كل شيء ممكن للذي يؤمن (مر 9 /23)
الاستعداد للمناولة - كنسية القديس جاورجيوس / الفحيص
الاستعداد للمناولة
أخي الخاطئ مثلي، هذا هو الاستعداد الواجب اتّباعه قبل أن تتوب وتذهب إلى الاعتراف. اعرفْ أولاً أن التوبة، بحسب القديس يوحنا الدمشقي، هي العودة من الشيطان إلى الله، التي تتمّ بالألم والجهاد. وهكذا أنتَ أيضاً، أيها الحبيب، إذا رغبت بأن تتوب كما يليق، عليك أن ترفض الشيطان وأعماله وتعود إلى الله وإلى الحياة التي تليق به.
عليك أن تنبذ الخطيئة التي هي ضد الطبيعة، وتعود إلى الفضيلة التي هي بحسب الطبيعة. عليك أن تكره الشر كثيراً، حتى تقول مع داود: "أَبْغَضْتُ الإثم وَكَرِهْتُهُ" (مزمور 163:118)، وبدلاً عن ذلك، عليك أن تحبّ الخير ووصايا الرب كثيراً حتى تقول أيضاً مع داود: "أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأَحْبَبْتُهَا." (الآية نفسها)، وأيضاً: "لأَجْلِ ذلِكَ أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ." (مزمور 127:118). باختصار، الروح القدس يعلّمك بسيراخ الحكيم ما هي التوبة الحقيقية في قوله
يرتّب المسيحيون الملتزمون حياتهم في هذا العالم ويقيسونها من المناولة إلى المناولة. نحن نرحّب بيوم الرب في كل أسبوع بتوقّع تواّق إلى الدخول في شركة مقدّسة مع الله بعمل روحه القدّوس في الكنيسة، من خلال يسوع المسيح، ابن أبيه وكلمته الذي هو أيضاً حمل الله وخبز الحياة. بعد يوم الرب، نحن نعيش في تذكّر خبرة المناولة الإلهية المباركة ونبدأ مباشرة بالتطلّع إلى هذه العطية الإلهية في القداس المقبِل.
يعيش المسيحيون من الأحد إلى الأحد، وطوال السنة، من الفصح إلى الفصح. نحن نعيش أيضاً، من قداس إلى قداس، من إفخارستيا إلى إفخارستيّا، من مناولة إلى مناولة. حياتنا تُقاس وتُمتَحَن بهذا الحَدَث المقدّس. بداية ونهاية كلّ ما نحن عليه وما نقوم به، كما معناه وإتمامه، هو في عطية الله من المناولة الإلهية من خلال المسيح والروح القدس في الكنيسة.
الاستعداد المستمرّ للمناولة الإلهيّة
يتذكّر المسيحيون الملتزمون ما قام به الله في التاريخ ويتوقّعون ما سوف يقوم به الله أيضاً. نحن نعيش من خلال المجيء الأول للمسيح كعبدٍ صُلب وتمجّد، كما من خلال مجيئه الأخير في نهاية الزمان ليثبّت ملكوت الله. إن عبادة الكنيسة الإفخارستية توحّد وتضمّ مجيئَي السيّد مع كل أعماله المقتدرة في التاريخ فتستحضرها لنا للمشاركة، هنا والآن، لمغفرة الخطايا وشفاء النفس والجسد وللحياة الأبدية.
كلّ لحظة من حياة المسيحي هي استعداد للقاء الله الذي يتحقق أسرارياً في المناولة. نحن نستعدّ في كل لحظة لدخول ملكوت الله الآتي بمجد وقوة عند آخر الأزمان. نحن نعيش في إدراك ثابت لحضور السيد في حياتنا هنا والآن، مهيئاً إيانا برجاء شركة معه لا تنتهي في الدهر الآتي.
بهذا المنظار، كلّ ما نفكّر به نحن المسيحيون أو نقوله أو نفعله في كلّ لحظة من حياتنا هو استعداد للمناولة الإلهية ? في هذه الحياة في القداس الإلهي، وبلا نهاية في الدهر الآتي عند نهاية العالم.
الاستعداد العام للمناولة الإلهية
كوننا نحن المسيحيون نعيش في هذا العالم، فيستحيل تلافي كوننا عالقين في الأعمال الدنيوية والآلام والتجارب والإغراءات، ولأننا نُغلَب بسهولة من الأهواء الخاطئة، أعطانا الله سبلاً تؤهّلنا لأن لا ننساه. فهو يقدّم لنا ممارسات تعطينا أن نحفظ ذواتنا مستعدين دائماً للقائه عند مجيئه. إنّه يعطينا قوانين من النظام الروحي والجسدي لنمارسها حتى نبقى مدركين لحضوره وقوته في حياتنا، وهكذا نبقى مستعدين لاستقباله عندما يعطينا ذاته في المناولة الإلهية.
القوانين العمومية للاستعداد للمناولة هي نفس قواعد الحياة المسيحية. إنّها ممارسات تبقينا واعين لله وللأعمال التي تفتح عقولنا وقلوبنا وأجسادنا لحضوره وقوته في حياتنا. ومن بينها بشكل أساسي:
+ المواظبة على المشاركة في العبادة الليتورجية
+ المواظبة على قانون الصلاة الشخصي
+ المواظبة على ممارسة الصلاة العقلية المستمرّة، أي صلاة القلب، للتأكيد على تذكرنا الثابت لله
+ المواظبة على تأمين أوقات من الهدوء
+ الالتزام الثابت بالصوم والامتناع عن الأكل
+ قراءة الإنجيل والكتابات الروحية بشكل دائم
+ الاعتراف المتواتر بالخطايا (والأفكار والأحاسيس والتجارب والأحلام) إلى كاهننا، أو إلى مَن يسمح راعينا ويبارك بأن نعترف عنده
+ الغفران المستمر لخطايا الناس الذين في حياتنا واستغفارهم عن خطايانا
+ العطاء الدائم للمال للكنيسة وللمحتاجين
+ مشاركة الآخرين الدائمة في وقتنا وقدراتنا وممتلكاتنا
+ المجهود الثابت للقيام بعملنا اليومي قدر استطاعتنا لمجد الله وخير الناس
+ النضال المستمر كي لا نخطأ حتى ولا في الأمور الصغيرة من الأعمال الروتينية في حياتنا اليومية وعلاقاتنا الشخصية.
تتكرر عبارات "المواظبة" و"الثابت" ويُرَكَّز عليها لأنّه ينبغي أن تكون ممارساتنا وأعمالنا بحسب قانون محدد. ينبغي أن نقوم بها دائماً وبشكل متماسك بانتباه واعٍ ونظام. لا يمكن تركها للهوى أو النزوة أو الإحساس.
ما يقوم به الإنسان، في ما يختصّ بالعبادة الليتورجية والصوم والقراءة والإحسان والعمل والخدمة، سوف يتكيّف مع أحوال حياته. سوف يكون عمل الإنسان مختلفاً بحسب عمر كل إنسان وقوته وصحته وتوفّر وقته وقدراته الذاتية. يقول القديسون أن قانون الصلاة والقراءة والصوم ينبغي أن يكون قصيراً ولكن متكرراً بسيطاً نقياً غير معقّد وقابلاً للحفظ.
ينبغي أن تحدد هذه الأمور ويُبتَدَأ بها بإرشاد ونُصحٍ روحيين بطرق تسمح بتضمينها بسهولة ضمن إمكانيات حياة الشخص اليومية
التهيئة الخاصة بالمناولة
بالإضافة إلى القانون الروحي العام، على كل مؤمن أن يبذل جهوداً تعبدية محددة في التحضير للمناولة الإلهية. هذه الجهود تختلف من شخص لآخر وهي تتضمّن عدداً من الصلوات الخاصة والقراءات، ممارسة الاعتراف والمصالحة مع الآخرين، بالإضافة إلى أعمال حسنة محددة أخرى كالإحسان والمساهمات المالية.
وهذه تتوقّف على حالة الشخص. على سبيل المثال، قانون تهيئة الراهب أو الإكليريكي للمناولة أطول من قانون العلماني. بإمكان مَن عنده مسؤوليات أقلّ أن يقضي مزيداً من الحرية والوقت للاستعداد للمناولة ممّن ينتظره وظائف أكثر للإنجاز، كمثل أُمٍ عندها أطفال صغار.
أصحاب الحياة الروحية المنظّمة الذين يشتركون بالأسرار بشكل منتظم ومتكرر، يكون عندهم قدرٌ أصغر من التهيئة الخصوصية للمناولة من الذين حياتهم الروحية غير منتظمة ولا يتناولون إلا نادراً. ينبغي بالأخيرين أن يقوموا بجهود استثنائية في قراءة صلوات محددة وأصوام خصوصية وأعمال ومساهمات طيبة واعتراف عندما لا تكون هذه الممارسات جزءً قانونياً وثابتاً ومتواصلاً من حياتهم
صلوات قبل و بعد المناولة
يحوي كتاب الصلوات الأرثوذكسية بمختلف طبعاته المزامير والصلوات الاعتيادية قبل الاشتراك بالمناولة وبعدها. على المؤمنين المطّلعين أن يقرروا بإرشاد روحي كيف يستعملون كقانون هذه الصلوات للاستعداد والشكر. بعد هذا القرار، ينبغي بذل كل مجهود للحفاظ على القانون الشخصي إلى أن يصير ضرورياً تعديله أو تغييره، أيضاً بإرشاد ونصح روحيين، بسبب تغير ظروف الحياة.
عندما نفشل نحن المؤمنون في الحفاظ على قوانيننا، علينا أن نجد أسباب فشلنا، ونتّخذ التدبير المناسب، بمساعدة رعاتنا ومرشدينا الروحيين. بهذه الطريقة تكون مشاركتنا في عشاء السيّد السريّ بطريقة لائقة. فتكون لغفران خطايانا وشفاء نفوسنا وأجسادنا وللخلاص الأبدي، وليس لإدانتنا أو للحكم علينا.
نرجو أن يقنعنا الرب بعدم استحقاقنا للمشاركة بالمناولة الإلهية، وأن يعلمنا أن كلّ ما نقول ونعمل لا يجعلنا مستحقين لهذه العطية الإلهية. نرجو أن يحثّنا على الاقتناع بأن الاعتراف من القلب بأننا غير جديرين بالمشاركة يتيح لنا بأن نشترك بطريقة لائقة.
ونرجو أن يقوينا على إطاعة كلمته وقبول جسده ودمه بخوف الله وإيمان ومحبة، حتى نرى فعلاً النور الحقيقي، ونجد الإيمان الحقيقي، ونأخذ الروح القدس، ونسجد للثالوث غير المقسم لأنّه خلصنا من خلال المناولة الإلهية والمشاركة معه