فما جمعه الله فلا يفرقنه الإنسان (مر 10 /9)
بركات المعمودية - لنيافة الأنبا رافائيل
همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل
بركات المعمودية
كانت معمودية يوحنا هى معمودية التوبة، فلماذا إذاً إعتمد السيد المسيح وهو قدوس بلا شر؟
من جهة لاهوته لم يكن محتاجاً للمعمودية ولا محتاجاً أن يحل الروح القدس عليه لأنه متحد بالروح القدس منذ الازل، ومن جهة ناسوته هو بلا عيب، بلا شر وقدوس ليس فيه أى لوم، وقف أمام اليهود وقال لهم: "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" (يو8: 46)
V فما هو إحتياج السيد المسيح للمعمودية؟
هناك سبع أسباب لمعمودية السيد المسيح وهم فى نفس الوقت سبع بركات:
V أولاً: ليتمم كل بر
قال السيد المسيح ليوحنا المعمدان: "يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ" (مت3: 15)
كلمة "يكمل كل بر" تعنى:
البرهو الأعمال الصالحة. هو العبادة وكل ما نعمله فى خدمتنا لربنا. مجيئك للكنيسة هو بر .. إشتراكك فى أصوام الكنيسة هو بر .. إشتراكك فى القداس والصلوات هو بر.
أحيانا تتوقع أن رجال الله القديسين الكهنة والرهبان مثلا يتمموا كل بر ... حينما يقف الكاهن على المنبر ليدعو الناس لحضور القداس يتوقع الشعب بالتالى أنه هو أيضا يحضر القداس. وحينما يدعوهم للتبكير فى حضور القداس يجب أن يبكر هو بالأولى فى الحضور.
فالسيد المسيح وضع نفسه كإنسان بصفته إنسان وبصفته رئيس الكهنة الاعظم .. وضع نفسه كنموذج ومثال وقال إذا كان كل البشر مطالبين أن يتمموا البر .. فبالأولى أن أكمل أنا كل بر.
فإذا كان مطلوب من الشخص اليهودى أن يختتن .. فالسيد المسيح قَبِلَ الختان. مطلوب أن يذهب إلى المجمع كل يوم سبت، فإن السيد المسيح كان مواظباً تماماً على حضور المجمع يوم السبت.
مطلوب أن يدخل الهيكل فى العيد ويحتفل بالعيد، ذهب السيد المسيح معهم أيضاً فى الأعياد ... رأى أن كل الشعب ذهب إلى معمودية يوحنا.. يقول وأنا أيضا أذهب إلى يوحنا... نقول له "يارب هذه معمودية توبة"، يجيبنا " لا مانع من أن أتمم كل بر" ..
إذاً فالسيد المسيح شرح لنا بنفسه مجيئه إلي يوحنا أنه يريد أن يتمم كل بر، وهذا درس لنا أن نكون نشطاء فى خدمة ربنا، فإذا كان السيد المسيح نفسه الذى لم يكن محتاجاً للصوم أو الصلاة أو المعمودية، قد تمم الصوم والصلاة والمعمودية، إذاً فبالاولى كثيراً شعب السيد المسيح وأولاده فنتعلم منه أن نتمم كل بر.
وإذا هتف الشيطان فى أذنك قائلاً لا تذهب إلى الكنيسة اليوم، تجيبه قائلاً: كلا بل ينبغى أن نكمل كل بر، أو إذا قال لك لا داعى لصلاتك الآن يكفي أنك صليت من قبل، نرد بهذه الآية ينبغى أن نتمم كل بر وبذلك نغلب الشيطان.
V ثانياً: ليظهر أنه هو ابن الله
قال يوحنا المعمدان: "وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاًوَمُسْتَقِرّاًعَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ" (يو1: 33 ? 34)
ويقول فى آية أخرى: "أنا لم أكن أعرفه و لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت لأعمد بالماء" (يو1: 31)
إذاً أتى السيد المسيح ليعتمد ليظهر لإسرائيل، فقبل المعمودية كان السيد المسيح فى نظر الناس شاب عادى جداً يعمل نجاراً مع أبيه ولا يلتفت إليه أحد ولكن بدأ خدمته من يوم المعمودية وبدأُ يُعرف أنه ابن الله.
يوحنا المعمدان نفسه شهد له وقال: "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ " (يو 1: 34)، ونحن أيضاً قد عاينا ونشهد ونؤمن أن السيد المسيح هو ابن الله لذلك فى مزمور إنجيل قداس عيد الغطاس نقول "أنت هو إلهى فأشكرك إلهى أنت فأرفعك" (مز118: 28)
عيد الغطاس يُثَبِّت إيماننا فى أن السيد المسيح هو ابن الله الظاهر في الجسد، ونحن نحبه ونعبده ونسجد له ونؤمن به وهذا الإيمان لا يستطيع أي إنسان على وجه الأرض أن ينزعه من قلوبنا؛ ولا شيء يستطيع أن يشككنا فى إيماننا بأن السيد المسيح هو ابن الله الحى
لقد عرفنا أن السيد المسيح هو الله الظاهر فى الجسد ليس من الوعظ أو من الكتب ولا من الدراسة الإكليريكية لكن لأنه حالٌ فينا ولأنه هو الذى يعلمنا بنفسه.
V ثالثاً: لنعرف سر الثالوث القدوس
فى يوم المعمودية، كان أول يوم يظهر فيه الثالوث بهذا الوضوح، الثالوث كائن منذ الأزل، قبل ميلاد السيد المسيح من العذراء كان موجوداً، واسمه الآب والابن والروح القدس منذ الأزل،
من قبل سفر التكوين... كائن منذ الأزل وإلى الأبد ويملأ الوجود.. هذا الثالوث الإلهي. لم نعرفه ولم نره إلا فى يوم المعمودية ولذلك يسمى عيد الغطاس بعيد الظهور الإلهى، لأن السيد المسيح ظهر أنه ابن الله ولأننا عرفنا الثالوث، الآب يشهد من السماء عن الإبن "هذا هو ابنى الحبيب" والابن قائم فى الماء، والروح القدس نازلاً مثل حمامة من السماء، لذلك نحن نقول فى القداس الغريغورى للسيد المسيح: "الذى أظهر لنا نور الآب، الذى أنعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية."
لولا السيد المسيح لما عرفنا الآب ولا الروح القدس ولا الابن، فهذا اليوم هو يوم الظهور الإلهي والشىء الجميل هو أن الله أراد أن يربط إعلان الثالوث بيوم المعمودية، لأننا نعتمد على اسم الثالوث ولن يفهم أحد معنى الثالوث إلا اذا اعتمد..
نحن نعتمد ثلاثة غطسات ويكون إيماننا إيمان ثالوثي، ونأخذ الروح القدس الذى يعطينا الاستنارة الذهنية لكى نفهم حقائق الإيمان.. فهناك ارتباط وثيق بين المعمودية والثالوث.
V رابعاً: ليؤسس لنا سر المعمودية العظيم
حينما ذهب السيد المسيح ليعتمد، كانت هذه المعمودية معمودية يوحنا، وأي إنسان اعتمد بمعمودية يوحنا لم يستفد شيئا منها ليدخل فى طريق الخلاص لذلك كان من الضروري وجود معمودية أعمق ويوحنا نفسه شهد بذلك قائلاً: "أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ وَلَكِنْ فِي وَسَطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ" (يو 1: 26)، "هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ" (مت 3: 11).
فالسيد المسيح وهو قادم إلى معمودية يوحنا، ونزل فى الماء، حول المعمودية من معمودية يوحنا إلى معمودية المسيح، هذا اليوم كان حداً فاصلاً بين المعمودية القديمة والمعمودية الحقيقية، بين المعمودية الرمزية ومعموديتنا، ومن هنا تأسست معمودية المسيحيين.. فلو لم يعتمد السيد المسيح كيف كان يمكنه أن يؤسس المعمودية؟
هل كان سيؤسسها بأن يعمد الناس دون أن يعتمد؟ لكنه قال: أنا أول من سيعتمد بالمعمودية الجديدة الحقيقية، لذلك كل شخص ينزل فى ماء المعمودية يصير شريكاً للمسيح حتى أننا نسمى جرن المعمودية الأردن، وأي أحد ينزل فى ماء المعمودية يكون قد نزل مع السيد المسيح فى نهر الأردن.
والمعمودية التى اعتمد بها السيد المسيح واعتمدنا بها نحن أيضاً تأخذ قوتها من يوم الجمعة العظيمة، من ذبح السيد المسيح ودمه لذلك يقول معلمنا بولس علينا "مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ" (كو2: 12) ويقصد هنا بالدفن الثلاثة أيام التي قضاها السيد المسيح فى القبر