أُحكُموا لِلكَسيرِ و اليَتيم وأَنصِفوا البائِسَ و الفَقير (مز 82 /3)
التمثل بالمسيح في الحب في سر الافخارستيا - لنيافة الأنبا رافائيل
التمثل بالمسيح في الحب في سر الافخارستيا
لنيافة الأنبا رافائيل
فعلى معيار محبة المسيح التي شرحتها ليتورجية "القديس غريغوريوس".. ينبغي أن تكون محبتنا بعضنا لبعض.. "فكونوا مُتَمَثلينَ باللهِ كأولادٍ أحِبّاءَ" (أف5: 1).
فنحن مُطالبون أن نعبِّر عن هذا الحب نحو الإخوة، كمثلما أظهر السيد المسيح حبه لنا، وذلك عن طريق:
(1) المصالحة: فكما صالحنا المسيح مع السمائيين.. أعطانا أيضًا خدمة المصالحة: "مُجتَهِدينَ أنْ تحفَظوا وحدانيَّةَ الرّوحِ برِباطِ السَّلامِ" (أف4: 3).
"اللهِ، الذي صالَحَنا لنَفسِهِ بيَسوعَ المَسيحِ، وأعطانا خِدمَةَ المُصالَحَةِ..... نَطلُبُ عن المَسيحِ: تصالَحوا مع اللهِ" (2كو5: 18-20).
(2) حب نحو الإخوة الأصاغر: وكما أعطانا أن نتشارك مع السمائيين في تسابيحهم، ينبغي لنا أن نحب ونتشارك مع الإخوة الأصاغر، ولا نحتقر أحدًا: "اُنظُروا، لا تحتَقِروا أحَدَ هؤُلاءِ الصغارِ" (مت18: 10).
"لا شَيئًا بتحَزُّبٍ أو بعُجبٍ، بل بتواضُعٍ، حاسِبينَ بَعضُكُمُ البَعضَ أفضَلَ مِنْ أنفُسِهِمْ" (في2: 3).
(3) فيض الحب: وكما أن محبته لا يعبَّر عنها.. ينبغي أن نحب بعضنا بعضًا بدون شرط أو قيود.. "بهذا قد عَرَفنا المَحَبَّةَ: أنَّ ذاكَ وضَعَ نَفسَهُ لأجلِنا، فنَحنُ يَنبَغي لنا أنْ نَضَعَ نُفوسَنا لأجلِ الإخوَةِ" (1يو3: 16).
(4) المحبة العملية: وكما أن محبته لنا عبَّر عنها بعطايا فائقة الوصف.. ينبغي لنا أن نحب الإخوة بالعطاء والخدمة وتسديد احتياجاتهم: "يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللسانِ، بل بالعَمَلِ والحَق!" (1يو3: 18).
"وكونوا لُطَفاءَ بَعضُكُمْ نَحوَ بَعضٍ، شَفوقينَ، مُتَسامِحينَ كما سامَحَكُمُ اللهُ أيضًا في المَسيحِ" (أف4: 32). "بالمَحَبَّةِ اخدِموا بَعضُكُمْ بَعضًا" (غل5: 13).
(5) الاحتمال: وكما احتمل المسيح آلام الصليب وما قبله، ليُخلِّصنا وليُخلِّص صالبيه أنفسهم، كذلك علينا أن نحتمل بعضنا بعضًا.. "فيَجِبُ علَينا نَحنُ الأقوياءَ أنْ نَحتَمِلَ أضعافَ (ضعفات) الضُّعَفاءِ، ولا نُرضيَ أنفُسَنا" (رو15: 1). "اِحمِلوا بَعضُكُمْ أثقالَ بَعضٍ، وهكذا تمموا ناموسَ المَسيحِ" (غل6: 2).
والمسيحي هو إنسان حامل المسيح.. والمسيح هو الحب الخالص. والليتورجيا تبرز هذا الحب بإلحاح ذهني يثبته في قلوب وأذهان العابدين الروحانيين.. فنخرج من الكنيسة لا متحدين فقط ? بفعل التناول من الأسرار المقدسة ? ولكن أيضًا حاملين في أنفسنا نموذج الحب الإلهي الباذل والمتنازل، والمتجه إلى الآخر.. ليخدمه ويُسدد احتياجاته.
وخلاصة القول أن الإفخارستيا هي سر تجميع الكل في المسيح، لنكون جسدًا واحدًا.. باشتراكنا في الجسد الواحد، وفي القداس الإلهي تجتمع كل الكنيسة، مُتخطية حواجز المكان والزمان.
فيحضر معنا الغائبون عنا بالجسد، ويحضر معنا جمهور السمائيين، ونكون جميعًا شعبًا مجتمعًا حول المسيح القدوس، ثم نأكل جسده ونشرب دمه المقدس.. لتتعمق وحدتنا فيه وبه، ويتحقق قول الكتاب.. "لتَدبيرِ مِلءِ الأزمِنَةِ، ليَجمَعَ كُلَّ شَيءٍ في المَسيحِ، ما في السماواتِ وما علَى الأرضِ" (أف1: 10).