أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟ (1كور 3 /16)
مقالة سر الميرون أو التثبيت - الأب منير سقّال
|
|||
مقدمـة
|
|||
" وأنا اسأل الآب فيعطيكم معزياً آخر ليقيم معكم إلى الأبد . وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم كل ما قلته لكم " ( يو 14 : 16 – 26 ).
سر الميرون أو التثبيت هو أحد أسرار العهد الجديد السبعة ، ويجب أن يعرف كتكملة سر العماد وهو يطبع كالعماد وسر الكهنوت طابعاً لا يمحى . فالروح يعطى كعطية خاصة ، مميزة عن نعمة التوبة وهذه العطية تدعى ، في اللغة الكتابية " نضح " ، " ختم " ، للذي تعمد ، وتدخله في شركة عطية العنصرة ، ومواهب الروح التي في الكنيسة . وكما أن نعمة العماد تقلع الإنسان من شريعة الخطيئة والموت ، فإن نعمة التثبيت هي حقاً للكنيسة نعمة لتقوم برسالتها تجاه العالم وتعلن للّه تمجيده الآتي . فما هو دور كل منا ومهمته الخاصة في نشر هذه النعمة ، الله وحده يقرر ذلك بدعوة خاصة وبتوزيع مواهب الروح القدس التي ليست سوى أجزاء مختارة لتجلي الروح الوحيد الفريد الذي يقبله الكل في التثبيت . فالتثبيت إذاً هو امتداد واستمرار للعنصرة الأولى ، وهو نداء لنشر ملكوت الله والرسالة الخلاصية . . هو العلامة أن ملء الروح القدس قد أعطي لشعب الله كافة ، ملء الروح ، لملء الكنيسة ، وهذان كلاهما يجعلان من التثبيت سراً مميزاً ، مع أنه لا ينفصل عن العماد و الافخارستيا ، " أفيض روحي على كل إنسان " هذا هو سر التثبيت . لا نستنتجنّ أن بقية الأسرار لا تعطي الروح القدس بنوع أو بآخر . لكن التثبيت يعطي ملء الروح . ولكن ما هو الروح ؟
|
|||
الريح المتكلم
|
|||
أخذ الابن وجه إنسان وكلماته وحركاته ونظره وسكوته . و الآب ؟ هو أب هذا الابن والابن هو سر أبيه كله " من رآني فقد رأى الآب " ( يو 12/9 ) ونحن نعرف العلاقة بين الآب والابن ونعيشها . والروح ؟ لا وجه له … ليس مادياً ، لا يمكن إمساكه بأية وسيلة ، كلي القدرة ويفرض ذاته بوضوح ، كالريح " الريح تهب حيث تشاء . تسمع صوتها لكن لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب " ( يو 3/8 ) . لكن هذا الروح ليس محض صفة ليسوع : إنه شخص ، هو الريح التي تتكلم والتي تعلم الأبانا للذين يصغون إليها وتجعلهم أبناء الله حقيقة ومن الداخل . نحن هنا في ملء نعمة التثبيت : إعطاء الآب عائلة بنين وإعطاء الابن عائلة أخوة يؤلفون فيما بينهم شراكة فسيحة هي علامة للعالم : الكنيسة . كل ما يرمز إلى الروح – الريح ، الماء ، الهواء ، التنفس – وجه له . هي الريح التي كانت ترف على الهاوية في اليوم الأول للخليقة ، والتي ظلّلت مريم في اليوم الأول للفداء ، هي التي حلت على يسوع يوم عماده ويستعملها كاملة لرسالته . هي بكاملها قدرة الحب لأن الله محبة ، قوة الحب هذه التي لا تقهر نقلها يسوع إلى جميع أتباعه : " ستنالون قوة هي الروح القدس " . ( أع 1/8 ) . امتلئ منها يوم تجسده وذلك لحياته ولرسالته . والآن عند نزاعه ، يسلم الروح يعطي الروح لكل شعبه " لقد ارتفع بيد الله في قيامته وصعوده لأنه قبل من الآب الروح الموعود به " – للآخرين هذه المرة – " فأفاضه " ( أع 2/33 ) ، هذه هي العنصرة هذه هو التثبيت . فالروح سيفاض من دون حساب أو أي بخل ، سيفاض على الشعب كله من دون تمييز أو طبقة اجتماعية ، سيتكلم الله بفم الكبار وبفم المساكين أيضاً والروح سيملئ الجميع مواهب نبويّة ( أي التكلم عن الله ) .
|
|||
يوم العنصرة
|
|||
لما حلّ يوم العنصرة كانوا مجتمعين جميعهم ، حوالي مئة وعشرين شخصاً ، نساءً ورجالاً ، على رأسهم الرسل ومريم في الوسط . ماذا كانوا يفعلون ؟ " كانوا جميعهم مواظبين على الصلاة بصوت واحد " ( أع 1/14 – 15 ، 2/1 ) . لم يحلّ الروح على أفراد بل على جماعة … على جماعة " مجتمعة مع الرسل ومريم " ، على جماعة تصلي بصوت واحد . وبغتة حلّ الروح . ريح ونار ، حقيقتان لا وجه لهما ، كان يوحنا قد تنبأ عنهما : " فهو يعمدكم في الروح القدس والنار " ( متى 3/11 ) . هذه الريح لغّتهم جميعاً وليس فقط الأحد عشر ، واستقرت ألسنة النار على كل منهم ، كل منهم إذا يقدر أن يقول كلمة إلهية ، في كل منهم يجب أن ننصت إلى الروح ، لكل منهم مواهبه ورسالته ونعمته ومسؤولياته . إنه وعد الآب ووعد الابن ، إنه عطية الآب وعطية الابن " لكي يبقى معكم إلى الأبد " ( يو 14/16 ) .
|
|||
تثبيت العماد
|
|||
أسرار التنشئة المسيحية الثلاثة – العماد والتثبيت والافخارستيا – تؤلف كلاّ لا يتجزأ . إنها تتسلسل بحيث أن أحد هذه العناصر لا يأخذ قيمته الكاملة إلا إذا لاحظنا العلاقات التي تربط واحدها بالآخر . كانت الكنيسة تمنح معاً العماد والتثبيت من دون أن تطرح أية قضية ، منذ قرون ( القرن الثاني عشر ) راح الغرب يميز ويفرق بينهما ، الشيء الذي لم تصنع به الكنيسة الشرقية حتى اليوم فأعطت العماد والتثبيت معاً . وغالباً ما يعطى الطفل بعض نقاط من الدم الكريم : عماد وتثبيت و افخارستيا . العماد يعطي الروح والتثبيت يعطيه كاملاً . هذان السران يتطلب واحدهما الآخر . كما الولادة تتطلب النمو ، والحياة تتطلب الصحة . ويضعنا القديس بولس على الطريق : لقد تعمدنا جميعاً بروح واحد " – هذا هو العماد – " وارتوينا جميعاً من روح واحد " هذا هو التثبيت – تثبيت العماد . لما وصل بولس إلى أفسس ، التقى تلاميذ المعمدان : فعمدهم باسم الرب يسوع ثم وضع عليهم الأيدي ليهبهم الروح ، ( أع 19/1-6 ) . طقسان مختلفان لإعطاء نعمتين مميزتين لكن متكاملتين . وجهان لأيقونة واحدة . ويميز القديس بطرس بين " العماد باسم يسوع وموهبة الروح القدس ( أع 2/38 ) . هذا الربط بين أسرار التنشئة المسيحية كان هدف المجمع الفاتيكاني الثاني إذ قال : " يجب إعادة النظر في طقس التثبيت لتظهر بوضوح العلامة بينه وبين التنشئة المسيحية ككل . " ( الليتورجيا المقدسة ) .
|
|||
العماد والتثبيت
|
|||
قد يقول البعض : ما دمنا قد مُنحنا الروح القدس في العماد فلماذا مَنحُنا إياه مرة أخرى في التثبيت ؟ إن سر التثبيت يكمّل العماد ويرسخه :
- العماد يحيينا ، إذ هو يدخلنا في العائلة الإلهية بصفة أبناء الله وبنات … أما التثبيت فإنه يجعلنا نُحيي غيرنا بالشهادة المسيحية وإشعاع الحياة التي فينا .
- بالعماد يَسِمنا الآب بشبه صورة ابنه ، أما التثبيت فإنه يرسلنا لنتلمذ كل الأمم وفي شهادتكم هذه " لستم أنتم المتكلمين بل هو روح أبيكم المتكلم فيكم " ( متى 10/20 ) .
- بالعماد نصبح تلاميذ يسمعون الكلمة ليعملوا بها ، بالتثبيت نصبح " أنبياء " يذيعون كلمة البشارة في بيئتهم الحياتية والعملية .
- بالعماد نكفر بالشيطان وأباطيله ، بالتثبيت نتجدد بالروح القدس ، " أنزع من لحمكم قلب حجر وأعطيكم قلباً من لحم . واجعل روحي في أحشائكم ، وتكونون لي شعباً وأكون لكم إلهاً " ( حزقيال 36/26 – 28 ) .
- بالعماد تصبح لنا " كنيسة عائلة روحية نستفيد من خيراتها المتنوعة ، بالتثبيت تصبح لنا " كنيسة " رسالة ينبغي لنا أن ننقلها إلى العالم .
- بالعماد نلبس المسيح ليعيش فينا ، بالتثبيت نشع المسيح ليعيش في الآخرين .
- بالعماد نعلن الحقيقة الإيمانية ، بالتثبيت نتعمق فيها لنفهمها الفهم الكامل ، " حين يجيء الروح ، روح الحق ، هو يقودكم إلى جميع الحق ويطلعكم على ما سيكون " ( يو 16/13 ) .
- بالعماد يسكن الروح القدس في نفوسنا ، بالتثبيت يزينها ويجملها ويغنيها بمواهب خاصة .
- العماد يتم بالروح القدس ، التثبيت يمنحنا ملء الروح القدس . هذه العلاقة المكملة بين التثبيت والعماد واضحة تماماً في ممارسة الكنيسة الأولى " لما سمع الرسل أن السامريين قبلوا كلمة الله ، أرسلوا إليهم سمعان بطرس ويوحنا . فانحدرا وصليا عليهم ليقبلوا الروح القدس ، لأنه لم يكن قد حلّ بعد على أحد منهم ، ولكنهم كانوا قد اعتمدوا باسم ربنا يسوع المسيح ، فوضعا عليهم الأيدي فقبلوا الروح القدس " ( أع 8/14 – 17 ) .
|
|||
مفاعيل سر الميرون أو التثبيت
|
|||
أي شيء يختلف سر التثبيت في فاعلياته الخاصة عنها في سر العماد ؟ " … المسيح الذي فيه أنتم دعيتم بعد أن سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم . وفيه بعد أن آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى ، لمدح مجده . " ( افسس 1/13 – 14 ) .
لقد أجمع الآباء والقديسون ومعلمو الكنيسة منذ العهد الرسولي ، أن سر الميرون أو التثبيت يميّز المعتمدين بالنعم الخاصة الآتية :
- يمنح الروح القدس بالذات ، أي شخصه الإلهي ، المتميّز عن الآب والابن ولذلك دعوه " سر الروح القدس " . ويخبرنا أعمال الرسل ، أن الرسل كانوا يسألون المؤمنين ، حتى أولئك الذين اعتمدوا باسم يسوع : هل نلتم الروح القدس ؟
- يرسخ مفاعيل العماد : يختم النفوس بالروح القدس ، فيثبت مفاعيل العماد ويعمقها و يثمرها . إن سر العماد لا يجعل المعتمد في عصمة من الخطيئة ، فالطبيعة البشرية ضعيفة فيه وميالة إلى ما هو ضد الروح ، فسر التثبيت يُلبس المعمد " قوة من العلاء ، ليستطيع المقاومة في اليوم الشرير " ، كما جعل الرسل بعد العنصرة أقوياء ، أشداء لا يفصلهم عن المسيح لا شدة ولا ضيق ، يبشرون بالمسيح بكل جرأة .
- يقوي اتحادنا بالمسيح ، بل يعطينا المسيح نفسه " متى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كله ، لأنه لا يتكلم بشيء من عنده بل يتكلم بما يسمع … سيمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم ، جميع ما للآب فهو لي " ( يو 16/13 – 15 ) . إنه يرسم فينا صورة المسيح بأكثر جلاء لنكون شركاءه متشابهين له في كل شيء . نشاركه في ميزاته الإلهية وأفعاله الفدائية الخلاصية .
سر التثبيت يجعل المعتمد شريكاً بكهنوت المسيح العام ، على الفاعلية والمفعولية ، أي الكاهن المقرِب والمقرّبَ، يقرب أولاً الحمل الإلهي ذبيحة غير دموية في القداس الإلهي بالاشتراك مع الكاهن المحتفل ، ويُقرب ذاته معه وحياته وإيمانه الحي قرباناً مقدساً ، كما أن المسيح قدّم نفسه ككاهن ذبيحة لأبيه السماوي على الصليب .
إلى جانب الصليب ، يشرك سر التثبيت المعتمد بفرح المسيح ومجد قيامته ، فالمسيحي الذي نال الروح القدس ، الروح المعزي ، كما سماه يسوع ، يجعل حياته كلها ، على لياليها المظلمة ، متألقة بفرح الروح ورجاء القيامة " أني فائض فرحاً في جميع مضايقي " ( 2 كور 1/3 - 11 ) ، فالروح القدس هو روح الفرح .
سر التثبيت يكشف عن دعوة المسيحي في جسد الكنيسة ، أي الكنيسة التي أندمج هو فيها بالعماد المقدس ، فالمعتمد له دعوة خاصة فيها ، عمل فريد شخصي ومميز " كل واحد ينال موهبة يتجلى فيها الروح للخير العام " (1 كور 12/5 - 8 ) .
هو عربون القيامة والحياة الخالدة ، إن سر التثبيت بمنحه الروح القدس ، يعطي الخلود للجسد المائت والقداسة ، فيصبح جسداً روحانياً " إذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالاً فيكم ، فالذي أقام يسوع أيضاً يحيي أجسادكم الفانية بروحه الحال فيكم " ( رو 8/11 ) .
ملخص القول ، إن ما يمنحه العماد من نعم وخصائص ، يقويه ويرسخه وينميه سر التثبيت ، كما يدل عليه اسمه . إنه اللمسة الأخيرة للروح القدس في الإنسان الجديد المخلوق على صورة الله بالعماد ، فيفيض فيه " الحكمة والفهم والمشورة والقوة والعلم والتقوى " ، هذه عطايا الروح التي عدّدها اشعيا النبي ( 11/ 1 – 2 ) ، إن سر التثبيت لهو حقاً سر العنصرة في تاريخ حياتنا اليومية .
نحن هنا في صدد أعمال الله ، الله المحبة ، يعمل الاقانيم الثلاثة كل شيء باتفاق ، ولكن عملهم المشترك يبقى مميزاً : كل شيء يبدأ بالآب وكل شيء يتحقق بواسطة الابن الذي أرسله الآب ، وكل شيء يتوج بالروح القدس الذي أرسله الآب والابن وستبقى الحال هكذا إلى الأبد … لنعد إلى التشبيه التقليدي : الآب هو كالذراع التي منها تنطلق القوة والحركة ، والابن هو كاليد التي تنفذّ ، والروح هو كالإصبع – إصبع يمين الله – التي تتقن وتنهي . وهكذا تؤلف الاقانيم الإلهية كُلاّ ، وتعمل دائماً متفقة ، الشيء عينه وفي الترتيب ذاته لكن على أصعدة مختلفة : يبدأ الآب ويتابع الابن ويكمّل الروح القدس ، والروح هو الفنان ، الإصبع التي تنجز أعمال الآب والابن ، أعمال المحبة ، إنه يؤمن الأعمال النهائية .
|
|||
التثبيت في الكنيسة
|
|||
لم يكن السر يوماً عبادة فردية ، إنه عمل كنسي أي عمل الجماعة الكنسية المسيحية الحاضرة هنا ، عمل الكنيسة الجامعة ، إذ يجب أن يكون علامة للعالم .
" فأجاب بطرس وقال : إن الله أحق من الناس بأن يطاع . إن إله آبائنا قد أقام يسوع الذي قتلتموه أنتم إذ علقتموه على خشبة . هذا رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلصاً ليعطي إسرائيل التوبة ومغفرة الخطايا . ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضاً الذي أعطاه الله للذين يطيعونه " ( أع 5 / 26 – 32 ) .
سر التثبيت ، هو سر هذه العنصرة الذي أخرج الرسل من العلية – المخبأ ورمى بهم ، كشهود ، وسط جمهور " مجتمع من كل الأمم التي تحت السماء " . هذا يعني أن الكنيسة تتخطى الجماعة المسيحية التي تؤلفها ، لأنها تأسست لكي تبشر العالم بشيء وبخاصة عندما تحتفل بسر – علامة ، ولا سيما عندما يكون هذا السر سر التثبيت . فهذا السر يشير ، من قبل يسوع المسيح ، إلى الذي يقبله ، ويحقق ما يشير إليه ، وكم بالأحرى يكون ذا معنى لمن يقبله كما يفهمه الرب : أي حدث كنسي ، حدث للعالم . التثبيت هو إشارة من المسيح ، في كنيسته ، للعالم . والكنيسة التي ولدت من العنصرة هي كنيسة الروح . وأعطاها المسيح سر التثبيت لكي " تصنع ذكر " العنصرة . وهكذا يعود التثبيت إلى هذا الحدث المعيّن من تاريخ الخلاص – العنصرة – ويجعله حاضراً ( وهذا ما نسميه تأوين حدث العنصرة ) . وككل حدث المسيح الفصحي ، العنصرة حدث تاريخي – كما تذكرون – لكنه يتخطى تاريخ ذلك الزمان بديناميكية تجعله حاضراً في التاريخ كله ، ديناميكيته هو . بذلك تتذكر الكنيسة إنها ليست شعباً لله بل شعب الله ، تعلن أنها ولدت منذ الفي سنة في أورشليم وإنها لا تزال تولد من روح العنصرة . كما تعلن " النعمة " التي لم تستحقها . إنها تعني أنها لم ولا ولن تولد من رغبة بشر ، من جهد الإنسان ومن عمله ، بل من الروح الذي يهب حيث يشاء . عندما تحتفل الكنيسة بسر التثبيت فهي تلتفت إلى المستقبل وتبشر الناس بأن الله ، بقوة الروح المحبة ، " سيكون كلا في الكل " . والتثبيت هو أساساً سر نمو الملكوت . تحتفل الكنيسة بالتثبيت إذ من الضروري أن تحتفل وتمتلئ من الذي هو أصلها وكيانها وينبوعها ووحدتها ورسالتها … فالعنصرة إذاً هي ولادة الكنيسة بصفتها رسولية. في التثبيت يحل الروح القدس على الكنيسة ، والمعمدون يرسلون معاً في العالم لأجل تقديس الناس وتغيير الكون " حتى يصير الله كلاّ في الكل . "
التثبيت يفتح لنا ينبوعاً أبدياً ، ولكن علينا أن نعبّ منه … ريح قوية لا تتوقف … لكن علينا أن ننشر الأشرعة . صديقنا لن يتركنا بعد اليوم … لكن علينا ألا نفرض عليه الصمت … إذا ثبّتنا العلمانيين ولم نسند إليهم مسؤوليات كنسية ، إذا قدمنا الأولاد الصغار إلى التثبيت من دون أن نرضى بتغييرهم وتحريرهم وتحميلهم مسؤوليات ، فنحن نجهل ما نعمل …
" في ذلك الزمان ، وقف يسوع في الهيكل رافعاً صوته : من كان عطشاناً فليأت إليّ ، ويشرب . من آمن بي ، فكما قال الكتاب : يخرج من جوفه أنهار ماء الحياة . قال يسوع هذا بالنسبة إلى الروح القدس الذي سيقبله كل المؤمنين به . " ( يو 7/ 37 – 38 )
|