الأبناء؛ تحوّل من خليقة متسربلة بالضعف إلى إبن يتوشّح بالقوة والمجد؛ تحوّل من مسكن للشرّ والظلام إلى هيكل الروح يفيض نوراً وسلاماً.
يتمّ كلّ هذا التغيير والتحوّل بفعل الروح الذي يأتي ويحلّ في الإنسان. إنّ مشروع التغيير هذا، بعد أن يحصل لاهوتياً وكيانياً عندها يتواصل أدبياً وحياتياً في مسيرة المؤمن اليومية بفعل اتّحاده الدائم بالمحبة الإلهية.
وهكذا تكون المعمودية بحقٍّ مدخلاً إلى الحياة مع المسيح تنمو بالافخارستيا وتتجدّد بالتوبة وتزدهر في كلّ أنواع الالتزامات المسيحية والإنسانية للوصول إلى ملء قامة المسيح.
3. ماء المعمودية وماء الصليب.
الروح الذي يأتي ويحلّ على الماء، يملأه قوّة لا تُقهر ويباركه ويقدّسه ويجعله "مثل الماء الذي جرى من جنب الابن الوحيد على الصليب".
في صلاة الاستدعاء هذه، تعبير على أنّ المياه التي تولّد بنين بالروح هي صورة لكنيسة المسيح التي وُلِدَتْ من جنبه على الصليب. هذا الجنب المطعون بالحربة والذي جرى منه دم وماء هو الشهادة الكبرى لولادة الكنيسة؛ إنّها الولادة من الحبّ الكبير والمولودون من المعمودية في الكنيسة هم الذين اتّحدوا بسرّ الصليب لذلك فالمعمودية هي ذروة الاشتراك في موت المسيح على الصليب.
هذا الموت يعطي الحياة وهذا الماء هو في آنٍ رمز للموت والحياة. فالروح الذي يقدّس المياه يُشرك المعمَّد اشتراكاً كاملاً وفعلياً بحدث الصليب ويدخله في الكنيسة؛ عندها "يلبس المعمّد لباس البرّ ويتوشّح وشاحاً سماوياً ويتمنطق بدرع الإيمان في وجه سهام الشرير".
في نهاية صلاة الاستدعاء هناك مجدلة ختامية جميلة جداً وتعبِّرُ عن كيفية المعمودية من خلال النُزول إلى عمق المياه. يذكر النصّ: "فيصعدون من هذه المياه، و قد تطهّروا وتقدّسوا ولبسوا سلاح الخلاص ويرفعون المجد والشكر إلى الثالوث الممجّد، الآب والابن والروح القدس له المجد إلى الأبد. آمين".
الفعل "يصعدون" يشير إلى النزول وهنا انعكاس إلى الممارسة الطقسية التي كانت تتمّ في القرون المسيحية الأولى حيث كان يحتفل بالمعمودية بمكان يسمّى "بيت العماد" وهو بناء مستقلّ عن بناء الكنيسة؛ حيث في وسط البناء كانت توجد "بركة ماء" ينزل فيها طالبوا العماد بواسطة درج وفيها يتمّ العماد امّا بتغطيس الرأس وامّا بسكب المياه على الرأس، وهذان تقليدان عريقان في القدم وفي الممارسة. ترمز عملية النزول إلى الموت والصعود إلى الحياة. من أجل نِعم الخلاص الذي نالها الإنسان باشتراكه في المعمودية يرفع المجد إلى الثالوث الأقدس الذي باسمه يتمّ السرّ ومن خلاله يصبح الإنسان حملاً طاهراً في رعيّة المسيح وابناً مدلّلاً للآب وهيكلاً للروح.
استنتاجات
نستنتج من خلال هذه القراءة الموجَزة لنصّ "نافور تكريس ماء المعمودية" ما يلي:
1) المعاني اللاهوتية الغنية والعميقة نجدها في نصوصنا الليتورجية؛ من هنا ضرورة التمعّن بها وتلاوتها بعمق وبروحانية.
2) في الطقس الماروني هناك تشابه كبير بين هيكلية "نافور القربان" و "نافور تكريس الماء" وأيضاً "نافور تكريس الميرون" الذي يُستعمل مرّة واحدة في السنة وذلك يوم خميس الأسرار. هذا التشابه بين الهيكليات الثلاث كان موضوع بحث لبعض الليتورجيين؛ وبالنسبة الينا شخصياً هذه المقارنة جعلتنا نكتشف الهوية الليتورجية المارونية بفراداتها بالرغم من بعض قواسمها المشتركة مع الليتورجيات الشرقية عامة والسريانية بنوع خاصّ.
3) في صلاة المعمودية ترفع الكنيسة صلاة شكر وتمجيد لله الآب لأنّه الخالق: خلق الكون بحكمته ودعاه إلى أن يعيش بفرحه الأبوي.
4) تشير الصلاة إلى "تدبير الله" الذي أودى به إلى التدخّل من أجل خلاص الإنسان.
تحقّق الخلاص بحلول الإبن المثلث في حشى مريم، في حشى العماد وفي منازل الجحيم؛ ويتحقّق بقوّة الروح القدس في طالب العماد إذ يشترك من خلال المياه المقدّسة في نعم هذا الخلاص.
5) إنّ الروح الذي فيه تقدّس المياه ويُمسح الإنسان تحقّق التحوّل الكياني والأدبي في مسيرة المعمّد نحو ملكوت الله وهكذا تكون المعمودية أماً تلد آدم الجديد وهكذا يصبح المعمّد شاهداً للصليب في الكنيسة.
6) المعمودية هي سرّ الدخول لبدء المسيرة الإيمانية نحو الله الآب مع يسوع بنعمة الروح وبرفقة الجماعة المقدّسة. من هنا فكلّ الحياة المسيحية وكلّ المواهب والدعوات وأنماط العيش المسيحي والإنساني تنطلق من المعمودية